كثيراً ما يتم النيل من مؤسسة جامعة الدول العربية، وكثيراً ما شكّك البعض بقدرتها على الفعل، واتهموها أنّها غير قادرة على مواجهة التحديات التي نالت من الدول العربية، الدول الأعضاء الرئيسيين فيها، وكثيراً ما قيل بأنها هي مؤسسة «الديكور» في العمل السياسي العربي، وهي أيضاً مقهى علاقات عامة يلتقي به الزعماء والقادة العرب.

من خلال متابعة دقيقة ومن زوايا ليست ثابتة، وجدنا أن هذه المؤسسة على عكس ما يتصوّر كثيرون من مثقفي وسياسيي هذه الأمة، كون أنّ هذه المؤسسة فعلاً تمتلك قدرة وطاقة هائلتين على الفعل، وليس كما يصدر البعض، أو يدعي، ونؤكد بأنّ جامعة الدول العربية قامت بما لم تقم به مؤسسة دولية عبر التاريخ!!.

لقد كانت هذه المؤسسة حاضرة وموجودة، وكانت تقوم بدورها التاريخي المعهود لها والمطلوب منها، وهو الدور الذي قد نختلف عليه، أو نختلف في وصفه، كون أنّ البعض وقع في مطب خطير عندما كان يظن بأنّه كان مطلوباً من الجامعة العربية أن تقوم بدور يشابه ما يتطلع له، أو يطمح له، أو حتى يتمناه، وهذا البعض قد يكون فرداً وقد يكون مؤسسة، قد يكون مواطناً مثقفاً وقد يكون حركة سياسية، ولا نبالغ إذ قلنا بأنّه يمكن أن يكون دولة أو زعيماً عربياً!!.

لم يكن مطلوباً تاريخياً من الجامعة أن تقوم بالدور الذي نتطلع له نحن على سبيل المثال، لكنّها قامت بالدور الذي تطلع له آخرون غيرنا، ولا نريد التورط في لعبة الحجوم، لجهة أولئك الذين يقفون إلى جانبنا أو أولئك الذين يقفون على المقلب الآخر، إذ أنّنا ندرك أنّ كثيرين كانوا يتطلعون ويطمحون لدور متخيّل لهذه الجامعة، غير أنّ آخرين ربما كانوا أكثر قدرة منّا على الفعل وكانوا يتطلعون إلى دور آخر مختلف تماماً عن الدور الذي كنّا نتمناه نحن.

إذن، المسألة مسألة كيف يمكن فهم الدور، وكيف يمكن قراءة هذا الدور، وكيف فهم كلّ منّا الدور المطلوب من الجامعة، باعتبار أنّ الدور لم يكن ثابتاً أو واحداً، أو حتى فيه نقاط مشتركة، حيث أنّ فهمنا للدور كان شبه متناقض تماماً.

نحن ندرك تماماً أن هناك أنظمة ومواثيق للجامعة، لكنّه أيضاً هناك أنظمة ومواثيق لمؤسسة الأمم المتحدة، غير أنّ هذه المؤسسة تؤدي الدور المطلوب منها «إمبرياليّاً» بعيداً عن هذه الأنظمة وتلك المواثيق، لكنّها لا تتخلى عنها أو عن الحديث فيها إيجاباً، لأنها لا يمكن أن تأخذ مشروعية نظرية من دونها!!.

كذلك بالنسبة لجامعة الدول العربية ليس بإمكانها أن تصدّر أنها ضد وحدة العرب، وقوة العرب، وأنّها لا تدافع عن مصالحهم، أو أنّها ضد هذه المصالح، المشكل في الأمر أنّ كلاً منّا يتطلع إلى نفسه فيرى فيها العرب، ويرى فيها الأمة، ويبحث عن مصالحه في موقف الجامعة، غير أنّ الأمر لا يكون سويّاً بهذا المعنى، كون أنّ هناك من يكون الأقدر من العرب كي يكون هو أخيراً من يمثلهم، أو من يصادرهم، فالأمر سيان بهذا المعنى، الأهم أنّ هناك عرباً سرقوا المؤسسة أو احتلوها، أو حتى صنعوها، لا يهم، الأهم أيضاً، أنّهم الآن يتحدثون باسم العرب، وهم الأقدر على هذا التمثيل وهذا أمر واقع.

فهؤلاء العرب هم الذين باعوا فلسطين، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم سوف يحررونها، أو هم يعملون على تحريرها، وهؤلاء العرب هم الذين تآمروا على المشروع العربي خلال الستينات من القرن الماضي، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم يدافعون عنه، وهم الذين وقفوا في وجه صعود الدولة الوطنية، علما أنّنا كنا نظن أنّهم هم من يصنعها، وهؤلاء العرب هم الذين ساهموا في بيع حقوق الشعب الفلسطيني، علما أنّنا كنّا نظن بأنهم من خلال جامعتهم كانوا يدافعون عن هذه الحقوق، وهم الذي وقفوا في وجه أي فعل فلسطيني يمكن له أن يدافع عن هذه الحقوق، علماً أنّه كان مطلوباً منهم تصفية هذه الحقوق تماماً!!.

وهؤلاء العرب هم الذين جرّدوا الفلسطينيين من إمكانية القدرة على الفعل، حيث حاصروهم وضيّقوا عليهم وجردوهم من كل إمكانيات القوة للدفاع عن ذاتهم، ففي اللحظة التي كنّا نظن أنّ دور العرب من خلال جامعتهم سيكون في دعم مقاومة الفلسطينيين وصمودهم وتأمين مستلزمات هذه المقاومة وهذا الصمود، وجدنا أن دور العرب لم يكن كذلك، وإنما كان مطلوباً منهم أن يحاصروا الفلسطينيين ويصادروهم، وأنّ يشقوا صفّهم وأن يصفّوا مقاومتهم وأن يجعلوهم غير قادرين على الفعل أبداً.

وهؤلاء العرب هم الذين أشعلوا الحرب الأهلية في لبنان، علماً أننا كنا نظن أنهم يحاولون إطفاءها، وهم الذين قسّموا السودان العربي، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم يعملون على توحيده، وهم الذين جاؤوا بالاحتلال الأميركي للعراق ويحاولون تقسيمه، علماً أنّنا كنّا نظن أنّهم يبحثون عن حرية العراقيين ووحدة ترابهم، وهم الذين استجروا «الناتو» لاحتلال ليبيا، علماً أنّنا كنّا نظن أنّهم يدافعون عن حقوق وكرامة وسيادة الليبيين، وهم الذين أشعلوا الحريق السوري وزكّوه ودعموه وحرّضوا عليه، بكل ما يملكون، علماً أنّ بعضنا ما زال يظنّ بأنهم يدافعون عن حرية السوريين و»ديمقراطيتهم»، وأنّهم يبحثون للسوريين عن «نظام» يدفعهم إلى ما بعد الدولة الحديثة، علماً أنّ جزءاً واسعاً منهم ما زالوا يعيشون سياسياً مرحلة ما قبل الأسرة والعائلة!!.

هذا هو الدور الطبيعي والحقيقي الذي كان مطلوباً من الجامعة القيام به، وأن يقوم به الزعماء والقادة العرب، فلذلك هم أدوا ما عليهم وقاموا بما كانوا يتطلعون إليه، بعيداً عن تحديد موقفنا منه، أو حتى وصفه، لهذا يمكننا القول بأنّ مؤسسة الجامعة العربية، من خلال القادة والزعماء العرب، قاموا وقامت بالدور التاريخي بالنسبة لكثير من القضايا والعناوين العربية والإقليمية، وأدت ما كان مطلوباً منها بكفاءة عالية جداً.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-09-08
  • 12649
  • من الأرشيف

من قال بأن «الجامعة العربية» لم تقم بالمطلوب منها؟

كثيراً ما يتم النيل من مؤسسة جامعة الدول العربية، وكثيراً ما شكّك البعض بقدرتها على الفعل، واتهموها أنّها غير قادرة على مواجهة التحديات التي نالت من الدول العربية، الدول الأعضاء الرئيسيين فيها، وكثيراً ما قيل بأنها هي مؤسسة «الديكور» في العمل السياسي العربي، وهي أيضاً مقهى علاقات عامة يلتقي به الزعماء والقادة العرب. من خلال متابعة دقيقة ومن زوايا ليست ثابتة، وجدنا أن هذه المؤسسة على عكس ما يتصوّر كثيرون من مثقفي وسياسيي هذه الأمة، كون أنّ هذه المؤسسة فعلاً تمتلك قدرة وطاقة هائلتين على الفعل، وليس كما يصدر البعض، أو يدعي، ونؤكد بأنّ جامعة الدول العربية قامت بما لم تقم به مؤسسة دولية عبر التاريخ!!. لقد كانت هذه المؤسسة حاضرة وموجودة، وكانت تقوم بدورها التاريخي المعهود لها والمطلوب منها، وهو الدور الذي قد نختلف عليه، أو نختلف في وصفه، كون أنّ البعض وقع في مطب خطير عندما كان يظن بأنّه كان مطلوباً من الجامعة العربية أن تقوم بدور يشابه ما يتطلع له، أو يطمح له، أو حتى يتمناه، وهذا البعض قد يكون فرداً وقد يكون مؤسسة، قد يكون مواطناً مثقفاً وقد يكون حركة سياسية، ولا نبالغ إذ قلنا بأنّه يمكن أن يكون دولة أو زعيماً عربياً!!. لم يكن مطلوباً تاريخياً من الجامعة أن تقوم بالدور الذي نتطلع له نحن على سبيل المثال، لكنّها قامت بالدور الذي تطلع له آخرون غيرنا، ولا نريد التورط في لعبة الحجوم، لجهة أولئك الذين يقفون إلى جانبنا أو أولئك الذين يقفون على المقلب الآخر، إذ أنّنا ندرك أنّ كثيرين كانوا يتطلعون ويطمحون لدور متخيّل لهذه الجامعة، غير أنّ آخرين ربما كانوا أكثر قدرة منّا على الفعل وكانوا يتطلعون إلى دور آخر مختلف تماماً عن الدور الذي كنّا نتمناه نحن. إذن، المسألة مسألة كيف يمكن فهم الدور، وكيف يمكن قراءة هذا الدور، وكيف فهم كلّ منّا الدور المطلوب من الجامعة، باعتبار أنّ الدور لم يكن ثابتاً أو واحداً، أو حتى فيه نقاط مشتركة، حيث أنّ فهمنا للدور كان شبه متناقض تماماً. نحن ندرك تماماً أن هناك أنظمة ومواثيق للجامعة، لكنّه أيضاً هناك أنظمة ومواثيق لمؤسسة الأمم المتحدة، غير أنّ هذه المؤسسة تؤدي الدور المطلوب منها «إمبرياليّاً» بعيداً عن هذه الأنظمة وتلك المواثيق، لكنّها لا تتخلى عنها أو عن الحديث فيها إيجاباً، لأنها لا يمكن أن تأخذ مشروعية نظرية من دونها!!. كذلك بالنسبة لجامعة الدول العربية ليس بإمكانها أن تصدّر أنها ضد وحدة العرب، وقوة العرب، وأنّها لا تدافع عن مصالحهم، أو أنّها ضد هذه المصالح، المشكل في الأمر أنّ كلاً منّا يتطلع إلى نفسه فيرى فيها العرب، ويرى فيها الأمة، ويبحث عن مصالحه في موقف الجامعة، غير أنّ الأمر لا يكون سويّاً بهذا المعنى، كون أنّ هناك من يكون الأقدر من العرب كي يكون هو أخيراً من يمثلهم، أو من يصادرهم، فالأمر سيان بهذا المعنى، الأهم أنّ هناك عرباً سرقوا المؤسسة أو احتلوها، أو حتى صنعوها، لا يهم، الأهم أيضاً، أنّهم الآن يتحدثون باسم العرب، وهم الأقدر على هذا التمثيل وهذا أمر واقع. فهؤلاء العرب هم الذين باعوا فلسطين، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم سوف يحررونها، أو هم يعملون على تحريرها، وهؤلاء العرب هم الذين تآمروا على المشروع العربي خلال الستينات من القرن الماضي، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم يدافعون عنه، وهم الذين وقفوا في وجه صعود الدولة الوطنية، علما أنّنا كنا نظن أنّهم هم من يصنعها، وهؤلاء العرب هم الذين ساهموا في بيع حقوق الشعب الفلسطيني، علما أنّنا كنّا نظن بأنهم من خلال جامعتهم كانوا يدافعون عن هذه الحقوق، وهم الذي وقفوا في وجه أي فعل فلسطيني يمكن له أن يدافع عن هذه الحقوق، علماً أنّه كان مطلوباً منهم تصفية هذه الحقوق تماماً!!. وهؤلاء العرب هم الذين جرّدوا الفلسطينيين من إمكانية القدرة على الفعل، حيث حاصروهم وضيّقوا عليهم وجردوهم من كل إمكانيات القوة للدفاع عن ذاتهم، ففي اللحظة التي كنّا نظن أنّ دور العرب من خلال جامعتهم سيكون في دعم مقاومة الفلسطينيين وصمودهم وتأمين مستلزمات هذه المقاومة وهذا الصمود، وجدنا أن دور العرب لم يكن كذلك، وإنما كان مطلوباً منهم أن يحاصروا الفلسطينيين ويصادروهم، وأنّ يشقوا صفّهم وأن يصفّوا مقاومتهم وأن يجعلوهم غير قادرين على الفعل أبداً. وهؤلاء العرب هم الذين أشعلوا الحرب الأهلية في لبنان، علماً أننا كنا نظن أنهم يحاولون إطفاءها، وهم الذين قسّموا السودان العربي، علماً أنّنا كنّا نظن أنهم يعملون على توحيده، وهم الذين جاؤوا بالاحتلال الأميركي للعراق ويحاولون تقسيمه، علماً أنّنا كنّا نظن أنّهم يبحثون عن حرية العراقيين ووحدة ترابهم، وهم الذين استجروا «الناتو» لاحتلال ليبيا، علماً أنّنا كنّا نظن أنّهم يدافعون عن حقوق وكرامة وسيادة الليبيين، وهم الذين أشعلوا الحريق السوري وزكّوه ودعموه وحرّضوا عليه، بكل ما يملكون، علماً أنّ بعضنا ما زال يظنّ بأنهم يدافعون عن حرية السوريين و»ديمقراطيتهم»، وأنّهم يبحثون للسوريين عن «نظام» يدفعهم إلى ما بعد الدولة الحديثة، علماً أنّ جزءاً واسعاً منهم ما زالوا يعيشون سياسياً مرحلة ما قبل الأسرة والعائلة!!. هذا هو الدور الطبيعي والحقيقي الذي كان مطلوباً من الجامعة القيام به، وأن يقوم به الزعماء والقادة العرب، فلذلك هم أدوا ما عليهم وقاموا بما كانوا يتطلعون إليه، بعيداً عن تحديد موقفنا منه، أو حتى وصفه، لهذا يمكننا القول بأنّ مؤسسة الجامعة العربية، من خلال القادة والزعماء العرب، قاموا وقامت بالدور التاريخي بالنسبة لكثير من القضايا والعناوين العربية والإقليمية، وأدت ما كان مطلوباً منها بكفاءة عالية جداً.  

المصدر : البناء /خالد العبّود


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة