توصل الأكراد على ما يبدو لحقيقة وهي أن العراق الطبيعي لم يعد قائما كما كان قبل هجوم قوات التحالف السني عليه.

ورفض استجابة قادة الأكراد لدعوات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بدعم الحكومة العراقية في بغداد ضد قوات التحالف التي يقودها مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ليس إلا تعبيرا عن الواقع الجديد وعدم ثقة الأكراد بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، حيث حمل مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان المالكي مسؤولية الأحداث وأنها نتاج «لسياساته الخاطئة» ودعاه للتنحي عن السلطة.

وتحدث البارزاني عن «واقع جديد». وتعلق صحيفة «التايمز» أن الاكراد ليس لديهم ما يخسرونه، فالعراق يواجه خطر التفكك إلا أنه يقرب من حلم الدولة الكردية، وكما قال أحد مواطني السليمانية في الإسبوع الماضي «هذا حلم وأخيرا يتحقق».

وتضيف الصحيفة أن السرعة والسهولة التي سيطرت فيها قوات البيشمركة على مناطق شاسعة بين إربيل وكركوك تظهر استعدادا لدى الأكراد للتعامل مع الواقع الجديد. وخلال اسبوعين أعطت الأزمة الأكراد ما عجزوا عن تحقيقه في عشرة أعوام.

وكانت الجائزة الكبرى للأكراد هي كركوك، المدينة النفطية والتي ظلت محل خلاف بينهم وبين الحكومة المركزية في بغداد.

ومع ذلك تقول الصحيفة إن المستقبل لن يكون سهلا في حال قرر الأكراد الإعلان عن دولتهم فإن ذلك يعني أن جارتهم الجنوبية ستكون دولة إسلامية متشددة. وتعتقد «التايمز» أن الأوراق أصبحت كلها بيد الأكراد وسيكون كيري ساذجا لو حاول تعليمهم كيفية لعبها.

 

تناسي الكفاح المشترك

 

وفي السياق نفسه لاحظت صحيفة «فايننشال تايمز» تراجعا في العلاقة بين المكون الشيعي والكردي في عراق ما بعد صدام حسين.

فقد اتحد هذان المكونان ضد الرئيس السابق، والآن ونظرا لسياسات المالكي يتلاشى ميراث الكفاح المشترك بينهما في التسعينات من القرن الماضي، فالبارزاني يعزز من سلطاته على المناطق الجديدة ويكبر طموح الأكراد. ويؤكد قادة الأكراد أن المالكي وحزب الدعوة الذي يقوده ما عليهم إلا لوم أنفسهم.

ويقولون إن قرار المالكي تخفيض ميزانيتهم والنزاع حول تصدير النفط الكردي دفعهم للتقارب مع منافسيهم السابقين من العرب السنة. ونقلت الصحيفة عن نائب كردي في البرلمان العراقي أسامة جميل علي «عندما وصل الشيعة للسلطة وسيطروا على الحكم نسوا التاريخ المشترك بيننا.

وتصرفوا كما تصرف السنة معنا، مثل الأخ الأكبر، وهم الذين نسوا الماضي وليس نحن». ويقصد النائب بالتاريخ المشترك التحالف في المعارضة ضد صدام حسين، ففي الستينيات من القرن الماضي أمر آية الله محسن الحكيم الجنود الشيعة بعدم قتال الأكراد تضامنا معهم وهم يواجهون نظاما واحدا. وبعد الغزو عام 2003 سيطر الأكراد والشيعة على البرلمان وتعاونوا معا في كتابة دستور العراق، واستطاعوا الحكم بدون السنة. ورغم التعاون والشراكة إلا ان نوعا من الصدع حدث فيها بعد خروج الأمريكيين من العراق عام 2011 وعندما بدأ المالكي بملاحقة القيادات السنة وتخلى عن قواعد الشراكة في السلطة بينه وبين الأكراد.

ووجدت القيادات السنية ملجأ في مناطق الأكراد هربا من سياسات المالكي القمعية. ومع تصاعد التمرد السني يقول المراقبون والسياسيون في بغداد أن المالكي أصبح مسكونا بهاجس «المؤامرة الكردية- البعثية» حيث قام الأكراد بتسهيل سيطرة المقاتلين السنة على ثاني المدن العراقية الموصل.

 

«عصائب الحق» تستهدف الأكراد

 

ومع زيادة التوتر بين الجماعتين يقول سائقوا السيارات في مدينة إربيل إنهم كانوا أول ضحاياه. وبحسب أحد سائقي السيارات فقد « قام أعضاء الميليشيات بفحص هوياتنا، وقاموا بسحبي أنا وراكبين كرديين، واعتدوا علينا».

ويقول السائق إنه يفضل المرورعبر حواجز التفتيش التي تعود لداعش بدلا من التوقف عند تلك التي تسيطر عليها ميليشيا «عصائب الحق» «لقد ركلوني على أطرافي وقالوا إن السبب هو الأزمة واننا ساعدنا داعش للسيطرة على الموصل»، و «لا يفكر الشيعة إلا بانفسهم الآن».

وتنفي «عصائب الحق» هذه الإتهامات لكن المتحدث باسمها قال «ليس لدينا مشكلة مع الشعب الكردي، ولكن لدينا أدلة عن تواطؤ قائدهم مسعود بارزاني مع داعش والتحالف التركي- القطري لدعمهم».

وفي الوقت الحالي لم يعد الأكراد يركزون على تغيير اسلوب الحكومة في بغداد، وكما يقول النائب الكردي علي «لا تنسى أن الأكراد هم سنة أو معظمهم سنة، ولو اتفقوا مع العرب السنة لأصبحوا غالبية».

ويسود حس الحديث عن تفكك العراق معظم تصريحات الدبلوماسيين الغربيين، فقد نقلت صحيفة «دايلي تلغراف» عن دبلوماسي غربي قوله إن المستوى الخطير الذي وصلت إليه الأزمة قد يؤدي لهزيمة كل الجهود التي يقوم بها السياسيون لحل الأزمة. وقال الدبلوماسي « استخدمنا كلمة أزمة حول العراق من قبل ولكن هذه أزمة حقيقية».

وأضاف «لا شك حول حجم التهديد الذي تمثله على وجود العراق كدولة وتهديدها على المنطقة بشكل عام».

وشكك الدبلوماسي من قدرة السياسيين العراقيين بمن فيهم نوري المالكي على دفن خلافاتهم. وكشفت الصحيفة أن محدودية الدعم الغربي لوحدات مكافحة الإرهاب العراقية جاء بسبب المخاوف من انتهاكات لحقوق الإنسان تقوم بها هذه الوحدة.

وقال الدبلوماسي إن سياسة القبضة الحديدية التي مارستها القوات الشيعية أدت لتهميش منظم للسنة، وبسبب هذا ساعد الكثيرون منهم تنظيم داعش للسيطرة على مدن الموصل وتكريت «لم يكن داعش قادرا على فعل هذا لوحده».

 

عاصمة الدولة

 

خطوات الأكراد نحو الإستقلال تبدو واضحة من تصريحات بارزاني الذي هدد في مقابلة مع شبكة «سي أن أن « الأمريكية أنه سيعقد استفتاء حول مصير الإقليم، وبسقوط كركوك السهل بيد قواته، فقد تم تأمين العاصمة للدولة .

ومن هنا تظهر عدة تقارير الكيفية التي تتصرف فيها قوات البيشمركة كونها الضامن الوحيد للإستقرار في المدينة التي يعيش فيها العرب والتركمان والأكراد والمسيحيون.

وتقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتيور» أن السيطرة على كركوك يعطي الأكراد «فرصة ذهبية لإثبات أنهم يديرون الأمور أحسن من الحكومة المركزية المتهمة بإشعال الأزمة الحالية وتهميش السنة».

مشيرة إلى قرار الحكومة الإقليمية الذي يتجه نحو إعلان الإستقلال.

وتقول إن قوات البيشمركة تقوم بإدارة سلسلة من نقاط التفتيش وتسيطر على مداخل المدينة والحزام الجنوبي لها، ويدققون في سيارات العرب العراقيين والذين يحتاجون لكفيل كي يسمح لهم بدخول كركوك. وتشير إلى أن السوق المزدحم في ظل القلعة التاريخية تم إغلاقه من قبل قوات الأمن الكردية «اساييش».

ونقل عن مسؤول في الفرع الأمني هذا قوله «تم إغلاق سوق السلاح لمدة سبعة أيام. وهو ما دعا تجار السلاح للنشاط السري حيث يتم بيعها بين الأشخاص أو في أسواق بلدات مثل تشامشال التي تبعد 40 ميلا شرق كركوك. وفي هذه البلدة يقوم الرجال بزيهم الكردي التقليدي ببيع الرصاص بدولار وبندقية إي كي -47 بـ 1000 دولار أمريكي. ونقل عن تاجر سلاح كردي «يقوم الناس بتسليح أنفسهم للحماية، فإذا لم يقتلهم داعش يقومون بقتلك».

ويزعم أن الأسلحة التي نهبت من قاعدة الجيش العراقي الذي ترك المدينة إما بيد داعش أو وقعت بيد البيشمركة.

مع أن التقرير يقول إن القواعد هذه لم تقع لا بيد القوات الكردية أو التحالف السني بل تعرضت للنهب ووصلت لتجار السلاح وانتعشت في أسواقه والتي يصل معظمها بلا شك للمقاتلين السنة. وينقل عن كركوك رمضان، وهو ضابط في البيشمركة إن الجيش العراقي ترك القاعدة العسكرية في المدينة بعد سقوط الموصل» في 10 حزيران/ يونيو مضيفا «هم خونة، خانوا الشعب».

ولكن كركوك أظهر بفخر بندقية لامعة أضافها لمجموعته «عندما وصلنا هنا كان ألالاف من النهابين يحملون سياراتهم بالأسلحة وكلها تعود للجيش في كركوك وكلها تباع الآن».

وعن الكيفية التي انسحب بها الجيش يقول إنه قام بعملية تراجع فوضوية رغم أنه لم يتعرض لتهديد محتوم من داعش.

تركيا تدفع الثمن

 

صحيح أن ولادة الدولة الكردية قريبة ولكنها مثل الماضي تظل رهن الحسابات الإقليميةـ خاصة إيران صاحبة النفوذ الأكبر في العراق وتركيا، الحليفة وصاحبة المصالح المشتركة معهم ضد حكومة بغداد.

وتواجه تركيا حسابات صعبة وخيارات تتعلق بالوضع في سوريا والآن العراق. وسيؤدي ظهور كيان كردي لتعقيد وضعها الجيو- استراتيجي. وتشير «نيويورك تايمز» للوضع التركي.

وتقول إن نقل البضائع التركية للعراق توقف بسبب سيطرة داعش على الموصل وخطف 80 من المواطنين الأتراك. وتنقل عن طرفان أيدين، في معبر الخابور الحدودي قوله إنه كان ينقل يوميا 50 الف رطل من الدجاج المجمد للعراق.

وتشير الصحيفة الى أن هذا المعبر كان مفتوحا في الماضي حيث سمحت للمقاتلين بعبوره للقتال في سوريا وذلك ضمن جهودها الداعمة لإسقاط نظام بشار الأسد. وهو ما أدى لخلق أرض خصبة لولادة التمرد السني الذي قاد هجوما مفاجئا في العراق.

ويقول أيدين «نشاهد علم داعش في سوريا منذ 3 أعوام وكل هذا بسبب تركيا التي سمحت لهم بالدخول».

وتعلق الصحيفة أن حكومة تركيا تدفع الثمن الباهظ اليوم. ويعتقد سولي أوزيل، المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة قادر خاص في اسطنبول «كان سقوط الموصل علامة على فشل السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأربع الماضية».

وأضاف «لا يمكنني فصل ما حدث في الموصل مما يجري في سوريا. واتسمت سياسة تركيا الخارجية تجاه سوريا بعدم الواقعية وكانت متغطرسة ومؤدلجة وعنيدة».

وتشير الصحيفة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران التي التزمت بها تركيا ولسنوات وجلبت معها إعجابا بالنموذج التركي وفوائد اقتصادية، حيث استفادت تركيا من فتح السوق العراقي، وبلغ حجم التجارة التركي لها 12 مليار دولار أمريكي.

وقد ينخفض الرقم للربع أو أقل إن استمر القتال. وتأتي هذه الخسائر بعد خسارة السوق السوري الذي دمرت الحرب الأهلية اقتصاده ولم يعد قادرا على شراء البضائع التركية وأرسلت إلى تركيا 1.5 مليون لاجيء سوري مما زاد من أعباء تركيا.

ويعتبر النزاع الأخير في العراق آخر المشاكل التي تواجه رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، حيث تعرض أردوغان الذي وصل للسلطة قبل 10 أعوام لسلسلة من الإنتقادات نتيجة لقمعه للمتظاهرين، وكارثة انهيار المنجم، وفضيحة الفساد وخلافه مع جماعة فتح الله غولن، حليفه السابق، كما أدى دعم تركيا للربيع العربي لتردي علاقات أنقرة مع دول الخليج ومصر.

وتجد حكومة أردوغان نفسها في مرمى النار مرة أخرى حيث تتهم بتسهيل مرور المقاتلين الأجانب عبر أراضيها. وفي الوقت الذي أكدت فيه أنها تقوم بتشديد الإجراءات على الحدود لمنع المقاتلين الأجانب من الوصول لسوريا، إلا انها لم تعلق على الأحداث الجارية في العراق. وأعلنت تركيا هذا الشهر عن تصنيف «جبهة النصرة» الموالية للقاعدة كجماعة إرهابية، ودعا أردوغان الدول الأوروبية العمل على منع المتطوعين من السفر لسوريا عبر تركيا،ولم يصدر أي تصريح من الأتراك حول سيطرة الأكراد على مدينة كركوك.

وتعلق الصحيفة إن صمت تركيا على الأحداث يمكن تفسيره على اعتبارها الأكراد كقوة وحيدة يمكنها تحقيق الإستقرار حسب سنان أولغين الباحث في وقفية كارنيجي.

وفي الوقت نفسه تجد أنقرة نفسها أمام أزمة نتجت عن اختطاف قنصلها في الموصل وعدد آخر من الأتراك من بينهم أطفال. وتؤكد الحكومة التركية أنها تعمل للافراج عنهم.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-25
  • 7185
  • من الأرشيف

تركيا تدفع ثمن دعمها للمعارضة السورية… فتح حدودها ساهم بصعود «داعش»

 توصل الأكراد على ما يبدو لحقيقة وهي أن العراق الطبيعي لم يعد قائما كما كان قبل هجوم قوات التحالف السني عليه. ورفض استجابة قادة الأكراد لدعوات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بدعم الحكومة العراقية في بغداد ضد قوات التحالف التي يقودها مسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ليس إلا تعبيرا عن الواقع الجديد وعدم ثقة الأكراد بقيادة نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، حيث حمل مسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان المالكي مسؤولية الأحداث وأنها نتاج «لسياساته الخاطئة» ودعاه للتنحي عن السلطة. وتحدث البارزاني عن «واقع جديد». وتعلق صحيفة «التايمز» أن الاكراد ليس لديهم ما يخسرونه، فالعراق يواجه خطر التفكك إلا أنه يقرب من حلم الدولة الكردية، وكما قال أحد مواطني السليمانية في الإسبوع الماضي «هذا حلم وأخيرا يتحقق». وتضيف الصحيفة أن السرعة والسهولة التي سيطرت فيها قوات البيشمركة على مناطق شاسعة بين إربيل وكركوك تظهر استعدادا لدى الأكراد للتعامل مع الواقع الجديد. وخلال اسبوعين أعطت الأزمة الأكراد ما عجزوا عن تحقيقه في عشرة أعوام. وكانت الجائزة الكبرى للأكراد هي كركوك، المدينة النفطية والتي ظلت محل خلاف بينهم وبين الحكومة المركزية في بغداد. ومع ذلك تقول الصحيفة إن المستقبل لن يكون سهلا في حال قرر الأكراد الإعلان عن دولتهم فإن ذلك يعني أن جارتهم الجنوبية ستكون دولة إسلامية متشددة. وتعتقد «التايمز» أن الأوراق أصبحت كلها بيد الأكراد وسيكون كيري ساذجا لو حاول تعليمهم كيفية لعبها.   تناسي الكفاح المشترك   وفي السياق نفسه لاحظت صحيفة «فايننشال تايمز» تراجعا في العلاقة بين المكون الشيعي والكردي في عراق ما بعد صدام حسين. فقد اتحد هذان المكونان ضد الرئيس السابق، والآن ونظرا لسياسات المالكي يتلاشى ميراث الكفاح المشترك بينهما في التسعينات من القرن الماضي، فالبارزاني يعزز من سلطاته على المناطق الجديدة ويكبر طموح الأكراد. ويؤكد قادة الأكراد أن المالكي وحزب الدعوة الذي يقوده ما عليهم إلا لوم أنفسهم. ويقولون إن قرار المالكي تخفيض ميزانيتهم والنزاع حول تصدير النفط الكردي دفعهم للتقارب مع منافسيهم السابقين من العرب السنة. ونقلت الصحيفة عن نائب كردي في البرلمان العراقي أسامة جميل علي «عندما وصل الشيعة للسلطة وسيطروا على الحكم نسوا التاريخ المشترك بيننا. وتصرفوا كما تصرف السنة معنا، مثل الأخ الأكبر، وهم الذين نسوا الماضي وليس نحن». ويقصد النائب بالتاريخ المشترك التحالف في المعارضة ضد صدام حسين، ففي الستينيات من القرن الماضي أمر آية الله محسن الحكيم الجنود الشيعة بعدم قتال الأكراد تضامنا معهم وهم يواجهون نظاما واحدا. وبعد الغزو عام 2003 سيطر الأكراد والشيعة على البرلمان وتعاونوا معا في كتابة دستور العراق، واستطاعوا الحكم بدون السنة. ورغم التعاون والشراكة إلا ان نوعا من الصدع حدث فيها بعد خروج الأمريكيين من العراق عام 2011 وعندما بدأ المالكي بملاحقة القيادات السنة وتخلى عن قواعد الشراكة في السلطة بينه وبين الأكراد. ووجدت القيادات السنية ملجأ في مناطق الأكراد هربا من سياسات المالكي القمعية. ومع تصاعد التمرد السني يقول المراقبون والسياسيون في بغداد أن المالكي أصبح مسكونا بهاجس «المؤامرة الكردية- البعثية» حيث قام الأكراد بتسهيل سيطرة المقاتلين السنة على ثاني المدن العراقية الموصل.   «عصائب الحق» تستهدف الأكراد   ومع زيادة التوتر بين الجماعتين يقول سائقوا السيارات في مدينة إربيل إنهم كانوا أول ضحاياه. وبحسب أحد سائقي السيارات فقد « قام أعضاء الميليشيات بفحص هوياتنا، وقاموا بسحبي أنا وراكبين كرديين، واعتدوا علينا». ويقول السائق إنه يفضل المرورعبر حواجز التفتيش التي تعود لداعش بدلا من التوقف عند تلك التي تسيطر عليها ميليشيا «عصائب الحق» «لقد ركلوني على أطرافي وقالوا إن السبب هو الأزمة واننا ساعدنا داعش للسيطرة على الموصل»، و «لا يفكر الشيعة إلا بانفسهم الآن». وتنفي «عصائب الحق» هذه الإتهامات لكن المتحدث باسمها قال «ليس لدينا مشكلة مع الشعب الكردي، ولكن لدينا أدلة عن تواطؤ قائدهم مسعود بارزاني مع داعش والتحالف التركي- القطري لدعمهم». وفي الوقت الحالي لم يعد الأكراد يركزون على تغيير اسلوب الحكومة في بغداد، وكما يقول النائب الكردي علي «لا تنسى أن الأكراد هم سنة أو معظمهم سنة، ولو اتفقوا مع العرب السنة لأصبحوا غالبية». ويسود حس الحديث عن تفكك العراق معظم تصريحات الدبلوماسيين الغربيين، فقد نقلت صحيفة «دايلي تلغراف» عن دبلوماسي غربي قوله إن المستوى الخطير الذي وصلت إليه الأزمة قد يؤدي لهزيمة كل الجهود التي يقوم بها السياسيون لحل الأزمة. وقال الدبلوماسي « استخدمنا كلمة أزمة حول العراق من قبل ولكن هذه أزمة حقيقية». وأضاف «لا شك حول حجم التهديد الذي تمثله على وجود العراق كدولة وتهديدها على المنطقة بشكل عام». وشكك الدبلوماسي من قدرة السياسيين العراقيين بمن فيهم نوري المالكي على دفن خلافاتهم. وكشفت الصحيفة أن محدودية الدعم الغربي لوحدات مكافحة الإرهاب العراقية جاء بسبب المخاوف من انتهاكات لحقوق الإنسان تقوم بها هذه الوحدة. وقال الدبلوماسي إن سياسة القبضة الحديدية التي مارستها القوات الشيعية أدت لتهميش منظم للسنة، وبسبب هذا ساعد الكثيرون منهم تنظيم داعش للسيطرة على مدن الموصل وتكريت «لم يكن داعش قادرا على فعل هذا لوحده».   عاصمة الدولة   خطوات الأكراد نحو الإستقلال تبدو واضحة من تصريحات بارزاني الذي هدد في مقابلة مع شبكة «سي أن أن « الأمريكية أنه سيعقد استفتاء حول مصير الإقليم، وبسقوط كركوك السهل بيد قواته، فقد تم تأمين العاصمة للدولة . ومن هنا تظهر عدة تقارير الكيفية التي تتصرف فيها قوات البيشمركة كونها الضامن الوحيد للإستقرار في المدينة التي يعيش فيها العرب والتركمان والأكراد والمسيحيون. وتقول صحيفة «كريستيان ساينس مونيتيور» أن السيطرة على كركوك يعطي الأكراد «فرصة ذهبية لإثبات أنهم يديرون الأمور أحسن من الحكومة المركزية المتهمة بإشعال الأزمة الحالية وتهميش السنة». مشيرة إلى قرار الحكومة الإقليمية الذي يتجه نحو إعلان الإستقلال. وتقول إن قوات البيشمركة تقوم بإدارة سلسلة من نقاط التفتيش وتسيطر على مداخل المدينة والحزام الجنوبي لها، ويدققون في سيارات العرب العراقيين والذين يحتاجون لكفيل كي يسمح لهم بدخول كركوك. وتشير إلى أن السوق المزدحم في ظل القلعة التاريخية تم إغلاقه من قبل قوات الأمن الكردية «اساييش». ونقل عن مسؤول في الفرع الأمني هذا قوله «تم إغلاق سوق السلاح لمدة سبعة أيام. وهو ما دعا تجار السلاح للنشاط السري حيث يتم بيعها بين الأشخاص أو في أسواق بلدات مثل تشامشال التي تبعد 40 ميلا شرق كركوك. وفي هذه البلدة يقوم الرجال بزيهم الكردي التقليدي ببيع الرصاص بدولار وبندقية إي كي -47 بـ 1000 دولار أمريكي. ونقل عن تاجر سلاح كردي «يقوم الناس بتسليح أنفسهم للحماية، فإذا لم يقتلهم داعش يقومون بقتلك». ويزعم أن الأسلحة التي نهبت من قاعدة الجيش العراقي الذي ترك المدينة إما بيد داعش أو وقعت بيد البيشمركة. مع أن التقرير يقول إن القواعد هذه لم تقع لا بيد القوات الكردية أو التحالف السني بل تعرضت للنهب ووصلت لتجار السلاح وانتعشت في أسواقه والتي يصل معظمها بلا شك للمقاتلين السنة. وينقل عن كركوك رمضان، وهو ضابط في البيشمركة إن الجيش العراقي ترك القاعدة العسكرية في المدينة بعد سقوط الموصل» في 10 حزيران/ يونيو مضيفا «هم خونة، خانوا الشعب». ولكن كركوك أظهر بفخر بندقية لامعة أضافها لمجموعته «عندما وصلنا هنا كان ألالاف من النهابين يحملون سياراتهم بالأسلحة وكلها تعود للجيش في كركوك وكلها تباع الآن». وعن الكيفية التي انسحب بها الجيش يقول إنه قام بعملية تراجع فوضوية رغم أنه لم يتعرض لتهديد محتوم من داعش. تركيا تدفع الثمن   صحيح أن ولادة الدولة الكردية قريبة ولكنها مثل الماضي تظل رهن الحسابات الإقليميةـ خاصة إيران صاحبة النفوذ الأكبر في العراق وتركيا، الحليفة وصاحبة المصالح المشتركة معهم ضد حكومة بغداد. وتواجه تركيا حسابات صعبة وخيارات تتعلق بالوضع في سوريا والآن العراق. وسيؤدي ظهور كيان كردي لتعقيد وضعها الجيو- استراتيجي. وتشير «نيويورك تايمز» للوضع التركي. وتقول إن نقل البضائع التركية للعراق توقف بسبب سيطرة داعش على الموصل وخطف 80 من المواطنين الأتراك. وتنقل عن طرفان أيدين، في معبر الخابور الحدودي قوله إنه كان ينقل يوميا 50 الف رطل من الدجاج المجمد للعراق. وتشير الصحيفة الى أن هذا المعبر كان مفتوحا في الماضي حيث سمحت للمقاتلين بعبوره للقتال في سوريا وذلك ضمن جهودها الداعمة لإسقاط نظام بشار الأسد. وهو ما أدى لخلق أرض خصبة لولادة التمرد السني الذي قاد هجوما مفاجئا في العراق. ويقول أيدين «نشاهد علم داعش في سوريا منذ 3 أعوام وكل هذا بسبب تركيا التي سمحت لهم بالدخول». وتعلق الصحيفة أن حكومة تركيا تدفع الثمن الباهظ اليوم. ويعتقد سولي أوزيل، المحاضر في العلاقات الدولية في جامعة قادر خاص في اسطنبول «كان سقوط الموصل علامة على فشل السياسة الخارجية التركية خلال السنوات الأربع الماضية». وأضاف «لا يمكنني فصل ما حدث في الموصل مما يجري في سوريا. واتسمت سياسة تركيا الخارجية تجاه سوريا بعدم الواقعية وكانت متغطرسة ومؤدلجة وعنيدة». وتشير الصحيفة إلى سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران التي التزمت بها تركيا ولسنوات وجلبت معها إعجابا بالنموذج التركي وفوائد اقتصادية، حيث استفادت تركيا من فتح السوق العراقي، وبلغ حجم التجارة التركي لها 12 مليار دولار أمريكي. وقد ينخفض الرقم للربع أو أقل إن استمر القتال. وتأتي هذه الخسائر بعد خسارة السوق السوري الذي دمرت الحرب الأهلية اقتصاده ولم يعد قادرا على شراء البضائع التركية وأرسلت إلى تركيا 1.5 مليون لاجيء سوري مما زاد من أعباء تركيا. ويعتبر النزاع الأخير في العراق آخر المشاكل التي تواجه رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان، حيث تعرض أردوغان الذي وصل للسلطة قبل 10 أعوام لسلسلة من الإنتقادات نتيجة لقمعه للمتظاهرين، وكارثة انهيار المنجم، وفضيحة الفساد وخلافه مع جماعة فتح الله غولن، حليفه السابق، كما أدى دعم تركيا للربيع العربي لتردي علاقات أنقرة مع دول الخليج ومصر. وتجد حكومة أردوغان نفسها في مرمى النار مرة أخرى حيث تتهم بتسهيل مرور المقاتلين الأجانب عبر أراضيها. وفي الوقت الذي أكدت فيه أنها تقوم بتشديد الإجراءات على الحدود لمنع المقاتلين الأجانب من الوصول لسوريا، إلا انها لم تعلق على الأحداث الجارية في العراق. وأعلنت تركيا هذا الشهر عن تصنيف «جبهة النصرة» الموالية للقاعدة كجماعة إرهابية، ودعا أردوغان الدول الأوروبية العمل على منع المتطوعين من السفر لسوريا عبر تركيا،ولم يصدر أي تصريح من الأتراك حول سيطرة الأكراد على مدينة كركوك. وتعلق الصحيفة إن صمت تركيا على الأحداث يمكن تفسيره على اعتبارها الأكراد كقوة وحيدة يمكنها تحقيق الإستقرار حسب سنان أولغين الباحث في وقفية كارنيجي. وفي الوقت نفسه تجد أنقرة نفسها أمام أزمة نتجت عن اختطاف قنصلها في الموصل وعدد آخر من الأتراك من بينهم أطفال. وتؤكد الحكومة التركية أنها تعمل للافراج عنهم.

المصدر : القدس العربي / ابراهيم درويش


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة