ترسم تركيا، غداً، خريطة طريق جديدة لمستقبلها، عندما تجري انتخابات رئاسة الجمهورية، في تنافس بين ثلاثة مرشحين،على أن يفوز من الدورة الأولى من ينال أكثر من 50 في المئة من أصوات الناخبين. وفي حال فشل أي مرشح في ذلك، تعاد الانتخابات في 24 آب الحالي بين المرشحين الأولين.

ويتنافس في هذه الانتخابات كلّ من رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان عن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، والأمين العام السابق لـ«منظمة التعاون الإسلامي» إكمال الدين إحسان أوغلو عن «حزب الشعب الجمهوري»، وصلاح الدين ديميرطاش عن «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي المؤيد لـ«حزب العمال الكردستاني»، ليعكسوا بذلك مزاج الغالبية العظمى من «المجتمعات» التركية.

ولعلّ صلاح الدين ديميرطاش (41 عاماً) يشكل علامة فارقة في هذه الانتخابات.

وبالرغم من أن ديميرطاش فاقدٌ لأي فرصة في النجاج ـ لأن ما يتوقع أن يناله من أصوات لن يتعدى السبعة أو الثمانية في المئة ـ إلا ان كونه كردياً، بل «أوجلانياً»، يُدخل الكتلة الكردية عنصراً وازناً في المعادلة الداخلية.

ولا يبغي الأكراد من ذلك أن ينافسوا على الرئاسة، بل تأكيد حضورهم والتجاوب مع مطالبهم في الحرية والحكم الذاتي وإطلاق سراح زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان.

ويكفي هنا أن يفشل المرشحان الآخران، ولا سيما اردوغان في الفوز من الدورة الأولى، ليُعتبر ذلك نجاحاً هائلاً للكتلة «الأوجلانية» من أكراد تركيا، لأن ذلك سيحقق لها أن تلعب دور «بيضة القبان» في الدورة الثانية.

من هنا فإن الهمّ الأكبر لاردوغان هو أن يفوز من الدورة الأولى، لكي يتحرر من «ابتزاز» الأكراد في الدورة الثانية، حيث لا بد من نيل رضاهم لتلافي أي سيناريوهات كابوسية.

وليتخيّل اردوغان لحظة انه لم يفز من الدورة الأولى، وأن كل «شياطين» المعارضة توحدت ضده في الدورة الثانية، ولم ينجح في أن يصبح رئيسا للجمهورية، فأي مستقبل ينتظره؟ لن يكون رئيسا للجمهورية، وسيفقد موقعه في رئاسة «حزب العدالة والتنمية» والحكومة التركية، لكون الحزب حسم مسألة عدم بقاء أحد من مسؤوليه لثلاث ولايات متتالية في موقعه.

هذا الكابوس يدفع بأردوغان إلى تكثيف حملاته الانتخابية، ورفع نبرة الانتقاد لخصميه.

ويركز أردوغان على خطاب الفرز المذهبي والاثني والاجتماعي والمناطقي من أجل أن يضمن على الأقل نيل غالبية أصوات السنّة من الأتراك، أو من الأكراد وأصوات القوميين الأتراك، وهو سلاح اختبر جدواه في كل الانتخابات النيابية والبلدية السابقة.

وعلى غرار ما فعل في انتخابات العام 2011، يركز اردوغان اليوم على كونه سنّياً، في مقابل إحسان اوغلو، مرشح «حزب الشعب الجمهوري» الذي يترأسه علوي هو كمال كيليتشدار أوغلو، والذي يصنف على انه «تركي»، في حين أن ديميرطاش كردي، بل من أحد فروع الأكراد، ولا يمثّلهم جميعاً.

ولعل عدم فوز اردوغان من الدورة الأولى سيضعه تحت مطرقة المطالب الكردية، وهنا ستكون الكرة ليس في ملعب اردوغان فقط، بل في ملعب الأكراد، ومدى تجاوبهم مع وعود مبهمة قد يعطيها لهم رئيس الحكومة التركي.

وهنا يبرز دور مرشح المعارضة إكمال الدين إحسان أوغلو، حيث تكاد المعارضة التركية تجمع عليه، في ظل عجز أي من أحزابها عن الدفع بمرشح منتم إليها. ومع أن ترشح إحسان اوغلو خطوة موفقة، إذ وحّد المعارضة للمرة الأولى، فإن الرهان الأكبر هو أن «يخطف» هذا المرشح بعض الأصوات، وبالتالي النقاط من قاعدة أردوغان الحزبية من جهة، وأن يكسب أصوات الإسلاميين الذين لا يؤيدون اردوغان، ولكنهم لا يريدون التصويت لمرشح علماني أو كردي.

ويراهن إحسان أوغلو على ارتفاع منسوب الرغبة في التغيير لدى الرأي العام. ومع أن حجم كتلة الداعية فتح الله غولين غير معروف بدقة، وقد لا يكون كبيراً، ولا يتعدى الثلاثة في المئة أو أكثر، غير أن دعم غولين لاكمال الدين إحسان أوغلو سيمنحه أصواتاً إضافية كانت تصب لمصلحة اردوغان، ولم تعبّر عن نفسها بدقة في الانتخابات البلدية في الثلاثين من آذار الماضي.

ودعا غولين، من مقر إقامته في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، إلى «عدم انتخاب من يظلم الأمة ويضطهدها»، في إشارة إلى اردوغان، والتصويت ضمناً، بإيحاء من المفردات التي استخدمها، والتي تتضمن مفردة «أكمل» في أكثر من مقطع، لمرشح المعارضة أكمال الدين إحسان أوغلو.

وتدور المعركة الانتخابية في ظل ظروف غير متكافئة، فأردوغان يستخدم في كل تنقلاته إمكانات الدولة ووسائطها، وتفرد له وسائل الإعلام، ولا سيما التلفزيون الرسمي، ساعات كاملة لتغطية حملته، بينما لا يكاد إحسان أوغلو مثلاً يحظى سوى بدقائق معدودات يومياً.

ومع أن إحسان أوغلو استطاع بهدوئه أن ينفّس اللهجة الحادة التي استخدمها اردوغان ضده، غير أن من نقاط ضعفه انه شخصية غير جماهيرية، لا تصلح للساحات العامة والمنازلات الكبرى بخلاف طبيعة اردوغان وحتى ديميرطاش. وهو بالكاد خرج أمام الجماهير في الساحات العامة، بل اقتصر ظهوره في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات في صالات مغلقة وفي مؤتمرات صحافية.

ولا شك في أن عدم كونه حزبياً قد يلعب دوراً لغير مصلحته، وهنا تبرز أهمية الحشد والتعبئة لحزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، حيث يبذل كمال كيليتشدار اوغلو ودولت باهتشلي جهدهما لدعم إحسان أوغلو، ويقيمان المهرجانات الشعبية اليومية لذلك.

ولا شك في أن عدم فوز اردوغان من الدورة الأولى سيكون فرصة نادرة لكسر سلطته. وتقع المسؤولية الكبرى هنا على عاتق حزب «الحركة القومية»، ومدى استعداده لتقديم تنازلات مقنعة لكسب الصوت الكردي، وهذه مهمة شبه مستحيلة. وهنا في حال لم يقتنع الأكراد، لا بوعود أردوغان ولا بوعود إحسان أوغلو، فقد يختارون الامتناع من التصويت في الدورة الثانية، وهذا سيصب مئة في المئة في مصلحة أردوغان، لذا فما لم تحدث مفاجأة ضخمة، فإن جل هم المعارضة ألا يفوز اردوغان من الدورة الأولى، وفي حال فاز، فبأقل نسبة ممكنة من النجاح، وكذلك الأمر في الدورة الثانية، لأنه بقدر ما تزداد نسبة النجاح لدى اردوغان ستكبر نسبة «الفرعنة» عنده.

ويريد أردوغان أن يستكمل مشروعه في بناء «تركيا عظيمة» ذات منحى عثماني ـ سلجوقي باعترافه الشخصي علناً. وهو يريد أن يدخل التاريخ في أن يكون رئيساً للجمهورية لدورتين، حتى العام 2024، ليحتفل حينها في العام 2023 بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية، ليس لاستعادة ذكرى مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، بل لينعى بنفسه النظام العلماني ويعلن استعادة «الباديشاهية» الحديثة بربطات عنق «فيرساتشيه»، لا تختلف في مضمونها عن جلابيب «الداعشيين».

أما على صعيد المعارضة، فإن فشلها في إيصال مرشحها لن يبقيها من دون تداعيات، إذ انها فشلت على امتداد 12 عاماً من مجرد الاقتراب من الأرقام التي يحققها اردوغان في كل الانتخابات. وهو ما يستدعي إعادة النظر في مجمل سلوكها، مع احتمال التغيير في قياداتها ونهجها وبرامجها.

وفي حال فوز اردوغان، وخصوصاً من الدورة الأولى، فهذا يعني تشديد السيطرة على السلطة في الداخل، وتحويل النظام إلى رئاسي، ليختصر اردوغان النظام بشخصه، واختصار الحزب به، وليكون أتاتورك الثاني الجامع بيديه كل السلطات، مخفضاً بالتالي نسبة التفاؤل في أن تكون تركيا بلداً قريباً من المعايير الأوروبية، ويقربها أكثر لتكون نموذجا للدول العالمثالثية والمستبدة.

وعلى الصعيد الخارجي، يتوقع مع اردوغان استمرار سياسة العداء لكل الدول التي تعاديها تركيا الآن، وبالتالي استمرار سياسة العزلة التي وقعت فيها، خصوصا في العلاقات مع مصر والسعودية ودول الخليج ـ في ما عدا قطر ـ فضلا عن سوريا، مع الإشارة هنا إلى أن إيران لن تكون منزعجة من فوز أردوغان لأنها لا ترتاح إلى بعض القوى، ومنها غولين، التي تدعم إحسان أوغلو وتعتبرها قوى قريبة إلى إسرائيل.

وفي الأرقام الأخيرة لمؤسسات استطلاع الرأي، لا يزال أردوغان يتقدم منافسيه بحصوله على أرقام تتراوح بين خمسين و57 في المئة، وبفارق كبير عن إحسان أوغلو، الذي تعطيه الاستطلاعات نسباً تتراوح بين 34 و42 في المئة، بينما يحافظ صلاح الدين ديميرطاش على نسبة تتراوح بين سبعة وعشرة في المئة.

غدا يختار الأتراك رئيسهم الجديد للمرة الأولى في اقتراع شعبي، وعلى قاعدة المثل الشائع: «كما تكونون يولى عليكم».

  • فريق ماسة
  • 2014-08-08
  • 11197
  • من الأرشيف

تركيا تختار غداً رئيسها الثاني عشر

   ترسم تركيا، غداً، خريطة طريق جديدة لمستقبلها، عندما تجري انتخابات رئاسة الجمهورية، في تنافس بين ثلاثة مرشحين،على أن يفوز من الدورة الأولى من ينال أكثر من 50 في المئة من أصوات الناخبين. وفي حال فشل أي مرشح في ذلك، تعاد الانتخابات في 24 آب الحالي بين المرشحين الأولين. ويتنافس في هذه الانتخابات كلّ من رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان عن «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، والأمين العام السابق لـ«منظمة التعاون الإسلامي» إكمال الدين إحسان أوغلو عن «حزب الشعب الجمهوري»، وصلاح الدين ديميرطاش عن «حزب الشعوب الديموقراطية» الكردي المؤيد لـ«حزب العمال الكردستاني»، ليعكسوا بذلك مزاج الغالبية العظمى من «المجتمعات» التركية. ولعلّ صلاح الدين ديميرطاش (41 عاماً) يشكل علامة فارقة في هذه الانتخابات. وبالرغم من أن ديميرطاش فاقدٌ لأي فرصة في النجاج ـ لأن ما يتوقع أن يناله من أصوات لن يتعدى السبعة أو الثمانية في المئة ـ إلا ان كونه كردياً، بل «أوجلانياً»، يُدخل الكتلة الكردية عنصراً وازناً في المعادلة الداخلية. ولا يبغي الأكراد من ذلك أن ينافسوا على الرئاسة، بل تأكيد حضورهم والتجاوب مع مطالبهم في الحرية والحكم الذاتي وإطلاق سراح زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان. ويكفي هنا أن يفشل المرشحان الآخران، ولا سيما اردوغان في الفوز من الدورة الأولى، ليُعتبر ذلك نجاحاً هائلاً للكتلة «الأوجلانية» من أكراد تركيا، لأن ذلك سيحقق لها أن تلعب دور «بيضة القبان» في الدورة الثانية. من هنا فإن الهمّ الأكبر لاردوغان هو أن يفوز من الدورة الأولى، لكي يتحرر من «ابتزاز» الأكراد في الدورة الثانية، حيث لا بد من نيل رضاهم لتلافي أي سيناريوهات كابوسية. وليتخيّل اردوغان لحظة انه لم يفز من الدورة الأولى، وأن كل «شياطين» المعارضة توحدت ضده في الدورة الثانية، ولم ينجح في أن يصبح رئيسا للجمهورية، فأي مستقبل ينتظره؟ لن يكون رئيسا للجمهورية، وسيفقد موقعه في رئاسة «حزب العدالة والتنمية» والحكومة التركية، لكون الحزب حسم مسألة عدم بقاء أحد من مسؤوليه لثلاث ولايات متتالية في موقعه. هذا الكابوس يدفع بأردوغان إلى تكثيف حملاته الانتخابية، ورفع نبرة الانتقاد لخصميه. ويركز أردوغان على خطاب الفرز المذهبي والاثني والاجتماعي والمناطقي من أجل أن يضمن على الأقل نيل غالبية أصوات السنّة من الأتراك، أو من الأكراد وأصوات القوميين الأتراك، وهو سلاح اختبر جدواه في كل الانتخابات النيابية والبلدية السابقة. وعلى غرار ما فعل في انتخابات العام 2011، يركز اردوغان اليوم على كونه سنّياً، في مقابل إحسان اوغلو، مرشح «حزب الشعب الجمهوري» الذي يترأسه علوي هو كمال كيليتشدار أوغلو، والذي يصنف على انه «تركي»، في حين أن ديميرطاش كردي، بل من أحد فروع الأكراد، ولا يمثّلهم جميعاً. ولعل عدم فوز اردوغان من الدورة الأولى سيضعه تحت مطرقة المطالب الكردية، وهنا ستكون الكرة ليس في ملعب اردوغان فقط، بل في ملعب الأكراد، ومدى تجاوبهم مع وعود مبهمة قد يعطيها لهم رئيس الحكومة التركي. وهنا يبرز دور مرشح المعارضة إكمال الدين إحسان أوغلو، حيث تكاد المعارضة التركية تجمع عليه، في ظل عجز أي من أحزابها عن الدفع بمرشح منتم إليها. ومع أن ترشح إحسان اوغلو خطوة موفقة، إذ وحّد المعارضة للمرة الأولى، فإن الرهان الأكبر هو أن «يخطف» هذا المرشح بعض الأصوات، وبالتالي النقاط من قاعدة أردوغان الحزبية من جهة، وأن يكسب أصوات الإسلاميين الذين لا يؤيدون اردوغان، ولكنهم لا يريدون التصويت لمرشح علماني أو كردي. ويراهن إحسان أوغلو على ارتفاع منسوب الرغبة في التغيير لدى الرأي العام. ومع أن حجم كتلة الداعية فتح الله غولين غير معروف بدقة، وقد لا يكون كبيراً، ولا يتعدى الثلاثة في المئة أو أكثر، غير أن دعم غولين لاكمال الدين إحسان أوغلو سيمنحه أصواتاً إضافية كانت تصب لمصلحة اردوغان، ولم تعبّر عن نفسها بدقة في الانتخابات البلدية في الثلاثين من آذار الماضي. ودعا غولين، من مقر إقامته في بنسلفانيا في الولايات المتحدة، إلى «عدم انتخاب من يظلم الأمة ويضطهدها»، في إشارة إلى اردوغان، والتصويت ضمناً، بإيحاء من المفردات التي استخدمها، والتي تتضمن مفردة «أكمل» في أكثر من مقطع، لمرشح المعارضة أكمال الدين إحسان أوغلو. وتدور المعركة الانتخابية في ظل ظروف غير متكافئة، فأردوغان يستخدم في كل تنقلاته إمكانات الدولة ووسائطها، وتفرد له وسائل الإعلام، ولا سيما التلفزيون الرسمي، ساعات كاملة لتغطية حملته، بينما لا يكاد إحسان أوغلو مثلاً يحظى سوى بدقائق معدودات يومياً. ومع أن إحسان أوغلو استطاع بهدوئه أن ينفّس اللهجة الحادة التي استخدمها اردوغان ضده، غير أن من نقاط ضعفه انه شخصية غير جماهيرية، لا تصلح للساحات العامة والمنازلات الكبرى بخلاف طبيعة اردوغان وحتى ديميرطاش. وهو بالكاد خرج أمام الجماهير في الساحات العامة، بل اقتصر ظهوره في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات في صالات مغلقة وفي مؤتمرات صحافية. ولا شك في أن عدم كونه حزبياً قد يلعب دوراً لغير مصلحته، وهنا تبرز أهمية الحشد والتعبئة لحزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، حيث يبذل كمال كيليتشدار اوغلو ودولت باهتشلي جهدهما لدعم إحسان أوغلو، ويقيمان المهرجانات الشعبية اليومية لذلك. ولا شك في أن عدم فوز اردوغان من الدورة الأولى سيكون فرصة نادرة لكسر سلطته. وتقع المسؤولية الكبرى هنا على عاتق حزب «الحركة القومية»، ومدى استعداده لتقديم تنازلات مقنعة لكسب الصوت الكردي، وهذه مهمة شبه مستحيلة. وهنا في حال لم يقتنع الأكراد، لا بوعود أردوغان ولا بوعود إحسان أوغلو، فقد يختارون الامتناع من التصويت في الدورة الثانية، وهذا سيصب مئة في المئة في مصلحة أردوغان، لذا فما لم تحدث مفاجأة ضخمة، فإن جل هم المعارضة ألا يفوز اردوغان من الدورة الأولى، وفي حال فاز، فبأقل نسبة ممكنة من النجاح، وكذلك الأمر في الدورة الثانية، لأنه بقدر ما تزداد نسبة النجاح لدى اردوغان ستكبر نسبة «الفرعنة» عنده. ويريد أردوغان أن يستكمل مشروعه في بناء «تركيا عظيمة» ذات منحى عثماني ـ سلجوقي باعترافه الشخصي علناً. وهو يريد أن يدخل التاريخ في أن يكون رئيساً للجمهورية لدورتين، حتى العام 2024، ليحتفل حينها في العام 2023 بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية، ليس لاستعادة ذكرى مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، بل لينعى بنفسه النظام العلماني ويعلن استعادة «الباديشاهية» الحديثة بربطات عنق «فيرساتشيه»، لا تختلف في مضمونها عن جلابيب «الداعشيين». أما على صعيد المعارضة، فإن فشلها في إيصال مرشحها لن يبقيها من دون تداعيات، إذ انها فشلت على امتداد 12 عاماً من مجرد الاقتراب من الأرقام التي يحققها اردوغان في كل الانتخابات. وهو ما يستدعي إعادة النظر في مجمل سلوكها، مع احتمال التغيير في قياداتها ونهجها وبرامجها. وفي حال فوز اردوغان، وخصوصاً من الدورة الأولى، فهذا يعني تشديد السيطرة على السلطة في الداخل، وتحويل النظام إلى رئاسي، ليختصر اردوغان النظام بشخصه، واختصار الحزب به، وليكون أتاتورك الثاني الجامع بيديه كل السلطات، مخفضاً بالتالي نسبة التفاؤل في أن تكون تركيا بلداً قريباً من المعايير الأوروبية، ويقربها أكثر لتكون نموذجا للدول العالمثالثية والمستبدة. وعلى الصعيد الخارجي، يتوقع مع اردوغان استمرار سياسة العداء لكل الدول التي تعاديها تركيا الآن، وبالتالي استمرار سياسة العزلة التي وقعت فيها، خصوصا في العلاقات مع مصر والسعودية ودول الخليج ـ في ما عدا قطر ـ فضلا عن سوريا، مع الإشارة هنا إلى أن إيران لن تكون منزعجة من فوز أردوغان لأنها لا ترتاح إلى بعض القوى، ومنها غولين، التي تدعم إحسان أوغلو وتعتبرها قوى قريبة إلى إسرائيل. وفي الأرقام الأخيرة لمؤسسات استطلاع الرأي، لا يزال أردوغان يتقدم منافسيه بحصوله على أرقام تتراوح بين خمسين و57 في المئة، وبفارق كبير عن إحسان أوغلو، الذي تعطيه الاستطلاعات نسباً تتراوح بين 34 و42 في المئة، بينما يحافظ صلاح الدين ديميرطاش على نسبة تتراوح بين سبعة وعشرة في المئة. غدا يختار الأتراك رئيسهم الجديد للمرة الأولى في اقتراع شعبي، وعلى قاعدة المثل الشائع: «كما تكونون يولى عليكم».

المصدر : السفير / محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة