زحمة قوية تشهدها أسواق دمشق وشوارعها هذه الأيام، تزامناً مع انتهاء البلد من الاستحقاق الرئاسي الذي شكل تحدياً سياسياً كبيراً أنجزته سورية وحلفاؤها، في ظلّ عجز غربي وخليجي وتركي عن القيام بأي رد فعل، اللهم باستثناء الاستنكار وإصدار البيانات العالية النبرة القليلة التأثير على الأرض.

ليست الانتخابات الرئاسية السورية حدثاً عادياً بالنسبة للغرب، أو لمن يزور دمشق ويتعاطى الشأن السياسي والإعلامي في الغرب، خصوصاً أنّ تنحّي الرئيس السوري وتخليه عن السلطة أو إسقاطه شكلت كلها مجتمعة ومتفرّقة الهدف الأول والأخير لتحالف غربي خليجي تركي، لم يوفر وسيلة إلا واستخدمها خلال السنوات الماضية من دون نتيجة تذكر.

وليست الحشود الشعبية هي التي أزعجت الغرب في الاستحقاق الرئاسي السوري، فهذا الغرب ومن واقع معرفتي القريبة به وبمؤسساته السياسية والإعلامية، لم يكن يوماً يعير اهتماماً للصوت العربي وللشعوب العربية، كثيرة كانت أو قليلة، وليست كثرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية هي التي سوف تغيّر مواقف الغرب وسياسته، كما أنّ قلة المشاركة في أماكن أخرى من العالم العربي لا تشكل أهمية بالنسبة له، ولا مانع في تأييده الاستحقاقات التي تمرّ بها.

ما يهمّ الغرب في سورية هو نجاح الانتخابات بالمرشح الذي يعاديه الغرب، ونجاح هذا المرشح في البقاء في الحكم سبع سنوات أخرى، يبدو أنها ستكون سنوات مواجهة على الصعيد العالمي قبل السوري، وهذا ما تشير إليه الخلافات الروسية ـ الأميركية على أكثر من ملف حول العالم، ليست سورية رأس أولوياته، على رغم أوهام بعض المعارضة السورية المحسوبة على الائتلاف أنهم في صدارة الحدث العالمي، كما تحدثوا في مقاهي باريس طيلة أسبوعين بعد زيارة وفد منهم إلى العاصمة الفرنسية.

في باريس هناك من قال لوفد المعارضة، إنّ عليكم التعامل مع واقع جديد، مدّته سبع سنوات جديدة، لن يتغيّر فيها الموقف الروسي في مجلس الأمن، ولن تتغيّر فيها موازين القوى على الأرض في سورية، ولا تنتظروا ذهاب أوباما لتغيير الموقف الأميركي، فليس هناك في أميركا من هو مستعدّ لدخول حرب في سورية بعد اليوم، حتى لو وصل المحافظون الجدد إلى الحكم.

هذا الكلام بحرفيته وجه إلى وفد الائتلاف الذي قال أحد أعضائه في اجتماع مع مسؤولين فرنسيين، إنّ المعارضة السورية تراهن على ما بعد أوباما، وإمكانية وصول المحافظين الجدد إلى الحكم في واشنطن.

لن تهدأ الحرب في سورية قريباً لأنّ المموّل العربي والمحرّض الغربي ما زالا في عقلية المواجهة، وفي حالة الغضب من الاستحقاق الرئاسي السوري، وليس هناك ما يشير إلى تغيير في العقلية وفي الأهداف، أقله في مرحلة عدم التفاهم الروسي ـ الأميركي على ملف أوكرانيا، والحلف الأطلسي المتمركز في أوروبا الشرقية، وملف الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا.

لم ينجح اللقاء الدولي في النورماندي الفرنسية في حلّ أيّ خلاف أميركي ـ روسي، على رغم تحركات الماركيتينغ الديبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا، كما لم تتوقف عمليات التسلّح والتمويل لجماعات المعارضة المسلحة شمالاً وجنوباً، على رغم قيام الأردن بعملية إغلاق محدودة لبعض مناطق الحدود مع سورية.

 

وأخيراً وهذا الأهم ما زالت حالة الطرش الأصمّ تدمغ أي حوار سعودي ـ إيراني مهما تدنى مستواه، فزيارة أمير الكويت لم تأت بشيء جديد على هذا المستوى، واقتصر الكلام الكويتي على التبرّؤ من الجمعيات والشخصيات السلفية الكويتية التي تدعم بشكل كبير ومؤثر أكثر الفصائل التكفيرية تشدّداً وإجراماً في سورية، وهذا ما سوف نورد تفاصيله قريباً.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-06-09
  • 13536
  • من الأرشيف

الاستحقاق الرئاسي السوري بين الغرب والشرق

زحمة قوية تشهدها أسواق دمشق وشوارعها هذه الأيام، تزامناً مع انتهاء البلد من الاستحقاق الرئاسي الذي شكل تحدياً سياسياً كبيراً أنجزته سورية وحلفاؤها، في ظلّ عجز غربي وخليجي وتركي عن القيام بأي رد فعل، اللهم باستثناء الاستنكار وإصدار البيانات العالية النبرة القليلة التأثير على الأرض. ليست الانتخابات الرئاسية السورية حدثاً عادياً بالنسبة للغرب، أو لمن يزور دمشق ويتعاطى الشأن السياسي والإعلامي في الغرب، خصوصاً أنّ تنحّي الرئيس السوري وتخليه عن السلطة أو إسقاطه شكلت كلها مجتمعة ومتفرّقة الهدف الأول والأخير لتحالف غربي خليجي تركي، لم يوفر وسيلة إلا واستخدمها خلال السنوات الماضية من دون نتيجة تذكر. وليست الحشود الشعبية هي التي أزعجت الغرب في الاستحقاق الرئاسي السوري، فهذا الغرب ومن واقع معرفتي القريبة به وبمؤسساته السياسية والإعلامية، لم يكن يوماً يعير اهتماماً للصوت العربي وللشعوب العربية، كثيرة كانت أو قليلة، وليست كثرة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السورية هي التي سوف تغيّر مواقف الغرب وسياسته، كما أنّ قلة المشاركة في أماكن أخرى من العالم العربي لا تشكل أهمية بالنسبة له، ولا مانع في تأييده الاستحقاقات التي تمرّ بها. ما يهمّ الغرب في سورية هو نجاح الانتخابات بالمرشح الذي يعاديه الغرب، ونجاح هذا المرشح في البقاء في الحكم سبع سنوات أخرى، يبدو أنها ستكون سنوات مواجهة على الصعيد العالمي قبل السوري، وهذا ما تشير إليه الخلافات الروسية ـ الأميركية على أكثر من ملف حول العالم، ليست سورية رأس أولوياته، على رغم أوهام بعض المعارضة السورية المحسوبة على الائتلاف أنهم في صدارة الحدث العالمي، كما تحدثوا في مقاهي باريس طيلة أسبوعين بعد زيارة وفد منهم إلى العاصمة الفرنسية. في باريس هناك من قال لوفد المعارضة، إنّ عليكم التعامل مع واقع جديد، مدّته سبع سنوات جديدة، لن يتغيّر فيها الموقف الروسي في مجلس الأمن، ولن تتغيّر فيها موازين القوى على الأرض في سورية، ولا تنتظروا ذهاب أوباما لتغيير الموقف الأميركي، فليس هناك في أميركا من هو مستعدّ لدخول حرب في سورية بعد اليوم، حتى لو وصل المحافظون الجدد إلى الحكم. هذا الكلام بحرفيته وجه إلى وفد الائتلاف الذي قال أحد أعضائه في اجتماع مع مسؤولين فرنسيين، إنّ المعارضة السورية تراهن على ما بعد أوباما، وإمكانية وصول المحافظين الجدد إلى الحكم في واشنطن. لن تهدأ الحرب في سورية قريباً لأنّ المموّل العربي والمحرّض الغربي ما زالا في عقلية المواجهة، وفي حالة الغضب من الاستحقاق الرئاسي السوري، وليس هناك ما يشير إلى تغيير في العقلية وفي الأهداف، أقله في مرحلة عدم التفاهم الروسي ـ الأميركي على ملف أوكرانيا، والحلف الأطلسي المتمركز في أوروبا الشرقية، وملف الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا. لم ينجح اللقاء الدولي في النورماندي الفرنسية في حلّ أيّ خلاف أميركي ـ روسي، على رغم تحركات الماركيتينغ الديبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا، كما لم تتوقف عمليات التسلّح والتمويل لجماعات المعارضة المسلحة شمالاً وجنوباً، على رغم قيام الأردن بعملية إغلاق محدودة لبعض مناطق الحدود مع سورية.   وأخيراً وهذا الأهم ما زالت حالة الطرش الأصمّ تدمغ أي حوار سعودي ـ إيراني مهما تدنى مستواه، فزيارة أمير الكويت لم تأت بشيء جديد على هذا المستوى، واقتصر الكلام الكويتي على التبرّؤ من الجمعيات والشخصيات السلفية الكويتية التي تدعم بشكل كبير ومؤثر أكثر الفصائل التكفيرية تشدّداً وإجراماً في سورية، وهذا ما سوف نورد تفاصيله قريباً.  

المصدر : البناء / نضال حمادة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة