يتداول موظفون دوليون وديبلوماسيون فكرة يعتقدون أنها يمكن أن تنشئ "جسراً غائباً" بين جهود دولية مرتجلة لمكافحة إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش"، وبين دمشق.

وتستند الفكرة إلى قناعة قديمة لدى فئة من الديبلوماسيين الدوليين بأن التنسيق مع السلطات السورية "لا مفر منه"، إلا ان السبل إليه في ظل المقاطعة الغربية والخليجية، لا تزال تعيق هذا الأمر.

وبالرغم من أن قسماً كبيراً من الدول الأوروبية يؤمن ضمنياً بهذا الاستنتاج، إلا ان "أبعاداً أخلاقية وسياسية" تعيق تقدم الغرب بمبادرة تشعر القيادة السورية، بأنها "رسمت مخارج أزمتها الدولية" أو"انتصرت على المعسكر الآخر".

برغم ذلك، يقدم ديبلوماسيون رؤية يعتقد بعضهم أنها يمكن أن تملأ بعض الفجوات القائمة في التوجه الغربي الراهن.

أبرز الأفكار، هي إقناع الطرفين الممثلين بدمشق والتحالف الغربي بوجود "حاجة تنسيق أمني يفرضه القرار الأممي 2170"، بما يعنيه ذلك من جهود مشتركة تصب في خدمة قضية أمنية دولية.

وابرز المخارج لهذا التعاون، يتمثل في اقتراح "افتتاح مكتب تنسيق أممي في دمشق، تكون مهمته تولي تبادل المعطيات مع العاصمة السورية، بشأن المنظمات الإرهابية الموجودة على لائحة الأمم المتحدة"، وهي هنا "داعش" و"جبهة النصرة".

ويتيح المكتب، وفقا لهذا التقييم، "انخراط" الطرفين، في تعاون مثمر لمكافحة الإرهاب من جهة، كما يتيح "تعزيز أرضية التعاون لتسويات محتملة مستقبلا" مع الحكومة السورية من جهة أخرى. وهي تسويات، يرغب المبعوث الدولي حول سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي يزور دمشق الآن، أن يرسم ملامحها، الأمر الذي دفع بعض الديبلوماسيين إلى التفكير في أن تكون الأفكار الأخيرة جزءا من عمل فريق الرجل الديبلوماسي، في المدى المقبل.

وبالرغم من أن لا أفق حتى الآن لتسويات دولية، إلا انه يمكن "لانخراط مماثل أن يساعد على تجنب تصعيد العنف بين الأطراف المتصارعة داخليا، بحجة الحاجة إلى تصويب النيران نحو عدو واحد حددته المنظمة الدولية"، وفقا لما شرحه ديبلوماسيون لـ"السفير".

ويعلم أصحاب الفكرة بأنه في حال كان لها أن تروج أمميا، فإن الجانب السوري سيسعى لتدقيق جوانب منافعها أولا. وتخشى دمشق التحالف الدولي الجديد، بما يتجاوز كونه "أعرج" من دونها، إلى اعتباره "موجها ضدها".

وقراءة دمشق (وفقا لما نشرته "السفير" السبت الماضي) تتهيب من أن يكون أحد أهداف هذا التحالف هو "تقوية خصوم سوريا المحليين، وتهيئتهم لملء الفراغ المحتمل" عن تراجع نفوذ "داعش". كما تتخوف دمشق من عودة آبار النفط إلى تغذية الكتائب العسكرية الأخرى، المنتشرة في الشمال الشرقي، إضافة إلى القبائل، بما يعزز "حالة الانعزال عند الدولة، وتشرذم المنطقة إلى ممالك قبلية وعسكرية". ولا تخفي دمشق قلقها أيضا، من أن تتحول "شهية الأكراد للحكم الذاتي إلى شراهة للاستقلال"، خصوصا في ضوء حديث الأميركيين عن الحاجة إلى "مشاريع سياسية جديدة في المنطقة تلبي تطلعات شرائحها الاثنية والمذهبية".

ويبدو الرهان الغربي والإقليمي لدى القيادة السورية واضحا، من حيث انتظار تغير موازين القوى لمصلحة خصوم الرئيس السوري بشار الأسد، بما يسمح بإعادة خلط الأوراق، وهو ما يمكن أن يترك أثره على الهدن والمصالحات العديدة التي جرت في الأشهر الأخيرة. لذا تجد دمشق نفسها مجددا أمام السؤال القديم الجديد "ما الذي يمكن فعله الآن؟"

لا تملك العاصمة السورية خيارات عدة، بل خيارها الأول هو "الاستمرار في المواجهة"، رغم ما تعنيه هذه المواجهة من استنزاف لسوريا وجيشها، وما تتركه من آثار مادية ومعنوية على عموم البلاد.

كما أن القناعة بأن "الوقت الذي سيضطر أطراف التحالف لطلب معونة دمشق سيأتي"، رغم ما يبدو من ضعف لهذا الاحتمال الآن. ويعتقد ديبلوماسيون غربيون مختصون بالشأن السوري الأمر ذاته، خصوصا في ضوء ما يجدونه "من استحالة فرض قوة واحدة على الأرض في سوريا قادرة على ملء الفراغ الميداني" كما أثبتت التجربة السابقة. كما أن قناعات الغرب واحدة، وإن ضمنية، بأن "السيطرة المطلقة للجيش ولقيادة الأسد، هي الوحيدة الكفيلة بالحفاظ على ما تبقى من وحدة سوريا، كما على الدولة ومؤسساتها".

وبانتظار أن يحين "الوقت المرتقب"، يبدو واضحا أن كلا من موسكو وطهران على استعداد مجددا لمد سوريا بأنواع جديدة من الأسلحة، بدا بعضها ظاهرا في الحملة العسكرية الأخيرة للجيش السوري على حي جوبر.

ومخاوف موسكو، التي عبر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف أمس الأول، شبيهة بمخاوف طهران أيضا، المستبعدة عن التحالف الدولي. وهي مخاوف لم تترجم بالضرورة تحالفا ثلاثيا، رغم تداول هذه الفكرة في الأروقة ديبلوماسيا، كما لا تزال غير قادرة على إنتاج "مشروع تسوية سياسية من الممكن تنفيذه بشكل عملي".

  • فريق ماسة
  • 2014-09-10
  • 11484
  • من الأرشيف

أفكار أممية لإدخال سورية من "الباب الخلفي" للتحالف الدولي

يتداول موظفون دوليون وديبلوماسيون فكرة يعتقدون أنها يمكن أن تنشئ "جسراً غائباً" بين جهود دولية مرتجلة لمكافحة إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش"، وبين دمشق. وتستند الفكرة إلى قناعة قديمة لدى فئة من الديبلوماسيين الدوليين بأن التنسيق مع السلطات السورية "لا مفر منه"، إلا ان السبل إليه في ظل المقاطعة الغربية والخليجية، لا تزال تعيق هذا الأمر. وبالرغم من أن قسماً كبيراً من الدول الأوروبية يؤمن ضمنياً بهذا الاستنتاج، إلا ان "أبعاداً أخلاقية وسياسية" تعيق تقدم الغرب بمبادرة تشعر القيادة السورية، بأنها "رسمت مخارج أزمتها الدولية" أو"انتصرت على المعسكر الآخر". برغم ذلك، يقدم ديبلوماسيون رؤية يعتقد بعضهم أنها يمكن أن تملأ بعض الفجوات القائمة في التوجه الغربي الراهن. أبرز الأفكار، هي إقناع الطرفين الممثلين بدمشق والتحالف الغربي بوجود "حاجة تنسيق أمني يفرضه القرار الأممي 2170"، بما يعنيه ذلك من جهود مشتركة تصب في خدمة قضية أمنية دولية. وابرز المخارج لهذا التعاون، يتمثل في اقتراح "افتتاح مكتب تنسيق أممي في دمشق، تكون مهمته تولي تبادل المعطيات مع العاصمة السورية، بشأن المنظمات الإرهابية الموجودة على لائحة الأمم المتحدة"، وهي هنا "داعش" و"جبهة النصرة". ويتيح المكتب، وفقا لهذا التقييم، "انخراط" الطرفين، في تعاون مثمر لمكافحة الإرهاب من جهة، كما يتيح "تعزيز أرضية التعاون لتسويات محتملة مستقبلا" مع الحكومة السورية من جهة أخرى. وهي تسويات، يرغب المبعوث الدولي حول سوريا ستيفان دي ميستورا، الذي يزور دمشق الآن، أن يرسم ملامحها، الأمر الذي دفع بعض الديبلوماسيين إلى التفكير في أن تكون الأفكار الأخيرة جزءا من عمل فريق الرجل الديبلوماسي، في المدى المقبل. وبالرغم من أن لا أفق حتى الآن لتسويات دولية، إلا انه يمكن "لانخراط مماثل أن يساعد على تجنب تصعيد العنف بين الأطراف المتصارعة داخليا، بحجة الحاجة إلى تصويب النيران نحو عدو واحد حددته المنظمة الدولية"، وفقا لما شرحه ديبلوماسيون لـ"السفير". ويعلم أصحاب الفكرة بأنه في حال كان لها أن تروج أمميا، فإن الجانب السوري سيسعى لتدقيق جوانب منافعها أولا. وتخشى دمشق التحالف الدولي الجديد، بما يتجاوز كونه "أعرج" من دونها، إلى اعتباره "موجها ضدها". وقراءة دمشق (وفقا لما نشرته "السفير" السبت الماضي) تتهيب من أن يكون أحد أهداف هذا التحالف هو "تقوية خصوم سوريا المحليين، وتهيئتهم لملء الفراغ المحتمل" عن تراجع نفوذ "داعش". كما تتخوف دمشق من عودة آبار النفط إلى تغذية الكتائب العسكرية الأخرى، المنتشرة في الشمال الشرقي، إضافة إلى القبائل، بما يعزز "حالة الانعزال عند الدولة، وتشرذم المنطقة إلى ممالك قبلية وعسكرية". ولا تخفي دمشق قلقها أيضا، من أن تتحول "شهية الأكراد للحكم الذاتي إلى شراهة للاستقلال"، خصوصا في ضوء حديث الأميركيين عن الحاجة إلى "مشاريع سياسية جديدة في المنطقة تلبي تطلعات شرائحها الاثنية والمذهبية". ويبدو الرهان الغربي والإقليمي لدى القيادة السورية واضحا، من حيث انتظار تغير موازين القوى لمصلحة خصوم الرئيس السوري بشار الأسد، بما يسمح بإعادة خلط الأوراق، وهو ما يمكن أن يترك أثره على الهدن والمصالحات العديدة التي جرت في الأشهر الأخيرة. لذا تجد دمشق نفسها مجددا أمام السؤال القديم الجديد "ما الذي يمكن فعله الآن؟" لا تملك العاصمة السورية خيارات عدة، بل خيارها الأول هو "الاستمرار في المواجهة"، رغم ما تعنيه هذه المواجهة من استنزاف لسوريا وجيشها، وما تتركه من آثار مادية ومعنوية على عموم البلاد. كما أن القناعة بأن "الوقت الذي سيضطر أطراف التحالف لطلب معونة دمشق سيأتي"، رغم ما يبدو من ضعف لهذا الاحتمال الآن. ويعتقد ديبلوماسيون غربيون مختصون بالشأن السوري الأمر ذاته، خصوصا في ضوء ما يجدونه "من استحالة فرض قوة واحدة على الأرض في سوريا قادرة على ملء الفراغ الميداني" كما أثبتت التجربة السابقة. كما أن قناعات الغرب واحدة، وإن ضمنية، بأن "السيطرة المطلقة للجيش ولقيادة الأسد، هي الوحيدة الكفيلة بالحفاظ على ما تبقى من وحدة سوريا، كما على الدولة ومؤسساتها". وبانتظار أن يحين "الوقت المرتقب"، يبدو واضحا أن كلا من موسكو وطهران على استعداد مجددا لمد سوريا بأنواع جديدة من الأسلحة، بدا بعضها ظاهرا في الحملة العسكرية الأخيرة للجيش السوري على حي جوبر. ومخاوف موسكو، التي عبر عنها وزير الخارجية سيرغي لافروف أمس الأول، شبيهة بمخاوف طهران أيضا، المستبعدة عن التحالف الدولي. وهي مخاوف لم تترجم بالضرورة تحالفا ثلاثيا، رغم تداول هذه الفكرة في الأروقة ديبلوماسيا، كما لا تزال غير قادرة على إنتاج "مشروع تسوية سياسية من الممكن تنفيذه بشكل عملي".

المصدر : السفير / زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة