دشن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي في طريقه إلى مدينة طرطوس الساحلية مشاريع خدماتية عدة في حمص. الزيارة جاءت بعد أيام على مجزرة تفجيري عكرمة اللذين أوديا بحياة 38 شخصاً جلهم من الأطفال وفق حصيلة رسمية، وأحدثا بلبلة في الشارع الحمصي، هي «من أكثر ما تخشاه» الدولة، ما يعني استعدادها «لمواجهته بأي ثمن»، وفقاً لما ذكره مسؤولون محليون في المدينة لـ«السفير».

الحلقي، الذي تقدّم وفداً كبيراً من المسؤولين، افتتح مشروعاً للسكن الشبابي كما بعض الأجنحة الطبية في مستشفيات عامة، ولكنه في الوقت ذاته زار مجمع المدارس الذي تعرّض للتفجير وتفقد جرحاه (132 مصاباً)، وخيمة العزاء التي ضمّت ممثلين عن عائلات الضحايا الكثر والمتضامنين معهم.

الزيارة جاءت أيضاً، بعد تظاهرة خرجت في اليوم التالي للتفجير طالب فيها المنادون بعزل محافظ حمص طلال البرازي، وهو شخصية ما زالت تثير جدلاً في أوساط الحمصيين، نتيجة نظرته الخاصة لطرق معالجة الصراع في حمص وغيرها من المناطق.

التظاهرة التي وجدت تغطية إعلامية غربية متميزة، رفعت شعار «لا مدارس حتى إقالة المحافظ»، وعلّق معارضون كثر، أن تظاهرة العام 2014 رفعت مظالم تظاهرة ربيع العام 2011 ذاتها، والتي تصدرها مطلب رئيسي حينها وهو عزل محافظ حمص المثير للجدل هو الآخر إياد غزال.

وقال آخرون إنّ أي إطلاق نار لم يحدث في التظاهرة، في إشارة إلى اتهام القوى الأمنية ســابقاً بإطلاق النار على المتــظاهرين. وهي اتهامات كانت تنفيها السلطة، بل وتنسب عموماً في خطابها كل عمليات القتل لـ«طرف ثالث» هدفه التصعيد.

ويقول مسؤولون محليون لـ«السفير» إن هذه القضية هي أكثر ما يتمّ الخشية منه في حمص. يعني «أن يأتي طرف لا نعرفه في تظاهرة كالتي خرجت بعد مجزرة عكرمة، ينسلّ بين المتظاهرين، فيفجّرهم أو يقتل بعضهم عن بُعد»، حينها سندخل «في متاهة جديدة»، والحذر القائم اتجاه هذه القضية هــو حذر «خاص» بحمص تحديداً، وفقاً للجهة ذاتها.

وهذا الأمر أيضاً، يجعل من حمص تعاني أكثر من غيرها، نظراً إلى خصوصيتها الديموغرافية والجغرافية. فمن الناحية الأولى تضم المدينة وريفها كامل النسيج المكون للمجتمع السوري، أي مذاهبه الإسلامية والمسيحية، كما تضم أقليات إثنية وقبلية. كما أنها تشكل بمساحتها الأكبر في سوريا، قلب المنطقة الوسطى الواصلة بين دمشق والساحل من جهة، والحدود العراقية واللبنانية من جهة أخرى.

ولكون حمص من أولى المدن التي شهدت تظاهرات واحتجاجات، كما عمليات قتل متبادل، يعقد هذه النقطة أكثر بنظر المشرفين على وضع المدينة العام، يضاف إلى السابق مسألة لا تقل أهمية هي الأخرى، وهي أن المدينة جسدت بشكل مثير للانتباه، «القصة السورية» التي لم يتم الإلمام بنهاياتها بعد.

ومن أول الاحتجاجات إلى أولى المجازر، إلى حالة فوضى عارمة في المدينة، وصولاً إلى عملية عسكرية جامحة، ومن بعدها عودة انتعاش نسبي للمدينة، من دون نسيان عنصر بارز أيضاً، وهو احتواء ريف المدينة على أولى عمليات المصالحة الوطنية والتي بدأت في تلكلخ وصارت سياسة دولة عامة بعدها بوقت قصير.

لذا، يقول أحد المسؤولين لـ«السفير»، تعليقاً على تظاهرة ما بعد المجزرة، إن «من يريد العمل في الشارع الحمصي، نقول من دون تردد إن مآرب غير سليمة تحرّكه»، مضيفاً بشيء من الحزم «ممنوع اللعب في الشارع الحمصي. وممنوع العودة إلى الوراء».

وتعليقاً على هذا الأمر، سبق لمتابعين ليوميات الأحداث الأخيرة أن أشاروا إلى عمليات تحذير وتوقيف حصلت مع «دخلاء» استغلوا تحركات «إسقاط المحافظ»، وتردّد أن «أعدادهم كانت قليلة وأن غالبيتهم ليست من ذوي الضحايا». وبرغم أن هذه هي رواية الجانب الحكومي أكثر منها رواية المنكوبين الذين يريدون «محاسبة من نوع ما للاختراق الأمني الذي حصل»، إلا أن ما أطلق عليه «المعالجة الهادئة لهذه القضية بهدف استيعاب الشارع» بدأت بنتائجها «المرجوة» من هذه الناحية. فالمدينة تعيش حياتها الطبيعية، مع هامش حذر قسري وحزن كبير لا مفرّ منه.

ويحاول المسؤولون في كل مرة يحدث فيها تفجير أو يسقط صاروخ على «حي موالٍ»، كما يُسمّى تجاوزاً، أن يعالجوا الفرضيات العديدة التي تطلقها مشاعر الناس قبل قناعاتهم. وغالباً ما يتّهم حي الوعر، الجيب الأخير في المدينة الذي لا يزال يقع تحت سيطرة المسلحين، والذي بدوره يتعرض للقصف من الجيش السوري.

وبالرغم من أن معارضي الوعر نظموا «مسيرة تضامنية مع ضحايا التفجير من الأطفال»، إلا أنهم رغبوا بدورهم في توجيه الاتهامات إلى أحد أذرعه العسكرية بالمسؤولية عن التفجير. وبرغم ذلك، اعترف معارضون كثر أن الأسلوب الانتحاري يثبت أن الجهة المسؤولة تكفيرية، إلا أنهم استخدموا حجة الاختراق الأمني لتقوية موقفهم.

من جهتهم، يتهم الموالون جهات في الوعر في ممارسة هذه العدائية الانتقامية. ولا ينجو من اتهامات الطرفين، المصنفين بـ«الفاسدين» على الضفتين، ممن يسهلون «عملية تنقل المتفجرات نتيجة تحقيق مصالح مادية».

بدورهم، يرجح المسؤولون المحليون أن تكون هذه التفجيرات صادرة بالمطلق عن رافضي «أي منطق تحاوري أو تصالحي بين الأطراف المتقاتلة»، سواء مثلت الدولة أو المعارضة وتشعباتهما العديدة.

ولا ينكر أحد المسؤولين المحليين رفيعي المستوى «وجود مستفيدين من الطرفين من حالة النزاع القائمة والمستمرة»، والتي يعني استمرارها وقتاً أطول «ثروات أكبر».

وللدلالة، يقول إن العنصر المعارض بحد ذاته، تنطوي العلاقة معه على «إيجابيات غير ظاهرة للعلن». والحديث هنا كما يؤكد بخصوص العنصر السوري لا الأجنبي، المرفوض. «صحيح أن هدنة ومصالحة الوعر فشلت مرات عدة، لكن وجود بعض العناصر المتعاونة هو الذي يبقي احتمالها قائماً دوماً»، برغم الخضات الأمنية.

ويشير المسؤول إلى قضية مشابهة تمثلت في اتفاق غير معلن جرى بين السلطات وفصائل عسكرية معارضة في منطقة الحولة في شرق حمص، حين تعرّضت أبراج توتر كهربائي عدة للتخريب في منطقة جسر القاع. توصل حينها الطرفان إلى اتفاق بإعادة إصلاحها، ضَمَن شقاً إغاثياً للمناطق المجاورة في المقابل، فسمح لورشات الكهرباء بالمرور والصيانة، ما سمح بعودة تغذية التيار الكهربائي إلى محافظات عدة، كما رفع منسوبها من 60 ميغاوات لمدينة حمص إلى 120.

تمرين أو نموذج الكهرباء الأخير، وفقاً لما يرى مسؤول محلي سابق، يؤكد دوماً أن «التعامل مع الطرف الآخر مسموح وفقاً لضرورات معينة»، وأن هذا «التعامل هو الذي يسمح مع الوقت بكسر حلقة الحرب الدائرة».

  • فريق ماسة
  • 2014-10-10
  • 13113
  • من الأرشيف

حمص تمضي في منطقها التصالحي: الحوار مع الآخر يكسر حلقة الحرب

دشن رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي في طريقه إلى مدينة طرطوس الساحلية مشاريع خدماتية عدة في حمص. الزيارة جاءت بعد أيام على مجزرة تفجيري عكرمة اللذين أوديا بحياة 38 شخصاً جلهم من الأطفال وفق حصيلة رسمية، وأحدثا بلبلة في الشارع الحمصي، هي «من أكثر ما تخشاه» الدولة، ما يعني استعدادها «لمواجهته بأي ثمن»، وفقاً لما ذكره مسؤولون محليون في المدينة لـ«السفير». الحلقي، الذي تقدّم وفداً كبيراً من المسؤولين، افتتح مشروعاً للسكن الشبابي كما بعض الأجنحة الطبية في مستشفيات عامة، ولكنه في الوقت ذاته زار مجمع المدارس الذي تعرّض للتفجير وتفقد جرحاه (132 مصاباً)، وخيمة العزاء التي ضمّت ممثلين عن عائلات الضحايا الكثر والمتضامنين معهم. الزيارة جاءت أيضاً، بعد تظاهرة خرجت في اليوم التالي للتفجير طالب فيها المنادون بعزل محافظ حمص طلال البرازي، وهو شخصية ما زالت تثير جدلاً في أوساط الحمصيين، نتيجة نظرته الخاصة لطرق معالجة الصراع في حمص وغيرها من المناطق. التظاهرة التي وجدت تغطية إعلامية غربية متميزة، رفعت شعار «لا مدارس حتى إقالة المحافظ»، وعلّق معارضون كثر، أن تظاهرة العام 2014 رفعت مظالم تظاهرة ربيع العام 2011 ذاتها، والتي تصدرها مطلب رئيسي حينها وهو عزل محافظ حمص المثير للجدل هو الآخر إياد غزال. وقال آخرون إنّ أي إطلاق نار لم يحدث في التظاهرة، في إشارة إلى اتهام القوى الأمنية ســابقاً بإطلاق النار على المتــظاهرين. وهي اتهامات كانت تنفيها السلطة، بل وتنسب عموماً في خطابها كل عمليات القتل لـ«طرف ثالث» هدفه التصعيد. ويقول مسؤولون محليون لـ«السفير» إن هذه القضية هي أكثر ما يتمّ الخشية منه في حمص. يعني «أن يأتي طرف لا نعرفه في تظاهرة كالتي خرجت بعد مجزرة عكرمة، ينسلّ بين المتظاهرين، فيفجّرهم أو يقتل بعضهم عن بُعد»، حينها سندخل «في متاهة جديدة»، والحذر القائم اتجاه هذه القضية هــو حذر «خاص» بحمص تحديداً، وفقاً للجهة ذاتها. وهذا الأمر أيضاً، يجعل من حمص تعاني أكثر من غيرها، نظراً إلى خصوصيتها الديموغرافية والجغرافية. فمن الناحية الأولى تضم المدينة وريفها كامل النسيج المكون للمجتمع السوري، أي مذاهبه الإسلامية والمسيحية، كما تضم أقليات إثنية وقبلية. كما أنها تشكل بمساحتها الأكبر في سوريا، قلب المنطقة الوسطى الواصلة بين دمشق والساحل من جهة، والحدود العراقية واللبنانية من جهة أخرى. ولكون حمص من أولى المدن التي شهدت تظاهرات واحتجاجات، كما عمليات قتل متبادل، يعقد هذه النقطة أكثر بنظر المشرفين على وضع المدينة العام، يضاف إلى السابق مسألة لا تقل أهمية هي الأخرى، وهي أن المدينة جسدت بشكل مثير للانتباه، «القصة السورية» التي لم يتم الإلمام بنهاياتها بعد. ومن أول الاحتجاجات إلى أولى المجازر، إلى حالة فوضى عارمة في المدينة، وصولاً إلى عملية عسكرية جامحة، ومن بعدها عودة انتعاش نسبي للمدينة، من دون نسيان عنصر بارز أيضاً، وهو احتواء ريف المدينة على أولى عمليات المصالحة الوطنية والتي بدأت في تلكلخ وصارت سياسة دولة عامة بعدها بوقت قصير. لذا، يقول أحد المسؤولين لـ«السفير»، تعليقاً على تظاهرة ما بعد المجزرة، إن «من يريد العمل في الشارع الحمصي، نقول من دون تردد إن مآرب غير سليمة تحرّكه»، مضيفاً بشيء من الحزم «ممنوع اللعب في الشارع الحمصي. وممنوع العودة إلى الوراء». وتعليقاً على هذا الأمر، سبق لمتابعين ليوميات الأحداث الأخيرة أن أشاروا إلى عمليات تحذير وتوقيف حصلت مع «دخلاء» استغلوا تحركات «إسقاط المحافظ»، وتردّد أن «أعدادهم كانت قليلة وأن غالبيتهم ليست من ذوي الضحايا». وبرغم أن هذه هي رواية الجانب الحكومي أكثر منها رواية المنكوبين الذين يريدون «محاسبة من نوع ما للاختراق الأمني الذي حصل»، إلا أن ما أطلق عليه «المعالجة الهادئة لهذه القضية بهدف استيعاب الشارع» بدأت بنتائجها «المرجوة» من هذه الناحية. فالمدينة تعيش حياتها الطبيعية، مع هامش حذر قسري وحزن كبير لا مفرّ منه. ويحاول المسؤولون في كل مرة يحدث فيها تفجير أو يسقط صاروخ على «حي موالٍ»، كما يُسمّى تجاوزاً، أن يعالجوا الفرضيات العديدة التي تطلقها مشاعر الناس قبل قناعاتهم. وغالباً ما يتّهم حي الوعر، الجيب الأخير في المدينة الذي لا يزال يقع تحت سيطرة المسلحين، والذي بدوره يتعرض للقصف من الجيش السوري. وبالرغم من أن معارضي الوعر نظموا «مسيرة تضامنية مع ضحايا التفجير من الأطفال»، إلا أنهم رغبوا بدورهم في توجيه الاتهامات إلى أحد أذرعه العسكرية بالمسؤولية عن التفجير. وبرغم ذلك، اعترف معارضون كثر أن الأسلوب الانتحاري يثبت أن الجهة المسؤولة تكفيرية، إلا أنهم استخدموا حجة الاختراق الأمني لتقوية موقفهم. من جهتهم، يتهم الموالون جهات في الوعر في ممارسة هذه العدائية الانتقامية. ولا ينجو من اتهامات الطرفين، المصنفين بـ«الفاسدين» على الضفتين، ممن يسهلون «عملية تنقل المتفجرات نتيجة تحقيق مصالح مادية». بدورهم، يرجح المسؤولون المحليون أن تكون هذه التفجيرات صادرة بالمطلق عن رافضي «أي منطق تحاوري أو تصالحي بين الأطراف المتقاتلة»، سواء مثلت الدولة أو المعارضة وتشعباتهما العديدة. ولا ينكر أحد المسؤولين المحليين رفيعي المستوى «وجود مستفيدين من الطرفين من حالة النزاع القائمة والمستمرة»، والتي يعني استمرارها وقتاً أطول «ثروات أكبر». وللدلالة، يقول إن العنصر المعارض بحد ذاته، تنطوي العلاقة معه على «إيجابيات غير ظاهرة للعلن». والحديث هنا كما يؤكد بخصوص العنصر السوري لا الأجنبي، المرفوض. «صحيح أن هدنة ومصالحة الوعر فشلت مرات عدة، لكن وجود بعض العناصر المتعاونة هو الذي يبقي احتمالها قائماً دوماً»، برغم الخضات الأمنية. ويشير المسؤول إلى قضية مشابهة تمثلت في اتفاق غير معلن جرى بين السلطات وفصائل عسكرية معارضة في منطقة الحولة في شرق حمص، حين تعرّضت أبراج توتر كهربائي عدة للتخريب في منطقة جسر القاع. توصل حينها الطرفان إلى اتفاق بإعادة إصلاحها، ضَمَن شقاً إغاثياً للمناطق المجاورة في المقابل، فسمح لورشات الكهرباء بالمرور والصيانة، ما سمح بعودة تغذية التيار الكهربائي إلى محافظات عدة، كما رفع منسوبها من 60 ميغاوات لمدينة حمص إلى 120. تمرين أو نموذج الكهرباء الأخير، وفقاً لما يرى مسؤول محلي سابق، يؤكد دوماً أن «التعامل مع الطرف الآخر مسموح وفقاً لضرورات معينة»، وأن هذا «التعامل هو الذي يسمح مع الوقت بكسر حلقة الحرب الدائرة».

المصدر : السفير / زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة