أدت عودة واشنطن المفاجئة لحمل لواء "الحرب ضد الإرهاب" كقناع للتدخل في سوريا إلى إرباك الجمهور الغربي. فلثلاث سنوات، شاهد الجمهور عينه محاولات "التدخل الإنساني"، وهي محاولات ركزت على صب جام الغضب على الرئيس السوري الذي أكد مراراً وتكراراً أنه يحارب إرهابيين مدعومين من الخارج. والآن، تقول الولايات المتحدة أنها تقود الحرب ضد نفس الإرهابيين.

 ولكن، ما الذي يفكر فيه السوريون، ولماذا هم مستمرون في دعم رجل تقول القوى الغربية أنه يهاجم ويرهب "شعبه"؟ لفهم هذا علينا أن ندرك الفجوة الكبيرة بين الكاريكاتير الذي رسمه الغرب عن بشار الأسد كديكتاتور طاغي، والرمز الشعبي في سوريا نفسها.

 إن صدقنا غالبية التقارير التي أنتجها الإعلام الغربي، سنعتقد أن الرئيس الأسد قد أطلق العديد من حملات الإبادة على مناطق مدنية، بما في ذلك إطلاق الغاز على الأطفال. قد نظن أيضاً أنه يترأس "نظاماً علوياً"، حيث تتحكم ١٢٪ من التعداد السكاني بالغالبية السنية، وحيث تمكنت هذه الأقلية من كبح "ثورة شعبية" اختطفتها "مؤخراً فقط"، الجماعات المتطرفة الإرهابية.

المشكلة الأساسية في هذه الصورة هو أن بشار الأسد يحظى بشعبية كبرى في وطنه. وعلى الرغم من عدم الرضا والاستياء الكبيرين من الفساد والمحسوبيات في البلاد، إلا أن ذلك لا يتنافى أو لا يتناقض مع شعبية الرجل. تسبب فوزه في شهر حزيران الماضي بأول انتخابات سورية يتعدد فيها المرشحون باستياء أعدائه الإقليميين، أي إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا، إلا أن ذلك لم يردعهم لوقف عدائيتهم الواضحة.

أما السوريون، فكانوا يرون الأمور بطريقة مختلفة. في البدء، كان المتوقع من بشار الأسد أن يتابع تقاليد والده التعددية والوطنية، إلى جانب تحديث الدولة والسعي نحو الإصلاحات السياسية. أظهرت استطلاعات الرأي في سوريا استياءً كبيراً من الفساد والمحسوبيات السياسية، وتضاربت فيها الآراء بشأن الاقتصاد، إلا أن الجميع اتفق على الرضا بشكل كبير بشأن الاستقرار وحقوق المرأة وسياسة الدولة الخارجية المستقلة. لم تكن المظاهرات المطالبة بالإصلاحات السياسية في ٢٠١١، والتي قابلتها مظاهرات موالية للحكومة، والتي قوبلت بدورها بأعمال عنف، تستهدف بشار الأسد بالضرورة.

لا بد أن نشير هنا إلى أن الإخوان المسلمين في سوريا، وغيرهم من الجماعات الإسلامية الطائفية، كانوا يكرهونه فعلياً، ويكرهون دولته العلمانية. إلا أن هؤلاء الأعداء، أدركوا شعبيته العظيمة. في أواخر عام ٢٠١١، أظهر استطلاع أجرته قطر، أكبر داعمي الإخوان المسلمين)، أن ٥٥٪ من السوريين يريدون بقاء الأسد.

ومع ذلك، ازداد تدخل الإسلاميين المسلحين. في عام ٢٠١٢، ذكرت وكالة رويترز، وصيحفة غارديان الإنجليزية، ومجلة تايم، أن "قادة الجيش الحر في حلب يقولون أن الرئيس السوري يحظى بدعم يبلغ ٧٠٪، أو أن سكان حلب "كلهم، موالون ل بشار، هذا ما يقولونه لنا"، أو أنهم جميعاً "مخبرون لنظامه، ويكرهوننا، إنهم يلوموننا على الدمار". عدم شعبية الثورة طبعاً هو مقتلها، أما بالنسبة لمتطرف ديني، فهو مجرد عائق يجب عليه التعامل معه. كانت مجموعات الجيش الحر الثلاث على علاقة جيدة مع تنظيم القاعدة.

ورغم كل هذه المعلومات، لم يغير الإعلام الغربي من سياسته المعتمدة على الإخوان المسلمين ومصادرهم التي تكونت من "ناشطين" أو "ثوار معتدلين". اعتمد الإعلام الغربي بشكل خاص على رامي عبد الرحمن، القاطن في المملكة المتحدة، والذي أطلق على نفسه لقب "المرصد السوري لحقوق الإنسان". وهكذا" بقيت صورة "الوحش بشار الأسد"، حية خارج سوريا.

إلى جانب الأسطورة التي تحمل اسم بشار الأسد، نجد قصتين وثيقتي الصلة: إحداهما هي "الثورة المعتدلة"، والثانية هي "موالاة الأسد، أو قوات النظام" بدلاً من الإشارة إلى الجيش الوطني القوي الذي يلقى دعماً شعبياً كبيراً. لفهم أسطورة بشار الأسد لا بد لنا من فهم الجيش العربي السوري.

يبلغ تعداد الجيش أكثر من نصف مليون جندي. إنه جيش كبير ترتبط به معظم المجتمعات السورية. تقيم الدولة بشكل منتظم احتفالات لتكريم أهالي وعائلات "الشهداء"، ونرى فيها الآلاف يحملون صور أحبائهم بكل فخر واعتزاز. أضف إلى ذلك، أن الملايين التي اضطرت لمغادرة منازلها ومناطقها بسبب النزاعات، لم تغادر الدولة ولكن انتقلت إلى الأماكن التي تحظى بحماية الجيش العربي السوري. من غير الممكن تفسير هذا الأمر لو كان الجيش فعلياً يشارك في هجمات تستهدف المدنيين. أي جيش قمعي لا بد له أن يثير الخوف والكراهية في الشعب، ومع ذلك، نرى في دمشق أن الناس لا يختبرون الخوف وهم يمرون بمناطق يسيطر عليها الجيش العربي السوري، أو وهم يعبرون حواجز الجيش التي تم إنشاؤها للحماية من السيارات المفخخة.

يعلم السوريون أن المتظاهرين في بدايات عام ٢٠١١ تعرضوا لبعض الاعتداءات، ويعلمون أيضاً أن الرئيس فصل محافظ درعا بسبب هذه الممارسات. إنهم يعلمون أن التمرد المسلح لم يكن ناتجاً عن المظاهرات، بل أنه تمرد طائفي تخفى تحت هذه المظاهرات التي تظاهرت بالسلمية. اعترف المسؤول السعودي أنور الإشخي لقناة بي بي سي أن دولته أمدت الإسلاميين في درعا بالسلاح، وأن أسلوبهم في القنص من أسطح المنازل شبيه بما حاول الإخوان المسلمون، القيام به في حماه، عام ١٩٨٢، حيث كان الفشل حليفهم آنذاك. تمكن حافظ الأسد في ذلك الوقت من القضاء على هذا التمرد في أسابيع قليلة. قالت الاستخبارات الأمريكية أن عدد ضحايا ذلك النزاع وصل إلى ألفي شخص، بينهم ٣٠٠ أو ٤٠٠ من نخبة قيادات الإخوان المسلمين. إلا أن جماعة الإخوان، وكل من يواليهم، عملوا على تضخيم هذه الأرقام، وأطلقوا على ما جرى اسم "مجزرة".

انتقد العديد من السوريين أمامي الرئيس الأسد، ولكن ليس بطريقة الإعلام الغربي. قالوا إنهم يريدونه أن يكون حاسماً كأبيه. يرى الكثير من السوريين أنه شخص رقيق، ذو قلب طيب. قال لي بعض الجنود في دمشق أن هناك أمراً ببذل جهود خاصة من أجل إلقاء القبض على المقاتلين السوريين وهم أحياء. وهذا ما يتناقض مع رأي الكثيرين الذين يرون المقاتلين السوريين كخونة، ولا يقلون في إجرامهم عن الإرهابيين الأجانب.

وماذا عن "الثوار المعتدلين"؟ قبل إنشاء داعش، وفي نهايات عام ٢٠١١، كانت أكبر كتائب ما يسمى بـ "الجيش الحر" تحمل اسم الفاروق، وأفرادها هم من سيطروا على أجزاء من مدينة حمص. وصفهم أحد التقارير الأمريكية بأنهم "وطنيون أصيلون، مؤمنون دون أن يكونوا متطرفين، ولا ينادون بالطائفية." مجموعة الأزمة العالمية، وإلى جانبها صحيفة وول ستريت جورنال وقناة بي بي سي، فقد قالت إن كتيبة الفاروق قد تكون من المسلمين المعتدلين لا من الإسلاميين المتطرفين.

بالطبع، كانت كل هذه المزاعم مضللة وكاذبة. قال السوريون في حمص أن كتيبة الفاروق دخلت إلى حمص وهي تنادي بشعار واحد "العلويون إلى التابوت، المسيحيون إلى بيروت". وكانوا يهتفون "الله أكبر" وهم يفجرون مستشفى حمص، لأنه كان يعالج الجرحى من الجنود. قالت الكنائس أن كتيبة الفاروق مسؤولة عن عمليات التطهير العرقي التي شملت أكثر من ٥٠ ألف مسيحي في المدينة، إلى جانب فرض "الجزية الإسلامية". يقول الصحافي رضوان مرتضى" أن معظم مقاتلي الفاروق هم من السلفيين الطائفيين الذين تمولهم وتسلحهم السعودية. وبعد ذلك، تعاملت الكتيبة مع عدة مجموعات تابعة للقاعدة، وكانوا أول من اتهم الجيش بالجرائم التي اقترفوها.

دعونا الآن نناقش بعض الاتهامات التي وجهت للجيش العربي السوري. في شهر أيار من عام ٢٠١٢، وقبل أيام من اجتماع مجلس الأمن لمناقشة احتمالية التدخل في سوريا، حدثت مجزرة مريعة حصدت أرواح أكثر ١٠٠ شخص في الحولة. سارعت الحكومات الغربية فورياً إلى لوم الحكومة السورية، التي اتهمت بدورها الإرهابيين المدعومين من الخارج. في البدء، قال المسؤولون الغربيون أن المجزرة حدثت بسبب قذائف من الجيش استهدفت القرية، ولكنهم سرعان ما تراجعوا عن أقوالهم عندما تم إثبات أن معظم الضحايا قتلوا عن قرب. بل إن أحد التقارير اتهم "شبيحة" الحكومة. ولكن لم يكن هناك أي دافع يدعم هذا الادعاء.

وعلى الرغم من أن مجزرة الحولة لم تتسبب في التدخل بشكل يشابه ما حدث في ليبيا، وذلك بفضل معارضة روسيا والصين، إلا أن الموضوع أثار جدالاً واسعاً بين الكتاب والصحافيين. تمكن بعض الصحافيين الروسيين والألمان من الالتقاء بعدد من الناجين من المجزرة، الذين قالوا أن كتيبة الفاروق، بقيادة بعد الرزاق طلاس، تمكنوا من القضاء على خمسة حواجز صغيرة للجيش، ومن ثم ذبح أهالي القرية. كانت المجموعة تستهدف العائلات العلوية وتلك الموالية للحكومة، إلى جانب عدد من العائلات السنية.

كانت الحولة بداية لعدد من المجازر المشابهة التي ألقي فيها اللوم على الجيش. عندما تم قتل ٢٤٥ شخصاً في داريا (آب ٢٠١٢)، نقلت التقارير الإعلامية التي اعتمدت على ناشطي المعارضة أن "جيش الأسد قد اقترف مجزرة". وسرعان ما دحض الصحافي البريطاني روبرت فيسك هذه النظرية، حيث قال إن ما يسمى " الجيش الحر " قتل مدنيين وجنوداً مختطفين بعد فشله في مبادلتهم بمعتقلين لدى الجيش. وعندما قتل ١٢٠ شخصاً في عقرب (كانون الأول ٢٠١٣)، قالت صحيفة نيويورك تايمز "أفراد من طائفة الأسد متهمون في مجزرة في سوريا." وفي الواقع، اكتشف الصحافي البريطاني ألكس ثومبسون أن الضحايا هم من كانوا من المجتمع العلوي الذي ينتمي إليه الرئيس الأسد. قامت مجموعات ما يسمى " الجيش الحر " باختطاف ٥٠٠ علوياً لتسعة أيام، قبل أن تقتل هذه المجموعات ربع العدد. ومع ذلك، وبسبب عدم التحقق عن كثب من الحوادث أو المجازر، كان كل اتهام يضاف إلى جرائم الجيش العربي السوري، بالنسبة لمن هم خارج سوريا على الأقل.

اتهام آخر يواجه الجيش العربي السوري هو القصف العشوائي على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، مما يتسبب دوماً في سقوط ضحايا من المدنيين. السؤال الهام هنا هو، كيف تمكن الجيش من إخراج المجموعات المسلحة من المراكز المدنية؟ لأولئك المهتمين بالمعرفة، يمكن الاطلاع على بعض المعلومات من عملية تحرير القصير، وهي بلدة تقع على الحدود اللبنانية، وكانت تحت سيطرة كتائب الفاروق ومجموعات سلفية أخرى تضم العديد من المقاتلين الأجانب. قام الجيش هنا بعملية "جراحية" فعلياً، ولكن، وفي شهر أيار من عام ٢٠١٣، وبعد فشل المفاوضات، قرر الجيش الهجوم الكامل. عمل الجيش على توزيع قصاصات ورقية من الجو، في الوقت الذي أكد فيه أحد "الناشطين" أنه لا يوجد أي ممر آمن للمدنيين. عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها حول الرسائل التي حملتها تلك القصاصات، قائلة إن إصرار النظام على نزوح المدنيين يجسد وحشيته المستمرة.

وهكذا، وفي الخامس من حزيران، حرر الجيش العربي السوري القصير، بمساعدة من حزب الله، دافعاً بكتائب الفاروق وشركائهم من المجموعات التابعة للقاعدة إلى لبنان. هذه العملية متوقعة من أي جيش يواجه مجموعات إرهابية تحتل مناطق مدنية. وهنا، بدأ التحول إلى صالح سوريا.

الجريمة الأكثر بشاعةً كانت الهجوم الكيميائي الذي حدث في شهر آب من عام ٢٠١٣ في منطقة الغوطة الشرقية القريبة من دمشق. كانت الحكومة السورية قد عبرت قبل شهور عن قلقها بشأن هجمات الغاز الذي تقوم به المجموعات الإرهابية، كما دعت محققي الأمم المتحدة إلى دمشق للتحقيق في هذا الشأن. وحال وصول المحققين، نشرت المجموعات المتمردة شريط فيديو لأطفال قتلى، واتهمت الحكومة السورية بمجزرة جديدة أيدتها الحكومة الأمريكية ومجموعة حقوق الإنسان في واشنطن على الفور.

وعليه، تم تجاهل التحقيق في الهجمات الكيميائية التي قام بها الإسلاميون، وسلط الضوء على الأطفال. طالب الإعلام الغربي بالتدخل العسكري. لم يتوقف التصعيد نحو الحرب إلا بسبب التدخل الروسي واقتراحه أن تقوم سوريا بتسليم أسلحتها الكيميائية التي لم يسبق لها استخدامها بتاتاً.

أدت غزارة التقارير التي تناولت مجزرة الغوطة الشرقية بالصحافيين الغربيين إلى الاعتقاد أن الاتهامات مثبتة ضد الحكومة السورية. ولكن، كل هذه الاتهامات سقطت بفضل سلسلة من التقارير المستقلة. وبعد ذلك بفترة وجيزة، قام صحافي يقطن في الأردن بذكر أن سكان الغوطة الشرقية يلقون باللوم على الأمير السعودي بندر، الذي زود المجموعات المسلحة بالأسلحة الكيماوية. وبعد ذلك، قدمت مجموعة سورية، تقودها الأم أغنيس مريم، تفصيلاً دقيقاً عن الفيديو المستخدم كدليل ضد الحكومة السورية، قالت فيه المجموعة أن تسجيل الفيديو سبق الاعتداء. أتت التقارير المفصلة أيضاً من خارج سوريا. كتب الصحافي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش أن دليل الاستخبارات الأمريكية مزور ومنتقى بعناية من أجل تبرير الضربة ضد الأسد. مجموعة من المحامين والكتاب الأتراك قالوا أن "معظم الجرائم" المقترفة ضد المدنيين السوريين، بما فيها الاعتداء على الغوطة الشرقية، كانت على يد مجموعات مسلحة في سوريا.

مرة أخرى، وعلى الرغم من التقارير التي تثبت إدانة المجموعات المسلحة، إلا أن الحكومة الأمريكية ومؤسسة حقوق الإنسان لم تتراجع عن رأيها ولم تعتذر عن اتهامها الخاطئ. أضف إلى ذلك، أن الحكومات الغربية والتقارير الإعلامية لا تنفك عن تكرار واستعادة هذه الاتهامات وكأنها حقيقية.

عندما التقيت بالرئيس الأسد، إلى جانب عدد من الأستراليين، كانت صورته متوافقة تماماً مع صورة طبيب العيون الخلوق التي سادت ما قبل عام ٢٠١١. عبر الرئيس الأسد عن قلقه العميق بشأن تأثر الأطفال بما يرونه من بشاعات إرهابية على صدى تكبيرات الإرهابيين. إنه ليس بطاغية بكل تأكيد، ولا يشبه بأي شكل من الأشكال صدام حسين أو جورج دبليو بوش.

العنصر الأساسي في صمود سوريا حتى اليوم هو التماسك والالتزام والدعم الشعبي منقطع النظير للجيش. يعرف السوريون أن جيشهم يمثل سوريا التعددية وأنه يقاتل إرهابيين طائفيين. لم يتشقق هذا الجيش بسبب اختلاف الطوائف، وهذا ما كان التكفيريون يأملون بحدوثه، وكافة الانشقاقات عنه كانت صغيرة ولم تتجاوز ٢٪.

هل اقترف الجيش أخطاءً؟ على الأغلب، ولكنها كانت موجهة دوماً ضد المجموعات المسلحة. هناك أدلة على إعدام إرهابيين أجانب، وهي بالطبع جريمة، ولكنها جريمة تلقى إلى حد ما دعماً شعبياً في سوريا. ولكن الجيش يبقى ملتزماً، بأوامر الرئيس طيب القلب، التي توجه إلى الحفاظ على حياة المقاتلين السوريين.

ومع ذلك، وعلى الرغم من الادعاءات التي يكررها الإسلاميون الطائفيون ومن يدعمهم في الغرب، ليس هناك أية أدلة على أن الجيش العربي السوري قام عمداً بقصف المدنيين. وهو أمر لا دافع له على الإطلاق. كما أن سلوك الناس في الشوارع يعزز الثقة بالجيش. لا يلقي أغلبية السوريين باللوم على جيشهم بشأن العنف الفظيع الذي يميز هذه الحرب، وإنما يدينون بشدة الإرهابيين الأجانب.

نفس الإرهابيين الذين يلقون دعم حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا.

إن المشاركة العالية في الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران الماضي، والتي بلغت ٧٣٪، بالرغم من الحرب التي تدور رحاها في البلاد، كانت خير إثبات على ثقة الشعب ببشار الأسد الذي فاز بنسبة ٨٨٪. لم تتمكن كل الأجهزة الإعلامية، بما فيها البي بي سي، من إخفاء الجماهير التي خرجت للانتخاب، وخاصة تلك التي أحاطت بالسفارة السورية في بيروت.

لا تصل نسبة المشاركة في الانتخابات الأمريكية إلى هذا المستوى، وليس بوسع أي قائد غربي أن يدعي أنه يتمتع بدعم شعبي يشابه ما يحظى به هذا "الدكتاتور". إن فوز بشار الأسد هو خير إثبات على عدم وجود أي انقلاب شعبي ضده، وفي الحقيقة، لقد تنامت شعبيته وأصبحت أكبر وأعظم مما قبل.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-17
  • 6786
  • من الأرشيف

لهذا يدعم السوريون بشار الأسد .....بقلم تيم أندرسون، - غلوبال ريسيرتش

أدت عودة واشنطن المفاجئة لحمل لواء "الحرب ضد الإرهاب" كقناع للتدخل في سوريا إلى إرباك الجمهور الغربي. فلثلاث سنوات، شاهد الجمهور عينه محاولات "التدخل الإنساني"، وهي محاولات ركزت على صب جام الغضب على الرئيس السوري الذي أكد مراراً وتكراراً أنه يحارب إرهابيين مدعومين من الخارج. والآن، تقول الولايات المتحدة أنها تقود الحرب ضد نفس الإرهابيين.  ولكن، ما الذي يفكر فيه السوريون، ولماذا هم مستمرون في دعم رجل تقول القوى الغربية أنه يهاجم ويرهب "شعبه"؟ لفهم هذا علينا أن ندرك الفجوة الكبيرة بين الكاريكاتير الذي رسمه الغرب عن بشار الأسد كديكتاتور طاغي، والرمز الشعبي في سوريا نفسها.  إن صدقنا غالبية التقارير التي أنتجها الإعلام الغربي، سنعتقد أن الرئيس الأسد قد أطلق العديد من حملات الإبادة على مناطق مدنية، بما في ذلك إطلاق الغاز على الأطفال. قد نظن أيضاً أنه يترأس "نظاماً علوياً"، حيث تتحكم ١٢٪ من التعداد السكاني بالغالبية السنية، وحيث تمكنت هذه الأقلية من كبح "ثورة شعبية" اختطفتها "مؤخراً فقط"، الجماعات المتطرفة الإرهابية. المشكلة الأساسية في هذه الصورة هو أن بشار الأسد يحظى بشعبية كبرى في وطنه. وعلى الرغم من عدم الرضا والاستياء الكبيرين من الفساد والمحسوبيات في البلاد، إلا أن ذلك لا يتنافى أو لا يتناقض مع شعبية الرجل. تسبب فوزه في شهر حزيران الماضي بأول انتخابات سورية يتعدد فيها المرشحون باستياء أعدائه الإقليميين، أي إسرائيل والسعودية وقطر وتركيا، إلا أن ذلك لم يردعهم لوقف عدائيتهم الواضحة. أما السوريون، فكانوا يرون الأمور بطريقة مختلفة. في البدء، كان المتوقع من بشار الأسد أن يتابع تقاليد والده التعددية والوطنية، إلى جانب تحديث الدولة والسعي نحو الإصلاحات السياسية. أظهرت استطلاعات الرأي في سوريا استياءً كبيراً من الفساد والمحسوبيات السياسية، وتضاربت فيها الآراء بشأن الاقتصاد، إلا أن الجميع اتفق على الرضا بشكل كبير بشأن الاستقرار وحقوق المرأة وسياسة الدولة الخارجية المستقلة. لم تكن المظاهرات المطالبة بالإصلاحات السياسية في ٢٠١١، والتي قابلتها مظاهرات موالية للحكومة، والتي قوبلت بدورها بأعمال عنف، تستهدف بشار الأسد بالضرورة. لا بد أن نشير هنا إلى أن الإخوان المسلمين في سوريا، وغيرهم من الجماعات الإسلامية الطائفية، كانوا يكرهونه فعلياً، ويكرهون دولته العلمانية. إلا أن هؤلاء الأعداء، أدركوا شعبيته العظيمة. في أواخر عام ٢٠١١، أظهر استطلاع أجرته قطر، أكبر داعمي الإخوان المسلمين)، أن ٥٥٪ من السوريين يريدون بقاء الأسد. ومع ذلك، ازداد تدخل الإسلاميين المسلحين. في عام ٢٠١٢، ذكرت وكالة رويترز، وصيحفة غارديان الإنجليزية، ومجلة تايم، أن "قادة الجيش الحر في حلب يقولون أن الرئيس السوري يحظى بدعم يبلغ ٧٠٪، أو أن سكان حلب "كلهم، موالون ل بشار، هذا ما يقولونه لنا"، أو أنهم جميعاً "مخبرون لنظامه، ويكرهوننا، إنهم يلوموننا على الدمار". عدم شعبية الثورة طبعاً هو مقتلها، أما بالنسبة لمتطرف ديني، فهو مجرد عائق يجب عليه التعامل معه. كانت مجموعات الجيش الحر الثلاث على علاقة جيدة مع تنظيم القاعدة. ورغم كل هذه المعلومات، لم يغير الإعلام الغربي من سياسته المعتمدة على الإخوان المسلمين ومصادرهم التي تكونت من "ناشطين" أو "ثوار معتدلين". اعتمد الإعلام الغربي بشكل خاص على رامي عبد الرحمن، القاطن في المملكة المتحدة، والذي أطلق على نفسه لقب "المرصد السوري لحقوق الإنسان". وهكذا" بقيت صورة "الوحش بشار الأسد"، حية خارج سوريا. إلى جانب الأسطورة التي تحمل اسم بشار الأسد، نجد قصتين وثيقتي الصلة: إحداهما هي "الثورة المعتدلة"، والثانية هي "موالاة الأسد، أو قوات النظام" بدلاً من الإشارة إلى الجيش الوطني القوي الذي يلقى دعماً شعبياً كبيراً. لفهم أسطورة بشار الأسد لا بد لنا من فهم الجيش العربي السوري. يبلغ تعداد الجيش أكثر من نصف مليون جندي. إنه جيش كبير ترتبط به معظم المجتمعات السورية. تقيم الدولة بشكل منتظم احتفالات لتكريم أهالي وعائلات "الشهداء"، ونرى فيها الآلاف يحملون صور أحبائهم بكل فخر واعتزاز. أضف إلى ذلك، أن الملايين التي اضطرت لمغادرة منازلها ومناطقها بسبب النزاعات، لم تغادر الدولة ولكن انتقلت إلى الأماكن التي تحظى بحماية الجيش العربي السوري. من غير الممكن تفسير هذا الأمر لو كان الجيش فعلياً يشارك في هجمات تستهدف المدنيين. أي جيش قمعي لا بد له أن يثير الخوف والكراهية في الشعب، ومع ذلك، نرى في دمشق أن الناس لا يختبرون الخوف وهم يمرون بمناطق يسيطر عليها الجيش العربي السوري، أو وهم يعبرون حواجز الجيش التي تم إنشاؤها للحماية من السيارات المفخخة. يعلم السوريون أن المتظاهرين في بدايات عام ٢٠١١ تعرضوا لبعض الاعتداءات، ويعلمون أيضاً أن الرئيس فصل محافظ درعا بسبب هذه الممارسات. إنهم يعلمون أن التمرد المسلح لم يكن ناتجاً عن المظاهرات، بل أنه تمرد طائفي تخفى تحت هذه المظاهرات التي تظاهرت بالسلمية. اعترف المسؤول السعودي أنور الإشخي لقناة بي بي سي أن دولته أمدت الإسلاميين في درعا بالسلاح، وأن أسلوبهم في القنص من أسطح المنازل شبيه بما حاول الإخوان المسلمون، القيام به في حماه، عام ١٩٨٢، حيث كان الفشل حليفهم آنذاك. تمكن حافظ الأسد في ذلك الوقت من القضاء على هذا التمرد في أسابيع قليلة. قالت الاستخبارات الأمريكية أن عدد ضحايا ذلك النزاع وصل إلى ألفي شخص، بينهم ٣٠٠ أو ٤٠٠ من نخبة قيادات الإخوان المسلمين. إلا أن جماعة الإخوان، وكل من يواليهم، عملوا على تضخيم هذه الأرقام، وأطلقوا على ما جرى اسم "مجزرة". انتقد العديد من السوريين أمامي الرئيس الأسد، ولكن ليس بطريقة الإعلام الغربي. قالوا إنهم يريدونه أن يكون حاسماً كأبيه. يرى الكثير من السوريين أنه شخص رقيق، ذو قلب طيب. قال لي بعض الجنود في دمشق أن هناك أمراً ببذل جهود خاصة من أجل إلقاء القبض على المقاتلين السوريين وهم أحياء. وهذا ما يتناقض مع رأي الكثيرين الذين يرون المقاتلين السوريين كخونة، ولا يقلون في إجرامهم عن الإرهابيين الأجانب. وماذا عن "الثوار المعتدلين"؟ قبل إنشاء داعش، وفي نهايات عام ٢٠١١، كانت أكبر كتائب ما يسمى بـ "الجيش الحر" تحمل اسم الفاروق، وأفرادها هم من سيطروا على أجزاء من مدينة حمص. وصفهم أحد التقارير الأمريكية بأنهم "وطنيون أصيلون، مؤمنون دون أن يكونوا متطرفين، ولا ينادون بالطائفية." مجموعة الأزمة العالمية، وإلى جانبها صحيفة وول ستريت جورنال وقناة بي بي سي، فقد قالت إن كتيبة الفاروق قد تكون من المسلمين المعتدلين لا من الإسلاميين المتطرفين. بالطبع، كانت كل هذه المزاعم مضللة وكاذبة. قال السوريون في حمص أن كتيبة الفاروق دخلت إلى حمص وهي تنادي بشعار واحد "العلويون إلى التابوت، المسيحيون إلى بيروت". وكانوا يهتفون "الله أكبر" وهم يفجرون مستشفى حمص، لأنه كان يعالج الجرحى من الجنود. قالت الكنائس أن كتيبة الفاروق مسؤولة عن عمليات التطهير العرقي التي شملت أكثر من ٥٠ ألف مسيحي في المدينة، إلى جانب فرض "الجزية الإسلامية". يقول الصحافي رضوان مرتضى" أن معظم مقاتلي الفاروق هم من السلفيين الطائفيين الذين تمولهم وتسلحهم السعودية. وبعد ذلك، تعاملت الكتيبة مع عدة مجموعات تابعة للقاعدة، وكانوا أول من اتهم الجيش بالجرائم التي اقترفوها. دعونا الآن نناقش بعض الاتهامات التي وجهت للجيش العربي السوري. في شهر أيار من عام ٢٠١٢، وقبل أيام من اجتماع مجلس الأمن لمناقشة احتمالية التدخل في سوريا، حدثت مجزرة مريعة حصدت أرواح أكثر ١٠٠ شخص في الحولة. سارعت الحكومات الغربية فورياً إلى لوم الحكومة السورية، التي اتهمت بدورها الإرهابيين المدعومين من الخارج. في البدء، قال المسؤولون الغربيون أن المجزرة حدثت بسبب قذائف من الجيش استهدفت القرية، ولكنهم سرعان ما تراجعوا عن أقوالهم عندما تم إثبات أن معظم الضحايا قتلوا عن قرب. بل إن أحد التقارير اتهم "شبيحة" الحكومة. ولكن لم يكن هناك أي دافع يدعم هذا الادعاء. وعلى الرغم من أن مجزرة الحولة لم تتسبب في التدخل بشكل يشابه ما حدث في ليبيا، وذلك بفضل معارضة روسيا والصين، إلا أن الموضوع أثار جدالاً واسعاً بين الكتاب والصحافيين. تمكن بعض الصحافيين الروسيين والألمان من الالتقاء بعدد من الناجين من المجزرة، الذين قالوا أن كتيبة الفاروق، بقيادة بعد الرزاق طلاس، تمكنوا من القضاء على خمسة حواجز صغيرة للجيش، ومن ثم ذبح أهالي القرية. كانت المجموعة تستهدف العائلات العلوية وتلك الموالية للحكومة، إلى جانب عدد من العائلات السنية. كانت الحولة بداية لعدد من المجازر المشابهة التي ألقي فيها اللوم على الجيش. عندما تم قتل ٢٤٥ شخصاً في داريا (آب ٢٠١٢)، نقلت التقارير الإعلامية التي اعتمدت على ناشطي المعارضة أن "جيش الأسد قد اقترف مجزرة". وسرعان ما دحض الصحافي البريطاني روبرت فيسك هذه النظرية، حيث قال إن ما يسمى " الجيش الحر " قتل مدنيين وجنوداً مختطفين بعد فشله في مبادلتهم بمعتقلين لدى الجيش. وعندما قتل ١٢٠ شخصاً في عقرب (كانون الأول ٢٠١٣)، قالت صحيفة نيويورك تايمز "أفراد من طائفة الأسد متهمون في مجزرة في سوريا." وفي الواقع، اكتشف الصحافي البريطاني ألكس ثومبسون أن الضحايا هم من كانوا من المجتمع العلوي الذي ينتمي إليه الرئيس الأسد. قامت مجموعات ما يسمى " الجيش الحر " باختطاف ٥٠٠ علوياً لتسعة أيام، قبل أن تقتل هذه المجموعات ربع العدد. ومع ذلك، وبسبب عدم التحقق عن كثب من الحوادث أو المجازر، كان كل اتهام يضاف إلى جرائم الجيش العربي السوري، بالنسبة لمن هم خارج سوريا على الأقل. اتهام آخر يواجه الجيش العربي السوري هو القصف العشوائي على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، مما يتسبب دوماً في سقوط ضحايا من المدنيين. السؤال الهام هنا هو، كيف تمكن الجيش من إخراج المجموعات المسلحة من المراكز المدنية؟ لأولئك المهتمين بالمعرفة، يمكن الاطلاع على بعض المعلومات من عملية تحرير القصير، وهي بلدة تقع على الحدود اللبنانية، وكانت تحت سيطرة كتائب الفاروق ومجموعات سلفية أخرى تضم العديد من المقاتلين الأجانب. قام الجيش هنا بعملية "جراحية" فعلياً، ولكن، وفي شهر أيار من عام ٢٠١٣، وبعد فشل المفاوضات، قرر الجيش الهجوم الكامل. عمل الجيش على توزيع قصاصات ورقية من الجو، في الوقت الذي أكد فيه أحد "الناشطين" أنه لا يوجد أي ممر آمن للمدنيين. عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها حول الرسائل التي حملتها تلك القصاصات، قائلة إن إصرار النظام على نزوح المدنيين يجسد وحشيته المستمرة. وهكذا، وفي الخامس من حزيران، حرر الجيش العربي السوري القصير، بمساعدة من حزب الله، دافعاً بكتائب الفاروق وشركائهم من المجموعات التابعة للقاعدة إلى لبنان. هذه العملية متوقعة من أي جيش يواجه مجموعات إرهابية تحتل مناطق مدنية. وهنا، بدأ التحول إلى صالح سوريا. الجريمة الأكثر بشاعةً كانت الهجوم الكيميائي الذي حدث في شهر آب من عام ٢٠١٣ في منطقة الغوطة الشرقية القريبة من دمشق. كانت الحكومة السورية قد عبرت قبل شهور عن قلقها بشأن هجمات الغاز الذي تقوم به المجموعات الإرهابية، كما دعت محققي الأمم المتحدة إلى دمشق للتحقيق في هذا الشأن. وحال وصول المحققين، نشرت المجموعات المتمردة شريط فيديو لأطفال قتلى، واتهمت الحكومة السورية بمجزرة جديدة أيدتها الحكومة الأمريكية ومجموعة حقوق الإنسان في واشنطن على الفور. وعليه، تم تجاهل التحقيق في الهجمات الكيميائية التي قام بها الإسلاميون، وسلط الضوء على الأطفال. طالب الإعلام الغربي بالتدخل العسكري. لم يتوقف التصعيد نحو الحرب إلا بسبب التدخل الروسي واقتراحه أن تقوم سوريا بتسليم أسلحتها الكيميائية التي لم يسبق لها استخدامها بتاتاً. أدت غزارة التقارير التي تناولت مجزرة الغوطة الشرقية بالصحافيين الغربيين إلى الاعتقاد أن الاتهامات مثبتة ضد الحكومة السورية. ولكن، كل هذه الاتهامات سقطت بفضل سلسلة من التقارير المستقلة. وبعد ذلك بفترة وجيزة، قام صحافي يقطن في الأردن بذكر أن سكان الغوطة الشرقية يلقون باللوم على الأمير السعودي بندر، الذي زود المجموعات المسلحة بالأسلحة الكيماوية. وبعد ذلك، قدمت مجموعة سورية، تقودها الأم أغنيس مريم، تفصيلاً دقيقاً عن الفيديو المستخدم كدليل ضد الحكومة السورية، قالت فيه المجموعة أن تسجيل الفيديو سبق الاعتداء. أتت التقارير المفصلة أيضاً من خارج سوريا. كتب الصحافي الأمريكي المخضرم سيمور هيرش أن دليل الاستخبارات الأمريكية مزور ومنتقى بعناية من أجل تبرير الضربة ضد الأسد. مجموعة من المحامين والكتاب الأتراك قالوا أن "معظم الجرائم" المقترفة ضد المدنيين السوريين، بما فيها الاعتداء على الغوطة الشرقية، كانت على يد مجموعات مسلحة في سوريا. مرة أخرى، وعلى الرغم من التقارير التي تثبت إدانة المجموعات المسلحة، إلا أن الحكومة الأمريكية ومؤسسة حقوق الإنسان لم تتراجع عن رأيها ولم تعتذر عن اتهامها الخاطئ. أضف إلى ذلك، أن الحكومات الغربية والتقارير الإعلامية لا تنفك عن تكرار واستعادة هذه الاتهامات وكأنها حقيقية. عندما التقيت بالرئيس الأسد، إلى جانب عدد من الأستراليين، كانت صورته متوافقة تماماً مع صورة طبيب العيون الخلوق التي سادت ما قبل عام ٢٠١١. عبر الرئيس الأسد عن قلقه العميق بشأن تأثر الأطفال بما يرونه من بشاعات إرهابية على صدى تكبيرات الإرهابيين. إنه ليس بطاغية بكل تأكيد، ولا يشبه بأي شكل من الأشكال صدام حسين أو جورج دبليو بوش. العنصر الأساسي في صمود سوريا حتى اليوم هو التماسك والالتزام والدعم الشعبي منقطع النظير للجيش. يعرف السوريون أن جيشهم يمثل سوريا التعددية وأنه يقاتل إرهابيين طائفيين. لم يتشقق هذا الجيش بسبب اختلاف الطوائف، وهذا ما كان التكفيريون يأملون بحدوثه، وكافة الانشقاقات عنه كانت صغيرة ولم تتجاوز ٢٪. هل اقترف الجيش أخطاءً؟ على الأغلب، ولكنها كانت موجهة دوماً ضد المجموعات المسلحة. هناك أدلة على إعدام إرهابيين أجانب، وهي بالطبع جريمة، ولكنها جريمة تلقى إلى حد ما دعماً شعبياً في سوريا. ولكن الجيش يبقى ملتزماً، بأوامر الرئيس طيب القلب، التي توجه إلى الحفاظ على حياة المقاتلين السوريين. ومع ذلك، وعلى الرغم من الادعاءات التي يكررها الإسلاميون الطائفيون ومن يدعمهم في الغرب، ليس هناك أية أدلة على أن الجيش العربي السوري قام عمداً بقصف المدنيين. وهو أمر لا دافع له على الإطلاق. كما أن سلوك الناس في الشوارع يعزز الثقة بالجيش. لا يلقي أغلبية السوريين باللوم على جيشهم بشأن العنف الفظيع الذي يميز هذه الحرب، وإنما يدينون بشدة الإرهابيين الأجانب. نفس الإرهابيين الذين يلقون دعم حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا. إن المشاركة العالية في الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران الماضي، والتي بلغت ٧٣٪، بالرغم من الحرب التي تدور رحاها في البلاد، كانت خير إثبات على ثقة الشعب ببشار الأسد الذي فاز بنسبة ٨٨٪. لم تتمكن كل الأجهزة الإعلامية، بما فيها البي بي سي، من إخفاء الجماهير التي خرجت للانتخاب، وخاصة تلك التي أحاطت بالسفارة السورية في بيروت. لا تصل نسبة المشاركة في الانتخابات الأمريكية إلى هذا المستوى، وليس بوسع أي قائد غربي أن يدعي أنه يتمتع بدعم شعبي يشابه ما يحظى به هذا "الدكتاتور". إن فوز بشار الأسد هو خير إثبات على عدم وجود أي انقلاب شعبي ضده، وفي الحقيقة، لقد تنامت شعبيته وأصبحت أكبر وأعظم مما قبل.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة