أمام هذه المؤامرة الدولية الشرسة والحصار الاقتصادي غير الإنساني على الشعب السوري، برهنت القيادة السورية بفضل خبرات علمائها وسياسييها واقتصادييها وتضحيات ضباطها وجنودها، للصديق قبل العدو، أنها قيادةٌ متينةٌ لا تسقطها رياح التكفير ولا تميلها رياح الاستعمار، الذي سطّر فيه جيشه أبهى الإنتصارات والتضحيات. وكما قال الرئيس الخالد حافظ الأسد رحمه الله "نحن نجيد اللعب على حافة الهاوية ولو سقطنا لن نسقط الا فوق جثث أعدائنا".

دخل الاقتصاد السوري منذ بدايات الأزمة، بمرحلةٍ حادةٍ من انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاعٍ في نسب التضخم المالي، التي أدت الى تدهور جميع الكيانات الاقتصادية وانهيار العديد من المؤسسات العامة والشركات الخاصة، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنشآت النفطية وحقول الغاز، التي دمرت الكثير من البنى التحتية.

عمدت القيادة العسكرية السورية لاحقاً لنقل بعض نقاطها من مناطق سيطرتها الى منطقةٍ خلف القامشلي، للاستفادة من حقول النفط والغاز فيها، كونها نقطة حيوية لإمدادات الجيش لوجستياً في تزويد آلياته العسكرية ومنشأته بالوقود. بينما المشكلة الثانية تمثلت بالحواجز الجمركية والعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية بشكلٍ خاص على السوق السوري، الذي أدى الى تكديس كميات ضخمة من الصادرات والخلل في الميزان التجاري. هذا الأمر دفع بالسلطات السورية الى إعادة التموضع وتنفيذ سياسة "ب"، للخروج قدر المستطاع من مسببات ترافقت مع هذه الأزمة والمشاكل الإضافية التي يمكن أن تتشكل مع ظهور أزمات مستجدة. وتجلّت سياسة "ب" الاقتصادية عبر إيجاد أسواق بديلة وشبكات تمويلية إضافية بطريقةٍ أو بأخرى، عبر ممرات جوية أو برية لاستيعاب هذا الإنتاج المحلي. وشجعت هذه السياسة الجديدة الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال في الرجوع الى حلبة السوق السوري وتعزيز التبادل التجاري، عن طريق علاقات سوريا الدولية بمنظمة البريكس من جهة، وعلاقة سوريا بحلفائها الأساسيين والاستراتيجيين كروسيا وإيران وسوريا من جهةٍ ثانية.

إنّ هذه الإجراءات الإحتياطية التي عبرت عنها السياسة السوري أدت حالياً لإعادة الاستقرار النقدي للعملة السورية الى سعرٍ مقبولٍ بالنسبة لحجم الخسائر التي لحقت بها، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 60 في المائة من قيمتها في وقتٍ سابق، وبدا ذلك عبر الدور الإيجابي الذي لعبه البنك المركزي في اعتماد تقنية التحوّل المالي في التداول بالعملات الروسية والصينية والإيرانية بدل العملات الأجنبية، وذلك من أجل الخروج من دائرة نظام اليورو والدولار، إضافةً الى مكافحة التضخم والتعويم والمضاربات غير الشرعية. وبالطبع إنّ تحسّن العملة السورية هو مؤشرٌ هام في تجسيد سيادة هذا البلد واستقلالية سياساته النقدية والمالية. وهو الأمر الذي يعود الى استلام الجيش السوري زمام الأمور في المناطق التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، وإعادة الأمن والسلام للمناطق المحررة من أجل إعادة إحيائها عمرانياً وإنتاجياً.

في سياقٍ آخر، يعتبر القطاع الزراعي السوري قطاعاً هاماً من بين القطاعات الإنتاجية الأخرى، فهو يشكل أكثر من 25% من الدخل القومي. وبالتزامن مع انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية والمواشي وارتفاع أسعارها في عام 2012 نتيجة انحسار المساحات الزراعية وسيطرة الجماعات الإرهابية على تلك الأراضي، إضافةً الى عدم توفر منشآت لتخزين البضائع والمحاصيل، لكن بفضل السياسات التجارية السليمة والمدروسة الجديدة التي اتّبعتها الحكومة السورية، فاستعاد هذا القطاع جزءاً من حيويته وديناميته، فأدى الى انخفاض تدريجي بأسعار بعض المحاصيل في العامي 2013 و2014. وكان لأوكرانيا الدور الهام في هذا المجال، وذلك بعد تعزيز العلاقات التجارية والتسويقية بين البلدين عن طريق تصريق المنتجات الغذائية والطبية التخصصية وغيرها. هذا ولعب التبادل مع أوكرانيا قبل الانقلاب والتفكك دوراً مهماً في حجم الصادرات السورية ومستورداتها، الذي عزّز حجم التبادل التجاري لسدّ الثغرة من حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالقطاع النفطي.

وهذا بالطبع ما وفّر للجيش العربي السوري الإمدادات اللوجستية لجنوده وضباطه، وذلك عبر توسيع حصة الجيش من الميزانية العامة نظراً للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد. إضافةً الى الدور الذي لعبه الداعمين الداخلي والخارجي، الذي استطاعت فيه القوات المسلحة الاستفادة منها، من أجل تعزيز الصمود الوطني والشعبي أمام هذه الهجمة الدولية. وبالرغم من تلك العقوبات الشديدة التي طالت اقتصاده، فقد استحدثت الحكومة السورية سياسة "ب" للخروج من الحالة المأساوية التي عاشتها القطاعات الإنتاجية سابقاً.

برهنت السلطات السورية بالنظر لحجم خبراتها العلمية والاقتصادية في مواجهة التحديات التي طالت اقتصادها، أنها فعلاً على قدر تحمل هذه المسؤوليات. فقد عمدت قيادة القوات المسلحة العسكرية الى بناء منشآت تحت الأرض ومرافق لتخزين العتاد والأسلحة وموارد الوقود، من أجل الاحتماء وتوفير الأرضية المناسبة لمخزونها من السلاح. إضافةً الى ذلك، فقد عزّز الجيش قدراته من جديد بعد تلقيه أشكال عديدة من الدعم، الذي ينقسم الى أربعة أشكال:

- الدعم العسكري الأول الروسي من جهة (شطب كميات كبيرة من الديون الروسية ودعم اقتصادي ومساعدات إنسانية).

- الدعم الإيراني من جهةٍ ثانية (تصريف إنتاجي للمنتوجات وبناء شبكات من الممرات التسليحية).

- الدعم من منظمة البركس (تعاون اقتصادي ودعم سياسي).

- الدعم الرابع المتثمل بالعلاقات الاقتصادية والأمنية غير المباشرة وأحياناً السرية بين سوريا وبعض الدول الأوروربية.

ونتيجةً لهذه العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وحلفائها، أدى ذلك الى المساهمة بشكلٍ أساسي في تعزيز المشاريع الخدماتية والفنية والهندسية وتعزيز التعاون العسكري والأمني الذي لقي ممره عبر العراق. الأمر الذي أعاد ترميم القطع العسكرية وضخّ شبكات تمويلية جديدة كان من شأنها تكوين فرق قادرة على الصمود لسنوات طويلة، معتمدةً على الازدواجية في الدعم الخارجي والداخلي.

  • فريق ماسة
  • 2014-08-16
  • 11370
  • من الأرشيف

الإقتصاد السوري .. انتصار آخر

 أمام هذه المؤامرة الدولية الشرسة والحصار الاقتصادي غير الإنساني على الشعب السوري، برهنت القيادة السورية بفضل خبرات علمائها وسياسييها واقتصادييها وتضحيات ضباطها وجنودها، للصديق قبل العدو، أنها قيادةٌ متينةٌ لا تسقطها رياح التكفير ولا تميلها رياح الاستعمار، الذي سطّر فيه جيشه أبهى الإنتصارات والتضحيات. وكما قال الرئيس الخالد حافظ الأسد رحمه الله "نحن نجيد اللعب على حافة الهاوية ولو سقطنا لن نسقط الا فوق جثث أعدائنا". دخل الاقتصاد السوري منذ بدايات الأزمة، بمرحلةٍ حادةٍ من انخفاض النمو الاقتصادي وارتفاعٍ في نسب التضخم المالي، التي أدت الى تدهور جميع الكيانات الاقتصادية وانهيار العديد من المؤسسات العامة والشركات الخاصة، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنشآت النفطية وحقول الغاز، التي دمرت الكثير من البنى التحتية. عمدت القيادة العسكرية السورية لاحقاً لنقل بعض نقاطها من مناطق سيطرتها الى منطقةٍ خلف القامشلي، للاستفادة من حقول النفط والغاز فيها، كونها نقطة حيوية لإمدادات الجيش لوجستياً في تزويد آلياته العسكرية ومنشأته بالوقود. بينما المشكلة الثانية تمثلت بالحواجز الجمركية والعقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية بشكلٍ خاص على السوق السوري، الذي أدى الى تكديس كميات ضخمة من الصادرات والخلل في الميزان التجاري. هذا الأمر دفع بالسلطات السورية الى إعادة التموضع وتنفيذ سياسة "ب"، للخروج قدر المستطاع من مسببات ترافقت مع هذه الأزمة والمشاكل الإضافية التي يمكن أن تتشكل مع ظهور أزمات مستجدة. وتجلّت سياسة "ب" الاقتصادية عبر إيجاد أسواق بديلة وشبكات تمويلية إضافية بطريقةٍ أو بأخرى، عبر ممرات جوية أو برية لاستيعاب هذا الإنتاج المحلي. وشجعت هذه السياسة الجديدة الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال في الرجوع الى حلبة السوق السوري وتعزيز التبادل التجاري، عن طريق علاقات سوريا الدولية بمنظمة البريكس من جهة، وعلاقة سوريا بحلفائها الأساسيين والاستراتيجيين كروسيا وإيران وسوريا من جهةٍ ثانية. إنّ هذه الإجراءات الإحتياطية التي عبرت عنها السياسة السوري أدت حالياً لإعادة الاستقرار النقدي للعملة السورية الى سعرٍ مقبولٍ بالنسبة لحجم الخسائر التي لحقت بها، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 60 في المائة من قيمتها في وقتٍ سابق، وبدا ذلك عبر الدور الإيجابي الذي لعبه البنك المركزي في اعتماد تقنية التحوّل المالي في التداول بالعملات الروسية والصينية والإيرانية بدل العملات الأجنبية، وذلك من أجل الخروج من دائرة نظام اليورو والدولار، إضافةً الى مكافحة التضخم والتعويم والمضاربات غير الشرعية. وبالطبع إنّ تحسّن العملة السورية هو مؤشرٌ هام في تجسيد سيادة هذا البلد واستقلالية سياساته النقدية والمالية. وهو الأمر الذي يعود الى استلام الجيش السوري زمام الأمور في المناطق التي كانت تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، وإعادة الأمن والسلام للمناطق المحررة من أجل إعادة إحيائها عمرانياً وإنتاجياً. في سياقٍ آخر، يعتبر القطاع الزراعي السوري قطاعاً هاماً من بين القطاعات الإنتاجية الأخرى، فهو يشكل أكثر من 25% من الدخل القومي. وبالتزامن مع انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية والمواشي وارتفاع أسعارها في عام 2012 نتيجة انحسار المساحات الزراعية وسيطرة الجماعات الإرهابية على تلك الأراضي، إضافةً الى عدم توفر منشآت لتخزين البضائع والمحاصيل، لكن بفضل السياسات التجارية السليمة والمدروسة الجديدة التي اتّبعتها الحكومة السورية، فاستعاد هذا القطاع جزءاً من حيويته وديناميته، فأدى الى انخفاض تدريجي بأسعار بعض المحاصيل في العامي 2013 و2014. وكان لأوكرانيا الدور الهام في هذا المجال، وذلك بعد تعزيز العلاقات التجارية والتسويقية بين البلدين عن طريق تصريق المنتجات الغذائية والطبية التخصصية وغيرها. هذا ولعب التبادل مع أوكرانيا قبل الانقلاب والتفكك دوراً مهماً في حجم الصادرات السورية ومستورداتها، الذي عزّز حجم التبادل التجاري لسدّ الثغرة من حجم الخسائر الكبيرة التي لحقت بالقطاع النفطي. وهذا بالطبع ما وفّر للجيش العربي السوري الإمدادات اللوجستية لجنوده وضباطه، وذلك عبر توسيع حصة الجيش من الميزانية العامة نظراً للظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد. إضافةً الى الدور الذي لعبه الداعمين الداخلي والخارجي، الذي استطاعت فيه القوات المسلحة الاستفادة منها، من أجل تعزيز الصمود الوطني والشعبي أمام هذه الهجمة الدولية. وبالرغم من تلك العقوبات الشديدة التي طالت اقتصاده، فقد استحدثت الحكومة السورية سياسة "ب" للخروج من الحالة المأساوية التي عاشتها القطاعات الإنتاجية سابقاً. برهنت السلطات السورية بالنظر لحجم خبراتها العلمية والاقتصادية في مواجهة التحديات التي طالت اقتصادها، أنها فعلاً على قدر تحمل هذه المسؤوليات. فقد عمدت قيادة القوات المسلحة العسكرية الى بناء منشآت تحت الأرض ومرافق لتخزين العتاد والأسلحة وموارد الوقود، من أجل الاحتماء وتوفير الأرضية المناسبة لمخزونها من السلاح. إضافةً الى ذلك، فقد عزّز الجيش قدراته من جديد بعد تلقيه أشكال عديدة من الدعم، الذي ينقسم الى أربعة أشكال: - الدعم العسكري الأول الروسي من جهة (شطب كميات كبيرة من الديون الروسية ودعم اقتصادي ومساعدات إنسانية). - الدعم الإيراني من جهةٍ ثانية (تصريف إنتاجي للمنتوجات وبناء شبكات من الممرات التسليحية). - الدعم من منظمة البركس (تعاون اقتصادي ودعم سياسي). - الدعم الرابع المتثمل بالعلاقات الاقتصادية والأمنية غير المباشرة وأحياناً السرية بين سوريا وبعض الدول الأوروربية. ونتيجةً لهذه العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وحلفائها، أدى ذلك الى المساهمة بشكلٍ أساسي في تعزيز المشاريع الخدماتية والفنية والهندسية وتعزيز التعاون العسكري والأمني الذي لقي ممره عبر العراق. الأمر الذي أعاد ترميم القطع العسكرية وضخّ شبكات تمويلية جديدة كان من شأنها تكوين فرق قادرة على الصمود لسنوات طويلة، معتمدةً على الازدواجية في الدعم الخارجي والداخلي.

المصدر : سلاب نيوز


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة