دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ما زالت ظروف وملابسات عملية الافراج عن 49 دبلوماسيا تركيا وافراد عائلتهم بينهم القنصل العام في مدينة الموصل تتسم بالغموض التام، فبينما اكد الرئيس رجب طيب اردوغان ان هذا الافراج تم من خلال عملية كوماندوز نفذتها وحدة تابعة للمخابرات التركية تابعت الموقف بعناية منذ الحادي عشر من حزيران (يونيو) الماضي، قال رئيس وزرائه احمد داوود اوغلو “استلمنا مواطنينا واعدناهم الى تركيا” دون ان يعطي اي توضيحات حول عملية التسليم هذه، فمن الذي سلم ومن الذي استلم وكيف؟
اللافت ان “الدولة الاسلامية” التي “اسرت” هؤلاء طوال الاشهر الثلاثة الماضية التزمت الصمت المطبق، ولم تصدر اي بيان حول عملية الافراج هذه، سواء تمت بعد مفاوضات وربما دفع فدية، او من خلال عمل مسلح، ولكن صمتها هذا لن يدوم طويلا في جميع الاحوال.
بمعنى آخر، اذا كانت عملية الافراج هذه قد تمت من خلال عملية استخبارية عسكرية، فان “الدولة الاسلامية” ستنتقم حتما، وتركيا من غير المستبعد ان تتخلى في الوقت نفسه عن “تحفظها” في الانضمام الى التحالف الامريكي الجديد الهادف الى اضعاف “الدولة الاسلامية” تمهيدا للقضاء عليها، كليا او جزئيا، لان من اسباب هذا التحفظ هو الخوف على حياة هؤلاء الدبلوماسيين الاتراك، ومواجهتهم المصير نفسه للصحافيين الامريكيين الاثنين الذين اعدمتهما “الدولة” كرد على القصف الجوي الامريكي لمواقعها، ثم بعد ذلك الرهينة البريطاني ديفيد هيننز كرد على دعم السلطات البريطانية لقوات البيشمرغة الكردية بأسلحة حديثة.
السيد مولود جاويش اوغلو وزير خارجية تركيا الذي مثل بلاده في اجتماع جدة برئاسة جون كيري وزير الخارجية الامريكي بحضور 11 وزير خارجية بهدف تنسيق عمليات عسكرية للقضاء على تنظيم “الدولة الاسلامية” رفض التوقيع على البيان الختامي للاجتماع، والحكومة التركية نأت بنفسها كليا عن هذا التحالف، ورفضت حتى الآن السماح للطائرات الامريكية المغيرة على مواقع “الدولة الاسلامية” استخدم قاعدة انجيرليك الجوية القريبة، الامر الذي دفع هذه الطائرات الى استخدام قواعد امريكية في قاعدة العيديد الامريكية في قطر، بينما انطلقت الطائرات الحربية الفرنسية من قاعدة الظفرة في ابو ظبي.
لا بد ان “الدولة الاسلامية” التي تحرص على علاقات قوية مع تركيا ولم تقدم على تفجير ضريح سليمان باشا ابو السلاطين العثمانيين اسوة بأضرحة اخرى فجرتها في الموصل ومدن عراقية وسورية اخرى استولت عليها، قررت مكافأة السلطات التركية على موقفها الرافض للانضمام الى التحالف الامريكي بالافراج عن الرهائن الاتراك، او على الاقل تسهيل عملية الاستخبارات التركية للافراج عنهم.
فيصعب علينا ان نصدق ان عملية استخبارية تستخدم فيها اسلحة ومتفجرات للافراج عن ما يقرب من الخمسين رهينة تتم بهذه الدقة دون سفك نقطة دم واحدة، خاصة اننا نتحدث هنا عن تنظيم اسلامي جهادي قوي الشكيمة، وتتساقط امام تقدمه المدن والقرى الكردية شمال سورية، مثلما تساقطت امامه المدن والقرى العراقية والسورية مثل الموصل والرقة ودير الزور وتكريت.
الخيار التركي بعدم الانضمام الى التحالف الامريكي يتسم بالكثير من الحكمة والتعقل، ويذكرنا بالموقف التركي المماثل الذي اتخذه البرلمان بعدم الانضمام الى تحالف امريكي آخر لغزو العراق عام 2003 ومنعه من استخدام الاراضي التركية في هذا الغزو.
صحيح ان علاقات تركيا مع امريكا توترت بسبب هذا الرفض في المرة الاولى، ولكنها ستتوتر اكثر في المرة الثانية، فتركيا عضو في حلف “الناتو” وكانت من الدول الاكثر دعما للمعارضة السورية المسلحة التي تقاتل من اجل الاطاحة بالنظام السوري، كما ان النأي بنفسها عن هذا التحالف قد ينعكس سلبا على علاقاتها مع اقليم كردستان العراق، لانها لم تهرع ايضا لنجدة الاقليم عندما كانت قوات “الدولة الاسلامية” على بعد 30 كيلومترا من اربيل، وعلى عكس ايران التي سارعت بتقديم الاسلحة لقوات البيشمرغة.
ما يهم الرئيس اردوغان حاليا هو الحفاظ على امن مواطنيه وامن بلاده، وعدم انتقال التفجيرات الى مدنها ومصايفها الساحلية، وايا كانت الطريقة التي تمت من خلالها عملية الافراج عن الرهائن الاتراك لدى “الدولة الاسلامية”، فان عودة هؤلاء سالمين ستعزز شعبيته وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه.
المصدر :
(رأي اليوم - عبد الباري عطوان)
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة