في حين كانت وسائل الاعلام الغربية تصور الدولة الاسلامية في العراق والشام كمجموعة من الجهاديين الذين يرتلون القرآن, كانت الأخيرة تعد العدة لشن حربها النفطية في العراق. وبمساعدة من اسرائيل, تمكنت داعش على الفور من قطع امدادات سورية من الوقود, وضمان سرقة نفط كركوك من قبل حكومة كردستان المحلية.

على الرغم من ذرفها دموع اللحظة الراهنة لسقوط آلاف الضحايا العراقيين على يد قوات داعش, لم تخف وسائل الاعلام الأطلسية تأثرها من انعكاسات الصراع على أسعار النفط, الذي قفز في غضون أيام فقط إلى 115 دولارا للبرميل, أي أنه عاد إلى نفس مستوى شهر أيلول-سبتمبر من العام الماضي 2013, الأمر الذي دفع الأسواق العالمية للاعراب عن قلقها من المعارك حول مصفاة بيجي بالقرب من تكريت, مع العلم أن انتاج هذه المصفاة مخصص للاستهلاك المحلي الذي يمكن أن يفضي إلى نقص ذريع بالوقود وانقطاع الكهرباء.

هذا الارتفاع الطاريء بأسعار البترول, ليس بسبب توقف الانتاج العراقي, بل بسبب ارتباك عمليات الشحن, وهو لن يدوم طويلا نظرا للفائض المعروض في الأسواق.

مع ذلك, ثمة سؤال يطرح نفسه ولم تجب عليه وسائل الاعلام الأطلسية حتى الآن : كيف يمكن لإرهابيين أن يبيعوا نفطا في أسواق عالمية تسيطر عليها واشنطن؟

في شهر آذار-مارس الماضي, فشل الانفصاليون الليبيون في بنغازي بتسويق النفط الذي استولوا عليه, حين اعترضت احدى السفن الحربية الأمريكية ناقلة النفط مورنينغ غلوري, وأجبرتها على العودة إلى الموانيء الليبية.

 

فإذا كانت جبهة النصرة وداعش تملكان القدرة على بيع النفط في الأسواق العالمية, هذا يعني أنهما تحظيان بموافقة واشنطن, وأنهما على صلة بشركات بترول وهمية.

 

شاءت الأقدار أن ينعقد المؤتمر الدولي السنوي لشركات البترول العالمية من 15 حتى 19 حزيران-يونيو في موسكو, لنعلم من خلال المؤتمر أن النفط السوري الذي تسرقه جبهة النصرة يباع لشركة (اكسون موبايل), شركة العائلة روكفلر التي تدير دولة قطر, في حين أن البترول الذي تسرقه داعش يباع لشركة آرامكو الأمريكية التي تدير المملكة العربية السعودية.

هذا ما يجعلنا نقرأ المعارك الجارية الآن على أنها حرب بين شركات بترولية. حقيقة أن شركة آرامكو تمول داعش يكفي ليفسر لنا اعلان السلطات السعودية قدرتها على تعويض انخفاض الانتاج العراقي من النفط : ستكتفي السعودية في هذه الحال بمهر ختمها على براميل النفط المسروقة من العراق.

الاختراق الذي قامت به داعش سوف يسمح للسعودية بالسيطرة على أهم انبوبين للنفط : الأول يذهب باتجاه مصفاة بانياس ليزود سورية بالوقود, بينما ينقل الخط الثاني النفط الخام إلى ميناء جيهان في تركيا. ففي حين قطعت داعش الامداد عن الخط الأول متسببة بذلك بانقطاع اضافي للكهرباء في سورية, تاركة باستغراب الخط الثاني يعمل.

 

بناء ذلك, فقد شرع اقليم كردستان بتصدير نفط كركوك عبر خط النقل الذي تسيطر عليه داعش, ونجح في غضون أيام قليلة من تعبئة ناقلتين في ميناء جيهان مؤجرتين لشركة بالمالي شيبينغ آند أجانسي جي.اس.سي, وهي شركة مملوكة للملياردير التركي-الآذربيجاني مبرز غوربانوغلو.

 

غير أن حكومة المالكي-التي لم تطح بها واشنطن حتى الآن- وبعد أن نشرت ملاحظة شجبت من خلالها عمليات السرقة, لم تعد أي من الشركات العاملة بشكل معتاد في كردستان (شيفرون, هيس, توتال) تجرؤ على شراء النفط المسروق. ونظرا لتعذر ايجاد مشترين, فقد أعلن اقليم كردستان عن استعداده لبيع مخزوناته بنصف السعر, وفي السر ظل مستمرا بممارسة تهريب النفط, عبر تعبئة ناقلتين جديديتين حاليا في ميناء جيهان.

إن حقيقة استمرار التهريب في ظل غياب أي منفذ بيع, دليل على أن اقليم كردستان وداعش متيقنان من امكانية توصلهما للبيع في الأسواق العالمية, الأمر الذي يعني أنهما يتمتعان بدعم نفس الدول..

  • فريق ماسة
  • 2014-06-28
  • 9946
  • من الأرشيف

الجهاد والصناعة النفطية

في حين كانت وسائل الاعلام الغربية تصور الدولة الاسلامية في العراق والشام كمجموعة من الجهاديين الذين يرتلون القرآن, كانت الأخيرة تعد العدة لشن حربها النفطية في العراق. وبمساعدة من اسرائيل, تمكنت داعش على الفور من قطع امدادات سورية من الوقود, وضمان سرقة نفط كركوك من قبل حكومة كردستان المحلية. على الرغم من ذرفها دموع اللحظة الراهنة لسقوط آلاف الضحايا العراقيين على يد قوات داعش, لم تخف وسائل الاعلام الأطلسية تأثرها من انعكاسات الصراع على أسعار النفط, الذي قفز في غضون أيام فقط إلى 115 دولارا للبرميل, أي أنه عاد إلى نفس مستوى شهر أيلول-سبتمبر من العام الماضي 2013, الأمر الذي دفع الأسواق العالمية للاعراب عن قلقها من المعارك حول مصفاة بيجي بالقرب من تكريت, مع العلم أن انتاج هذه المصفاة مخصص للاستهلاك المحلي الذي يمكن أن يفضي إلى نقص ذريع بالوقود وانقطاع الكهرباء. هذا الارتفاع الطاريء بأسعار البترول, ليس بسبب توقف الانتاج العراقي, بل بسبب ارتباك عمليات الشحن, وهو لن يدوم طويلا نظرا للفائض المعروض في الأسواق. مع ذلك, ثمة سؤال يطرح نفسه ولم تجب عليه وسائل الاعلام الأطلسية حتى الآن : كيف يمكن لإرهابيين أن يبيعوا نفطا في أسواق عالمية تسيطر عليها واشنطن؟ في شهر آذار-مارس الماضي, فشل الانفصاليون الليبيون في بنغازي بتسويق النفط الذي استولوا عليه, حين اعترضت احدى السفن الحربية الأمريكية ناقلة النفط مورنينغ غلوري, وأجبرتها على العودة إلى الموانيء الليبية.   فإذا كانت جبهة النصرة وداعش تملكان القدرة على بيع النفط في الأسواق العالمية, هذا يعني أنهما تحظيان بموافقة واشنطن, وأنهما على صلة بشركات بترول وهمية.   شاءت الأقدار أن ينعقد المؤتمر الدولي السنوي لشركات البترول العالمية من 15 حتى 19 حزيران-يونيو في موسكو, لنعلم من خلال المؤتمر أن النفط السوري الذي تسرقه جبهة النصرة يباع لشركة (اكسون موبايل), شركة العائلة روكفلر التي تدير دولة قطر, في حين أن البترول الذي تسرقه داعش يباع لشركة آرامكو الأمريكية التي تدير المملكة العربية السعودية. هذا ما يجعلنا نقرأ المعارك الجارية الآن على أنها حرب بين شركات بترولية. حقيقة أن شركة آرامكو تمول داعش يكفي ليفسر لنا اعلان السلطات السعودية قدرتها على تعويض انخفاض الانتاج العراقي من النفط : ستكتفي السعودية في هذه الحال بمهر ختمها على براميل النفط المسروقة من العراق. الاختراق الذي قامت به داعش سوف يسمح للسعودية بالسيطرة على أهم انبوبين للنفط : الأول يذهب باتجاه مصفاة بانياس ليزود سورية بالوقود, بينما ينقل الخط الثاني النفط الخام إلى ميناء جيهان في تركيا. ففي حين قطعت داعش الامداد عن الخط الأول متسببة بذلك بانقطاع اضافي للكهرباء في سورية, تاركة باستغراب الخط الثاني يعمل.   بناء ذلك, فقد شرع اقليم كردستان بتصدير نفط كركوك عبر خط النقل الذي تسيطر عليه داعش, ونجح في غضون أيام قليلة من تعبئة ناقلتين في ميناء جيهان مؤجرتين لشركة بالمالي شيبينغ آند أجانسي جي.اس.سي, وهي شركة مملوكة للملياردير التركي-الآذربيجاني مبرز غوربانوغلو.   غير أن حكومة المالكي-التي لم تطح بها واشنطن حتى الآن- وبعد أن نشرت ملاحظة شجبت من خلالها عمليات السرقة, لم تعد أي من الشركات العاملة بشكل معتاد في كردستان (شيفرون, هيس, توتال) تجرؤ على شراء النفط المسروق. ونظرا لتعذر ايجاد مشترين, فقد أعلن اقليم كردستان عن استعداده لبيع مخزوناته بنصف السعر, وفي السر ظل مستمرا بممارسة تهريب النفط, عبر تعبئة ناقلتين جديديتين حاليا في ميناء جيهان. إن حقيقة استمرار التهريب في ظل غياب أي منفذ بيع, دليل على أن اقليم كردستان وداعش متيقنان من امكانية توصلهما للبيع في الأسواق العالمية, الأمر الذي يعني أنهما يتمتعان بدعم نفس الدول..

المصدر : فولتير /تيري ميسان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة