غزة ـ من علا عطا الله ـ ترتمي والدة الطفل أحمد القايض، على جسد صغيرها، تُقبلّه مرة تلو الأخرى، وبين كل قبلة وأخرى تصرخ بصوتٍ يهز أرجاء مدرسة تضم عشرات النازحين في دير البلح، وسط قطاع غزة.

 وبصوتٍ مخنوق يجهش بالبكاء تصيح: “يا حبيي يما (يا أمي)، حكولي (قالوا) إنك عايش ما متتش (لم تمت)، اصحا (استيقظ)، يا أحمد (11 عاما)، شيماء (15) ماتت وكمان انتا (وأنتَ أيضا)”.

 ترتمي الأم، في مشهد يثير دمع كل من حولها، وهي تحتضن جثة طفلها، مساء اليوم الأربعاء، وهي الجثة التي ظنت أنها ستأتيها جسدا نابضا بالحياة.

 ولا تترجم الأم صدمتها سوى بصراخ يطالب “المقاومة” الفلسطينية بالانتقام لطفلها الغائب عنها منذ 13 يوما.

 وبحروفٍ متقطعة بفعل النحيب، تقول الأم لوكالة الأناضول: “في 25 من يوليو (تموز) الماضي، ذهب أحمد برفقة أخته شيماء وأصرّ على ترك مدرسة الإيواء لجلب ملابس العيد، من بيتنا الذي تركناه بفعل القصف الإسرائيلي، وغادرا المكان”.

 وكان الحديث يومها، يدور عن هدنة إنسانية طلبتها فصائل المقاومة من إسرائيل بسبب حلول عيد الفطر، إلا أن الأخيرة رفضتها، وعصر ذلك اليوم، أطلق الجيش الإسرائيلي قذائفه، لتنال من جسد الطفلة شيماء وتُحيلها إلى أشلاء.

 ووصل الخبر العاجل إلى الأم، فسارعت باكية هي وزوجها إلى المكان، وتم انتشال أشلاء شيماء، والسؤال عن جسد أحمد.

 لكن لا إجابة في المكان تشفي صدر الأم الثكلى، ومرت خمسة أيام، دون أن تعرف الأم مصير ابنها.

 وتموت الأم وقتها كما تقول ألف مرة، وترثي طفلا لا تعرف أين ذهب؟.

 وفي 29 يوليو/تموز يأتي اتصال مقتضب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ويُخبر العائلة، كما تقول الأم، بأن ابنها في إحدى المستشفيات الإسرائيلية يتلقى العلاج.

 وتُضيف الأم: “يومها عادت الروح لي، وأخبرنا الصليب بأن أحمد سيكلمنا قريبا كي نطمئن عليه، وأن الجيش الإسرائيلي أخذه كي يعالجه”.

 واتصال يعقبه اتصال بين عائلة القايض والصليب الأحمر، لينتهي أخيرا بتأكيد الأخير مساء أمس الثلاثاء أنه في مستشفى الشفاء جثة مجهولة لطفل سلّمها الجيش الإسرائيلي للصليب الأحمر.

 تهرّول عائلة القاضي، ويد الأم على قلبها، وما انّ يفتح الأطباء ثلاجة الموتى حتى تصرخ العائلة : “إنه أحمد”.

 ومساء اليوم الأربعاء، يأتي صغيرها كجسد فارق الحياة، لتموت كما تروي لوكالة الأناضول “مرة ثانية”.

 وتتابع والدمع لا يفارقها: “حرقوا قلبي مرتين، قتلوني مرتين، شيماء حبيبة قلبي ماتت، وبعد أيام سيكون عيد ميلادها، وأحمد أخبروني بأنه حي وها هو اليوم يموت، عندما فقدته شعرت بأني بلا حياة”.

 وعلى عجل يضع المشيّعون جسد أحمد في المدرسة لتراه أمه وتطبع على جبينه قبلة الوداع الأخيرة، ويّدفن الصغير ليُسجل ضمن قائمة الأطفال الذين قتلتهم قذائف وقنابل الحرب الإسرائيلية التي دامت 30 يوما على غزة، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة.

 وبدأت هدنة إنسانية مدتها 72 ساعة، وافق عليها الطرفان برعاية مصرية، في تمام الثامنة من صباح أمس بالتوقيت المحلي لإسرائيل وغزة (05:00 ت.غ)، لإفساح المجال أمام مفاوضات في القاهرة من أجل وقف دائم لإطلاق النار، بعد حرب أدوت بحياة 1875 فلسطينيا، بينهم نحو 400 طفل، فضلا عن إصابة حوالي 10 آلاف آخرين، بحسب وزارة الصحة في غزة.

 ووفقا لبيانات رسمية إسرائيلية، قتل في هذه الحرب 64 عسكرياً و3 مدنيين إسرائيليين، وأصيب حوالي 1008، بينهم 651 عسكرياً و357 مدنياً، بينما تقول كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس″ إنها قتلت 161 عسكرياً، وأسرت آخر.

 ومنذ أن فازت حركة “حماس″ بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي “حماس″ عن حكم غزة، وتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني في يونيو/ حزيران الماضي.
  • فريق ماسة
  • 2014-08-08
  • 4206
  • من الأرشيف

جثة طفل في غزة تقتل أمه مرتين

غزة ـ من علا عطا الله ـ ترتمي والدة الطفل أحمد القايض، على جسد صغيرها، تُقبلّه مرة تلو الأخرى، وبين كل قبلة وأخرى تصرخ بصوتٍ يهز أرجاء مدرسة تضم عشرات النازحين في دير البلح، وسط قطاع غزة.  وبصوتٍ مخنوق يجهش بالبكاء تصيح: “يا حبيي يما (يا أمي)، حكولي (قالوا) إنك عايش ما متتش (لم تمت)، اصحا (استيقظ)، يا أحمد (11 عاما)، شيماء (15) ماتت وكمان انتا (وأنتَ أيضا)”.  ترتمي الأم، في مشهد يثير دمع كل من حولها، وهي تحتضن جثة طفلها، مساء اليوم الأربعاء، وهي الجثة التي ظنت أنها ستأتيها جسدا نابضا بالحياة.  ولا تترجم الأم صدمتها سوى بصراخ يطالب “المقاومة” الفلسطينية بالانتقام لطفلها الغائب عنها منذ 13 يوما.  وبحروفٍ متقطعة بفعل النحيب، تقول الأم لوكالة الأناضول: “في 25 من يوليو (تموز) الماضي، ذهب أحمد برفقة أخته شيماء وأصرّ على ترك مدرسة الإيواء لجلب ملابس العيد، من بيتنا الذي تركناه بفعل القصف الإسرائيلي، وغادرا المكان”.  وكان الحديث يومها، يدور عن هدنة إنسانية طلبتها فصائل المقاومة من إسرائيل بسبب حلول عيد الفطر، إلا أن الأخيرة رفضتها، وعصر ذلك اليوم، أطلق الجيش الإسرائيلي قذائفه، لتنال من جسد الطفلة شيماء وتُحيلها إلى أشلاء.  ووصل الخبر العاجل إلى الأم، فسارعت باكية هي وزوجها إلى المكان، وتم انتشال أشلاء شيماء، والسؤال عن جسد أحمد.  لكن لا إجابة في المكان تشفي صدر الأم الثكلى، ومرت خمسة أيام، دون أن تعرف الأم مصير ابنها.  وتموت الأم وقتها كما تقول ألف مرة، وترثي طفلا لا تعرف أين ذهب؟.  وفي 29 يوليو/تموز يأتي اتصال مقتضب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ويُخبر العائلة، كما تقول الأم، بأن ابنها في إحدى المستشفيات الإسرائيلية يتلقى العلاج.  وتُضيف الأم: “يومها عادت الروح لي، وأخبرنا الصليب بأن أحمد سيكلمنا قريبا كي نطمئن عليه، وأن الجيش الإسرائيلي أخذه كي يعالجه”.  واتصال يعقبه اتصال بين عائلة القايض والصليب الأحمر، لينتهي أخيرا بتأكيد الأخير مساء أمس الثلاثاء أنه في مستشفى الشفاء جثة مجهولة لطفل سلّمها الجيش الإسرائيلي للصليب الأحمر.  تهرّول عائلة القاضي، ويد الأم على قلبها، وما انّ يفتح الأطباء ثلاجة الموتى حتى تصرخ العائلة : “إنه أحمد”.  ومساء اليوم الأربعاء، يأتي صغيرها كجسد فارق الحياة، لتموت كما تروي لوكالة الأناضول “مرة ثانية”.  وتتابع والدمع لا يفارقها: “حرقوا قلبي مرتين، قتلوني مرتين، شيماء حبيبة قلبي ماتت، وبعد أيام سيكون عيد ميلادها، وأحمد أخبروني بأنه حي وها هو اليوم يموت، عندما فقدته شعرت بأني بلا حياة”.  وعلى عجل يضع المشيّعون جسد أحمد في المدرسة لتراه أمه وتطبع على جبينه قبلة الوداع الأخيرة، ويّدفن الصغير ليُسجل ضمن قائمة الأطفال الذين قتلتهم قذائف وقنابل الحرب الإسرائيلية التي دامت 30 يوما على غزة، حيث يعيش أكثر من 1.8 مليون نسمة.  وبدأت هدنة إنسانية مدتها 72 ساعة، وافق عليها الطرفان برعاية مصرية، في تمام الثامنة من صباح أمس بالتوقيت المحلي لإسرائيل وغزة (05:00 ت.غ)، لإفساح المجال أمام مفاوضات في القاهرة من أجل وقف دائم لإطلاق النار، بعد حرب أدوت بحياة 1875 فلسطينيا، بينهم نحو 400 طفل، فضلا عن إصابة حوالي 10 آلاف آخرين، بحسب وزارة الصحة في غزة.  ووفقا لبيانات رسمية إسرائيلية، قتل في هذه الحرب 64 عسكرياً و3 مدنيين إسرائيليين، وأصيب حوالي 1008، بينهم 651 عسكرياً و357 مدنياً، بينما تقول كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس″ إنها قتلت 161 عسكرياً، وأسرت آخر.  ومنذ أن فازت حركة “حماس″ بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في يناير/ كانون الثاني 2006، تفرض إسرائيل حصارا على غزة، شددته إثر سيطرة الحركة على القطاع في يونيو/ حزيران من العام التالي، واستمرت في هذا الحصار رغم تخلي “حماس″ عن حكم غزة، وتشكيل حكومة التوافق الوطني الفلسطيني في يونيو/ حزيران الماضي.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة