تتوالى فصول معركة النفوذ في غوطة دمشق بين الفصائل المسلحة. وبينما يستمر «جيش الإسلام» في مسرحية ملاحقة قادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» لإعطاء نفسه مشروعية إقليمية ودولية، تتصاعد حدة الخلافات بينه وبين خصمه اللدود قائد «لواء شهداء دوما» أحمد طه (أبو صبحي)، لتدور المنطقة في حلقة جديدة من مسلسل الاغتيالات والتصفيات التي غالباً ما يبقى فاعلها مجهول الهوية، برغم معرفة الجميع به.

فلم يعد خافياً أن قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، المدعوم سعودياً، يسعى منذ بداية الأحداث في سوريا إلى وضع يده على سلطة القرار في الغوطة الشرقية، وتنصيب نفسه «سيداً مطاعاً» من قبل جميع الفصائل المسلحة المتواجدة فيها. وكان سعيه يصطدم دائماً بمسعىً مضاد يقوده خصمه اللدود أحمد طه، وهو ما أدخل الطرفين في سلسلة من الصراعات التي تهدأ حيناً وتشتعل غالبية الأحيان، متخذة أشكالاً مختلفة من الاغتيالات السرية والمعارك المباشرة وحتى الانسحابات التكتيكية المضرة بالخصم.

ومؤخراً شكَّل زهران علوش «القيادة العسكرية الموحدة للغوطة الشرقية»، بالاشتراك مع كل من «أحرار الشام» و«فيلق الرحمن» و«ألوية الحبيب المصطفى» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، منصِّباً نفسه قائداً عاماً للتشكيل الجديد. وكانت الغاية الأساسية لهذه الخطوة هي تعزيز قوة «القضاء الموحد في الغوطة» وترسيخه كقوة تنفيذية قضائية لـ«محاربة الفساد» وإنشاء غرفة عمليات عسكرية موحدة. وهي صيغة تمنح القائمين عليها حقوق وصلاحيات «الإمارة»، من دون الاضطرار إلى إعلانها بـشكل رسمي، وبالتالي ملاحقة خصومهم والتخلص منهم باسم «الشريعة»، وتحت غطاء القضاء المشكل من قبلها. وكانت «جبهة النصرة» لجأت إلى الصيغة نفسها لترسيخ سيطـرتها ونفوذهـا في ريف إدلب، عبر تشكيل ما أسمته «دار القضاء».

وعلى وقع المعركة التي قام بهـا في منطقة الدخانية والكباس محاولاً اختراق دفاعات دمشق، والتي تمكن الجيش السوري من صدها ومنعها من تحقيق أهدافها، وعلى وقع استمراره في الادِّعاء بمحاربة «داعش» واتخاذ إجراءات وتدابير استعراضية لذلك، حيث أعلن عن مكافأة مالية قدرها مليون ليرة سورية لمن يساعد في إلقاء القبض على عدد من قادة «داعش»، منهم أبو أنس العراقي وأبو بسام ميدعا وأبو مصعب الكويتي وحيدرة العراقي وأبو محمد التونسي وأبو علي الجوفي، كانت توقعات علوش أن الكفة ستميل لمصلحته وأنه سينجح أخيراً في فرض زعامته على منطقة الغوطة من دون أي منافس.

ووُصفت هذه التدابير بالاستعراضية، لأنها من جهة غير جدية. فمثلاً أبو علي الجوفي، المطلوب من قبل علوش، مقتول منذ عدة أشهر، واسمه الحقيقي فيصل علي الرويلي، ولأنها من جهة ثانية غير فعالة، حيث لم ينجح علوش في منع المفخخات من الانفجار في عقر داره في مدينة دوما، برغم كل مخبريه، فكيف يمكنه المراهنة على مكافأة مالية لاعتقال كبار قادة «داعش» في المنطقة؟.

وبناء على التوقعات السابقة، شعر علوش بالصدمة عندما علم بقيام منافسه القديم أبو صبحي بتشكيل تحالف عسكري جديد أسماه «جيش الأمة»، مؤلفاً من «شهداء دوما» و«أسود الغوطة» و«لواء الفاروق عمر» و«فتح الشام» و«شهداء عربين» و«أنصار الأمة» وغيرها. وما زاد الطين بلة عند علوش تشكيل تحالف آخر باسم «فيلق عمر»، ضم عدداً من الفصائل المسلحة في جبهة المرج في الغوطة الشرقية، منها «لواء الشباب الصادقين» و«لواء جند الرحمن».

ولم يتمالك علوش نفسه، فخرج الجمعة الماضي، ليخطب في أنصاره مهدداً الفصائل التي تعمل على شق الصف «بردعها، وأنه لن يصبر عليها طويلاً»، مؤكداً أنه «لن يسمح أن يكون هناك رأسان لجسد واحد»، داعياً جميع الفصائل إلى الانضواء تحت «راية الوحدة التي حدثت في الغوطة»، في إشارة إلى تحالف «القيادة العسكرية الموحدة» التي يقودها.

ولم تمض ساعات على تهديد علوش حتى أفاقت الغوطة على خبر اغتيال جديد، فقد تم اغتيال بشير الأجوة، القائد الميداني في «لواء أسود الغوطة» الذي يتولى قائده أبو خالد الأجوة منصب نائب القائد العام لـ«جيش الأمة» أبو صبحي منافس علوش اللدود. وكان من الطبيعي أن تتجه أصابع الاتهام إلى زهران علوش، الذي ما زالت تهديداته ترن في أجواء المدينة، الأمر الذي رفع درجة الاحتقان إلى مستويات غير مسبوقة، مهدداً بإدخال الطرفين في حلقة جديدة من حلقات الصراع الدموي.

وبرغم مسارعة علوش إلى إصدار بيان ينفي فيه علاقته بمقتل الأجوة، مجيِّراً الاتهام إلى ما اسماها أصابع الغدر والخيانة، إلا أن ذلك لم يخفف من غضب «لواء أسود الغوطة» الذي سارع أمس إلى توزيع منشورات في مدينة دوما، مطالباً الأهالي فيها «بالانشقاق عن «جيش زهران علوش» خلال مدة أقصاها 24 ساعة، وأن أي قائد أو عنصر يبقى في هذا «الجيش» سيكون هدفاً مشروعاً، بسبب العمل الإجرامي الذي قام به علوش بقتله بشير الأجوة ومرافقه أحمد الحصري.

وتعتبر هذه الدعوة إلى الانشقاق بمثابة إعلان حرب على «جيش الإسلام» وحلفائه، ولا يقلل من شأنها أن يصدر في وقت متأخر من مساء أمس، نفي لها عن القيادة العامة لـ«جيش الأمة» التي أكدت عدم صلتها بالمنشورات، الأمر الذي يعني أن توزيع المنشورات قد يكون باجتهاد منفرد من «أسود الغوطة» أو من طرف ثالث له مصلحة في تعميق الهوة بين الطرفين. فهل تتدحرج كرة النار «الجهادية» لتحرق ما تبقى من الغوطة، بعد أن أحرقت المنطقة الشرقية، أم أنها ستكون جولة قصيرة من جولات العداء تنضم إلى مثيلاتها التي أعقبت حوادث الاغتيال السابقة، كاغتيال أبو نذير خبية وأبو همام وأبو هارون سقبا وغيرهم؟

وأياً يكن يبقى السؤال: إلى متى يمكن للغوطة أن تتحمل المزيد من سفك الدماء باسم الدين، واحتكار تطبيقه؟ وهل قدرها أن تتحول إلى فسطاط الدم والموت، لأن «الجهاديين» آمنوا، بناء على حديث ضعيف عن الرسول، أنها فسطاط المسلمين في حربهم مع «بني الأصفر»؟.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-21
  • 13618
  • من الأرشيف

الغوطة: معركة نفوذ جديدة.. وقادة «داعش» مطلوبون

تتوالى فصول معركة النفوذ في غوطة دمشق بين الفصائل المسلحة. وبينما يستمر «جيش الإسلام» في مسرحية ملاحقة قادة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» لإعطاء نفسه مشروعية إقليمية ودولية، تتصاعد حدة الخلافات بينه وبين خصمه اللدود قائد «لواء شهداء دوما» أحمد طه (أبو صبحي)، لتدور المنطقة في حلقة جديدة من مسلسل الاغتيالات والتصفيات التي غالباً ما يبقى فاعلها مجهول الهوية، برغم معرفة الجميع به. فلم يعد خافياً أن قائد «جيش الإسلام» زهران علوش، المدعوم سعودياً، يسعى منذ بداية الأحداث في سوريا إلى وضع يده على سلطة القرار في الغوطة الشرقية، وتنصيب نفسه «سيداً مطاعاً» من قبل جميع الفصائل المسلحة المتواجدة فيها. وكان سعيه يصطدم دائماً بمسعىً مضاد يقوده خصمه اللدود أحمد طه، وهو ما أدخل الطرفين في سلسلة من الصراعات التي تهدأ حيناً وتشتعل غالبية الأحيان، متخذة أشكالاً مختلفة من الاغتيالات السرية والمعارك المباشرة وحتى الانسحابات التكتيكية المضرة بالخصم. ومؤخراً شكَّل زهران علوش «القيادة العسكرية الموحدة للغوطة الشرقية»، بالاشتراك مع كل من «أحرار الشام» و«فيلق الرحمن» و«ألوية الحبيب المصطفى» و«الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، منصِّباً نفسه قائداً عاماً للتشكيل الجديد. وكانت الغاية الأساسية لهذه الخطوة هي تعزيز قوة «القضاء الموحد في الغوطة» وترسيخه كقوة تنفيذية قضائية لـ«محاربة الفساد» وإنشاء غرفة عمليات عسكرية موحدة. وهي صيغة تمنح القائمين عليها حقوق وصلاحيات «الإمارة»، من دون الاضطرار إلى إعلانها بـشكل رسمي، وبالتالي ملاحقة خصومهم والتخلص منهم باسم «الشريعة»، وتحت غطاء القضاء المشكل من قبلها. وكانت «جبهة النصرة» لجأت إلى الصيغة نفسها لترسيخ سيطـرتها ونفوذهـا في ريف إدلب، عبر تشكيل ما أسمته «دار القضاء». وعلى وقع المعركة التي قام بهـا في منطقة الدخانية والكباس محاولاً اختراق دفاعات دمشق، والتي تمكن الجيش السوري من صدها ومنعها من تحقيق أهدافها، وعلى وقع استمراره في الادِّعاء بمحاربة «داعش» واتخاذ إجراءات وتدابير استعراضية لذلك، حيث أعلن عن مكافأة مالية قدرها مليون ليرة سورية لمن يساعد في إلقاء القبض على عدد من قادة «داعش»، منهم أبو أنس العراقي وأبو بسام ميدعا وأبو مصعب الكويتي وحيدرة العراقي وأبو محمد التونسي وأبو علي الجوفي، كانت توقعات علوش أن الكفة ستميل لمصلحته وأنه سينجح أخيراً في فرض زعامته على منطقة الغوطة من دون أي منافس. ووُصفت هذه التدابير بالاستعراضية، لأنها من جهة غير جدية. فمثلاً أبو علي الجوفي، المطلوب من قبل علوش، مقتول منذ عدة أشهر، واسمه الحقيقي فيصل علي الرويلي، ولأنها من جهة ثانية غير فعالة، حيث لم ينجح علوش في منع المفخخات من الانفجار في عقر داره في مدينة دوما، برغم كل مخبريه، فكيف يمكنه المراهنة على مكافأة مالية لاعتقال كبار قادة «داعش» في المنطقة؟. وبناء على التوقعات السابقة، شعر علوش بالصدمة عندما علم بقيام منافسه القديم أبو صبحي بتشكيل تحالف عسكري جديد أسماه «جيش الأمة»، مؤلفاً من «شهداء دوما» و«أسود الغوطة» و«لواء الفاروق عمر» و«فتح الشام» و«شهداء عربين» و«أنصار الأمة» وغيرها. وما زاد الطين بلة عند علوش تشكيل تحالف آخر باسم «فيلق عمر»، ضم عدداً من الفصائل المسلحة في جبهة المرج في الغوطة الشرقية، منها «لواء الشباب الصادقين» و«لواء جند الرحمن». ولم يتمالك علوش نفسه، فخرج الجمعة الماضي، ليخطب في أنصاره مهدداً الفصائل التي تعمل على شق الصف «بردعها، وأنه لن يصبر عليها طويلاً»، مؤكداً أنه «لن يسمح أن يكون هناك رأسان لجسد واحد»، داعياً جميع الفصائل إلى الانضواء تحت «راية الوحدة التي حدثت في الغوطة»، في إشارة إلى تحالف «القيادة العسكرية الموحدة» التي يقودها. ولم تمض ساعات على تهديد علوش حتى أفاقت الغوطة على خبر اغتيال جديد، فقد تم اغتيال بشير الأجوة، القائد الميداني في «لواء أسود الغوطة» الذي يتولى قائده أبو خالد الأجوة منصب نائب القائد العام لـ«جيش الأمة» أبو صبحي منافس علوش اللدود. وكان من الطبيعي أن تتجه أصابع الاتهام إلى زهران علوش، الذي ما زالت تهديداته ترن في أجواء المدينة، الأمر الذي رفع درجة الاحتقان إلى مستويات غير مسبوقة، مهدداً بإدخال الطرفين في حلقة جديدة من حلقات الصراع الدموي. وبرغم مسارعة علوش إلى إصدار بيان ينفي فيه علاقته بمقتل الأجوة، مجيِّراً الاتهام إلى ما اسماها أصابع الغدر والخيانة، إلا أن ذلك لم يخفف من غضب «لواء أسود الغوطة» الذي سارع أمس إلى توزيع منشورات في مدينة دوما، مطالباً الأهالي فيها «بالانشقاق عن «جيش زهران علوش» خلال مدة أقصاها 24 ساعة، وأن أي قائد أو عنصر يبقى في هذا «الجيش» سيكون هدفاً مشروعاً، بسبب العمل الإجرامي الذي قام به علوش بقتله بشير الأجوة ومرافقه أحمد الحصري. وتعتبر هذه الدعوة إلى الانشقاق بمثابة إعلان حرب على «جيش الإسلام» وحلفائه، ولا يقلل من شأنها أن يصدر في وقت متأخر من مساء أمس، نفي لها عن القيادة العامة لـ«جيش الأمة» التي أكدت عدم صلتها بالمنشورات، الأمر الذي يعني أن توزيع المنشورات قد يكون باجتهاد منفرد من «أسود الغوطة» أو من طرف ثالث له مصلحة في تعميق الهوة بين الطرفين. فهل تتدحرج كرة النار «الجهادية» لتحرق ما تبقى من الغوطة، بعد أن أحرقت المنطقة الشرقية، أم أنها ستكون جولة قصيرة من جولات العداء تنضم إلى مثيلاتها التي أعقبت حوادث الاغتيال السابقة، كاغتيال أبو نذير خبية وأبو همام وأبو هارون سقبا وغيرهم؟ وأياً يكن يبقى السؤال: إلى متى يمكن للغوطة أن تتحمل المزيد من سفك الدماء باسم الدين، واحتكار تطبيقه؟ وهل قدرها أن تتحول إلى فسطاط الدم والموت، لأن «الجهاديين» آمنوا، بناء على حديث ضعيف عن الرسول، أنها فسطاط المسلمين في حربهم مع «بني الأصفر»؟.

المصدر : السفير / عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة