أطلق الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) "بالون اختبار" على درجة كبيرة من الأهمية، يمهد لحدوث تحول جذري في موقف الحركة من اسرائيل، يذكرنا ببالونات مماثلة أطلقها الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات عندما كان يمهد للتخلي عن الكفاح المسلح واعتماد نهج المفاوضات السلمية للوصول إلى تسوية الصراع العربي الاسرائيلي.الدكتور أبو مرزوق فاجأ الجميع، وأولها نحن في هذه الصحيفة، عندما قال في مقابلة مع محطة تلفزيون "القدس" المقربة من حركة "حماس" وننقل حرفياً ، "أن حركة حماس قد تضطر إلى خوض مفاوضات مباشرة مع اسرائيل بضغط شعبي في حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق"،  وأضاف، "أن حركته لا تضع "فيتو" على المفاوضات السياسية مع اسرائيل طالما اضطرت إلى ذلك".

بداية لا بد من التأكيد بأن الدكتور أبو مرزوق لا يمكن أن يطلق مثل هذه التصريحات المفصلية الخطيرة دون أن يكون قد حصل على ضوء أخضر من قيادة حركة "حماس" فالاجتهادات الشخصية محرمة وممنوعة عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع اسرائيل الذي ظل خطاً أحمراً  تبنته الحركة منذ تأسيسها على يد الشهيد أحمد ياسين.

اللافت أن هذه التصريحات تأتي بعد أيام قليلة من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الذي تصدت له حركة حماس إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى ببسالة لأكثر من خمسين يوماً حظي بتقدير عربي إسلامي كبير، وزاد من شعبيتها في أوساط الشعب الفلسطيني خاصة.

ولا نعرف الدوافع الحقيقية التي تدفع حركة "حماس" للانزلاق إلى هذا الطريق الوعر الذي أزلقت إليه حركة "فتح" قبلها ولم تجن من ورائه غير تراجع شعبيتها، وفشلها في الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، والوقوع في مصيدة مفاوضات عقيمة لم تقد إلى تحقيق مشروعها الوطني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تنفيذاً لاتفاقات أوسلو.

ندرك جيداً أن قطاع غزة الذي تديره حركة "حماس" ما زال يخضع للحصار الخانق، وأن اتفاق المصالحة فشل بسبب رفض الرئيس محمود عباس تنفيذ بنوده وعلى رأسها استلام مسؤولية السلطة في القطاع، كما أن الآمال في تطبيق اتفاق القاهرة الأخير الذي أدى إلى وقف إطلاق النار ونص على إنهاء الحصار وفتح المعابر، تتراجع بشكل متسارع، ولكن هذا لا يعني، ولا يبرر، أن تذهب حركة "حماس" من النقيض إلى النقيض وتتخلى عن ثوابتها التي جعلت الشعب الفلسطيني تلتف حولها، ومن خلفها الأمة الاسلامية بأسرها.

حركة "حماس" استحقت مكانتها في قلوب وعقول الكثيرين لأنها تمسكت بسلاح المقاومة ورفضت الاعتراف باتفاقات أوسلو، وأصرت على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتخليها عن هذه الثوابت سيضعها في الخندق نفسه الذي تقف فيه حركة "فتح"، والأخطر من ذلك أن هذا الموقف الجديد إذا ما تم تبنيه سيعطي مصداقية للمواقف التفاوضية للسلطة ورئيسها، وصوابية اتباعها والتمسك بها.

 

بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل سيكون سعيداً في تخلي حركة "حماس" عن ثوابتها والتحول الى نهج المفاوضات، ولكنه لن يكون متسرعا في الموافقة عليه، بل سيمارس كل أنواع الابتزاز للحصول على أكبر قدر من التنازلات من جانبها، وربما يفيد التذكير بأن إسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي أصر على اعتراف منظمة التحرير بدولة اسرائيل، والتخلي عن الكفاح المسلح، قبل الدخول في أي مفاوضات معها، فهل سترضخ حركة "حماس" لهذه الشروط الاسرائيلية وغيرها، وتذهب مجردة من الأعمدة الرئيسية في إيديولوجيتها التي أوصلتها إلى المكانة التي تحتلها كحركة مقاومة في أوساط العرب والمسلمين؟

التوجهات التي أعلنها الدكتور أبو مرزوق ستصيب الكثيرين من أنصارها، والداعمين لها، وهم بالملايين بخيبة أمل كبرى، وفي مثل هذا التوقيت بالذات، حيث لم تجف دماء شهداء العدوان الاسرائيلي الأخير بعد.

لا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس محمود عباس سيكون أكثر الناس سعادة بمثل هذا التحول الحمساوي الخطير، وسيفرك يدية فرحاً هو وكل القادة العرب الآخرين الذين تواطأوا مع العدوان الاسرائيلي، وسيرون في هذا التحول انتصارا للحصار وتفريطاً بأرواح الشهداء، وسيقول لمن حوله "لقد انتصرنا.. وانتصر حصارنا وكل سياساتنا وها هي حماس تقتفي خطانا متأخرة عشرين عاماً على الأقل".

فيبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تنافساً بين "حماس" و"فتح" على إرضاء إسرائيل، وليس على مقاومتها واحتلالها، هذه كارثة الكوارث.

هل نقول هنيئاً للرئيس عباس، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والصحافة المصرية التي راهنت على تركيع حركة "حماس"؟ نتريث قليلاً حتى يهدأ غبار تصريحات الدكتور أبو مرزوق لنعرف ما خلفها وتحتها.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-11
  • 6519
  • من الأرشيف

هل تمهد "حماس" للاعتراف بإسرائيل على طريقة عرفات؟

أطلق الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي في حركة المقاومة الاسلامية (حماس) "بالون اختبار" على درجة كبيرة من الأهمية، يمهد لحدوث تحول جذري في موقف الحركة من اسرائيل، يذكرنا ببالونات مماثلة أطلقها الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات عندما كان يمهد للتخلي عن الكفاح المسلح واعتماد نهج المفاوضات السلمية للوصول إلى تسوية الصراع العربي الاسرائيلي.الدكتور أبو مرزوق فاجأ الجميع، وأولها نحن في هذه الصحيفة، عندما قال في مقابلة مع محطة تلفزيون "القدس" المقربة من حركة "حماس" وننقل حرفياً ، "أن حركة حماس قد تضطر إلى خوض مفاوضات مباشرة مع اسرائيل بضغط شعبي في حال استمر الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه من حصار خانق"،  وأضاف، "أن حركته لا تضع "فيتو" على المفاوضات السياسية مع اسرائيل طالما اضطرت إلى ذلك". بداية لا بد من التأكيد بأن الدكتور أبو مرزوق لا يمكن أن يطلق مثل هذه التصريحات المفصلية الخطيرة دون أن يكون قد حصل على ضوء أخضر من قيادة حركة "حماس" فالاجتهادات الشخصية محرمة وممنوعة عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع اسرائيل الذي ظل خطاً أحمراً  تبنته الحركة منذ تأسيسها على يد الشهيد أحمد ياسين. اللافت أن هذه التصريحات تأتي بعد أيام قليلة من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الذي تصدت له حركة حماس إلى جانب فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى ببسالة لأكثر من خمسين يوماً حظي بتقدير عربي إسلامي كبير، وزاد من شعبيتها في أوساط الشعب الفلسطيني خاصة. ولا نعرف الدوافع الحقيقية التي تدفع حركة "حماس" للانزلاق إلى هذا الطريق الوعر الذي أزلقت إليه حركة "فتح" قبلها ولم تجن من ورائه غير تراجع شعبيتها، وفشلها في الحصول على الأغلبية في الانتخابات التشريعية، والوقوع في مصيدة مفاوضات عقيمة لم تقد إلى تحقيق مشروعها الوطني في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة تنفيذاً لاتفاقات أوسلو. ندرك جيداً أن قطاع غزة الذي تديره حركة "حماس" ما زال يخضع للحصار الخانق، وأن اتفاق المصالحة فشل بسبب رفض الرئيس محمود عباس تنفيذ بنوده وعلى رأسها استلام مسؤولية السلطة في القطاع، كما أن الآمال في تطبيق اتفاق القاهرة الأخير الذي أدى إلى وقف إطلاق النار ونص على إنهاء الحصار وفتح المعابر، تتراجع بشكل متسارع، ولكن هذا لا يعني، ولا يبرر، أن تذهب حركة "حماس" من النقيض إلى النقيض وتتخلى عن ثوابتها التي جعلت الشعب الفلسطيني تلتف حولها، ومن خلفها الأمة الاسلامية بأسرها. حركة "حماس" استحقت مكانتها في قلوب وعقول الكثيرين لأنها تمسكت بسلاح المقاومة ورفضت الاعتراف باتفاقات أوسلو، وأصرت على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وتخليها عن هذه الثوابت سيضعها في الخندق نفسه الذي تقف فيه حركة "فتح"، والأخطر من ذلك أن هذا الموقف الجديد إذا ما تم تبنيه سيعطي مصداقية للمواقف التفاوضية للسلطة ورئيسها، وصوابية اتباعها والتمسك بها.   بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل سيكون سعيداً في تخلي حركة "حماس" عن ثوابتها والتحول الى نهج المفاوضات، ولكنه لن يكون متسرعا في الموافقة عليه، بل سيمارس كل أنواع الابتزاز للحصول على أكبر قدر من التنازلات من جانبها، وربما يفيد التذكير بأن إسحاق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي أصر على اعتراف منظمة التحرير بدولة اسرائيل، والتخلي عن الكفاح المسلح، قبل الدخول في أي مفاوضات معها، فهل سترضخ حركة "حماس" لهذه الشروط الاسرائيلية وغيرها، وتذهب مجردة من الأعمدة الرئيسية في إيديولوجيتها التي أوصلتها إلى المكانة التي تحتلها كحركة مقاومة في أوساط العرب والمسلمين؟ التوجهات التي أعلنها الدكتور أبو مرزوق ستصيب الكثيرين من أنصارها، والداعمين لها، وهم بالملايين بخيبة أمل كبرى، وفي مثل هذا التوقيت بالذات، حيث لم تجف دماء شهداء العدوان الاسرائيلي الأخير بعد. لا نبالغ إذا قلنا أن الرئيس محمود عباس سيكون أكثر الناس سعادة بمثل هذا التحول الحمساوي الخطير، وسيفرك يدية فرحاً هو وكل القادة العرب الآخرين الذين تواطأوا مع العدوان الاسرائيلي، وسيرون في هذا التحول انتصارا للحصار وتفريطاً بأرواح الشهداء، وسيقول لمن حوله "لقد انتصرنا.. وانتصر حصارنا وكل سياساتنا وها هي حماس تقتفي خطانا متأخرة عشرين عاماً على الأقل". فيبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تنافساً بين "حماس" و"فتح" على إرضاء إسرائيل، وليس على مقاومتها واحتلالها، هذه كارثة الكوارث. هل نقول هنيئاً للرئيس عباس، والرئيس عبد الفتاح السيسي، والصحافة المصرية التي راهنت على تركيع حركة "حماس"؟ نتريث قليلاً حتى يهدأ غبار تصريحات الدكتور أبو مرزوق لنعرف ما خلفها وتحتها.

المصدر : صحيفة رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة