في 7 آب 2014 عقد «بنك سورية المركزي» جلسة تدخّل طارئة لبحث مسببات تراجع سعر صرف الليرة. وعرض شريحة 20 مليون دولار أميركي للبيع ولم يشتر أحد، ما يشير إلى توافر عرض كاف من القطع. وأكد قدرته على التحكّم في السوق من خلال امتلاكه لكافة الأدوات والوسائل الكفيلة بجذب سعر الصرف إلى المستويات المستهدفة من قبله وإعادة سعر الصرف إلى مستويات مقبولة.

بعد أسبوعين عقد «المركزي» جلسة، وصرّح بالجمل ذاتها مرة أخرى مع فارق وحيد بين الجلستين أن زيادة سعر الدولار خلال تلك الفترة كانت في نشرة «المركزي» أكبر من «السوداء»!

هل يستطيع «المركزي» (كان الدولار سعره 151 ليرة وأصبح 153) اللحاق بـ«السوداء» (كان 170 وأصبح 171)؟

بانتظار الجواب يا حبذا تحديد الفرق بين مصطلحات المستويات السعرية الوهمية والمستهدفة والمقبولة. وهي ثلاث صفات تتكرّر في تصريحات البنك المركزي ويصعب علينا معرفة المقصود بها.

وإن كانت الأسعار وهمية فعلاً، فلماذا يصرّ «المركزي» على اللحاق بها؟

عند تقلب أسعار الصرف يقوم معظم التجار بتثبيت أسعارهم على أساس وسطي سعر الصرف مضافاً إليه هامش خمس ليرات من باب الحيطة. في ظل السباق الحالي بين «المركزي» و«السوداء» على من يحقق الرقم الأعلى، قد يحقق التجّار رقماً قياسياً أعلى في حجم الهامش الاحتياطي بانتظار استقرار الأسعار!

سيكون من المفيد التعاقد مع كلية المعلوماتية لإنجاز برنامج يمنع فورياً ازدواجية شراء القطع من المصارف بدلاً من اكتشاف الاحتيال بعد أشهر وتعليق أسماء مئات المخالفين... الأهم هو هل نحن بحاجة إلى بيع الدولار داخلياً لغير المسافرين الجديين والمضطرين إلى العلاج الخارجي؟ نرجو اتخاذ القرار الملائم بوقف سياسات التجريب، فالعملة أصبحت «عن جد» صعبة جداً!

ولنتذكر أنّ من دعم الليرة السورية في بداية الأزمة عبر بيع الدولار أو ما لديه من مجوهرات وغيرها يستحق دعماً وقرارات مناسبة تقارب ما يتخذ من قرارات بخصوص رفع نسب مراكز القطع لتحافظ على مصالح مالكي المصارف الخاصة.

ما دام المركزي لم يمانع انخفاض سعر صرف الليرة 70% مقارنة ببداية الأزمة، فما الذي يمنع الدراسة الجدية لتحريك أسعار الفائدة «بسخاء أقل» لإعادة إقلاع الاقتصاد من جديد ضمن رؤية متكاملة لفريق عمل متكامل؟ ولنتذكر أنّ تقلبات الصرف تسببت بتضخم كبير. أما السياسات الحالية فتشكل حافزاً كبيراً للمقترضين للامتناع عن تسديد سيولة تحقق أضعاف الفوائد لحامليها عبر تشغيلها في هذه الأجواء التضخمية. ولا تكلفة تذكر للتأخير في التسديد في ظل تثبيت معدلات الفائدة ومنظومات التسوية السخية وخاصة في المصارف العامة.

يستحق المقرضون والمقترضون و«المنقرضون» بسبب هذه الأجواء التطلع إلى سياسات عامة تحدث تغييرات جوهرية بدلاً من جلسات تدخل عقيمة أشبه بمن يخضع للتنظير على يد ممرض يصرّ على إدخال الأنبوب في ثقب مختلف!

* مدير عام «المصرف التجاري السوري» سابقاً

  • فريق ماسة
  • 2014-08-22
  • 13046
  • من الأرشيف

وجهة نظر ...«تنظير» في السياسة النقدية في سورية

في 7 آب 2014 عقد «بنك سورية المركزي» جلسة تدخّل طارئة لبحث مسببات تراجع سعر صرف الليرة. وعرض شريحة 20 مليون دولار أميركي للبيع ولم يشتر أحد، ما يشير إلى توافر عرض كاف من القطع. وأكد قدرته على التحكّم في السوق من خلال امتلاكه لكافة الأدوات والوسائل الكفيلة بجذب سعر الصرف إلى المستويات المستهدفة من قبله وإعادة سعر الصرف إلى مستويات مقبولة. بعد أسبوعين عقد «المركزي» جلسة، وصرّح بالجمل ذاتها مرة أخرى مع فارق وحيد بين الجلستين أن زيادة سعر الدولار خلال تلك الفترة كانت في نشرة «المركزي» أكبر من «السوداء»! هل يستطيع «المركزي» (كان الدولار سعره 151 ليرة وأصبح 153) اللحاق بـ«السوداء» (كان 170 وأصبح 171)؟ بانتظار الجواب يا حبذا تحديد الفرق بين مصطلحات المستويات السعرية الوهمية والمستهدفة والمقبولة. وهي ثلاث صفات تتكرّر في تصريحات البنك المركزي ويصعب علينا معرفة المقصود بها. وإن كانت الأسعار وهمية فعلاً، فلماذا يصرّ «المركزي» على اللحاق بها؟ عند تقلب أسعار الصرف يقوم معظم التجار بتثبيت أسعارهم على أساس وسطي سعر الصرف مضافاً إليه هامش خمس ليرات من باب الحيطة. في ظل السباق الحالي بين «المركزي» و«السوداء» على من يحقق الرقم الأعلى، قد يحقق التجّار رقماً قياسياً أعلى في حجم الهامش الاحتياطي بانتظار استقرار الأسعار! سيكون من المفيد التعاقد مع كلية المعلوماتية لإنجاز برنامج يمنع فورياً ازدواجية شراء القطع من المصارف بدلاً من اكتشاف الاحتيال بعد أشهر وتعليق أسماء مئات المخالفين... الأهم هو هل نحن بحاجة إلى بيع الدولار داخلياً لغير المسافرين الجديين والمضطرين إلى العلاج الخارجي؟ نرجو اتخاذ القرار الملائم بوقف سياسات التجريب، فالعملة أصبحت «عن جد» صعبة جداً! ولنتذكر أنّ من دعم الليرة السورية في بداية الأزمة عبر بيع الدولار أو ما لديه من مجوهرات وغيرها يستحق دعماً وقرارات مناسبة تقارب ما يتخذ من قرارات بخصوص رفع نسب مراكز القطع لتحافظ على مصالح مالكي المصارف الخاصة. ما دام المركزي لم يمانع انخفاض سعر صرف الليرة 70% مقارنة ببداية الأزمة، فما الذي يمنع الدراسة الجدية لتحريك أسعار الفائدة «بسخاء أقل» لإعادة إقلاع الاقتصاد من جديد ضمن رؤية متكاملة لفريق عمل متكامل؟ ولنتذكر أنّ تقلبات الصرف تسببت بتضخم كبير. أما السياسات الحالية فتشكل حافزاً كبيراً للمقترضين للامتناع عن تسديد سيولة تحقق أضعاف الفوائد لحامليها عبر تشغيلها في هذه الأجواء التضخمية. ولا تكلفة تذكر للتأخير في التسديد في ظل تثبيت معدلات الفائدة ومنظومات التسوية السخية وخاصة في المصارف العامة. يستحق المقرضون والمقترضون و«المنقرضون» بسبب هذه الأجواء التطلع إلى سياسات عامة تحدث تغييرات جوهرية بدلاً من جلسات تدخل عقيمة أشبه بمن يخضع للتنظير على يد ممرض يصرّ على إدخال الأنبوب في ثقب مختلف! * مدير عام «المصرف التجاري السوري» سابقاً

المصدر : دريد درغام


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة