حاولت «جبهة النصرة» منذ تأسيسها في سوريا، بداية العام 2012، أن تعطي لنفسها صورة مغايرة عن أفرع تنظيم «القاعدة»

بشكل عام وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بشكل خاص، والظهور بمظهر التنظيم المعتدل الذي يحظى بحاضنة شعبية تدعمه نتيجة الاهتمام الذي يوليه لها.

وقد تكون هذه الرغبة في التمايز من أهم الأسباب التي دفعت زعيمها أبي محمد الجولاني، في نيسان العام 2103، إلى رفض الاندماج مع «دولة العراق الإسلامية»، برغم أنه كان منتدباً من قبلها، وعمل سراً تحت إدارتها طوال عام وأربعة أشهر.

وتبذل «جبهة النصرة» جهوداً كبيرة لتكريس صورة الاعتدال والابتعاد عن العنف المفرط أو الغلو في التطرف. وتضاعفت هذه الجهود منذ الخلاف مع «الدولة الإسلامية» المتهم بارتكاب الفظائع والتمادي في العنف إلى مستويات غير مسبوقة. ولشدة التنافس، كانت جهود «النصرة» تكتسي طابعاً طريفاً يدفع إلى السخرية، خصوصاً في ما يتعلق بأدائها بخصوص مخطوفي الجيش اللبناني وإعلانها عن قتل أحد الجنود «رمياً بالرصاص» وليس ذبحاً، وكأن ذلك يغير من حقيقة أن العنف واحد بالنسبة لمن أزهقت روحه.

ومما لا شك فيه أن جهود «الجبهة» حققت بعض أهدافها بهذا الخصوص، سواء في أوساط المعارضة السورية الخارجية، حيث ما زالت تتلقى المديح والثناء من كبار المعارضين، أمثال جورج صبرا وميشال كيلو والمخرج المسرحي همام الحوت، أم في أوساط التيارات الإسلامية حول العالم، التي تنظر إليها على أنها ثمرة مراجعات «القاعدة»، بقيادة زعيمه أيمن الظواهري، لسلوكه.

والغريب أن حسن نية بعض المعارضين السوريين تتعارض حتى مع الانتقادات التي يوجهها كبار قادة «جبهة النصرة» لبعض قيادييها وفئات مقاتليها بأنهم يحملون فكر «داعش». وفي هذا السياق فإن «المسؤول الشرعي العام» السابق أبو ماريا القحطاني لا يزال يحذر من «الدواعش الموجودين بين ظهرانينا»، أي في «جبهة النصرة»، معتبراً أنهم يشكلون خطراً على الجبهة بل على «الجهاد الشامي» برمته، بينما لا نسمع مثل هذه التحذيرات من معارضين يفترض أنهم يتعاطون السياسة. فعلى سبيل المثال فإن جورج صبرا كان يطمئن قبل أسابيع أهالي مدينة محردة، ذات الغالبية المسيحية، بأنه لا خوف عليهم إذا احتلت «النصرة» مدينتهم، في تأكيد منه على ثقته الكاملة بسلوكها.

أما الحقيقة فهي أن «جبهة النصرة» ليست سوى الابنة العاقة لـ«الدولة الإسلامية»، خرجت من رحمه وتربت في أحضانه ريثما كبرت وتمردت عليه. لكنها ما زالت تحمل جيناته الوراثية التي تتحكم بسلوكها وتوجهاتها. ومهما حاولت التظاهر والتصنع فإن هذه الجينات ستظل تعبر عن نفسها من وقت إلى آخر، من خلال تصرفات وحشية يرتكبها أحد قادتها أو عناصرها.

وإذا كان موضوع قطع الرؤوس الذي يرتكبه «داعش» لاقى ضجة إعلامية واسعة، محلياً وعالمياً، واعتبر ذروة من ذرى العنف التي لم يسبق «داعش» إليها أي تنظيم «جهادي» آخر قبله، فإن المعطيات المتوافرة كافة كانت تشير إلى أن «جبهة النصرة» تمارس قطع الرؤوس، وليس في أدبياتها ما يحرم مثل هذه الأفعال، لكنها، كانت نتيجة سياسة التمويه التي تتبعها، تحاول إخفاء هذه الممارسات وعدم الإعلان عنها كما كان يفعل «داعش».

وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع الأسبوع الماضي، عندما أقدمت «النصرة» في دورين بريف اللاذقية على قطع رؤوس أربعة جنود   وتعليقها على أوتاد حديدية مربوطة بمدفع رشاش. وقامت بتصوير الرؤوس المعلقة، ونشرها على صفحات مناصريها على مواقع التواصل الاجتماعي.

واضطرت «النصرة» إلى إظهار هذا السلوك العنيف، للمرة الأولى، نتيجة الخسارة الفادحة التي وقعت في صفوف مقاتليها، لا سيما الأجانب منهم، حيث سقط لها عشرات القتلى بصواريخ الجيش السوري التي استهدفت معاقلها في التلال المحيطة بدورين، وكان من أبرزهم أبو همام التبوكي وأبو سعد النجدي وآخرون من جنسيات مختلفة.

وأمام هذه الخسارة لم تملك قيادة «النصرة في الساحل» إلا الخروج عن طور التظاهر والرجوع إلى حقيقتها، حيث عمدت إلى جثث بعض الجنود   الذين سقطوا جراء الاشتباكات، وقامت بقطع رؤوس أربعة منهم على الأقل وتعليقها على فوهة المدفع، في تصرف يمحو الحدود بينها وبين منافسها الألد «داعش»، ويلغي التمايز الذي حاولت تكريسه طوال الفترة الماضية، لتبقى الحقيقة أن «القاعدة» لا تستطيع الخروج من جلدها، وأن كل المسميات ليست سوى تعبير عن جوهر واحد، هو العنف والإرهاب.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-12
  • 11170
  • من الأرشيف

«جبهة النصرة» تقطع الرؤوس أيضاً

حاولت «جبهة النصرة» منذ تأسيسها في سوريا، بداية العام 2012، أن تعطي لنفسها صورة مغايرة عن أفرع تنظيم «القاعدة» بشكل عام وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» بشكل خاص، والظهور بمظهر التنظيم المعتدل الذي يحظى بحاضنة شعبية تدعمه نتيجة الاهتمام الذي يوليه لها. وقد تكون هذه الرغبة في التمايز من أهم الأسباب التي دفعت زعيمها أبي محمد الجولاني، في نيسان العام 2103، إلى رفض الاندماج مع «دولة العراق الإسلامية»، برغم أنه كان منتدباً من قبلها، وعمل سراً تحت إدارتها طوال عام وأربعة أشهر. وتبذل «جبهة النصرة» جهوداً كبيرة لتكريس صورة الاعتدال والابتعاد عن العنف المفرط أو الغلو في التطرف. وتضاعفت هذه الجهود منذ الخلاف مع «الدولة الإسلامية» المتهم بارتكاب الفظائع والتمادي في العنف إلى مستويات غير مسبوقة. ولشدة التنافس، كانت جهود «النصرة» تكتسي طابعاً طريفاً يدفع إلى السخرية، خصوصاً في ما يتعلق بأدائها بخصوص مخطوفي الجيش اللبناني وإعلانها عن قتل أحد الجنود «رمياً بالرصاص» وليس ذبحاً، وكأن ذلك يغير من حقيقة أن العنف واحد بالنسبة لمن أزهقت روحه. ومما لا شك فيه أن جهود «الجبهة» حققت بعض أهدافها بهذا الخصوص، سواء في أوساط المعارضة السورية الخارجية، حيث ما زالت تتلقى المديح والثناء من كبار المعارضين، أمثال جورج صبرا وميشال كيلو والمخرج المسرحي همام الحوت، أم في أوساط التيارات الإسلامية حول العالم، التي تنظر إليها على أنها ثمرة مراجعات «القاعدة»، بقيادة زعيمه أيمن الظواهري، لسلوكه. والغريب أن حسن نية بعض المعارضين السوريين تتعارض حتى مع الانتقادات التي يوجهها كبار قادة «جبهة النصرة» لبعض قيادييها وفئات مقاتليها بأنهم يحملون فكر «داعش». وفي هذا السياق فإن «المسؤول الشرعي العام» السابق أبو ماريا القحطاني لا يزال يحذر من «الدواعش الموجودين بين ظهرانينا»، أي في «جبهة النصرة»، معتبراً أنهم يشكلون خطراً على الجبهة بل على «الجهاد الشامي» برمته، بينما لا نسمع مثل هذه التحذيرات من معارضين يفترض أنهم يتعاطون السياسة. فعلى سبيل المثال فإن جورج صبرا كان يطمئن قبل أسابيع أهالي مدينة محردة، ذات الغالبية المسيحية، بأنه لا خوف عليهم إذا احتلت «النصرة» مدينتهم، في تأكيد منه على ثقته الكاملة بسلوكها. أما الحقيقة فهي أن «جبهة النصرة» ليست سوى الابنة العاقة لـ«الدولة الإسلامية»، خرجت من رحمه وتربت في أحضانه ريثما كبرت وتمردت عليه. لكنها ما زالت تحمل جيناته الوراثية التي تتحكم بسلوكها وتوجهاتها. ومهما حاولت التظاهر والتصنع فإن هذه الجينات ستظل تعبر عن نفسها من وقت إلى آخر، من خلال تصرفات وحشية يرتكبها أحد قادتها أو عناصرها. وإذا كان موضوع قطع الرؤوس الذي يرتكبه «داعش» لاقى ضجة إعلامية واسعة، محلياً وعالمياً، واعتبر ذروة من ذرى العنف التي لم يسبق «داعش» إليها أي تنظيم «جهادي» آخر قبله، فإن المعطيات المتوافرة كافة كانت تشير إلى أن «جبهة النصرة» تمارس قطع الرؤوس، وليس في أدبياتها ما يحرم مثل هذه الأفعال، لكنها، كانت نتيجة سياسة التمويه التي تتبعها، تحاول إخفاء هذه الممارسات وعدم الإعلان عنها كما كان يفعل «داعش». وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع الأسبوع الماضي، عندما أقدمت «النصرة» في دورين بريف اللاذقية على قطع رؤوس أربعة جنود   وتعليقها على أوتاد حديدية مربوطة بمدفع رشاش. وقامت بتصوير الرؤوس المعلقة، ونشرها على صفحات مناصريها على مواقع التواصل الاجتماعي. واضطرت «النصرة» إلى إظهار هذا السلوك العنيف، للمرة الأولى، نتيجة الخسارة الفادحة التي وقعت في صفوف مقاتليها، لا سيما الأجانب منهم، حيث سقط لها عشرات القتلى بصواريخ الجيش السوري التي استهدفت معاقلها في التلال المحيطة بدورين، وكان من أبرزهم أبو همام التبوكي وأبو سعد النجدي وآخرون من جنسيات مختلفة. وأمام هذه الخسارة لم تملك قيادة «النصرة في الساحل» إلا الخروج عن طور التظاهر والرجوع إلى حقيقتها، حيث عمدت إلى جثث بعض الجنود   الذين سقطوا جراء الاشتباكات، وقامت بقطع رؤوس أربعة منهم على الأقل وتعليقها على فوهة المدفع، في تصرف يمحو الحدود بينها وبين منافسها الألد «داعش»، ويلغي التمايز الذي حاولت تكريسه طوال الفترة الماضية، لتبقى الحقيقة أن «القاعدة» لا تستطيع الخروج من جلدها، وأن كل المسميات ليست سوى تعبير عن جوهر واحد، هو العنف والإرهاب.

المصدر : السفير / عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة