دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
راية «العُقاب» ترفرف. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تحوّلت إلى «خلافة إسلامية على كل الأرض». ١٤ شهراً استلزمت أبو بكر البغدادي كي يُنصّب نفسه حاكماً بأمر الله. لم يعد أميراً للمؤمنين فحسب، بل بات الخليفة. خلَف النبي محمد، بخطاب أعلن عنه في بداية شهر رمضان عام ١٤٣٥ هجري، سُجّل الحدث التاريخي. أصحاب الرايات السود يريدون تسليم راية دولتهم لعيسى بن مريم
لم يتأخّر «أبو بكر البغدادي» في إعلان خلافته. لم يكتف الشيخ العراقي بلقب «أمير المؤمنين» على «الدولة الإسلامية في العراق والشام». لم يستطع الانتظار أكثر من أربعة عشر شهراً حتى زفّ المتحدث باسم دولته «أبو محمد العدناني» خبر إعلان «الخلافة الإسلامية». أعلن الرجل عن «تحقّق حُلُم الجهاديين». ومعه تحقّق، ربما، حُلُم البغدادي الذي أصبح «خليفة المسلمين»، الحاكم بأمر الله على كل الأرض. ولأول مرة، أُعيد إعلان «الخلافة» منذ سقوطها على يد أتاتورك قبل نحو تسعين عاماً. هكذا كسر بضعة آلاف من جنود «الدولة» حدود «سايكس ــــ بيكو». أُلغيت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» لتُستبدل بـ«الدولة الإسلامية» في كل الأرض. وبعدما كانت «راية الدولة خفّاقة تضرب بظلالها من حلب إلى ديالى»، أصبحت خلافة عامة لا حدود لها. سلطتها مطلقة على كل بلاد المسلمين.
وباتت مبايعة الخليفة واجباً على كل مسلم. ومن لا يبايع يُعتبر مارقاً. من يتخلّف أو يرفض، يُحارب ويُضرب عنُقه. وهذا ما جاء صريحاً واضحاً بتهديد العدناني للمتخلّف عن البيعة بقوله: «إياكم وشقّ الصف. ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه ولا كرامة لأحد».
فماذا تعني «الخلافة الإسلامية»؟ يجيب أحد المشايخ السلفيين أنها تعني أن «الحدود والسدود بين البلاد الإسلامية لاغية. وأن النظام الاقتصادي سيكون واحداً وستكون عملة واحدة تحمل شعار الإسلام ولديها جيش يدافع عنها». ويضيف: «وتعني أيضاً عدم التبعية لأي دولة، وتستوجب إنشاء مراكز وجامعات ومعامل تمهيداً لجعل المسلمين قوة عظمى في شتى المجالات». وفي الحالة الراهنة، قررت «الدولة»، ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، بعدما باتت تمتلك كل المقومات، إعلان قيام «الخلافة الإسلامية» وتنصيب «خليفة» للمسلمين. والمقوّمات بالنسبة إليها، هي المقومات نفسها التي كان يمتلكها الخلفاء منذ نحو ١٤٠٠ عام. وبحسب المشايخ السلفيين، المقومات تفرض أن يكون الخليفة حاكماً على أرض بكل معنى الكلمة، وليس بحكومة مؤقتة. ويرى هؤلاء أن «الدولة» انطلقت من سيطرتها على مساحات جغرافية شاسعة واعتبارها أن امتلاك المال والجيش والشعب، يخوّلها إقامة الخلافة، من دون أن تأخذ في الاعتبار أن كل زمن له مفهوم لمقومات الدولة. وقد حدد العدناني ذلك بفك الأسرى وتعيين الولاة والقضاة وجباية الضرائب ونشر التعليم الديني.
«إعلان الخلافة قمة الغباء إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية»
وهنا يؤخذ عليها إعلان الخلافة من دون حيازة «إجماع علماء الأمة». فهل فعلاً وافق أهل الحل والعقد أي العلماء والوجهاء على إقامتها؟ من هم هؤلاء؟ وإذا كان البغدادي خليفة على كل بلاد المسلمين، فهل تكفيه مبايعة علماء العراق والشام له، رغم انها لم تحصل؟ بالتأكيد إعلان قيام «الخلافة»، هي إحراج لجميع الفصائل الإسلامية المقاتلة. وقد خاطبت «الدولة» جنود الفصائل والتنظيمات قائلاً: «بطُلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم أن يبيت من دون أن يُبايع». ثم أضاف: «لا يؤخر النصر إلا مثل وجود هذه التنظيمات لأنها سبب للفرقة».
يتساءل أحد أنصار «جبهة النصرة» عن معنى إعلان «الخلافة». ثم يجيب نفسه قائلاً: ذلك يعني أن «حركة طالبان» و«تنظيم القاعدة» بكل فروعه وكل الحركات المجاهدة على مختلف الجبهات آثمة وقتالها وقتلها واجب إن لم تُبايع خليفة المسلمين البغدادي. بدوره، يروي أحد أفراد «كتائب عبدالله عزام» لـ«الأخبار»: «لا مصلحة في إعلان الخلافة في هذه الظروف بل يترتب عليها مفسدة توجب بطلانها». ويرى الشاب اللبناني المطلوب بمذكرات توقيف «لانتمائه إلى تنظيم إرهابي» أن «قيامها في هذا التوقيت تدمير لما بناه مجاهدو الإسلام في كل مكان»، كاشفاً أن «الإعلان يعني أن كل من لا يبايعهم سيُحكم عليه بالردة والقتل». وردّاً على سؤال إن كان سيُلبي الدعوة لبيعة الخليفة، قال: «لا أشق الصف، لكن بالتأكيد لا أبايع. ليُضرب عنقي ألف مرة أهون علي من أن أبايع، لأني لا أرضى بشريعة تستبيح دماء ألوف مؤلفة من المسلمين بغير وجه حق». وفي السياق نفسه، يرى أحد القياديين في «جبهة النصرة» أن «البغدادي حكم على الشيخ الجولاني بأنه مرتد لمجرّد تركه بيعة أمير الإمارة عندما كانت البيعة سنّة وليست فريضة»، كاشفاً أنهم بـ«إعلان الخلافة يفرضون على جميع تنظيمات العالم الإسلامي أن تكون مع «الدولة» في كل شيء، ومنها قتال «الجبهة» أو ستُعتبر متخلّفة مرتكبة لفعل الردّة يجب قتالها من قبل جنود الدولة نفسها». شيخ سلفي ثالث يعتبر أن «إعلان الخلافة قمة الغباء، إذ لا تمتلك «الدولة» مقومات دولة حقيقية. هل القوة العسكرية تقيم الدولة؟ أين خبراء الاقتصاد والتربية؟ بنظري هذا انتحار سيعجّل في انهيارها». ويسأل آخر: «فهمنا أن الأموال تتحصّل من بيع النفط، لكن إذا حوصرت وضُربت ماذا سيحصل. أين هذه الخلافة التي لا يعرف أحدٌ رأسها؟».
هكذا، وبعدما باتت «الخلافة الإسلامية» أمراً واقعاً، يقول جهاديون لـ«الأخبار» إن قبلة الأنظار ستكون مكة. كذلك الأمر هي مدينة رسول الله. وبالتالي، سيعين الخليفة مندوباً في كل ولاية. ومن يدري؟ قد يكون لـ(ولاية) لبنان أمير (مستقبلاً، لأن ما نُشِر أمس عن تعيين رجل يدعى عبد السلام الأردني اميراً لداعش على لبنان، غير صحيح، بحسب مصادر أمنية). وقد يكون الجواب في جعبة «حزب التحرير»، الحزب الإسلامي الذي يدعو منذ سنوات لإقامة الخلافة.
المصدر :
الأخبار / رضوان مرتضى
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة