جبهة النُّصرة ليست إرهابية، هي مجموعة من المعارضين السوريين وعلى لبنان أن يتأقلم مع الوضع الحالي. مرّ كلام وليد جنبلاط كعادته مرور الكرام،

ليست المشكلة أبداً في كلامه عن جبهة النصرة من منظور ما يجري في سورية، فموقفه ليس بجديد، ومن توسل يوماً الولايات المتحدة لإرسال العبوات الناسفة إلى قلب دمشق ـ قبل أن يتحقق حلمه ـ لن يكون غريباً عليه أن يهتف للنصرة وحتى داعش.

في عرسال اللبنانية، خرج الآلاف ليهتفوا باسم أمير النصرة في القلمون، يترجونه أن يدخل إلى بيروت. حاولت وسائل الإعلام اللبنانية «بكامل أطيافها» أن تتذاكى وتقدم كل من وقف ليهتف بحياة أمير النصرة بالقلمون على أنه نازح سوري، مع العلم أن التظاهرة ضمت لبنانيين وسوريين، فماذا نقول إذن:

هل علينا أن نخرج لنقول إن اللبنانيين الذين هتفوا لأمير النصرة في القلمون هم معارضون للنظام السياسي اللبناني ومن الخطأ الحديث عنهم وكأنهم إرهابيون؟

من اللافت أن حديث وليد جنبلاط عن النصرة واستماتته بالدفاع عنها (تماماً كما استمات أمير النصرة في التسجيل الصوتي المسرب له وهو يمارس جهاد النكاح مع إحدى عشيقاته)، يتقاطع مع رغبات ثلاث «دول» هي حجر الأساس في الحرب على سورية، تختلف فيما بينها بآلية القتل والتدمير وتتفق على «سلمية» جبهة النصرة، هذه «الدول» هي كل من الكيان الصهيوني ومملكة «آل سعود» وتركيا.

ففي الوقت الذي يدافع فيه وليد جنبلاط عن النصرة، يخرج وزير حرب العدو «موشيه يعلون» ليعترف أنهم أعطوا عناصر النصرة (حليباً وبطانيات)، هذا طبعاً دون إغفال العلاقة القوية بين الطرفين، إن كان لجهة علاج الإرهابيين في مشافي الكيان الصهيوني أو من خلال الدعم والاسناد العسكري الذي بدا جليّاً في معارك القنيطرة الأخيرة أو حتى من خلال ما أعلنه يعالون نفسه عن اتفاق مع المعارضة المعتدلة على حماية «الحدود الشمالية للكيان الصهيوني».

أما مملكة «آل سعود» وإن كانت قد وضعت جبهة النصرة على لوائح الإرهاب، لكن في المقابل هي على استعداد لدعم أي جماعة إرهابية تحقق طموحاتها بإسقاط النظام في سورية ومحاصرة حزب اللـه في لبنان، بما فيها جبهة النصرة. حتى عند صدور القرار 2170 من مجلس الأمن بالإجماع، المتعلق بتجريم التعاون مع كل من داعش والنصرة، فإن جميع المعارضين السوريين المواليين لـ«آل سعود» أبدوا أسفهم لشمول القرار «جبهة النصرة».

أخيراً وربما الأهم يأتي الدور التركي، فتركيا تحدثت صراحة مع الأميركيين لضمان تحييد جبهة النصرة عن قصف قوات التحالف. هذا الكلام يخدم السياسة التركية بطريقة واضحة، هو معيار كلمةُ السر الأساسية فيه هو أمن إسرائيل، وأمن إسرائيل مرتبط أساساً بإشغال حزب اللـه والمقاومة، وإشغال حزب اللـه والمقاومة لا يتم إلا من خلال الربط الشامل بين توقيت ما يجري مع صعود أسهم النصرة كورقة رابحة بيد الفرقاء – شكلاً - في الحرب على سورية والملتقين ـ هدفاً ـ على إسقاط الدولة.

فما الفصل القادم من هذا المسلسل؟

«إلى الآن على الأقل» لم تسقط عين العرب، ربما لأن الصورة عند الأميركيين لم تكتمل بعد، بل إن الأميركيين باتوا مضطرين للكذب، تحديداً بعد أن أعلن كيري عن اتفاق مع لافروف على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول مكافحة الإرهاب ليأتي التكذيب الروسي سريعاً. هذا يعني أن لا اتفاق يلوح في الأفق، وربما إن أخذنا الأمر بمنظور تصريحات رئيس الوزراء الروسي «ديمتري ميدفيدف» الذي اتهم فيها باراك اوباما بـ«المختل عقلياً»، فإننا لا نبالغ إن بدأنا القول إن لا اتفاق (أميركياً- روسياً) مع هذه الإدارة الأميركية، والحل هو بثبات من سيسيطر على الأرض.

بدأ بالأمس الحديث عن امتلاك داعش لطائرات عسكرية وأنّ هذه الطائرات شوهدت تحلِّق في سماء «ريف حلب الشمالي»، يبدو هذا الحديث أشبه بنكتة سمجة أشبه بمقدمة لما هو آت، تحديداً عندما تترافق مع حديث الولايات المتحدة عن اجتماعات تم عقدها مع ما يسمى «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري» في «عين العرب»، الذي لا يُخفي طموحاته بالحكم الذاتي في المناطق التي يسيطر عليها.

يعلم الجميع أن أي تحليق للطيران في دولة ما يحتاج لكود طيران، إن كانت الطائرات قد حلّقت فعلاً، وهو أمر مستبعد فمن قادها وعلى أي كود حلّقت؟ ألا يثبت هذا الكلام أن داعش ليست مجرد تنظيم إرهابي عبثي! فكيف لتنظيم أن يتمكن من إصلاح الطائرات المعطلة واستحضار قطع التبديل والنجاح بإعادة إقلاعها؟ ألا يفسر لنا هذا الكلام إصرار الكثير من عناصر التنظيم على إخفاء وجوههم كي لا تظهر ملامحهم التركية أو الفرنسية!

في الخيار الثاني وهو الأهم، إن كان الأمر كذبة، فما الهدف منها ولماذا سارعت الولايات المتحدة لنفي علمها بالأمر تحديداً أنه ليس صعباً أبداً على قوات التحالف قصف هذه الطائرات وتدميرها. يبدو أن الترويج لهذا الخبر سيفيد مستقبلاً في إعادة إنتاج فكرة المنطقة العازلة في الشمال السوري بطريقة جديدة تكون مستساغة من الجميع ولا توحي بأي عمل عدواني. قد يتم تحويل الفكرة من شرط سياسي فرضته الدول للدخول في التحالف ضد داعش إلى مطلب شعبي في استنساخ كامل لما حدث ضد الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، فبعد حرب تحرير الكويت بدأت عمليات تشكيل نواة الدولة من خلال منع الطيران العراقي من التحليق في شمال العراق أي (سيادة منقوصة).

هناك من لايزال مصراً أن يعيد التجربة في سورية عساها تنفع، ربما لم ينتبهوا أن بيان الخارجية السورية هذه المرة تحدث صراحةً عن التشاور مع الحلفاء لمنع حصول هذا الأمر. الحلفاء الذين لا تمر علاقة تركيا معهم هذه الأيام بطريقة سلسة.

تبدو الطموحات التركية أبعد بكثير من فكرة «إسقاط النظام في سورية»، يعلم الأتراك تماماً أن ما يجري في سورية هو الحل الأخير لفكرة الدولة الكردية، كما يرون أن إبعاد شبح الدولة الكردية عن الجنوب التركي فرصة قد لا تسمح بها الظروف مجدداً. وعليه إما أن يتم التفاهم مع الأكراد على رسم الحدود النهائية للدولة وانتظار إعلانها مستقلة، أو أن تركيا ستعود للخيار العسكري الذي لا يحمد عقباه. لكي نكون واضحين أكثر فإن هذا الاتجاه قد لا يكون منهج حكومة العدالة والتنمية فحسب، لكنه أيضاً قد يكون محظياً بموافقة صامتة من قبل المعارضة التركية التي تظن أن بيع الكلام سيسقط «رجب طيب أردوغان»، حتى جزء لا يُستهان به من الشعب التركي علينا أن نعترف أن لديه ذات الطموحات العدوانية تجاه سورية ويشاطرون أردوغان نهجه العثماني وإلا لما انتخبوه. عندما نصفُ «الإسرائيليين» بأنهم ينزعون نحو العدوان دائماً لأنهم ينتخبون الحكومات الأكثر تطرفاً، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونقول إن كل من انتخب «قادة العدالة والتنمية» دعماً لسياساتهم، فهو يشاطرهم ذات الطموح وذات الإجرام.

قد تتصاعد الاحتجاجات في تركيا ولكن هدفها لن يكون أبداً إسقاط «العدالة والتنمية»، بل إن الأمر أخطر من ذلك. قد يخرج أردوغان بعد أسابيع ليبرر لنا العملية بأنها مؤامرة، كالعادة، تحديداً إذا كان قد قرأ ما كتبته منذ أيام «الديلي بيست» بأن مملكة «آل سعود» بدأت فعلاً بتغذية متمردي تركيا بالسلاح المضاد للدبابات وتعاملت مع عدة انتحاريين لتنفيذ هجمات فيها واتهام الأكراد. لكن عليه أيضاً أن يتوقع أنه وفي الوقت الذي يخطط فيه لاستقدام مقر الأمم المتحدة إلى تركيا «كما هلوس منذ أيام وزير خارجيته»، فإن العالم أرسل للأتراك رسالة واضحة قبل أيام تتعلق بعدم حصولهم على مقعد غير دائم في الأمم المتحدة. لم يكن خروج الأتراك مفاجئاً، لكن المفاجأة كانت بفارق الأصوات الكبير بينها وبين إسبانيا التي نالت المقعد. كذلك الأمر عليه أن يعي أنه وفي الوقت الذي يسعى فيه لإبعاد شبح الدولة الكردية عن تركيا، هناك من يسعى لإبعاد أشباح سلاطين بني عثمان ومن يلوذ بهم عن «المنطقة»، والأهم أن الغرب عندما يريد إنهاء حالة فردية ما، فإنّه يعطيه الكثير من المكانة و«النفخ» المعنوي قبل أن يعيد الأحجام لمكانتها... ومن يريد استنساخ ما جرى مع صدام على غيره، عليه أن يتذكر كيف أنهى الغرب الطموحات الصدّامية.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-18
  • 11537
  • من الأرشيف

بعد «تحليق» داعش و«سلمية» النصرة، هل وصلت المنطقة إلى حافة الجنون؟

جبهة النُّصرة ليست إرهابية، هي مجموعة من المعارضين السوريين وعلى لبنان أن يتأقلم مع الوضع الحالي. مرّ كلام وليد جنبلاط كعادته مرور الكرام، ليست المشكلة أبداً في كلامه عن جبهة النصرة من منظور ما يجري في سورية، فموقفه ليس بجديد، ومن توسل يوماً الولايات المتحدة لإرسال العبوات الناسفة إلى قلب دمشق ـ قبل أن يتحقق حلمه ـ لن يكون غريباً عليه أن يهتف للنصرة وحتى داعش. في عرسال اللبنانية، خرج الآلاف ليهتفوا باسم أمير النصرة في القلمون، يترجونه أن يدخل إلى بيروت. حاولت وسائل الإعلام اللبنانية «بكامل أطيافها» أن تتذاكى وتقدم كل من وقف ليهتف بحياة أمير النصرة بالقلمون على أنه نازح سوري، مع العلم أن التظاهرة ضمت لبنانيين وسوريين، فماذا نقول إذن: هل علينا أن نخرج لنقول إن اللبنانيين الذين هتفوا لأمير النصرة في القلمون هم معارضون للنظام السياسي اللبناني ومن الخطأ الحديث عنهم وكأنهم إرهابيون؟ من اللافت أن حديث وليد جنبلاط عن النصرة واستماتته بالدفاع عنها (تماماً كما استمات أمير النصرة في التسجيل الصوتي المسرب له وهو يمارس جهاد النكاح مع إحدى عشيقاته)، يتقاطع مع رغبات ثلاث «دول» هي حجر الأساس في الحرب على سورية، تختلف فيما بينها بآلية القتل والتدمير وتتفق على «سلمية» جبهة النصرة، هذه «الدول» هي كل من الكيان الصهيوني ومملكة «آل سعود» وتركيا. ففي الوقت الذي يدافع فيه وليد جنبلاط عن النصرة، يخرج وزير حرب العدو «موشيه يعلون» ليعترف أنهم أعطوا عناصر النصرة (حليباً وبطانيات)، هذا طبعاً دون إغفال العلاقة القوية بين الطرفين، إن كان لجهة علاج الإرهابيين في مشافي الكيان الصهيوني أو من خلال الدعم والاسناد العسكري الذي بدا جليّاً في معارك القنيطرة الأخيرة أو حتى من خلال ما أعلنه يعالون نفسه عن اتفاق مع المعارضة المعتدلة على حماية «الحدود الشمالية للكيان الصهيوني». أما مملكة «آل سعود» وإن كانت قد وضعت جبهة النصرة على لوائح الإرهاب، لكن في المقابل هي على استعداد لدعم أي جماعة إرهابية تحقق طموحاتها بإسقاط النظام في سورية ومحاصرة حزب اللـه في لبنان، بما فيها جبهة النصرة. حتى عند صدور القرار 2170 من مجلس الأمن بالإجماع، المتعلق بتجريم التعاون مع كل من داعش والنصرة، فإن جميع المعارضين السوريين المواليين لـ«آل سعود» أبدوا أسفهم لشمول القرار «جبهة النصرة». أخيراً وربما الأهم يأتي الدور التركي، فتركيا تحدثت صراحة مع الأميركيين لضمان تحييد جبهة النصرة عن قصف قوات التحالف. هذا الكلام يخدم السياسة التركية بطريقة واضحة، هو معيار كلمةُ السر الأساسية فيه هو أمن إسرائيل، وأمن إسرائيل مرتبط أساساً بإشغال حزب اللـه والمقاومة، وإشغال حزب اللـه والمقاومة لا يتم إلا من خلال الربط الشامل بين توقيت ما يجري مع صعود أسهم النصرة كورقة رابحة بيد الفرقاء – شكلاً - في الحرب على سورية والملتقين ـ هدفاً ـ على إسقاط الدولة. فما الفصل القادم من هذا المسلسل؟ «إلى الآن على الأقل» لم تسقط عين العرب، ربما لأن الصورة عند الأميركيين لم تكتمل بعد، بل إن الأميركيين باتوا مضطرين للكذب، تحديداً بعد أن أعلن كيري عن اتفاق مع لافروف على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول مكافحة الإرهاب ليأتي التكذيب الروسي سريعاً. هذا يعني أن لا اتفاق يلوح في الأفق، وربما إن أخذنا الأمر بمنظور تصريحات رئيس الوزراء الروسي «ديمتري ميدفيدف» الذي اتهم فيها باراك اوباما بـ«المختل عقلياً»، فإننا لا نبالغ إن بدأنا القول إن لا اتفاق (أميركياً- روسياً) مع هذه الإدارة الأميركية، والحل هو بثبات من سيسيطر على الأرض. بدأ بالأمس الحديث عن امتلاك داعش لطائرات عسكرية وأنّ هذه الطائرات شوهدت تحلِّق في سماء «ريف حلب الشمالي»، يبدو هذا الحديث أشبه بنكتة سمجة أشبه بمقدمة لما هو آت، تحديداً عندما تترافق مع حديث الولايات المتحدة عن اجتماعات تم عقدها مع ما يسمى «حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري» في «عين العرب»، الذي لا يُخفي طموحاته بالحكم الذاتي في المناطق التي يسيطر عليها. يعلم الجميع أن أي تحليق للطيران في دولة ما يحتاج لكود طيران، إن كانت الطائرات قد حلّقت فعلاً، وهو أمر مستبعد فمن قادها وعلى أي كود حلّقت؟ ألا يثبت هذا الكلام أن داعش ليست مجرد تنظيم إرهابي عبثي! فكيف لتنظيم أن يتمكن من إصلاح الطائرات المعطلة واستحضار قطع التبديل والنجاح بإعادة إقلاعها؟ ألا يفسر لنا هذا الكلام إصرار الكثير من عناصر التنظيم على إخفاء وجوههم كي لا تظهر ملامحهم التركية أو الفرنسية! في الخيار الثاني وهو الأهم، إن كان الأمر كذبة، فما الهدف منها ولماذا سارعت الولايات المتحدة لنفي علمها بالأمر تحديداً أنه ليس صعباً أبداً على قوات التحالف قصف هذه الطائرات وتدميرها. يبدو أن الترويج لهذا الخبر سيفيد مستقبلاً في إعادة إنتاج فكرة المنطقة العازلة في الشمال السوري بطريقة جديدة تكون مستساغة من الجميع ولا توحي بأي عمل عدواني. قد يتم تحويل الفكرة من شرط سياسي فرضته الدول للدخول في التحالف ضد داعش إلى مطلب شعبي في استنساخ كامل لما حدث ضد الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، فبعد حرب تحرير الكويت بدأت عمليات تشكيل نواة الدولة من خلال منع الطيران العراقي من التحليق في شمال العراق أي (سيادة منقوصة). هناك من لايزال مصراً أن يعيد التجربة في سورية عساها تنفع، ربما لم ينتبهوا أن بيان الخارجية السورية هذه المرة تحدث صراحةً عن التشاور مع الحلفاء لمنع حصول هذا الأمر. الحلفاء الذين لا تمر علاقة تركيا معهم هذه الأيام بطريقة سلسة. تبدو الطموحات التركية أبعد بكثير من فكرة «إسقاط النظام في سورية»، يعلم الأتراك تماماً أن ما يجري في سورية هو الحل الأخير لفكرة الدولة الكردية، كما يرون أن إبعاد شبح الدولة الكردية عن الجنوب التركي فرصة قد لا تسمح بها الظروف مجدداً. وعليه إما أن يتم التفاهم مع الأكراد على رسم الحدود النهائية للدولة وانتظار إعلانها مستقلة، أو أن تركيا ستعود للخيار العسكري الذي لا يحمد عقباه. لكي نكون واضحين أكثر فإن هذا الاتجاه قد لا يكون منهج حكومة العدالة والتنمية فحسب، لكنه أيضاً قد يكون محظياً بموافقة صامتة من قبل المعارضة التركية التي تظن أن بيع الكلام سيسقط «رجب طيب أردوغان»، حتى جزء لا يُستهان به من الشعب التركي علينا أن نعترف أن لديه ذات الطموحات العدوانية تجاه سورية ويشاطرون أردوغان نهجه العثماني وإلا لما انتخبوه. عندما نصفُ «الإسرائيليين» بأنهم ينزعون نحو العدوان دائماً لأنهم ينتخبون الحكومات الأكثر تطرفاً، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ونقول إن كل من انتخب «قادة العدالة والتنمية» دعماً لسياساتهم، فهو يشاطرهم ذات الطموح وذات الإجرام. قد تتصاعد الاحتجاجات في تركيا ولكن هدفها لن يكون أبداً إسقاط «العدالة والتنمية»، بل إن الأمر أخطر من ذلك. قد يخرج أردوغان بعد أسابيع ليبرر لنا العملية بأنها مؤامرة، كالعادة، تحديداً إذا كان قد قرأ ما كتبته منذ أيام «الديلي بيست» بأن مملكة «آل سعود» بدأت فعلاً بتغذية متمردي تركيا بالسلاح المضاد للدبابات وتعاملت مع عدة انتحاريين لتنفيذ هجمات فيها واتهام الأكراد. لكن عليه أيضاً أن يتوقع أنه وفي الوقت الذي يخطط فيه لاستقدام مقر الأمم المتحدة إلى تركيا «كما هلوس منذ أيام وزير خارجيته»، فإن العالم أرسل للأتراك رسالة واضحة قبل أيام تتعلق بعدم حصولهم على مقعد غير دائم في الأمم المتحدة. لم يكن خروج الأتراك مفاجئاً، لكن المفاجأة كانت بفارق الأصوات الكبير بينها وبين إسبانيا التي نالت المقعد. كذلك الأمر عليه أن يعي أنه وفي الوقت الذي يسعى فيه لإبعاد شبح الدولة الكردية عن تركيا، هناك من يسعى لإبعاد أشباح سلاطين بني عثمان ومن يلوذ بهم عن «المنطقة»، والأهم أن الغرب عندما يريد إنهاء حالة فردية ما، فإنّه يعطيه الكثير من المكانة و«النفخ» المعنوي قبل أن يعيد الأحجام لمكانتها... ومن يريد استنساخ ما جرى مع صدام على غيره، عليه أن يتذكر كيف أنهى الغرب الطموحات الصدّامية.

المصدر : فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة