دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تضافرت عوامل كثيرة على تسريع الكارثة التي يتابع العالم تفاصيلها في مدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب منذ 20 يوماً.
وإذا كانت السياسة الدولية باختلافاتها وتناقضاتها من جهة، وعجز إستراتيجية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» عن إحداث فرق في توازن القوى من جهة ثانية، لعبا دوراً في ذلك، فإن الخطأ الاستراتيجي لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية، من خلال تناغمها مع التحالف الدولي وتغيير تحالفاتها فجأة للتلاقي معه على أرضية مشتركة، كان له الدور الأبرز في إدخال عين العرب في عين العاصفة «الداعشية».
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا أوقف أو هدّأ «داعش» القتال على كل الجبهات المفتوحة بينه وبين جميع خصومه بالتزامن مع بدء الحديث عن تشكيل تحالف دولي لمحاربته، بينما سارع إلى فتح جبهة ضخمة في عين العرب، لم تكن تشكل أولوية بالنسبة له من قبل، خصوصاً أن معركته الأخيرة كانت باتجاه مدن اعزاز ومارع وتل رفعت؟
تحاول بعض الأحزاب الكردية، وعلى رأسها «الاتحاد الديموقراطي»، التأكيد على وجود علاقة تبعية بين «داعش» والاستخبارات التركية، وأن الأخيرة أوعزت إلى «الدولة الاسلامية» باقتحام عين العرب لتحقيق هدفين، الأول نسف مشروع الإدارة الذاتية الذي تعتبره تركيا يهدد أمنها القومي، والثاني تمهيد الأرض المناسبة لضمان قبول إقليمي ودولي بمشروع المنطقة العازلة.
غير أن هذا التفسير، وأي تفسير آخر، ينطلق من فرضية وجود علاقة تبعية بين «داعش» وأي جهاز استخباري آخر، سيؤدي إلى الوقوع في التناقض، لافتقاره إلى وجود وقائع ميدانية كافية لإسناده، خاصة في ظل السجال العالمي الحاصل، والذي يحاول من خلاله كل محور ربط «داعش» بأجهزة استخبارات دول المحور المناهض له. لكن يجدر التنويه إلى أن انتفاء الرابط التبعي، لا يعني عدم وجود تقاطع مصالح بين «داعش» وأجهزة الاستخبارات بشكل متفاوت ومرحلي، كما لا يعني أن تقاطع المصالح لا يجعل الطرفين يتبادلان الخدمات والفوائد بينهما، في الوقت الذي يخطط كل منهما لاستهداف الآخر في مرحلة لاحقة، فالتبعية شيء وتقاطع المصالح شيء آخر.
ويتجاهل قياديو «الاتحاد الديموقراطي»، الذي يوصف بأنه الفرع السوري لـ«حزب العمال الكردستاني»، مسؤولية أدائهم السياسي والعسكري في إشعال نار الحرب في عين العرب. فقد حاولوا طوال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية، اللعب على التناقضات والسير على أكثر من حبل في وقت واحد، للحصول على مكاسب خاصة بهم. فمن جهة أعلنوا عن الإدارة الذاتية في المناطق الخاضعة لسيطرة مقاتليهم، وأهمها عين العرب وعفرين والقامشلي، وذلك بغطاء من بعض العشائر العربية، حيث تم تعيين شيخ عشيرة شمّر حميدي جربا حاكماً لمقاطعة الجزيرة. ومن جهة ثانية، حاولوا امتطاء صهوة التحالف الدولي، عبر الانقلاب على مواقفهم السابقة، والدخول في تحالفات عسكرية جديدة بهدف تعديل موازين القوى، الأمر الذي كان له أثر كبير في وضع عين العرب في قلب الحدث.
إذ بالتزامن مع بدء الحديث عن تشكيل تحالف دولي لمحاربة «داعش» في سوريا، ظهرت «وحدات حماية الشعب» و«وحدات حماية المرأة» بصورة واحدة مع أعدائهما بالأمس، من بعض ألوية «الجيش الحر» وبعض الألوية التركمانية، وذلك من خلال الإعلان عن تشكيل «غرفة عمليات بركان الفرات» قبل هجوم «الدولة الإسلامية» على عين العرب بأسبوع فقط. وأعلن أن هدف «غرفة العمليات» هو استعادة السيطرة على قرى الفرات، انطلاقاً من قره قوزاق وصرين مروراً بجرابلس ومنبج وريفها وصولاً إلى محافظة الرقة وريفها. أي جميع المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في الرقة وريف حلب الشرقي.
وخبر تشكيل هذه الغرفة لم يكن عابراً، رغم عدم الاهتمام الإعلامي به، لأنه ينطوي على انقلاب حقيقي في مواقف «وحدات حماية الشعب» التي كانت على خصومة وعداء مع «الجيش الحر» طوال السنوات الماضية، فإذ بها تتحالف معه فجأة، ومن دون مقدمات.
وإذا كان تشكيل التحالف الدولي لمحاربة «داعش» هو المتغير الوحيد الحاصل، فقد كان من السهل الاستنتاج أن «وحدات الحماية» قررت، بقرار من جناحها السياسي، التغاضي عن خصومتها مع «الجيش الحر» والدخول في تحالف معه، في محاولة للحصول على حصة من كعـكة الغنـائم التي من المتوقع توزيعها عند نجاح التحالف في سحق «الدولة الإسلامية».
وما نسمعه اليوم من تبريرات عسكرية لهزيمة «وحدات حماية الشعب» في عين العرب تتعلق بالفارق النوعي بين أسلحة الطرفين لمصلحة «داعش» يؤكد مدى اعتماد «غرفة عمليات بركان الفرات» على دعم التحالف الدولي، وليس على إمكاناتها الذاتية، وإلا كان قرارها بمحاربة «الدولة الإسلامية»، برغم هذا الفارق النوعي، نوعاً من الانتحار الذي لم تكن مضطرة له في هذا التوقيت.
وقد نظر «داعش» إلى «غرفة عمليات بركان الفرات» في ضوء سياسته الخاصة واستراتيجيته لمواجهة حرب التحالف الدولي ضده، ووجد أنها تمثل نواة شديدة الخطورة عليه، خصوصاً لجهة قرب الفصائل المتحالفة ضمنها، من مناطق سيطرته في الرقة وشرق حلب ووجودها على خطوط تماس مع مقاتليه على مسافات طويلة. وبما أنه خبر حرب الاستنزاف التي تشنها هذه الفصائل ضده منذ عدة أشهر، وقدرتها على إلحاق خسائر به، فقد ثارت لديه مخاوف حقيقية من قدرة هذه الغرفة على قلب موازين القوى في المنطقة إذا حصلت على دعم حقيقي من التحالف الدولي. لذلك لم يكن أمامه إلا المبادرة إلى محاربتها والقضاء عليها، قبل أن تتحول إلى كابوس بالنسبة له. لذلك كان هجومه على مدينة عين العرب والقرى المحيطة بها، لأنها تمثل العمق الاستراتيجي لـ«غرفة بركان الفرات» وفصائلها المسلحة.
فهل وقعت «وحدات حماية الشعب» ضحية خديعة، في ظل انفضاض فصائل «بركان الفرات» من حولها وعدم اشتراكهم الفعال في الدفاع عن عين العرب؟ أم أنها أساءت قراءة المشهد، ووضعت ثقتها في التحالف الدولي الذي في ما يبدو لديه أجندات مختلفة عن الأجندة الكردية في سوريا؟
المصدر :
السفير/ عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة