لماذا بدا باراك أوباما مرتبكاً وضائعاً أثناء مؤتمره حول قضية الطائرة الماليزية التي سقطت في أوكرانيا؟ وكيف تبدو معظم الصحف الأمريكية على اطّلاع كبير حول خفايا الحادثة أكثر من الخبراء بهذا الشأن ومن وكالات الاستخبارات المعنية بالتحقيق؟

أثناء تحقيق صحفي حول الموضوع قامت به محطة "راي نوفوستي" الروسية مع السكرتير السابق للخزانة الأمريكية والرئيس الحالي لمعهد الاقتصاد السياسي  "بول غريغ روبرتس"، أشار الأخير في معرض سؤاله حول حيثيات الحادث والسبب وراء التقليل من أهميته على مستوى الإدارة الأمريكية في حين أنّ الصحافة الأمريكية تنضح بالمعلومات والمعطيات، الى أنّ  كلّ ما يجري من بروباغندا إعلامية حول اتهام روسيا بالضلوع في استهداف الطائرة بالتنسيق مع المعارضة هو محض افتراء، بدليل أنّ الإرادة الأمريكية لم تقدّم حتى الآن بيانات الأقمار الاصطناعية الخاصة للجنة المحققين الدوليين المستقلين بها، في حين أنّ روسيا فعلت ذلك. ويردف قائلاً: إنّ الولايات المتحدة مزعوجةٌ جداً من الصعود المتنامي لكل من روسيا والصين، مما يتعارض مع خطة وولفوفتس الاقتصادية التي بُنيت على أساس بقاء الولايات المتحدة كقوة وحيدة في العالم، لذلك، هي تسعى لإحداث القلقلات داخل تلك الدول من جهة وبين تلك الدول وباقي العالم من جهةٍ أخرى، وخصوصاً بين روسيا والاتحاد الاوروبي بسبب الأبعاد الخطيرة لتنامي العلاقة الروسية الأوروبية على الولايات المتحدة من ناحية هيمنتها على القرار الأوروبي.

إنها المرة الأولى في تاريخ أميركا التي يرفض فيها مركز الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) أن يجاري المزاج السياسي للإدارة السياسية، بحيث أنه رفض إعطاء تقرير يتناقض مع التقرير الروسي حول الحادث، أو أن يختلق قصة تؤكد فكرة التواصل الروسي مع المعارضة المسلحة في أوكرانيا بهدف إسقاط الطائرة الماليزية لنية ضرب أسهم الخطوط الماليزية كما تحاول البروباغندا الإعلامية الأمريكية الترويج لها. ولعلّ هذا التمايز بين الاستخبارات والسياسة يشي بانقسامٍ حاد داخل مطابخ السياسة بين فريقين، فهناك فريقٌ يؤمن بنظرية "إكذب حتى يصدقوك"، وبالتالي يستمر في الترويج بأنّ للروس علاقة مباشرة بإسقاط الطائرة لأسباب اقتصادية دولية، وهناك فريق آخر يعتبر أنّ تلك الحجج السخيفة لا تكفي لإقناع الرأي العام، ولا لإقناع المجتمع الدولي وستضع "المصداقية الأمريكية" على المحكّ.

إلا أنّ هناك فريقٌ خارج هذين المفهومين، أو النظريتين، إذا صحّ التعبير، وهو الفريق الأخفت صوتاً، والذي يؤكد ربط استهداف الطائرة الماليزية تزامنًا مع مرور طائرة بوتين في نفس المجال الجوي، وحينما حصل الخطأ الجسيم، والغير محسوب، واُسقطت الطائرة الماليزية دون طائرة بوتين، أحرجت الرئيس الأمريكي وأربكته لما لها من مترتّبات ليس فقط أمام بوتين والخوف من ردود الفعل الروسية، بل أيضاً مخافة أن تُكشف ملابسات الاستهداف، فتوضع الولايات المتحدة أمام مواجهة مع ماليزيا في مشهدية أشبه بحادثة طائرة لوكربي الشهيرة.

من جهتها، قدّمت روسيا كل بيانات الأقمار الاصطناعية للجان التحقيق، ليس فقط من أجل إماطة اللثام عن خفايا الحادث ومساعدة الجميع على معرفة حقيقة ما جرى وتبرئة نفسها من دم الماليزيين، إنما لإرسال رسالةٍ دولية واضحة الى الأمريكيين عبر كشف تورّطهم في الحادث، والاحتفاظ بحق الرد في سياق الحرب "الباردة الساخنة" التي بدأتها الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان والهيمنة على حوض القزوين، مرورًا بالدرع الصاروخي فأزمة أوكرانيا، وصولًا الى أوقح تجلياتها بمحاولة استهداف بوتين نفسه عبر حادثة الطائرة.

إنّ استهداف الطائرات المدنية أو غيرها، على الارتفاعات الشاهقة، وما يحتاجه من تقنيات عالية ومعلومات استخبارية دقيقة لا تملكها الا دول منظمة، هو بداية "حرب نجوم"، تستبيح المحظورات الدولية، وتهدّد الأمن والأمان الدوليين في كل العالم، وتجعل كل مسار وأحداث الحرب الباردة التي سبقت انهيار حائط برلين... بمثابة نزهة.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-31
  • 5782
  • من الأرشيف

محاولة اغتيال بوتين.. عودة الحرب الباردة؟

لماذا بدا باراك أوباما مرتبكاً وضائعاً أثناء مؤتمره حول قضية الطائرة الماليزية التي سقطت في أوكرانيا؟ وكيف تبدو معظم الصحف الأمريكية على اطّلاع كبير حول خفايا الحادثة أكثر من الخبراء بهذا الشأن ومن وكالات الاستخبارات المعنية بالتحقيق؟ أثناء تحقيق صحفي حول الموضوع قامت به محطة "راي نوفوستي" الروسية مع السكرتير السابق للخزانة الأمريكية والرئيس الحالي لمعهد الاقتصاد السياسي  "بول غريغ روبرتس"، أشار الأخير في معرض سؤاله حول حيثيات الحادث والسبب وراء التقليل من أهميته على مستوى الإدارة الأمريكية في حين أنّ الصحافة الأمريكية تنضح بالمعلومات والمعطيات، الى أنّ  كلّ ما يجري من بروباغندا إعلامية حول اتهام روسيا بالضلوع في استهداف الطائرة بالتنسيق مع المعارضة هو محض افتراء، بدليل أنّ الإرادة الأمريكية لم تقدّم حتى الآن بيانات الأقمار الاصطناعية الخاصة للجنة المحققين الدوليين المستقلين بها، في حين أنّ روسيا فعلت ذلك. ويردف قائلاً: إنّ الولايات المتحدة مزعوجةٌ جداً من الصعود المتنامي لكل من روسيا والصين، مما يتعارض مع خطة وولفوفتس الاقتصادية التي بُنيت على أساس بقاء الولايات المتحدة كقوة وحيدة في العالم، لذلك، هي تسعى لإحداث القلقلات داخل تلك الدول من جهة وبين تلك الدول وباقي العالم من جهةٍ أخرى، وخصوصاً بين روسيا والاتحاد الاوروبي بسبب الأبعاد الخطيرة لتنامي العلاقة الروسية الأوروبية على الولايات المتحدة من ناحية هيمنتها على القرار الأوروبي. إنها المرة الأولى في تاريخ أميركا التي يرفض فيها مركز الاستخبارات الأمريكية (سي آي إي) أن يجاري المزاج السياسي للإدارة السياسية، بحيث أنه رفض إعطاء تقرير يتناقض مع التقرير الروسي حول الحادث، أو أن يختلق قصة تؤكد فكرة التواصل الروسي مع المعارضة المسلحة في أوكرانيا بهدف إسقاط الطائرة الماليزية لنية ضرب أسهم الخطوط الماليزية كما تحاول البروباغندا الإعلامية الأمريكية الترويج لها. ولعلّ هذا التمايز بين الاستخبارات والسياسة يشي بانقسامٍ حاد داخل مطابخ السياسة بين فريقين، فهناك فريقٌ يؤمن بنظرية "إكذب حتى يصدقوك"، وبالتالي يستمر في الترويج بأنّ للروس علاقة مباشرة بإسقاط الطائرة لأسباب اقتصادية دولية، وهناك فريق آخر يعتبر أنّ تلك الحجج السخيفة لا تكفي لإقناع الرأي العام، ولا لإقناع المجتمع الدولي وستضع "المصداقية الأمريكية" على المحكّ. إلا أنّ هناك فريقٌ خارج هذين المفهومين، أو النظريتين، إذا صحّ التعبير، وهو الفريق الأخفت صوتاً، والذي يؤكد ربط استهداف الطائرة الماليزية تزامنًا مع مرور طائرة بوتين في نفس المجال الجوي، وحينما حصل الخطأ الجسيم، والغير محسوب، واُسقطت الطائرة الماليزية دون طائرة بوتين، أحرجت الرئيس الأمريكي وأربكته لما لها من مترتّبات ليس فقط أمام بوتين والخوف من ردود الفعل الروسية، بل أيضاً مخافة أن تُكشف ملابسات الاستهداف، فتوضع الولايات المتحدة أمام مواجهة مع ماليزيا في مشهدية أشبه بحادثة طائرة لوكربي الشهيرة. من جهتها، قدّمت روسيا كل بيانات الأقمار الاصطناعية للجان التحقيق، ليس فقط من أجل إماطة اللثام عن خفايا الحادث ومساعدة الجميع على معرفة حقيقة ما جرى وتبرئة نفسها من دم الماليزيين، إنما لإرسال رسالةٍ دولية واضحة الى الأمريكيين عبر كشف تورّطهم في الحادث، والاحتفاظ بحق الرد في سياق الحرب "الباردة الساخنة" التي بدأتها الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان والهيمنة على حوض القزوين، مرورًا بالدرع الصاروخي فأزمة أوكرانيا، وصولًا الى أوقح تجلياتها بمحاولة استهداف بوتين نفسه عبر حادثة الطائرة. إنّ استهداف الطائرات المدنية أو غيرها، على الارتفاعات الشاهقة، وما يحتاجه من تقنيات عالية ومعلومات استخبارية دقيقة لا تملكها الا دول منظمة، هو بداية "حرب نجوم"، تستبيح المحظورات الدولية، وتهدّد الأمن والأمان الدوليين في كل العالم، وتجعل كل مسار وأحداث الحرب الباردة التي سبقت انهيار حائط برلين... بمثابة نزهة.

المصدر : الماسة السورية/ حسن غندور


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة