دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدأت ملامح التورط البريطاني في العراق بالتشكل بعد تصريحات وزير الدفاع مايكل فالون عن تغير معالم المهمة البريطانية في العراق وانها «ببساطة لم تعد انسانية» ولكن الانضمام لمهمة مواجهة «الإرهاب ودعم الحكومة العراقية الجديدة»، وقال الوزير ان طائرات التورنادو البريطانية تقوم بطلعات جوية ورحلات استطلاعية لجمع المعلومات عن تحركات تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتقديم المعلومات للقوات الكردية التي تقود عمليات مواجهة الدولة الإسلامية في شمال العراق.
وكشف وزير الدفاع عن نشر قوات بريطانية على الأرض للتحضير لعمليات الإجلاء التي تقوم بها طائرات «تشينوك» للاجئين.
وأكد كذلك قيام الطائرات العسكرية البريطانية بنقل أسلحة وذخائر من دول أعضاء في منظومة الإتحاد السوفييتي السابق لإمداد القوات الكردية بالأسلحة، ولم يستبعد قيام الحكومة البريطانية بتزويد الأكراد بالأسلحة مباشرة. وبرر الوزير المشاركة البريطانية بالقول «ان لم نواجه الإرهاب ونساعد الحكومة البريطانية فاننا سنواجه مقاتلي الدولة الإسلامية في أوروبا، فهم يمثلون خطرا مباشرا على غرب أوروبا».
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قد حدد معالم المشاركة البريطانية في العراق بمقال مطول نشرته صحيفة «صاندي تلغراف» وحدد فيه المعالم التي تتحرك من خلالها بريطانيا، داخليا وأوروبيا وعراقيا ودوليا، وأهم ما جاء فيه استعداد بلاده للتعاون مع إيران من أجل هزيمة الدولة الإسلامية.
ولكن خطة كاميرون للعراق ينقصها الوضوح وتفتح الباب أمام نقد للحكومة ليس لأن البرلمان في عطلته الصيفية ولكن لأن البلاد لم تشهد نقاشا عاما حول موضوع المشاركة العسكرية في العراق. ولتعرض الحكومة البريطانية لانتقادات من الكنيسة الانكليزية حيث وجه أسقف ليدز نقدا لكاميرون واتهمه بتجاهل دعم الاقليات المسيحية في العراق.
بحاجة للتوضيح
وعلقت «دايلي تلغراف» في افتتاحيتها على خطة كاميرون داعية إياه لتوضيح معالمها، مشيرة إلى انها ليست مهمة في الظرف الحالي طالما لم تحتل الولايات المتحدة مقعد القيادة. وترى الصحيفة في مقالة كاميرون صورة عن المأزق السياسي الذي يواجهه القادة الأوروبيون لمكافحة القاعدة. ففي الوقت الذي أكد فيه كاميرون على أهمية التحرك ومواجهة داعش تساءلت الصحفة «كيف ومتى؟».
مشيرة إلى ان الدولة الإسلامية حققت تقدمها والرئيس الأمريكي يتحدث. وعندما قرر التحرك أكد على أهمية محدودية الفعل العسكري لان واشنطن لم تعد مهتمة بالقيام بدور شرطي العالم، ولا يريد أوباما الاستثمار مرة أخرى في العراق الذي كلف الأمريكيين أثناء فترة جورج بوش الدم والمال.
ومن هنا فبدون قيادة أمريكية للعملية في العراق فمن الصعب ان يحقق كاميرون رده الأمني القوي ضد داعش.
وتبدو مهمة كاميرون صعبة في ظل غياب النقاش السياسي حول المشاركة في العراق، وهذا لا يعود فقط لغياب البرلمان في عطلته الصيفية.
ومن هنا فمن الصعب قياس «رغبة» الناس وشهيتهم حول المشاركة في عمل عسكري.
وتقول أيضا ان كاميرون محق في حديثه عن التهديد المباشر الذي تمثله داعش على بريطانيا، خاصة ان الجهاديين البريطانيين ذهبوا للمشاركة في العراق وسوريا وعندما يعودون لبلادهم فسيجلبون معهم الخطر.
والسؤال هل ننتظرعودتهم ونترك مراقبتهم للأجهزة الأمنية أم نضربهم حيث كانوا، أي في العراق.
وفي غياب تدخل أمريكي مباشر فعلينا مساعدة القوات الكردية والعراقية لقيادة الجهود ضد الدولة الإسلامية، ولا يخفى في حديث كاميرون ان خطته التي تؤكد على المساعدة ولكن بدون وضع «قوات على الأرض» غير واضحة وتجعل الحكومة عرضة للنقد من قطاعات عدة ومن جهات لا يتوقع ان يصدر عنها النقد، مشيرة لنقد أسقف ليدز المبجل مايكل بارنز الذي انتقد سياسة كاميرون الخارجية ووصفها بالتشوش وتتسم برد الفعل وعدم الإهتمام بمصير المسيحيين العراقيين قدر الإهتمام الدولي بالايزيديين.
والسؤال ان كان كاميرون يعد خطة عسكرية ويريد من الدول الأوروبية المضي خلفه، ولو حدث هذا فالناخب البريطاني بحاجة ليعرف. وأهم ما جاء في خطة كاميرون هي تعويمه فكرة التعاون مع إيران لمواجهة داعش وهو ما يظهر تحولا بريطانيا لبناء تحالف ضد الدولة الإسلامية وبحسب صحيفة «التايمز» في تقرير لها فستعزز بريطانيا علاقاتها مع مصر التي تقوم بحملة قمع ضد الإخوان المسلمين، ومع تركيا.
وما يضع بريطانيا والولايات المتحدة في وضع غير مريح هو انضمام النظام السوري للحرب ضد داعش واستهداف قوات التنظيم في الرقة في سلسلة من الغارات الجوية يوم الأحد. ورغم انه لا يوجد أية إشارات حول تقارب بريطاني ـ سوري إلا ان هناك صلات بين مقاتلي داعش ومقاتلي بعض الفصائل السورية.
وتشير الصحيفة للدور السعودي في دعم الجماعات السنية المعتدلة في سوريا، ولكنها رضخت أخيرا للضغوط الدولية وفرض قيود على بعض مواطنيها قالت الأمم المتحدة ان لهم صلات مالية مع داعش.
التعاون مع إيران
وتأتي دعوة كاميرون للتعاون مع الدول القريبة من العراق ومنها إيران في ضوء تحسن طفيف في العلاقات بين البلدين منذ انتخاب حسن روحاني، رئيسا لإيران وبدء الأخيرة محادثات مع الغرب حول مشروعها النووي. ويرى دبلوماسيون ونواب محافظون جدد ان إيران لم تتغير كثيرا مع انها لعبت دورا في إجبار نوري المالكي على التنحي عن السلطة، فيما قام الجنرال قاسم سليماني- قائد فيلق القدس بلعب دور في ترتيب رحيل المالكي وأمره بالظهور أمام عدسات الكاميرا كي يعلن تنحيه عن السلطة يوم الخميس.
ويشرف قاسمي على خطة الدفاع عن بغداد أمام تقدم قوات الدولة الإسلامية. وفي ضوء النقاش حول الدور الإيراني كتب مالكوم ريفكند، وزير الخارجية والدفاع البريطاني السابق في حكومة المحافظ متسائلا عن محور أمريكي- إيراني جديد يتعاون فيه آيات الله مع الشيطان الأكبر.
وتؤكد التطورات تفاهما من هذا النوع، فقد اتفق الأمريكيون والإيرانيون على رحيل المالكي، كما لم تظهر أصوات شاجبة من القصف الجوي الأمريكي لمواقع الدولة الإسلامية، كما عبر الإيرانيون عن ارتياحهم لتسليح قوات البيشمركة جيران إيران. يجري كل هذا في سياق المفاوضات المستمرة حول ملف إيران النووي.
سياق هجمات إيلول
وقبل ان يمضي الواحد منا يقول ريفكند انه يجب وضع التعاون هذا في سياقه. مشيرا لتعاون أمريكي ـ إيراني جرى منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وفي عدة مناسبات وان بطريقة غير رسمية لتقارب المصالح بينهما.
وأهم ملامح التعاون بين الطرفين كان رد إيران على هجمات أيلول/سبتمبر 2001 حيث قدمت إيران غطاء للأمريكيين في جهودهم للإطاحة بحركة طالبان في أفغانستان وتدمير معسكرات القاعدة هناك.
واختفى التعاون فيما بين البلدين في السنوات اللاحقة حيث لم يكن الإيرانيون مرتاحون من النفوذ الذي يمارسه الأمريكيون على جارتهم الشرقية. أما اليوم فالتهديد الذي تواجهه إيران من الدولة الإسلامية يتفوق على ما واجهته من تهديد من القاعدة قبل أكثر من عقد، فالدولة التي أعلنت عن الخلافة تسيطر على مناطق تمتد من سوريا والعراق وتقترب من الحدود الإيرانية.
وفي حالة نجاح الدولة وأكدت حضورا دائما لها فهذا يعني نهاية العراق الموحد وانفصال الأكراد. وما سيتبقى من العراق هو دولة شيعية في الجنوب وبغداد، محرومة من الكثير من مصادرها النفطية والمائية.
ووضع كهذا يعتبر تهديدا لإيران التي كما قيل كانت المستفيد الأوحد من الغزو الانكلو- أمريكي للعراق والإطاحة بصدام حسين منافسها على الخليج، حدث هذا بدون ان تطلق إيران ولو طلقة واحدة. ويبدو ما انجزته إيران في حالة من الفوضى ولهذا فهي بحاجة للتخلص من خطر الدولة الإسلامية.
والقصة لا تنتهي عند العراق، فالخلافة تسيطر على مناطق في سوريا. وفي ظل تفكك المعارضة السورية للأسد تحولت الدولة الإسلامية لأهم معارض للأسد. وعليه تبدو السياسة الإيرانية في سوريا والعراق ولبنان مهددة بالانهيار، فهذا الهلال الشيعي الخطير الذي أشار إليه الملك عبدالله الثاني، عاهل الأردن والذي بدأ من طهران وانتهى ببيروت مرورا ببغداد ودمشق جعل من الإيرانيين صناع الملوك في هذه الدول.
ويتساءل الكاتب مرة أخرى، ان كان الإيرانيون في ورطة فلماذا تريد واشنطن إخراجهم من ورطتهم؟ ويجيب ان الأمر لا يتعلق بنفاق أمريكا، حماقتها أو سذاجتها بل بالواقعية السياسية التي تتطلب تحالفات مؤقتة لحل النزاعات.
ويذكر بتحالف تشرتشل وروزفلت مع ستالين في الحرب العالمية الثانية لهزيمة هتلر. فلم يكن تشرتشل الذي عارض الشيوعية لأكثر من عشرين عاما جاهلا بتداعيات تحالفه مع ستالين حيث ظهر الاتحاد السوفييتي قويا وسيطر على معظم أوروبا الشرقية، ولكنه كان ثمنا يستحق دفعه كي تتحرر بريطانيا وأوروبا من خطر هتلر.
لن تكون قوة عظمى
ويقلل الكاتب من أهمية أثر التعاون الحالي على التوازنات الدولية، فلن تصبح إيران دولة عظمى. فاقتصادها في حالة يرثى له ونظام آيات الله يواجه مستقبلا غير واضح.
ومن هنا فان كان التعاون مع إيران سيؤدي لهزيمة الدولة الإسلامية ومساعدة الدول المعتدلة فانه سيساعد الغرب أيضا. ويضيف ان استمرار الدولة الإسلامية لا يهدد العراق بل المنطقة وأوروبا وسيؤدي لانتشار الراديكالية في المنطقة كلها. وفي النهاية فلا يمكن استبعاد فكرة إيران وتقاربها مع الغرب في يوم من الأيام، ليس لأن إيران الشاه كانت قريبة من الغرب ولكن لأن تركيا وإيران وإسرائيل هي دول لاعبة مهمة في المنطقة. ويجب ان تكون مصر والسعودية ودول أخرى تطمح لهذا الدور لكنها لا تملك الوزن السياسي الذي يدفعها للنجاح.
وفي النهاية قد تكون إيران في يوم من الأيام دولة قوية تؤمن بالتعددية وحديثة وحالة تحولها لهذا فستصبح قوة استقرار وتقدم. ولكنها في الوقت الحالي تعتبر تهديدا «وتعاوننا معها لهزيمة الخلافة يجب ان لا يعمينا عن هذه الحقيقة.
تفكك العراق
ومهما يكن التعاون وهزيمة داعش- الدولة الإسلامية- فالضرر الذي سببه نوري المالكي لبلاده سيظل يلاحقها ولعقود كما يقول جويل ريبرن الكولونيل الذي عمل مستشارا لديفيد بترايوس في العراق.
فانهيار المحافظات العراقية السريع في الشمال والغرب سيظل إرث المالكي يقول الكولونيل في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» فبعد تسعة عقود من الدولة الموحدة المركزية لم تعد بغداد تحكم كردستان ولا الفلوجة ولا الموصل وقد لا تستطيع حكمها مرة أخرى.
وورث المالكي حيدر العبادي بلدا أقل من نصف ما كان يحكمه صدام حسين. فقد دفعت سياسات المالكي وأتباعه الذين حاولوا تعزيز سيطرتهم على البلاد السنة والأكراد للمعارضة ورمتهم خاصة السنة في أحضان المتمردين.
ويقول الكاتب ان دفعة المالكي وأتباعه وتعطشهم للسلطة همشت كل محافظات البلاد بدرجة لم يعد فيها إقليم يثق بالحكومة المركزية، فكلما أحكم المالكي أصابعه على البلاد انزلقت من بين يديه.
ويرى الكاتب ان الأزمة الحالية في العراق لا تتعلق بمن يقود الحكومة القادمة بل لها علاقة بتفكك العراق ودخوله مرحلة حرب اهلية ستكون آثارها مدمرة ودموية مثلما حدث في يوغسلافيا السابقة. وكلما طال أمد عملية التفكك صعب وقفها ومن المحتمل انتقال أثرها المدمر على الدول المجاورة.
ويقول انه من المغري لوم تفكك العراق على الغزو الأمريكي عام 2003 ، مشيرا إلى انه كان هدفا واضحا للأحزاب التي جاءت من الخارج لبغداد في نيسان/إبريل 2003 جالبة معها الأجندة الطائفية التي كانت تعمل عليها ولعقود طويلة، وتضم هذه حزب الدعوة، والأحزاب الإسلامية الأخرى ومعها الإثنية التي جاءت من أجل تحويل دولة متعددة الطوائف والإثنيات لدولة منسجمة طائفيا وإثنيا، ونتيجة هذه الجهود كان حربا أهلية مدمرة. ويقول ان الأحزاب السياسية العراقية حولت العراق إلى امبراطوريات سياسية حيث سمحت لتراجع سلطة الدولة في عدد من المناطق خالقة فراغا أمنيا وعسكريا ملأه المتطرفون والجماعات الإجرامية.
وفي الوقت الذي يعرف الجميع عن زحف الدولة الإسلامية على الأحياء السنية إلا ان الميليشيات الشيعية تحركت وبحرية وأحيانا بتواطؤ مع الدولة ولسنين.
وبعيدا عن المجازر التي ترتكبها الدولة الإسلامية في الشمال فمن المتوقع قيام الميليشيات الشيعية بعزل بغداد والجنوب ومنع تقدم الدولة الإسلامية مما قد يؤدي لترحيل السنة باسم مكافحة الإرهاب بدعم من إيران وحلفائها من حزب الله اللبناني وبمباركة من الأحزاب الشيعية.
ويشير الكاتب هنا لدعوات عدد من السياسيين لتقسيم العراق لفدراليات للحفاظ على وحدته مثل دعوة كل من جوزيف بايدن وليزلي غيليب في مجلس العلاقات الخارجية حيث دعيا لفدرالية شيعية وسنية وكردية فيما تسيطر الحكومة المركزية على الدفاع والحدود والخارجية والنفط.
لكنه يقول ان تحقيق هذا غير ممكن بدون خسائر بشرية عالية ومآس، بسبب عدم وجود خطوط إثنية واضحة، فسكان شمال العراق متداخلون وأي طريقة لفصلهم عرقيا وطائفيا لن يكون بدون عنف وقتل، كما سيتم ترحيل مليون عراقي غير سني من مناطق السنة ومليون سني من بغداد، فالمزيج السكاني التركماني، الكردي الشيعي السني يجعل من الصعوبة بمكان بناء مناطق طائفية واضحة.
ويشير إلى تداخل في داخل الطائفة نفسها، اي المناطقي فقد لا يوافق سكان الموصل العيش مع أهل الانبار في دولة سنية واحدة. فيما ستقع الدولة الشيعية التي ستمتد من سامراء للخليج تحت التأثير الإيراني. وحالة تفكك العراق بهذه الطريقة فمن الصعوبة بمكان الحفاظ على وحدته.
ويرى الكاتب ان منظور العراق لتحقيق استقرار سياسي قاتم. فقد خلف المالكي وأتباعه وراءه إرثا سياسيا لا يمكن لأحد ان يثق بالآخر ولعل مقاومتهم ترك السلطة هو انهم لم يحصلوا من أي طرف على تطمينات توفر لهم الحماية حالة خرجوا من السلطة.
المصدر :
القدس العربي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة