اشتدّ تبادل الانتقادات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية مؤخراً على خلفية لقاء الرئيس باراك أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة الأميركية قبل أيام.

وبات واضحاً للجميع أن محاولة نتنياهو تخفيف التوتر مع إدارة أوباما لم تجدِ نفعاً، لأنها لم تتضمّن أي محاولة جدية لتغيير السلوك الإسرائيلي. فقد استمرّت سياسة فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض من ناحية، وتواصلت من ناحية أخرى محاولة إسرائيل الظهور بمظهر مَن يملي على الولايات المتحدة سياستها في الشرق الأوسط، خصوصاً في الشأن النووي الإيراني.

وقد بلغ تبادل الانتقادات ذروته في الأيام الأخيرة حينما عادت الإدارة الأميركية لإعلان رفضها للانتقادات الإسرائيلية لموقفها من الاستيطان في القدس الشرقية والتشكيك في القيم الأميركية.

ووصف المتحدث بلسان البيت الأبيض جوش إرنست كلام نتنياهو عن أن الموقف الأميركي من الاستيطان يتعارض مع القيم الأميركية بأنه «غريب».

وقال إرنست إن «هذا غريب من جانبه أن يدافع عن موقف الحكومة الإسرائيلية عن طريق القول إن الموقف الأميركي يناقض القيم الأميركية. إن القيم الأميركية كانت السبب الذي من أجله تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل لا يعرف المساومة، كما في تمويل منظومة القبة الحديدية» التي تحمي الإسرائيليين. وكرر إرنست انتقاد بلاده لاستمرار البناء الاستيطاني، معتبراً أن ذلك «يبعث رسالة مقلقة» بشأن نيات إسرائيل.

وأضاف أن «السياسة الأميركية بشأن البناء في المستوطنات كانت حثيثة وواضحة على طول الطريق وتحت مختلف الإدارات الجمهورية والديموقراطية على حد سواء». وقال «إننا نعارض كل عمل من طرف واحد يهدف للتأثير على الوضع في نهاية العملية بما في ذلك في القدس. فهذه يمكن أن تتقرر بشكل مشروع فقط عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهي المفاوضات التي بذل الرئيس أوباما جهداً كبيراً من أجل تسهيلها».

وكانت المتحدثة بلسان الخارجية الأميركية جان ساكي قد أعلنت «أنني والناطق بلسان البيت الأبيض جوش أرنست، انتقدنا البناء في تلة الطائرة في القدس على أساس وقائع على الأرض». وشدّدت على رفض اتهام نتنياهو لأميركا بأنها لا تصدر مواقفها بناء على «وقائع» وقالت إن «المعلومات لدينا واضحة ووصلت من الميدان. وهذه عملية بناء متواصلة على مراحل عدة»، وشددت على أن هذه الأعمال «قد تسبب شروخاً بين إسرائيل وحلفائها الأقربين».

واعتبر معلقون إسرائيليون كلام إرنست جزءاً من حملة أميركية واسعة لم يسبق لها مثيل تعبر عن استياء الإدارة من سلسلة اللقاءات الصحافية التي أجراها نتنياهو مع وسائل إعلام أميركية انتقد فيها بشدة موقف الإدارة الأميركية من الاستيطان. وكان كلام إرنست واضحاً لجهة إيمان الإدارة بأن نتنياهو في كلامه يتجاهل بشكل مقصود مخاوف الإدارة الأميركية من أثر استمرار الاستيطان على الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط.

ورأى المراقبون في تل أبيب في الرد الأميركي على انتقادات نتنياهو إشارة إلى استمرار التدهور في العلاقات بين الحكومتين. وبحسب البيت الأبيض فإن نتنياهو يواصل رفض الإقرار بالدعم الأميركي المتواصل لإسرائيل على مر السنين.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أبلغ الصحافيين بعد ساعات قليلة من لقائه بأوباما رفضه الانتقادات الشديدة التي وجهها البيت الأبيض ضد الاستيطان اليهودي في حي سلوان المقدسي وضد عطاءات البناء في بيت صفافا في القدس الشرقية. وزعم نتنياهو أن هذه الانتقادات من جانب البيت الأبيض تعارض حق اليهود في شراء بيوت في القدس وهو ما يناقض القيم الأميركية. وحينها حاول نتنياهو التساذج من خلال تجريد عمليات الاستيطان من أي بعد سياسي والإيحاء بأنها مجرد ممارسة فردية لحرية السكن وهو ما يسمح به القانون في كل بلاد العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة.

وقال نتنياهو مستخدماً أكاذيب مفضوحة في إطار التساجل مع الإدارة الأميركية «إنني لا أفهم هذه الانتقادات ولا أقبل هذا الموقف. فالعرب في القدس يشترون شققاً بشكل حرّ في غرب المدينة ولا أحد يقول إن هذا محظور عليهم. وأنا لا أنوي أن أقول لليهود إنه محظور عليهم شراء شقق في القدس الشرقية. هذه ممتلكات خاصة وحقوق خاصة. لا يمكن التمييز هنا لا ضد اليهود ولا ضد العرب. هذا يناقض حتى القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة». بل ذهب نتنياهو في أحد لقاءاته إلى حد القول إن الموقف الأميركي يتناقض حتى مع «المنطق البسيط».

وحتى بعد عودته من واشنطن وفي اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي روبي ريفلين واصل نتنياهو حملته على الإدارة الأميركية فقال «هل عندما يحدث ذلك في القدس، علينا أن نعتذر عنه؟ أو إلغاؤه؟ لا يخطر ببالي، ولا يخطر ببالك كما لا يخطر ببال يهودي عاقل أو أي شخص عاقل ونزيه».

من جانبه رد ريفلين بأن «أحد الأمور الأشد وضوحاً في وحدة الشعب هو الاتفاق الشامل على القدس كعاصمة لإسرائيل وعلى وجوب أن يفهم العالم ذلك. فالقدس عاصمتنا، وكعاصمة لنا ينبغي أن نسمح لسكان المدينة بالعيش والسكن فيها».

لكن زعيم المعارضة ورئيس «حزب العمل» اسحق هرتسوغ علق على تصريحات إرنست، معلناً أنه «ليست هناك حفرة في العلاقات مع الولايات المتحدة لم يسقط فيها نتنياهو. فرئيس الحكومة مرة تلو مرة يسبب شجارات حمقاء وخطيرة مع الإدارة الأميركية ومرة أخرى يلحق الضرر بالمصالح الأشد جوهرية لدولة إسرائيل ومواطنيها. إن الشرخ الاستراتيجي في العلاقات مع الولايات المتحدة يواجه كل شركاء الائتلاف الحكومي، وأنا أدعو لبيد وليفني لاستخلاص العبر من ذلك».

  • فريق ماسة
  • 2014-10-07
  • 11857
  • من الأرشيف

سجال أميركي مع نتنياهو لا يتوقف: «القيم الأميركية» تحمي الإسرائيليين

اشتدّ تبادل الانتقادات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية مؤخراً على خلفية لقاء الرئيس باراك أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة الأميركية قبل أيام. وبات واضحاً للجميع أن محاولة نتنياهو تخفيف التوتر مع إدارة أوباما لم تجدِ نفعاً، لأنها لم تتضمّن أي محاولة جدية لتغيير السلوك الإسرائيلي. فقد استمرّت سياسة فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض من ناحية، وتواصلت من ناحية أخرى محاولة إسرائيل الظهور بمظهر مَن يملي على الولايات المتحدة سياستها في الشرق الأوسط، خصوصاً في الشأن النووي الإيراني. وقد بلغ تبادل الانتقادات ذروته في الأيام الأخيرة حينما عادت الإدارة الأميركية لإعلان رفضها للانتقادات الإسرائيلية لموقفها من الاستيطان في القدس الشرقية والتشكيك في القيم الأميركية. ووصف المتحدث بلسان البيت الأبيض جوش إرنست كلام نتنياهو عن أن الموقف الأميركي من الاستيطان يتعارض مع القيم الأميركية بأنه «غريب». وقال إرنست إن «هذا غريب من جانبه أن يدافع عن موقف الحكومة الإسرائيلية عن طريق القول إن الموقف الأميركي يناقض القيم الأميركية. إن القيم الأميركية كانت السبب الذي من أجله تدعم الولايات المتحدة إسرائيل بشكل لا يعرف المساومة، كما في تمويل منظومة القبة الحديدية» التي تحمي الإسرائيليين. وكرر إرنست انتقاد بلاده لاستمرار البناء الاستيطاني، معتبراً أن ذلك «يبعث رسالة مقلقة» بشأن نيات إسرائيل. وأضاف أن «السياسة الأميركية بشأن البناء في المستوطنات كانت حثيثة وواضحة على طول الطريق وتحت مختلف الإدارات الجمهورية والديموقراطية على حد سواء». وقال «إننا نعارض كل عمل من طرف واحد يهدف للتأثير على الوضع في نهاية العملية بما في ذلك في القدس. فهذه يمكن أن تتقرر بشكل مشروع فقط عبر مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهي المفاوضات التي بذل الرئيس أوباما جهداً كبيراً من أجل تسهيلها». وكانت المتحدثة بلسان الخارجية الأميركية جان ساكي قد أعلنت «أنني والناطق بلسان البيت الأبيض جوش أرنست، انتقدنا البناء في تلة الطائرة في القدس على أساس وقائع على الأرض». وشدّدت على رفض اتهام نتنياهو لأميركا بأنها لا تصدر مواقفها بناء على «وقائع» وقالت إن «المعلومات لدينا واضحة ووصلت من الميدان. وهذه عملية بناء متواصلة على مراحل عدة»، وشددت على أن هذه الأعمال «قد تسبب شروخاً بين إسرائيل وحلفائها الأقربين». واعتبر معلقون إسرائيليون كلام إرنست جزءاً من حملة أميركية واسعة لم يسبق لها مثيل تعبر عن استياء الإدارة من سلسلة اللقاءات الصحافية التي أجراها نتنياهو مع وسائل إعلام أميركية انتقد فيها بشدة موقف الإدارة الأميركية من الاستيطان. وكان كلام إرنست واضحاً لجهة إيمان الإدارة بأن نتنياهو في كلامه يتجاهل بشكل مقصود مخاوف الإدارة الأميركية من أثر استمرار الاستيطان على الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط. ورأى المراقبون في تل أبيب في الرد الأميركي على انتقادات نتنياهو إشارة إلى استمرار التدهور في العلاقات بين الحكومتين. وبحسب البيت الأبيض فإن نتنياهو يواصل رفض الإقرار بالدعم الأميركي المتواصل لإسرائيل على مر السنين. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية قد أبلغ الصحافيين بعد ساعات قليلة من لقائه بأوباما رفضه الانتقادات الشديدة التي وجهها البيت الأبيض ضد الاستيطان اليهودي في حي سلوان المقدسي وضد عطاءات البناء في بيت صفافا في القدس الشرقية. وزعم نتنياهو أن هذه الانتقادات من جانب البيت الأبيض تعارض حق اليهود في شراء بيوت في القدس وهو ما يناقض القيم الأميركية. وحينها حاول نتنياهو التساذج من خلال تجريد عمليات الاستيطان من أي بعد سياسي والإيحاء بأنها مجرد ممارسة فردية لحرية السكن وهو ما يسمح به القانون في كل بلاد العالم، خصوصاً في الولايات المتحدة. وقال نتنياهو مستخدماً أكاذيب مفضوحة في إطار التساجل مع الإدارة الأميركية «إنني لا أفهم هذه الانتقادات ولا أقبل هذا الموقف. فالعرب في القدس يشترون شققاً بشكل حرّ في غرب المدينة ولا أحد يقول إن هذا محظور عليهم. وأنا لا أنوي أن أقول لليهود إنه محظور عليهم شراء شقق في القدس الشرقية. هذه ممتلكات خاصة وحقوق خاصة. لا يمكن التمييز هنا لا ضد اليهود ولا ضد العرب. هذا يناقض حتى القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة». بل ذهب نتنياهو في أحد لقاءاته إلى حد القول إن الموقف الأميركي يتناقض حتى مع «المنطق البسيط». وحتى بعد عودته من واشنطن وفي اجتماعه مع الرئيس الإسرائيلي روبي ريفلين واصل نتنياهو حملته على الإدارة الأميركية فقال «هل عندما يحدث ذلك في القدس، علينا أن نعتذر عنه؟ أو إلغاؤه؟ لا يخطر ببالي، ولا يخطر ببالك كما لا يخطر ببال يهودي عاقل أو أي شخص عاقل ونزيه». من جانبه رد ريفلين بأن «أحد الأمور الأشد وضوحاً في وحدة الشعب هو الاتفاق الشامل على القدس كعاصمة لإسرائيل وعلى وجوب أن يفهم العالم ذلك. فالقدس عاصمتنا، وكعاصمة لنا ينبغي أن نسمح لسكان المدينة بالعيش والسكن فيها». لكن زعيم المعارضة ورئيس «حزب العمل» اسحق هرتسوغ علق على تصريحات إرنست، معلناً أنه «ليست هناك حفرة في العلاقات مع الولايات المتحدة لم يسقط فيها نتنياهو. فرئيس الحكومة مرة تلو مرة يسبب شجارات حمقاء وخطيرة مع الإدارة الأميركية ومرة أخرى يلحق الضرر بالمصالح الأشد جوهرية لدولة إسرائيل ومواطنيها. إن الشرخ الاستراتيجي في العلاقات مع الولايات المتحدة يواجه كل شركاء الائتلاف الحكومي، وأنا أدعو لبيد وليفني لاستخلاص العبر من ذلك».

المصدر : السفير/ حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة