لعل من أكثر المسائل تبادراً للذهن لدى الحديث عن الإيرادات والتحصيلات هي مسألة التهرب الضريبي التي كانت الشغل الشاغل لوزارة المالية قبل نشوب الأزمة الحالية في سورية،

 والتي عملت عليها الهيئة العامة للضرائب والرسوم يومذاك طارحة مشروع الفوترة كأهم وسيلة لمكافحة التهرب الضريبي وإظهار المطارح الضريبية المخفية وكشف النشاطات المحققة للأرباح والإيرادات وإخضاعها للضريبة، ولكن الأزمة الحالية التي تمر بها سورية سببت تراجع متابعة التهرب الضريبي بسبب الأوضاع المتوترة التي مرت بها بعض المناطق، وفي الوقت نفسه فقد سببت الأزمة تراجع التهرب الضريبي رقماً ونسبة كنتيجة طبيعية لخروج الكثير من النشاطات التجارية والإنتاجية من الخدمة وثم توقف الأعمال المحققة للربح وغير الظاهرة حتى يتم إخضاعها للضريبة، دون أن تتوقف بطبيعة الحال محاولات التهرب الضريبي في المناطق الآمنة، ودون أن تتوقف محاولات الإدارة الضريبية لكشف التهرب الضريبي وتكليف كل متهرب الضريبة اللازمة بعد تغريمه بقيمة مخالفته وفقاً لحجم المخالفة ومقدار التهرب المنفذ خلال فترة معينة.

 ويتنوع التهرب الضريبي بين إخفاء النشاط التجاري أو الإنتاجي ورقم الأعمال الحقيقي مثل الاستيراد باسم وهمي لم يسبق لصاحبه أن عرف عن التجارة شيئاً ولكنه يقبل إدراج اسمه كمستورد مقابل مكافأة حتى لا يرد اسم المستورد الحقيقي في السجلات الضريبية ثم ارتفاع ضريبته نظراً لارتفاع حجم أعماله وأرباحه المحققة، أو ورشة وسيطة تعمل لتمويل المواد الأولية إلى نصف مصنعة وتسليمها لمعمل ما يحولها بدوره إلى سلعة جاهزة وهي ورشات غير خاضعة للضريبة لأنها غير مرخصة أصلاً ولا ترد في قيود أي جهة عامة حتى تتمكن الإدارة الضريبية من تكليفها الضريبة المناسبة، على حين تندرج بعض الحالات الأخرى ضمن التهرب الضريبي القانوني التي تقوم على تكليف بعض أكبر النشاطات التجارية ضريبة الدخل المقطوع بدلاً من ضريبة الأرباح الحقيقية بحيث يدفع مبلغاً محدداً من المال للخزينة العامة للدولة على سبيل الضريبة بدلاً من تكليفه ضريبة تتناسب مع حجم أعماله ورقمها والأرباح الكبيرة التي يحققها هذا النشاط، ولعل أبرز مثال على ذلك إحدى أكبر سلاسل محال بيع الحلويات والكنافة في مدينة دمشق التي كلف مالكها ضريبة الدخل المقطوع الذي كان يسدد تبعاً لذلك ضريبة لسورية لا تتجاوز 160 ألف ليرة سورية على الرغم من أن مبلغ ضريبته لا يرقى إلى مستوى الربح الذي يحققه فرع واحد من فروعه من بيع الكنافة خلال يوم عمل واحد.

وتأسيساً على هذه المعطيات فإن معرفة الرقم شبه الحقيقي لمقدار التهرب الضريبي مسألة مستحيلة تبعاً لأن بعض حالات التهرب مقوننة وغير ظاهرة ولا يمكن حتى البحث فيها لأنها مدرجة ضمن نطاق تكليفات ضريبية أخرى ومن ثم لا يمكن البحث عنها أو معرفتها أو حتى كشفها، وهو أمر يمكن وببساطة إزاحته إلى الضوء وكشفه من خلال تطبيق نظام الفوترة وتداول الفاتورة بين مختلف الحلقات التجارية لما للفاتورة من أهمية في كشف حالات التهرب الضريبي، فكل من يباشر عملاً تجارياً بيعاً أو شراءً ملزماً بإبراز فاتورة توضح مصدر بضائعه وسلعه ومنتجاته ومقدار الثمن الذي دفعه لكل وحدة منها وثم تحديد الضريبة اللازمة له، على الرغم من أن هذه الفكرة انطلقت أساساً من ضرورة تحديد سعر مبيع السلع والمنتجات للمستهلك، أي إنها فكرة وجدت لتحديد هامش الربح الذي يتقاضاه البائع وكل حلقة من الحلقات التجارية الوسيطة، ولكن فوائد تداول الفاتورة تبدو أكثر من الأهداف المحدد لها، التي يبرز منها التهرب الضريبي لأن ثمن كل سلعة مدون ومجموعها واضح ومن ثم ضريبتها ستكون معروفة.

معاون وزير المالية لشؤون الضرائب والرسوم جمال المدلجي وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيّن أن التهرب الضريبي نوعان، أولهما تهرب ضريبي كلي وهذا ما يسمى العمل الأسود وفيه يكون كل النشاط غير معروف للدوائر المالية وهناك تهرب ضريبي جزئي أي إن المكلف يصرح عن جزء من نشاطه ويخفي الآخر.

أما عن أسباب التهرب الضريبي فيقول المدلجي: إن أحد أبرز أسبابه هي التشريعات لأن التشريع ومعدلات الضريبة العالية سبب رئيسي للتهرب إضافة إلى سبب آخر وهو إداري فإذا لم تتوفر إدارة ضريبية كفوءة فحتماً سيكون هناك خلل في إدارة ملفات المكلفين الضريبية وأهمها اللجان الضريبية، أما السبب الثالث وهو الأهم فهو وجود ثقافة التهرب الضريبي في المجتمع وعدم تدخل الجهات المعنية لتحسين هذه الثقافة ولا بد أن تتحمل بعض الجهات الحكومية المسؤولية في هذا المجال إلى جانب المالية وتؤازرها مثل التربية والتعليم العالي والأوقاف والجامعات بالنظر إلى أن التهرب الضريبي منظومة متكاملة إن أصلحنا جانباً منها ولم نصلح البقية فلا نتيجة، أما من دون وجود نظام الفوترة فيكون إلزاميا (وليس طوعيا) فالأفضل عدم الحديث عن التهرب الضريبي -بحسب المدلجي- لأنه سيكون كبيراً حينها لأن الفاتورة من شانها إظهار العمل الأسود للضوء أو زواله إضافة إلى أن نظام الفاتورة يعتبر أحد أهم محددات المطرح الضريبي ودونها تصبح الضريبة مبنية على التخمين وتدخل العنصر البشري وتحديد مطرحها ما يفتح الباب واسعاً أمام الأخطاء.

وعن إجراءات الوزارة في هذا المجال قال معاون وزير المالية: إن الوزارة وضعت التعرفة الجمركية الجديدة، التي ستصدر قريباً، لأنها تحسن عائدات الرسوم الجمركية وسيخف التهرب والتهريب ما ينعكس ايجابيات على المطارح الضريبية ولن تكتمل الصورة إيجابياً إلا بصدور نظام الفوترة بحيث يصبح المستورد قادراً على أن يبرز للدوائر الجمركية فاتورة استيراده النظامية وليست المخفضة التي كان يبرزها سابقاً، ومن ثم تخفيض الضرائب ما أضاع موارد كبيرة جداً على الخزينة العامة للدولة آملاً أن تستكمل هذه المنظومة وتفعل بدءاً من بداية العام القادم 2015.

المدلجي أكد في حديثه لـ«الوطن» أنه من غير الممكن تحديد حجم التهرب الضريبي أبداً وكل الأرقام التي نشرت سابقاً هي من باب التخمين لأن أغلب الباحثين يلجؤون إلى اعتماد نسبة مسموح بها أو التحدث عن نسبة منسوبة إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والنسبة المسموح فيها في كل دول العالم حتى المتطورة ضريبياً عندما يكون بنسبة تصل إلى حد أعلى لا يتجاوز 4% من الناتج المحلي أما إن زاد على ذلك فإنه يصبح خطراً.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-24
  • 13616
  • من الأرشيف

مدلجي : تقدير التهرب الضريبي غير ممكن.. وتخفيفه يبدأ مع تطبيق التعرفة الجمركية الجديدة

لعل من أكثر المسائل تبادراً للذهن لدى الحديث عن الإيرادات والتحصيلات هي مسألة التهرب الضريبي التي كانت الشغل الشاغل لوزارة المالية قبل نشوب الأزمة الحالية في سورية،  والتي عملت عليها الهيئة العامة للضرائب والرسوم يومذاك طارحة مشروع الفوترة كأهم وسيلة لمكافحة التهرب الضريبي وإظهار المطارح الضريبية المخفية وكشف النشاطات المحققة للأرباح والإيرادات وإخضاعها للضريبة، ولكن الأزمة الحالية التي تمر بها سورية سببت تراجع متابعة التهرب الضريبي بسبب الأوضاع المتوترة التي مرت بها بعض المناطق، وفي الوقت نفسه فقد سببت الأزمة تراجع التهرب الضريبي رقماً ونسبة كنتيجة طبيعية لخروج الكثير من النشاطات التجارية والإنتاجية من الخدمة وثم توقف الأعمال المحققة للربح وغير الظاهرة حتى يتم إخضاعها للضريبة، دون أن تتوقف بطبيعة الحال محاولات التهرب الضريبي في المناطق الآمنة، ودون أن تتوقف محاولات الإدارة الضريبية لكشف التهرب الضريبي وتكليف كل متهرب الضريبة اللازمة بعد تغريمه بقيمة مخالفته وفقاً لحجم المخالفة ومقدار التهرب المنفذ خلال فترة معينة.  ويتنوع التهرب الضريبي بين إخفاء النشاط التجاري أو الإنتاجي ورقم الأعمال الحقيقي مثل الاستيراد باسم وهمي لم يسبق لصاحبه أن عرف عن التجارة شيئاً ولكنه يقبل إدراج اسمه كمستورد مقابل مكافأة حتى لا يرد اسم المستورد الحقيقي في السجلات الضريبية ثم ارتفاع ضريبته نظراً لارتفاع حجم أعماله وأرباحه المحققة، أو ورشة وسيطة تعمل لتمويل المواد الأولية إلى نصف مصنعة وتسليمها لمعمل ما يحولها بدوره إلى سلعة جاهزة وهي ورشات غير خاضعة للضريبة لأنها غير مرخصة أصلاً ولا ترد في قيود أي جهة عامة حتى تتمكن الإدارة الضريبية من تكليفها الضريبة المناسبة، على حين تندرج بعض الحالات الأخرى ضمن التهرب الضريبي القانوني التي تقوم على تكليف بعض أكبر النشاطات التجارية ضريبة الدخل المقطوع بدلاً من ضريبة الأرباح الحقيقية بحيث يدفع مبلغاً محدداً من المال للخزينة العامة للدولة على سبيل الضريبة بدلاً من تكليفه ضريبة تتناسب مع حجم أعماله ورقمها والأرباح الكبيرة التي يحققها هذا النشاط، ولعل أبرز مثال على ذلك إحدى أكبر سلاسل محال بيع الحلويات والكنافة في مدينة دمشق التي كلف مالكها ضريبة الدخل المقطوع الذي كان يسدد تبعاً لذلك ضريبة لسورية لا تتجاوز 160 ألف ليرة سورية على الرغم من أن مبلغ ضريبته لا يرقى إلى مستوى الربح الذي يحققه فرع واحد من فروعه من بيع الكنافة خلال يوم عمل واحد. وتأسيساً على هذه المعطيات فإن معرفة الرقم شبه الحقيقي لمقدار التهرب الضريبي مسألة مستحيلة تبعاً لأن بعض حالات التهرب مقوننة وغير ظاهرة ولا يمكن حتى البحث فيها لأنها مدرجة ضمن نطاق تكليفات ضريبية أخرى ومن ثم لا يمكن البحث عنها أو معرفتها أو حتى كشفها، وهو أمر يمكن وببساطة إزاحته إلى الضوء وكشفه من خلال تطبيق نظام الفوترة وتداول الفاتورة بين مختلف الحلقات التجارية لما للفاتورة من أهمية في كشف حالات التهرب الضريبي، فكل من يباشر عملاً تجارياً بيعاً أو شراءً ملزماً بإبراز فاتورة توضح مصدر بضائعه وسلعه ومنتجاته ومقدار الثمن الذي دفعه لكل وحدة منها وثم تحديد الضريبة اللازمة له، على الرغم من أن هذه الفكرة انطلقت أساساً من ضرورة تحديد سعر مبيع السلع والمنتجات للمستهلك، أي إنها فكرة وجدت لتحديد هامش الربح الذي يتقاضاه البائع وكل حلقة من الحلقات التجارية الوسيطة، ولكن فوائد تداول الفاتورة تبدو أكثر من الأهداف المحدد لها، التي يبرز منها التهرب الضريبي لأن ثمن كل سلعة مدون ومجموعها واضح ومن ثم ضريبتها ستكون معروفة. معاون وزير المالية لشؤون الضرائب والرسوم جمال المدلجي وفي تصريح خاص لـ«الوطن» بيّن أن التهرب الضريبي نوعان، أولهما تهرب ضريبي كلي وهذا ما يسمى العمل الأسود وفيه يكون كل النشاط غير معروف للدوائر المالية وهناك تهرب ضريبي جزئي أي إن المكلف يصرح عن جزء من نشاطه ويخفي الآخر. أما عن أسباب التهرب الضريبي فيقول المدلجي: إن أحد أبرز أسبابه هي التشريعات لأن التشريع ومعدلات الضريبة العالية سبب رئيسي للتهرب إضافة إلى سبب آخر وهو إداري فإذا لم تتوفر إدارة ضريبية كفوءة فحتماً سيكون هناك خلل في إدارة ملفات المكلفين الضريبية وأهمها اللجان الضريبية، أما السبب الثالث وهو الأهم فهو وجود ثقافة التهرب الضريبي في المجتمع وعدم تدخل الجهات المعنية لتحسين هذه الثقافة ولا بد أن تتحمل بعض الجهات الحكومية المسؤولية في هذا المجال إلى جانب المالية وتؤازرها مثل التربية والتعليم العالي والأوقاف والجامعات بالنظر إلى أن التهرب الضريبي منظومة متكاملة إن أصلحنا جانباً منها ولم نصلح البقية فلا نتيجة، أما من دون وجود نظام الفوترة فيكون إلزاميا (وليس طوعيا) فالأفضل عدم الحديث عن التهرب الضريبي -بحسب المدلجي- لأنه سيكون كبيراً حينها لأن الفاتورة من شانها إظهار العمل الأسود للضوء أو زواله إضافة إلى أن نظام الفاتورة يعتبر أحد أهم محددات المطرح الضريبي ودونها تصبح الضريبة مبنية على التخمين وتدخل العنصر البشري وتحديد مطرحها ما يفتح الباب واسعاً أمام الأخطاء. وعن إجراءات الوزارة في هذا المجال قال معاون وزير المالية: إن الوزارة وضعت التعرفة الجمركية الجديدة، التي ستصدر قريباً، لأنها تحسن عائدات الرسوم الجمركية وسيخف التهرب والتهريب ما ينعكس ايجابيات على المطارح الضريبية ولن تكتمل الصورة إيجابياً إلا بصدور نظام الفوترة بحيث يصبح المستورد قادراً على أن يبرز للدوائر الجمركية فاتورة استيراده النظامية وليست المخفضة التي كان يبرزها سابقاً، ومن ثم تخفيض الضرائب ما أضاع موارد كبيرة جداً على الخزينة العامة للدولة آملاً أن تستكمل هذه المنظومة وتفعل بدءاً من بداية العام القادم 2015. المدلجي أكد في حديثه لـ«الوطن» أنه من غير الممكن تحديد حجم التهرب الضريبي أبداً وكل الأرقام التي نشرت سابقاً هي من باب التخمين لأن أغلب الباحثين يلجؤون إلى اعتماد نسبة مسموح بها أو التحدث عن نسبة منسوبة إلى إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والنسبة المسموح فيها في كل دول العالم حتى المتطورة ضريبياً عندما يكون بنسبة تصل إلى حد أعلى لا يتجاوز 4% من الناتج المحلي أما إن زاد على ذلك فإنه يصبح خطراً.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة