وتستمر الأحداث في العالم، «لا المنطقة فحسب» نحو مزيدٍ من التصعيد والتعقيد. بدأ السيد الرئيس بشار الأسد ولايته الجديدة، انتظر الجميع خطاب القسم، فأقسم الأسد أن الثوابت السورية لن تتبدل، حتى لو بقيت قوى الشر تتربص بسورية أبدَ الدهر. بعيداً عن الشكليات التي ظهرت في الخطاب، والتي كسرت كل الأعراف والمظاهر التقليدية التي تكرس رئيس دولة، لتتحول إلى تأكيدٍ على أن السوريين فقط بكامل انتماءاتهم وقطاعاتهم هم البوصلة التي يجب أن يعمل بموجبها الرئيس الأسد في السنوات المقبلة، إلا أن ما يلفت النظر فيما يخص الخارج، أن الأسد ظهر بنبرةٍ وطريقةٍ لم يتوقعها أعداؤه. إن إصرار الأسد هذه المرة على تسمية المجرمين بأسمائهم قطع ربما الشك باليقين عند المواطن السوري، الذي كان يفكر ملياً بمستقبل العلاقات مع تلك المشيخات أو الواهمين المتورطين في الدم السوري بعد أن يجنحوا للسلم. لم يسعفه تزامن الخطاب مع حلول شهر رمضان المبارك أن يشرب كأساً من الماء عند بداية الخطاب، ليوحي لمن يتابعه بأنه مرتبك، لكنه أربك الخصم عندما بدأ من خلال النبرة الواثقة والمنتصرة، وكأنه يحمل جرة ماء، ويطوف بها على السوريين فرداً فرداً ليسقيهم الأمل وترياق الصمود في زمنٍ تكالبت فيه قطعان «الإمعات»، عساهم يسقوننا خلاً ونحن على صليب الآلام. صليب آلامنا هذا سيدفع ثمنه كل من دقّ فيه يوماً ولو مسماراً، هكذا توعد الأسد، لكن في الوقت نفسه كان هناك من يهدد انقلابيين أوكرانيا الفاشيون بأنّهم سيدفعون الثمن أيضاً. طائرة مدنيّة تذهب بمن عليها ضحيةً لأوهام الآخرين. هالَهم الصعود الروسي «بما يمثل وليس كدولةٍ فحسب»، فأرادوا استمرار محاولات الحصار، كيف لا والطموحات وصلت إلى حد تأسيس بنك يهدد رأسماليتهم العفنة المتمثلة بالبنك الدولي الذي كان ولا يزال الطريق الأسهل لمصادرة قرارات الدول المستقلة. فهل إن حادث الطائرة الماليزية هو محاكاة لمقتل فقيد آل سعود رفيق الحريري، لمحاولة تدعيم الحصار الدبلوماسي على روسيا كما فعلوا في السابق مع سورية، أم أن الموضوع بات أعمق من ذلك؟

توقع البعض أن تخرج روسيا بنفي رسمي لإمكانية تعرض فلاديمير بوتين لمحاولة اغتيال، كما تناقلت عدة وكالات أنباء بأن الطائرة الهدف كانت طائرة بوتين، لكنّ الروس لم ينفوا ذلك ولم يؤكدوه، وعليه فماذا يخبؤون؟ ربما أن ركاب الطائرة كانوا كبش فداء منعَ اندلاع الحرب العالمية الثالثة رسمياً (باعتبار أنها مندلعة بطريقة غير رسمية منذ بداية ربيع الدم العربي). صدقت صحيفة «نيويورك تايمز» عندما أكدت في تعليقها على العقوبات الجديدة المفروضة على روسيا بأن الغرب لن يتراجع، لكن عن ماذا؟ بالتأكيد أن سلاح العقوبات لا يفي بالغرض، لكنه لن يتراجع حتى عن التحالف مع الشيطان حتى لا يشهر هزيمته، وأي شياطين تلك التي يتحالف معها هذا الغرب والتي تبدأ بداعش ورعاتها في المنطقة ولا تنتهي بفاشيي أوكرانيا وانقلابيوا فنزويلا.

تناقل الشباب العربي فيديو لرئيس وكالة المخابرات الأميركية سي آي إيه السابق «جيمس وولسي»، وهو يقول في إحدى المحاضرات وقبل بداية ربيع الدم العربي بسنوات: سنصنع لهم إسلاماً على طريقتنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات. في الحقيقة هذا الفيديو ليس مسرباً، لأنه كحال الكثير من الخطط التي كان الغرب يعلنها لابتلاع المنطقة وتمزيقها، لكنّ أحداً لم يعر الأمر اهتماماً. فليس لدينا مراكز أبحاث ودراسات مستقلة ترصد ما يخطط لنا الغرب، إلا تلك المراكز الوهمية التي تفيد حامل لقب رئاستها لا أكثر.

صدقت فيما يبدو مقولة «وولسي»، ارتبك «آل سعود» منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، باتوا على استعداد لتقديم كل ما يمكن تقديمه في سبيل الحفاظ على ملك العائلة. تمددت داعش في العراق وسورية، وفي الانتظار ليبيا وتونس. لن نصدق الدعاية عن احتمال دخولها أرض الحجاز المحتل، لأنها بالنسبة لهم كما فلسطين المحتلة مناطق محرمة باعتبارها مناطق الداعمين. في ذات الوقت تمدد الكيان الصهيوني ليصل بعدوانه البري والبحري والجوي إلى قطاع غزة، بعد قرار نهائي اتخذه مجلس حربه ببدء عملية برية واسعة في قطاع غزة، الوساطات ما عادت تنفع في ظل هذا التشرذم الذي كرسته مشيخات النفط، ولا حتى التعاطف بات موجوداً، وهذا ما كنا نحذر منه.

نجح الغرب في تكريس الطائفية والمذهبية في الخطاب الإعلامي العربي، لكنه اليوم حقق نجاحاً من نوع آخر يمكننا أن نطرحه اختصاراً بالاستناد لأسطورة «أبو فيس»، أو أفعى الشر في الرواية المصرية القديمة، والتي كانت تحارب الخير المتمثل بالإله رع. أفعى «أبو فيس» تجلت في خلق حالة إعلامية عربية عامة ومصرية خاصة تؤيد عملياته في غزة. أسبوع كان حافلاً بالسقطات الإعلامية المصرية، لدرجة جعلت من إعلام العدو الإسرائيلي يتحدث بصراحة ويشيد ببعض الشخصيات المصرية التي بدأت تتفهم ما سموه الطابع الإجرامي لحماس وحق «إسرائيل» في القضاء عليها، بل إن إعلام الكيان الصهيوني تحدث وللمرة الأولى حسب تعبيره عن «التطابق في الرؤى» بين القيادة في مصر وقادة العدو حيال ما يجري في غزة. ومما لا شك فيه أن هذا التطابق المستجد، ما هو إلا انعكاس كامل لما يفكر به آل سعود، باعتبار أن مصر، التي وهبت رجلاّ أمياً شهادة دكتوراه، باتت جزءاً من المملكة الوهابية لا أكثر، فهل يعني هذا الكلام أن «صندوق بيندورا» (وهو في الرواية اليونانية الصندوق الذي يحوي كل الشرور) قد فُتِح؟ هنا علينا العودة لخطاب السيد الرئيس لنتذكر أنه خاطب الشعب السوري قائلا: بصمودكم سقطت مسميات واندثرت تحالفات.

إنّ المشكلة التي لا يريد أحد الاعتراف بها الآن هي بكل بساطة من سيقرر وقف إطلاق النار في غزة، فحماس المنقسمة «مهما حاولوا إخفاء ذلك» تحاول عبر جناح «خالد مشعل»، أن تعطي فرصة لتعويم التركي والقطري، لكونهما الداعمين الأساسيين لمشعل في توجهه الجديد بتصفية حماس كحركة مقاومة، كما بَشَرنا سابقاً «حمد بن جاسم». أما الولايات المتحدة فهي تريد أن يتم ذلك عبر الوساطة المصرية وبدعم من آل سعود، فالأمر ليس مرتبطاً بتفضيل هذا على ذاك، لكن في النهايةِ حسابُ القوى يميل لمصلحة برميل النفط إن أرادت الولايات المتحدة أن تفاضل بين «أردوغان» وآل سعود. لكن في كل هذا التجاذب، أين الإيراني والسوري؟

نحن لا نحب سياسة العنتريات، هذا ما قاله الأسد، فماذا أراد من قول ذلك تحديداً أنه ربط هذه العبارة بالحديث عن أردوغان؟ يتذكر «الإسرائيلي» جيداً أن إنجاز المقاومة اللبنانية وانتصارها في حرب تموز عام 2006، تم بعد دخول القيادة السورية الحرب بشكل غير مباشر، لكنه يتذكر أيضاً أن أحداً لم يعترف بذلك، إلا السيد حسن في إحدى خطاباته بعد أكثر من سبع سنوات على الحرب، وربما لولا حساسية الموقف وأهمية الاعتراف بالدور السوري، لبقيت سورية صامتة. هذا الأمر يفسر لنا بشكل جلي لماذا يحاول البعض اختصار كل ما يجري بحركة حماس، لأنه ببساطة لا يريد أن يعترف بما تقوم به باقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، حتى حديث «أسامة حمدان»، عن أن صواريخ M302 السورية لا تمتلكها حماس داعياً حركة الجهاد الإسلامي أن تصرح إن كانت تمتلك هذا الصاروخ. سعى الإسرائيلي ومن خلفه الجناحان المتصارعان في المنطقة لحماية مصالحه إن كان المحور (القطري ـ التركي) أو محور(آل سعود - السيسي) لمحاولة تصفيةٍ شاملةٍ لفكرة المقاومة، لكن عليهم أن يعترفوا أنهم ناموا في عسل الخلاف الإيراني السوري مع حماس «أو مع بعض قادة حماس لكي يكون المعنى أدق». لكنهم تجاهلوا حديث الأسد المتكرر بأن المقاومة فكرة ليست مرتبطة بأشخاص أو منظمات، فمن دعم حماس وخلق لها المكانة قادرٌ أن يقوي غيرها. وعليه فإن جميع الوساطات قد تفشل لأن مشعل لم يعد قادراً وحده أن يعطي قراراً بوقف الحرب، لا داخل حماس ولا حتى بالعلاقة مع باقي الفصائل. هذا ما يحاول الجميع أن يتجاهله، على حين يجلس المحور الذي «لا يحب سياسة العنتريات» ليتابع بهدوء سير المعركة التي لا تنفصل أبداً عن المعركة الدائرة في سورية والعراق، وليبيا وتونس قريباً. لأنه يعي ببساطة أن العودة إليه باتت محتومة.

أجل لقد صنعوا لنا إسلاماً على طريقتهم، وقالوا للشعوب ثوروا، لكن ما سموها ثورات في كل المناطق التي وضعوها على أجندتها فتحت «صندوق بيندورا»، فهلّا من يغلقه؟ لا يبدو الأمر بهذه البساطة.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-18
  • 9302
  • من الأرشيف

الأسد لا يحب العنتريات فأي دور له في غزة...المنطقة تشتعل هل فُتِح صندوق «بيندورا»؟

وتستمر الأحداث في العالم، «لا المنطقة فحسب» نحو مزيدٍ من التصعيد والتعقيد. بدأ السيد الرئيس بشار الأسد ولايته الجديدة، انتظر الجميع خطاب القسم، فأقسم الأسد أن الثوابت السورية لن تتبدل، حتى لو بقيت قوى الشر تتربص بسورية أبدَ الدهر. بعيداً عن الشكليات التي ظهرت في الخطاب، والتي كسرت كل الأعراف والمظاهر التقليدية التي تكرس رئيس دولة، لتتحول إلى تأكيدٍ على أن السوريين فقط بكامل انتماءاتهم وقطاعاتهم هم البوصلة التي يجب أن يعمل بموجبها الرئيس الأسد في السنوات المقبلة، إلا أن ما يلفت النظر فيما يخص الخارج، أن الأسد ظهر بنبرةٍ وطريقةٍ لم يتوقعها أعداؤه. إن إصرار الأسد هذه المرة على تسمية المجرمين بأسمائهم قطع ربما الشك باليقين عند المواطن السوري، الذي كان يفكر ملياً بمستقبل العلاقات مع تلك المشيخات أو الواهمين المتورطين في الدم السوري بعد أن يجنحوا للسلم. لم يسعفه تزامن الخطاب مع حلول شهر رمضان المبارك أن يشرب كأساً من الماء عند بداية الخطاب، ليوحي لمن يتابعه بأنه مرتبك، لكنه أربك الخصم عندما بدأ من خلال النبرة الواثقة والمنتصرة، وكأنه يحمل جرة ماء، ويطوف بها على السوريين فرداً فرداً ليسقيهم الأمل وترياق الصمود في زمنٍ تكالبت فيه قطعان «الإمعات»، عساهم يسقوننا خلاً ونحن على صليب الآلام. صليب آلامنا هذا سيدفع ثمنه كل من دقّ فيه يوماً ولو مسماراً، هكذا توعد الأسد، لكن في الوقت نفسه كان هناك من يهدد انقلابيين أوكرانيا الفاشيون بأنّهم سيدفعون الثمن أيضاً. طائرة مدنيّة تذهب بمن عليها ضحيةً لأوهام الآخرين. هالَهم الصعود الروسي «بما يمثل وليس كدولةٍ فحسب»، فأرادوا استمرار محاولات الحصار، كيف لا والطموحات وصلت إلى حد تأسيس بنك يهدد رأسماليتهم العفنة المتمثلة بالبنك الدولي الذي كان ولا يزال الطريق الأسهل لمصادرة قرارات الدول المستقلة. فهل إن حادث الطائرة الماليزية هو محاكاة لمقتل فقيد آل سعود رفيق الحريري، لمحاولة تدعيم الحصار الدبلوماسي على روسيا كما فعلوا في السابق مع سورية، أم أن الموضوع بات أعمق من ذلك؟ توقع البعض أن تخرج روسيا بنفي رسمي لإمكانية تعرض فلاديمير بوتين لمحاولة اغتيال، كما تناقلت عدة وكالات أنباء بأن الطائرة الهدف كانت طائرة بوتين، لكنّ الروس لم ينفوا ذلك ولم يؤكدوه، وعليه فماذا يخبؤون؟ ربما أن ركاب الطائرة كانوا كبش فداء منعَ اندلاع الحرب العالمية الثالثة رسمياً (باعتبار أنها مندلعة بطريقة غير رسمية منذ بداية ربيع الدم العربي). صدقت صحيفة «نيويورك تايمز» عندما أكدت في تعليقها على العقوبات الجديدة المفروضة على روسيا بأن الغرب لن يتراجع، لكن عن ماذا؟ بالتأكيد أن سلاح العقوبات لا يفي بالغرض، لكنه لن يتراجع حتى عن التحالف مع الشيطان حتى لا يشهر هزيمته، وأي شياطين تلك التي يتحالف معها هذا الغرب والتي تبدأ بداعش ورعاتها في المنطقة ولا تنتهي بفاشيي أوكرانيا وانقلابيوا فنزويلا. تناقل الشباب العربي فيديو لرئيس وكالة المخابرات الأميركية سي آي إيه السابق «جيمس وولسي»، وهو يقول في إحدى المحاضرات وقبل بداية ربيع الدم العربي بسنوات: سنصنع لهم إسلاماً على طريقتنا ثم نجعلهم يقومون بالثورات. في الحقيقة هذا الفيديو ليس مسرباً، لأنه كحال الكثير من الخطط التي كان الغرب يعلنها لابتلاع المنطقة وتمزيقها، لكنّ أحداً لم يعر الأمر اهتماماً. فليس لدينا مراكز أبحاث ودراسات مستقلة ترصد ما يخطط لنا الغرب، إلا تلك المراكز الوهمية التي تفيد حامل لقب رئاستها لا أكثر. صدقت فيما يبدو مقولة «وولسي»، ارتبك «آل سعود» منذ أحداث الحادي عشر من أيلول، باتوا على استعداد لتقديم كل ما يمكن تقديمه في سبيل الحفاظ على ملك العائلة. تمددت داعش في العراق وسورية، وفي الانتظار ليبيا وتونس. لن نصدق الدعاية عن احتمال دخولها أرض الحجاز المحتل، لأنها بالنسبة لهم كما فلسطين المحتلة مناطق محرمة باعتبارها مناطق الداعمين. في ذات الوقت تمدد الكيان الصهيوني ليصل بعدوانه البري والبحري والجوي إلى قطاع غزة، بعد قرار نهائي اتخذه مجلس حربه ببدء عملية برية واسعة في قطاع غزة، الوساطات ما عادت تنفع في ظل هذا التشرذم الذي كرسته مشيخات النفط، ولا حتى التعاطف بات موجوداً، وهذا ما كنا نحذر منه. نجح الغرب في تكريس الطائفية والمذهبية في الخطاب الإعلامي العربي، لكنه اليوم حقق نجاحاً من نوع آخر يمكننا أن نطرحه اختصاراً بالاستناد لأسطورة «أبو فيس»، أو أفعى الشر في الرواية المصرية القديمة، والتي كانت تحارب الخير المتمثل بالإله رع. أفعى «أبو فيس» تجلت في خلق حالة إعلامية عربية عامة ومصرية خاصة تؤيد عملياته في غزة. أسبوع كان حافلاً بالسقطات الإعلامية المصرية، لدرجة جعلت من إعلام العدو الإسرائيلي يتحدث بصراحة ويشيد ببعض الشخصيات المصرية التي بدأت تتفهم ما سموه الطابع الإجرامي لحماس وحق «إسرائيل» في القضاء عليها، بل إن إعلام الكيان الصهيوني تحدث وللمرة الأولى حسب تعبيره عن «التطابق في الرؤى» بين القيادة في مصر وقادة العدو حيال ما يجري في غزة. ومما لا شك فيه أن هذا التطابق المستجد، ما هو إلا انعكاس كامل لما يفكر به آل سعود، باعتبار أن مصر، التي وهبت رجلاّ أمياً شهادة دكتوراه، باتت جزءاً من المملكة الوهابية لا أكثر، فهل يعني هذا الكلام أن «صندوق بيندورا» (وهو في الرواية اليونانية الصندوق الذي يحوي كل الشرور) قد فُتِح؟ هنا علينا العودة لخطاب السيد الرئيس لنتذكر أنه خاطب الشعب السوري قائلا: بصمودكم سقطت مسميات واندثرت تحالفات. إنّ المشكلة التي لا يريد أحد الاعتراف بها الآن هي بكل بساطة من سيقرر وقف إطلاق النار في غزة، فحماس المنقسمة «مهما حاولوا إخفاء ذلك» تحاول عبر جناح «خالد مشعل»، أن تعطي فرصة لتعويم التركي والقطري، لكونهما الداعمين الأساسيين لمشعل في توجهه الجديد بتصفية حماس كحركة مقاومة، كما بَشَرنا سابقاً «حمد بن جاسم». أما الولايات المتحدة فهي تريد أن يتم ذلك عبر الوساطة المصرية وبدعم من آل سعود، فالأمر ليس مرتبطاً بتفضيل هذا على ذاك، لكن في النهايةِ حسابُ القوى يميل لمصلحة برميل النفط إن أرادت الولايات المتحدة أن تفاضل بين «أردوغان» وآل سعود. لكن في كل هذا التجاذب، أين الإيراني والسوري؟ نحن لا نحب سياسة العنتريات، هذا ما قاله الأسد، فماذا أراد من قول ذلك تحديداً أنه ربط هذه العبارة بالحديث عن أردوغان؟ يتذكر «الإسرائيلي» جيداً أن إنجاز المقاومة اللبنانية وانتصارها في حرب تموز عام 2006، تم بعد دخول القيادة السورية الحرب بشكل غير مباشر، لكنه يتذكر أيضاً أن أحداً لم يعترف بذلك، إلا السيد حسن في إحدى خطاباته بعد أكثر من سبع سنوات على الحرب، وربما لولا حساسية الموقف وأهمية الاعتراف بالدور السوري، لبقيت سورية صامتة. هذا الأمر يفسر لنا بشكل جلي لماذا يحاول البعض اختصار كل ما يجري بحركة حماس، لأنه ببساطة لا يريد أن يعترف بما تقوم به باقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، حتى حديث «أسامة حمدان»، عن أن صواريخ M302 السورية لا تمتلكها حماس داعياً حركة الجهاد الإسلامي أن تصرح إن كانت تمتلك هذا الصاروخ. سعى الإسرائيلي ومن خلفه الجناحان المتصارعان في المنطقة لحماية مصالحه إن كان المحور (القطري ـ التركي) أو محور(آل سعود - السيسي) لمحاولة تصفيةٍ شاملةٍ لفكرة المقاومة، لكن عليهم أن يعترفوا أنهم ناموا في عسل الخلاف الإيراني السوري مع حماس «أو مع بعض قادة حماس لكي يكون المعنى أدق». لكنهم تجاهلوا حديث الأسد المتكرر بأن المقاومة فكرة ليست مرتبطة بأشخاص أو منظمات، فمن دعم حماس وخلق لها المكانة قادرٌ أن يقوي غيرها. وعليه فإن جميع الوساطات قد تفشل لأن مشعل لم يعد قادراً وحده أن يعطي قراراً بوقف الحرب، لا داخل حماس ولا حتى بالعلاقة مع باقي الفصائل. هذا ما يحاول الجميع أن يتجاهله، على حين يجلس المحور الذي «لا يحب سياسة العنتريات» ليتابع بهدوء سير المعركة التي لا تنفصل أبداً عن المعركة الدائرة في سورية والعراق، وليبيا وتونس قريباً. لأنه يعي ببساطة أن العودة إليه باتت محتومة. أجل لقد صنعوا لنا إسلاماً على طريقتهم، وقالوا للشعوب ثوروا، لكن ما سموها ثورات في كل المناطق التي وضعوها على أجندتها فتحت «صندوق بيندورا»، فهلّا من يغلقه؟ لا يبدو الأمر بهذه البساطة.

المصدر : الوطن/ فراس عزيز ديب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة