الحرب التي بدت مؤجلة، أو مقننة بين الطرفين منذ انكفاء «داعش» نحو الشرق السوري، تستعيد زخمها النسبي، مع عودة الطيران السوري في اليومين الأخيرين إلى قصف مقارّ «الدولة الإسلامية» في الشدادي وتل حميس جنوب الحسكة. فالشدادي، التي تقع على بعد كيلومترات من معبر الهول الحدودي مع العراق، تحوّلت إلى مركز تجميع وتوزيع للغنائم التي استعجل «داعش» نقلها من معسكرات الجيش العراقي، نحو قواعده الخلفية في الشرق السوري.

الطيران السوري استهدف في الساعات الأخيرة أرتال الأسلحة العراقية المغنومة، ومواكب عربات نقل الجند (الهامفي) الأميركية المدرعة، والذخائر والمضادات التي تدفقت نحو جنوب الحسكة، على تخوم الرقة، وفي الطريق إلى دير الزور.

التوقيت واختيار الأهداف، يتصل من دون شك، بـ«غزوة الموصل»، لكنه يتصل أكثر باحتواء نتائجها المباشرة أيضا على مستقبل الحربين اللتين تشهدهما الرقة ودير الزور. وتدور رحى الحرب الأولى بين إخوة «الجهاد» أنفسهم من أبناء «أمير داعش» أبو بكر البغدادي ومن نفروا مع «أمير جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني. أما الثانية فتلك المؤجلة بين الجيش السوري مع «إمارة داعش» المتمددة نحو المقلب الآخر للجزيرة الفراتية، في الموصل شمال غرب العراق، حتى صلاح الدين وتكريت.

تنحو الضربات الجوية السورية، ما أنجز منها وما سيأتي، على منع تسريع الحسم العسكري لمصلحة «داعش» أولا، وإطالة أمد الحرب التي حصدت مئات القتلى بين «جهاديي» الداخل والخارج، واستنزاف الطرفين حتى النهاية، والحفاظ، ما أمكن، على توازن الرعب بين المتقاتلين.

فمنذ عام تقريبا، فرض تقنين الاشتباك بـ«داعش» مع الجيش السوري نفسه، بسبب تباعد الجبهات نفسها، وانزلاقها نحو الأطراف بما يخدم تقاطع الاستراتيجيات. ولا يقوم الزعم بتواطؤ الجيش السوري مع عناصر البغدادي ومهادنتهم على أي حجة واقعية، إذ لم يوفر «داعش» قتال الجيش السوري، طيلة عامين، قبل انفجار الخلاف على بيعة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بين الجولاني والبغدادي، وتقديم الظواهري لـ«النصرة» على «داعش» في تولي أمور الشام، على أن تنكفئ الثانية إلى أرض العراق.

وحتى إخراجهم من أرياف حلب وادلب، نحو الرقة ودير الزور، واستخلاصهم الأمر فيها بالسيف لـ«الدولة»، بدءا من آب العام الماضي، كان أبناء البغدادي جنود المعارضة السورية المسلحة، حيث قاتلوا بقوة لمنع الجيش السوري من فتح طرق الإمداد نحو حلب، عبر خناصر والسفيرة، وتقدموا في «اللواء 80» حول مطار حلب، وشاركوا المعارضة «هيئاتها الشرعية» في المدينة والأرياف.

ولم يكن للعقيد عبد الجبار العكيدي، «قائد المجلس الثوري العسكري» في حلب، أن يستعرض انتصاره أمام الكاميرات في مطار منغ العسكري، إلى جانب «أمير داعش» في المنطقة أبو جندل المصري لو لم يقدم «الدولة» انتحاريين، اخترقا خط دفاع المطار في الخامس من آب الماضي، ونجحا حيث فشلت عشرات الهجمات التي قادها «الجيش الحر» لإنهاء عام وأكثر من الحصار، والقتال الأسطوري، لحفنة من الجنود والضباط السوريين.

وفرض تقنين الاشتباك مع الجيش السوري نفسه مع ابتعاد «داعش» عن المراكز الحضرية التي يحتشد حولها الجيش السوري في دمشق وحلب وحمص وحماه، وانسحب منها «داعش» تحت ضغط «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» والمخابرات التركية، كما انسحب من ريف اللاذقية لتسهيل اكتساح كسب، نحو الأطراف البدوية والعشائرية في الشرق السوري. إذ يلقى في الشرق قاعدة ملائمة لخطابه في البيئة البدوية والعشائرية التي استقبلته بالترحاب في دير الزور والرقة، الامتداد الطبيعي للعقيدات والبكارة والفدعان وغيرهم، وهو يتجه بعد الرقة إلى مد «دولته» إلى ما تبقى من دير الزور.

وتقاطع تأجيل الصدام مع النظام لإسقاطه واستعجال بناء «الدولة»، مع حاجة الجيش السوري للتركيز على المنطقة الوسطى، وتفادي تشتيت قواته، ونشرها في مناطق واسعة، حيث يسهل إنهاكها أو ضرب خطوط إمدادها. إذ لا يزال الجيش السوري يعمل على تحصين خط عمودي من المدن، يبدأ من درعا جنوبا، فصعودا نحو دمشق، فحمص، وحماه شرقا، والساحل غربا، وحلب شمالا. ويحمي الانتشار قلب سوريا الأساسية والأحواض السكانية والاقتصادية الكبرى، لكنه لا يهمل الأطراف كليا، إذ يتمسك برأس جسر حيث أمكن، في دير الزور نفسها، وفي القامشلي، وادلب، للحفاظ على خطوط الاتصال، والانطلاق منها في أي عملية مقبلة، عندما تنضج شروط الهجوم المضاد فيها.

وتنطوي الضربات الجوية على إعلان إنهاء تقنين القتال بين الجيش السوري و«داعش»، ومنع الحسم العسكري بين «الجهاديين»، لكنها تنطوي أيضا على عدم انتظار خلط الأوراق حول إرهاصات تحالف إقليمي أو دولي لمواجهة الإرهاب أو «داعش»، وتداعيات «الغزوة الموصلية». إذ يبدو انخراط الجيش السوري فيها دعوة إلى مد الموقف من «غزوة الموصل» و«داعش» بجرعة من الانسجام، ومد مفاعيل أي مبادرة إيرانية أو أميركية أو إقليمية إلى سوريا، وألا تتوقف عند مواجهة «داعش العراقية»، و«مهادنة داعش السورية». إذ لا يمكن الاستمرار بدعم «الجهاديين» وتسليحهم في سوريا بأموال قطرية وسعودية وتركية، ثم إرسال الطائرات الأميركية من دون طيار، يوما ما، لقصف مواقعهم وخطوط إمدادهم في الجانب العراقي، على مقربة من أسوار «داعش» في الرقة السورية، حيث انطلقت قوافله إلى غزو الموصل.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-16
  • 12924
  • من الأرشيف

الطيران السوري يستهدف قوافل «داعش»: محاولة لاحتواء نتائج «غزوة» الموصل

الحرب التي بدت مؤجلة، أو مقننة بين الطرفين منذ انكفاء «داعش» نحو الشرق السوري، تستعيد زخمها النسبي، مع عودة الطيران السوري في اليومين الأخيرين إلى قصف مقارّ «الدولة الإسلامية» في الشدادي وتل حميس جنوب الحسكة. فالشدادي، التي تقع على بعد كيلومترات من معبر الهول الحدودي مع العراق، تحوّلت إلى مركز تجميع وتوزيع للغنائم التي استعجل «داعش» نقلها من معسكرات الجيش العراقي، نحو قواعده الخلفية في الشرق السوري. الطيران السوري استهدف في الساعات الأخيرة أرتال الأسلحة العراقية المغنومة، ومواكب عربات نقل الجند (الهامفي) الأميركية المدرعة، والذخائر والمضادات التي تدفقت نحو جنوب الحسكة، على تخوم الرقة، وفي الطريق إلى دير الزور. التوقيت واختيار الأهداف، يتصل من دون شك، بـ«غزوة الموصل»، لكنه يتصل أكثر باحتواء نتائجها المباشرة أيضا على مستقبل الحربين اللتين تشهدهما الرقة ودير الزور. وتدور رحى الحرب الأولى بين إخوة «الجهاد» أنفسهم من أبناء «أمير داعش» أبو بكر البغدادي ومن نفروا مع «أمير جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني. أما الثانية فتلك المؤجلة بين الجيش السوري مع «إمارة داعش» المتمددة نحو المقلب الآخر للجزيرة الفراتية، في الموصل شمال غرب العراق، حتى صلاح الدين وتكريت. تنحو الضربات الجوية السورية، ما أنجز منها وما سيأتي، على منع تسريع الحسم العسكري لمصلحة «داعش» أولا، وإطالة أمد الحرب التي حصدت مئات القتلى بين «جهاديي» الداخل والخارج، واستنزاف الطرفين حتى النهاية، والحفاظ، ما أمكن، على توازن الرعب بين المتقاتلين. فمنذ عام تقريبا، فرض تقنين الاشتباك بـ«داعش» مع الجيش السوري نفسه، بسبب تباعد الجبهات نفسها، وانزلاقها نحو الأطراف بما يخدم تقاطع الاستراتيجيات. ولا يقوم الزعم بتواطؤ الجيش السوري مع عناصر البغدادي ومهادنتهم على أي حجة واقعية، إذ لم يوفر «داعش» قتال الجيش السوري، طيلة عامين، قبل انفجار الخلاف على بيعة زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، بين الجولاني والبغدادي، وتقديم الظواهري لـ«النصرة» على «داعش» في تولي أمور الشام، على أن تنكفئ الثانية إلى أرض العراق. وحتى إخراجهم من أرياف حلب وادلب، نحو الرقة ودير الزور، واستخلاصهم الأمر فيها بالسيف لـ«الدولة»، بدءا من آب العام الماضي، كان أبناء البغدادي جنود المعارضة السورية المسلحة، حيث قاتلوا بقوة لمنع الجيش السوري من فتح طرق الإمداد نحو حلب، عبر خناصر والسفيرة، وتقدموا في «اللواء 80» حول مطار حلب، وشاركوا المعارضة «هيئاتها الشرعية» في المدينة والأرياف. ولم يكن للعقيد عبد الجبار العكيدي، «قائد المجلس الثوري العسكري» في حلب، أن يستعرض انتصاره أمام الكاميرات في مطار منغ العسكري، إلى جانب «أمير داعش» في المنطقة أبو جندل المصري لو لم يقدم «الدولة» انتحاريين، اخترقا خط دفاع المطار في الخامس من آب الماضي، ونجحا حيث فشلت عشرات الهجمات التي قادها «الجيش الحر» لإنهاء عام وأكثر من الحصار، والقتال الأسطوري، لحفنة من الجنود والضباط السوريين. وفرض تقنين الاشتباك مع الجيش السوري نفسه مع ابتعاد «داعش» عن المراكز الحضرية التي يحتشد حولها الجيش السوري في دمشق وحلب وحمص وحماه، وانسحب منها «داعش» تحت ضغط «النصرة» و«الجبهة الإسلامية» والمخابرات التركية، كما انسحب من ريف اللاذقية لتسهيل اكتساح كسب، نحو الأطراف البدوية والعشائرية في الشرق السوري. إذ يلقى في الشرق قاعدة ملائمة لخطابه في البيئة البدوية والعشائرية التي استقبلته بالترحاب في دير الزور والرقة، الامتداد الطبيعي للعقيدات والبكارة والفدعان وغيرهم، وهو يتجه بعد الرقة إلى مد «دولته» إلى ما تبقى من دير الزور. وتقاطع تأجيل الصدام مع النظام لإسقاطه واستعجال بناء «الدولة»، مع حاجة الجيش السوري للتركيز على المنطقة الوسطى، وتفادي تشتيت قواته، ونشرها في مناطق واسعة، حيث يسهل إنهاكها أو ضرب خطوط إمدادها. إذ لا يزال الجيش السوري يعمل على تحصين خط عمودي من المدن، يبدأ من درعا جنوبا، فصعودا نحو دمشق، فحمص، وحماه شرقا، والساحل غربا، وحلب شمالا. ويحمي الانتشار قلب سوريا الأساسية والأحواض السكانية والاقتصادية الكبرى، لكنه لا يهمل الأطراف كليا، إذ يتمسك برأس جسر حيث أمكن، في دير الزور نفسها، وفي القامشلي، وادلب، للحفاظ على خطوط الاتصال، والانطلاق منها في أي عملية مقبلة، عندما تنضج شروط الهجوم المضاد فيها. وتنطوي الضربات الجوية على إعلان إنهاء تقنين القتال بين الجيش السوري و«داعش»، ومنع الحسم العسكري بين «الجهاديين»، لكنها تنطوي أيضا على عدم انتظار خلط الأوراق حول إرهاصات تحالف إقليمي أو دولي لمواجهة الإرهاب أو «داعش»، وتداعيات «الغزوة الموصلية». إذ يبدو انخراط الجيش السوري فيها دعوة إلى مد الموقف من «غزوة الموصل» و«داعش» بجرعة من الانسجام، ومد مفاعيل أي مبادرة إيرانية أو أميركية أو إقليمية إلى سوريا، وألا تتوقف عند مواجهة «داعش العراقية»، و«مهادنة داعش السورية». إذ لا يمكن الاستمرار بدعم «الجهاديين» وتسليحهم في سوريا بأموال قطرية وسعودية وتركية، ثم إرسال الطائرات الأميركية من دون طيار، يوما ما، لقصف مواقعهم وخطوط إمدادهم في الجانب العراقي، على مقربة من أسوار «داعش» في الرقة السورية، حيث انطلقت قوافله إلى غزو الموصل.

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة