بعد ثورتين وثلاثة رؤساء في أقل من ثلاثة سنوات، يتمنى وزير الخارجية المصري نبيل فهمي ألا يكون عصر التغيير "بالمعنى الايجابي" قد انتهى في بلاده، وإن يكن يأمل ايضا في أن يكون انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا بداية لاستقرار مصر والمنطقة. وحاول تبديد المخاوف على الحريات في مصر، وأعرب عن ثقته بقدرة بلاده على استعادة دورها الاقليمي. وعن العلاقة مع الولايات المتحدة، أكد أنها لم تعد بعد إلى ما كانت و"أتمنى الا تعود" الى ذلك الوضع، مضيفاً: "نريد علاقة أقوى ولكن أكثر احتراماً".

 "النهار التقت فهمي على هامش الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني في بيجينغ، وكانت هذه الاسئلة والاجوبة:

¶ أولا، مبروك الانتخابات الرئاسية لمصر. ولكن ماذا بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالرئاسة. هل انتهى عهد الثورات في مصر بعد ثورتين وتغيير ثلاثة رؤساء في أقل من ثلاث سنوات؟

- أرجو ألا يكون عصر التغيير بالمعنى الايجابي قد انتهى. التطوّر والتطوير مطلوبان على الدوام، ولكن أرجو أن يكون انتخاب الرئيس المصري الجديد بداية استقرار لا في مصر فحسب، وإنما في الساحة العربية بصفة عامة. وأعتقد أن الاستقرار في مصر من شأنه أن يؤثر على الاستقرار في المنطقة أكثر من أية دولة أخرى لاعتبارات عدة، أهمها الديموغرافيا فضلاً عن الوزن السياسي والاجتماعي والدور السياسي والتاريخي المصري تاريخيا في العالم العربي. وأضيف الى ذلك أن الاستقرار في مصر بانتخاب الرئيس يسمح لها بانطلاقة سياسية جديدة تملأ من خلالها الفراغ السياسي الموجود في العالم العربي والذي كان ضمن أسباب الاضطراب العام في الساحة العربية ومحاولات أطراف عدة للتدخل فيها.

¶ ولكن في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها مصر، هل هي حقا قادرة على الاضطلاع بهذا الدور قريبا؟

- ليس لدي أدنى شك في ذلك. منذ (ثورتي) 25 يناير و30 يونيو، بدأنا نستعيد نشاطنا السياسي الاقليمي والدولي. ونحن على وشك استعادة دورنا الافريقي، وفي آسيا. الاتصالات بالصين بدأت بكثافة منذ عشرة أشهر، ومع موسكو. ولكن من دون اغفال السعي الى تنمية العلاقات مع أميركا والاتحاد الاوروبي، باعتبارهما طرفين أساسيين في المجموعة الدولية ولكن ضمن منظور جديد، أي الشركة الحقيقية ومنظور دولة مصرية شهدت صحوة مجتمعية.

 نسبة طبيعية

¶ هناك من يرى في وصول المشير عبد الفتاح السيسي الى الرئاسة نهاية للحراك الديموقراطي في العالم العربي...

- الحراك الديموقراطي هو ما يخدم الشعب لصالح الشعب ويشركه في الحكم، وأعتقد أن هذا الحراك سيستمر نتيجة لثورة التكنولوجيا وانخفاض المعدل السنّي للمواطن العربي ورغبته في التغيير. ولكن ما أعتقد أنه سيكون مختلفاً، وآمل ذلك، هو أن الحراك سيوجه لبناء الدول العربية الحديثة المتحضرة وليس لمجرد خلع ما كان قائماً على أسس غير سليمة وفاسدة وغير ديموقراطية.

¶ كانت هناك مقاطعة كبيرة للانتخابات الرئاسية، ثمة شريحة واسعة من المصريين لم تشارك في الانتخابات، كيف ستتوجهون الى هؤلاء؟

- كنت أتمنى أن تكون المشاركة أعلى مما سجل، ولكنني لم أكن أتوقع حصول ذلك، لان معدلات المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات المصرية هي عموماً أقل من 50 في المئة، وثمة مرة استثناء واحد تعدت المشاركة هذه النسبة (في الاستفتاء الاول على الدستور). وشخصيا آمل مع استقرار العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر، بين المواطن وقيادته، أن نشهد مشاركة سياسية أنشط ومشاركة أعلى في الانتخابات، لكن النسبة طبيعية وغير محبطة.

¶ هناك مخاوف كبيرة على الحريات في مصر. منع التظاهر، وملاحقة صحافيين وأحكام اعدام بالجملة على أفراد جماعة "الاخوان المسلمين" اعتبرت مسيسة، فهل قام المصريون بثورتين للوصول الى هنا؟

- أولا هذه الاحكام لم تصدر. طُلب رأي استشاري من المفتي في القرار الذي صدر، وفي النهاية لم يتجاوز الحكم الذي صدر حضوريا خمسة أشخاص. وثانيا، لا أحد محصّن ضد القانون سواء أكان سياسياً أم صحافياً أم موظفاً في بنك. مع هذا، أدعو كل من يريد الدفاع عن الحريات أن يدافع عن رأيه، وحتى لو كانت هناك قوانين غير مريحة أو غير صحيحة في نظره، عليه أن يسلك الطريق التشريعي السياسي كأي دولة في العالم لمحاولة تغييرها، وإذا حصل الرأي المقترح على الدعم السياسي يغيّر القانون.

¶ لكن التظاهر حق ديموقراطي أيضاً.

- القانون يضع معايير معينة للتظاهر فليحترم المواطن هذه المعايير. وإذا كان يرفض هذا القانون فليذهب الى ممثله في مجلس الشعب لتغييره. لا شيء محصن ضد التعديل، وإنما من خلال منظومة سياسية. ليبدأ حراك سياسي سلمي للتغيير، حتى يكون التغيير أحد عناصر البناء لا الهدم. المجتمع المصري أثبت أنه متمسك بالتغيير. وبعد نجاح ثورتين علينا أن ننجح في بناء الدولة التي نبغيها.

¶ تاريخياً، أقصيت جماعة "الاخوان المسلمين" مراراً وسجن زعماؤها ليعودوا لاحقا الى العمل السياسي بطريقة أو بأخرى. هل ترى أفقا لمصالحة سياسية في مصر؟

- اختلف الوضع حاليا عن الماضي. الخلاف الاساسي الان ليس بين "الاخوان" والحكومة. الخلاف هو الان بين "الاخوان" والشعب، وهذه المصالحة بين الجانبين صعبة جدا على المدى القصير لأنها تحتاج الى أمرين، أولا على "الاخوان" تغيير منهجهم وفلسفتهم الايديولوجية، وهذا غير متوقع . لذا، لا أتوقع مصالحة في المدى القصير.

 

سوريا

¶ نظمت سوريا انتخابات رئاسية وصفتها واشنطن بأنها مهزلة ورفضتها المعارضة، كيف تنظر مصر الى هذه الانتخابات؟

- الانتخابات السورية ليست الا خطوة في مشكلة أكبر. هناك أزمة في سوريا بين أطراف اقليميين متعددين، وهناك اتفاق بين الاطراف السوريين جميعهم (جنيف 1) الذي يركز على تأليف هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة لادارة البلاد. وهناك تعارض بين هذه الهيئة والانتخابات. فكيف تتشكل هيئة لادارة البلاد والانتخابات أجريت منذ ايام؟ ما تتمسك به مصر هو الحفاظ على وحدة كيان سوريا ووحدة الاراضي السورية. لا نريد تقسيم سوريا على أساس عرقي أو طائفي لان في ذلك انعكاسات على المنطقة. ونحن نؤيد المطالب المشروعة للمعارضة السورية، ولكننا نأمل في أن نجد وسيلة للتوصل الى حل سياسي بين الاطراف في سياق مضمون ومبادئ جنيف 2 بصرف النظر عن الآليات. لا حل عسكريا حاسما في سوريا والحل السياسي بعيد المنال. البلاد في مرحلة اللاحسم، ومن يدفع ثمن ذلك هو المواطن السوري.

¶ اقترحت روسيا بعد الانتخابات السورية تأليف حكومة ائتلافية تشارك فيها المعارضة. هل يمكن اقتراحا كهذا أن ينجح في ظل رفض "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الانتخابات ؟

- المسألة لا تتعلق بحكومة ائتلافية، وإنما السؤال هو هل لهذه الحكومة سلطة الادارة أم لا. اذا كانت تتمتع بصلاحيات مستقلة هذا يعني أننا اتخذنا خطوة نحو بناء سوريا الجديدة. أما في غياب أمر كهذا، وفي ظل رغبة في استعادة الماضي أو تحميل المستقبل تداعيات الماضي سنجد أن تأليف حكومة ائتلافية من عدمه لا قيمة له لانها لن تعطى الصلاحيات المطلوبة لبناء مستقبل سوريا وستعكس فقط حسابات ضيقة. نريد مؤشرات واضحة أن حكومة كهذه تتمتع بصلاحيات مستقلة، وخصوصا في ما يتعلق بالمنظومة السياسية والامنية.

¶ أنتم اليوم في الصين، وكنتم أخيرا في اميركا وقبلها زرتم موسكو. ما هي أهداف هذا الحراك المصري المتعدد الاتجاه؟

- الحراك المصري مبني على تعدد الخيارات. لا المصلحة الانية فحسب، وإنما المصلحة الانية بمنظور مستقبلي. لذلك، على رغم تأييدنا المعارضة السورية المشروعة، اعترضنا على ضرب سوريا من الخارج. إن دعم الهوية الوطنية العربية في الشرق الاوسط هو ايضا دعم للأمن القومي المصري. تفتت الشرق الاوسط على اساس عرقي يمس الامن القومي المصري، وهذا ما يجعلنا نتحرك بمنظور وطني لا بمنظور عرقي.

 موسكو وواشنطن

¶ بالعودة الى تنويع الحلفاء، كيف يمكن وصف العلاقات مع روسيا؟ وما صحة التقارير عن صفقات أسلحة كبيرة معها؟

- ما تم من خطوات مع روسيا يعكس تناميا سريعا للعلاقات المصرية - الروسية في مجالات مختلفة والشق العسكري منها جزء واحد فحسب. نعم وقعت عقود عسكرية أو غير عسكرية، ولكن لن أدخل في تفاصيل ما وقع وما لم يوقع، لكن الاكيد أن العلاقات مع روسيا ستشهد مزيدا من النمو بمعدلات سريعة. التزمنا منذ عام ضمان كل متطلبات الامن القومي المصري لانني كنت أرى قدرا من الاضطراب، وحاجة الى تنويع الخيارات وليس تركا لصديق. وهذا ما نفذناه وننفذه وليس فقط مع روسيا ولكن حتى ايضا أقولها الان مع الصين.

¶ وهل عادت العلاقات الى طبيعتها مع الولايات المتحدة؟

- لم تعد العلاقات بعد الى ما كانت عليه، وأرجو الا تعود الى هذه النقطة، وإنما أن تتجاوزها ايجابيا. الولايات المتحدة دولة مهمة على الساحة الدولية وسنسعى دائما الى علاقات ايجابية معها بما يضمن المصلحة المصرية. ولا نتردد في أن تضمن هذه العلاقة مصلحة الجانبين، ما دمنا نحافظ على حاجاتنا وحقوقنا. وإنما ما استجد في العلاقة هو الشعب المصري الذي لم يكن طرفا في تقويم العلاقة في الماضي. أريد علاقة أقوى مما مضى ولكن أكثر احتراما. الولايات المتحدة ستكون ضمن الخيارات المصرية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وإنما لن تكون هي أو غيرها الخيار الوحيد.

 لبنان

¶ ختاما، يعيش لبنان فراغا سياسيا منذ 25 ايار الماضي. هل لدى مصر أي تصور لانهاء هذا الوضع؟

- زيارتي للبنان قبل شهر لم تكن نزهة. كانت لتقديري أهمية الافادة من الحراك الفكري اللبناني من ناحية لبناء دولة متحضرة تمثل نموذجا في الشرق الاوسط. ومن ناحية أخرى لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ولكن لم تكن لدي أجندة مصرية بمعنى أن ليس لدينا مرشح في لبنان.

من الواضح أن الموضوع يحتاج الى مزيد من الجهد والى معرفة السيناريوات المختلفة مع اقتراب موعد الاستحقاق البرلماني ايضا. وسأظل على اتصال بالقيادات اللبنانية في الخارج ولبنان أو في زياراتهم لمصر. واذا كان في استطاعتنا القيام بأي شيء لن نتردد. وفي كل اتصالات أدعو الاطراف اللبنانيين الى التوصل الى حلول وسط تحافظ على استقرار لبنان. إذ يجب التنبه الى أن الظرف الاقليمي خطر، وتداعيات عدم الاستقرار كبيرة جدا، والاطراف الاجانب يحاولون التأُثير في كل الساحات القريبة للبنان، فضلا عن أن البعض يحاول التأثير في الساحة اللبنانية الداخلية. ومع أن المواءمات السياسية متاحة دائما للبنان، ونأمل في أن نجد الحكمة اللبنانية لان الوضع في الشرق الاوسط متوتر والتدخلات كثيرة، وأخشى على لبنان إذا لم نشهد سريعا حكمة السياسي اللبناني في ايجاد حل يحافظ على استقلاله ووحدة أراضيه.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-06
  • 6729
  • من الأرشيف

فهمي لـ"النهار": نريد علاقات أقوى ولكن أكثر احتراماً مع أميركا وسوريا في مرحلة اللاحسم

بعد ثورتين وثلاثة رؤساء في أقل من ثلاثة سنوات، يتمنى وزير الخارجية المصري نبيل فهمي ألا يكون عصر التغيير "بالمعنى الايجابي" قد انتهى في بلاده، وإن يكن يأمل ايضا في أن يكون انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا بداية لاستقرار مصر والمنطقة. وحاول تبديد المخاوف على الحريات في مصر، وأعرب عن ثقته بقدرة بلاده على استعادة دورها الاقليمي. وعن العلاقة مع الولايات المتحدة، أكد أنها لم تعد بعد إلى ما كانت و"أتمنى الا تعود" الى ذلك الوضع، مضيفاً: "نريد علاقة أقوى ولكن أكثر احتراماً".  "النهار التقت فهمي على هامش الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني في بيجينغ، وكانت هذه الاسئلة والاجوبة: ¶ أولا، مبروك الانتخابات الرئاسية لمصر. ولكن ماذا بعد فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالرئاسة. هل انتهى عهد الثورات في مصر بعد ثورتين وتغيير ثلاثة رؤساء في أقل من ثلاث سنوات؟ - أرجو ألا يكون عصر التغيير بالمعنى الايجابي قد انتهى. التطوّر والتطوير مطلوبان على الدوام، ولكن أرجو أن يكون انتخاب الرئيس المصري الجديد بداية استقرار لا في مصر فحسب، وإنما في الساحة العربية بصفة عامة. وأعتقد أن الاستقرار في مصر من شأنه أن يؤثر على الاستقرار في المنطقة أكثر من أية دولة أخرى لاعتبارات عدة، أهمها الديموغرافيا فضلاً عن الوزن السياسي والاجتماعي والدور السياسي والتاريخي المصري تاريخيا في العالم العربي. وأضيف الى ذلك أن الاستقرار في مصر بانتخاب الرئيس يسمح لها بانطلاقة سياسية جديدة تملأ من خلالها الفراغ السياسي الموجود في العالم العربي والذي كان ضمن أسباب الاضطراب العام في الساحة العربية ومحاولات أطراف عدة للتدخل فيها. ¶ ولكن في ظل التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها مصر، هل هي حقا قادرة على الاضطلاع بهذا الدور قريبا؟ - ليس لدي أدنى شك في ذلك. منذ (ثورتي) 25 يناير و30 يونيو، بدأنا نستعيد نشاطنا السياسي الاقليمي والدولي. ونحن على وشك استعادة دورنا الافريقي، وفي آسيا. الاتصالات بالصين بدأت بكثافة منذ عشرة أشهر، ومع موسكو. ولكن من دون اغفال السعي الى تنمية العلاقات مع أميركا والاتحاد الاوروبي، باعتبارهما طرفين أساسيين في المجموعة الدولية ولكن ضمن منظور جديد، أي الشركة الحقيقية ومنظور دولة مصرية شهدت صحوة مجتمعية.  نسبة طبيعية ¶ هناك من يرى في وصول المشير عبد الفتاح السيسي الى الرئاسة نهاية للحراك الديموقراطي في العالم العربي... - الحراك الديموقراطي هو ما يخدم الشعب لصالح الشعب ويشركه في الحكم، وأعتقد أن هذا الحراك سيستمر نتيجة لثورة التكنولوجيا وانخفاض المعدل السنّي للمواطن العربي ورغبته في التغيير. ولكن ما أعتقد أنه سيكون مختلفاً، وآمل ذلك، هو أن الحراك سيوجه لبناء الدول العربية الحديثة المتحضرة وليس لمجرد خلع ما كان قائماً على أسس غير سليمة وفاسدة وغير ديموقراطية. ¶ كانت هناك مقاطعة كبيرة للانتخابات الرئاسية، ثمة شريحة واسعة من المصريين لم تشارك في الانتخابات، كيف ستتوجهون الى هؤلاء؟ - كنت أتمنى أن تكون المشاركة أعلى مما سجل، ولكنني لم أكن أتوقع حصول ذلك، لان معدلات المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات المصرية هي عموماً أقل من 50 في المئة، وثمة مرة استثناء واحد تعدت المشاركة هذه النسبة (في الاستفتاء الاول على الدستور). وشخصيا آمل مع استقرار العلاقة بين الحاكم والمحكوم في مصر، بين المواطن وقيادته، أن نشهد مشاركة سياسية أنشط ومشاركة أعلى في الانتخابات، لكن النسبة طبيعية وغير محبطة. ¶ هناك مخاوف كبيرة على الحريات في مصر. منع التظاهر، وملاحقة صحافيين وأحكام اعدام بالجملة على أفراد جماعة "الاخوان المسلمين" اعتبرت مسيسة، فهل قام المصريون بثورتين للوصول الى هنا؟ - أولا هذه الاحكام لم تصدر. طُلب رأي استشاري من المفتي في القرار الذي صدر، وفي النهاية لم يتجاوز الحكم الذي صدر حضوريا خمسة أشخاص. وثانيا، لا أحد محصّن ضد القانون سواء أكان سياسياً أم صحافياً أم موظفاً في بنك. مع هذا، أدعو كل من يريد الدفاع عن الحريات أن يدافع عن رأيه، وحتى لو كانت هناك قوانين غير مريحة أو غير صحيحة في نظره، عليه أن يسلك الطريق التشريعي السياسي كأي دولة في العالم لمحاولة تغييرها، وإذا حصل الرأي المقترح على الدعم السياسي يغيّر القانون. ¶ لكن التظاهر حق ديموقراطي أيضاً. - القانون يضع معايير معينة للتظاهر فليحترم المواطن هذه المعايير. وإذا كان يرفض هذا القانون فليذهب الى ممثله في مجلس الشعب لتغييره. لا شيء محصن ضد التعديل، وإنما من خلال منظومة سياسية. ليبدأ حراك سياسي سلمي للتغيير، حتى يكون التغيير أحد عناصر البناء لا الهدم. المجتمع المصري أثبت أنه متمسك بالتغيير. وبعد نجاح ثورتين علينا أن ننجح في بناء الدولة التي نبغيها. ¶ تاريخياً، أقصيت جماعة "الاخوان المسلمين" مراراً وسجن زعماؤها ليعودوا لاحقا الى العمل السياسي بطريقة أو بأخرى. هل ترى أفقا لمصالحة سياسية في مصر؟ - اختلف الوضع حاليا عن الماضي. الخلاف الاساسي الان ليس بين "الاخوان" والحكومة. الخلاف هو الان بين "الاخوان" والشعب، وهذه المصالحة بين الجانبين صعبة جدا على المدى القصير لأنها تحتاج الى أمرين، أولا على "الاخوان" تغيير منهجهم وفلسفتهم الايديولوجية، وهذا غير متوقع . لذا، لا أتوقع مصالحة في المدى القصير.   سوريا ¶ نظمت سوريا انتخابات رئاسية وصفتها واشنطن بأنها مهزلة ورفضتها المعارضة، كيف تنظر مصر الى هذه الانتخابات؟ - الانتخابات السورية ليست الا خطوة في مشكلة أكبر. هناك أزمة في سوريا بين أطراف اقليميين متعددين، وهناك اتفاق بين الاطراف السوريين جميعهم (جنيف 1) الذي يركز على تأليف هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة لادارة البلاد. وهناك تعارض بين هذه الهيئة والانتخابات. فكيف تتشكل هيئة لادارة البلاد والانتخابات أجريت منذ ايام؟ ما تتمسك به مصر هو الحفاظ على وحدة كيان سوريا ووحدة الاراضي السورية. لا نريد تقسيم سوريا على أساس عرقي أو طائفي لان في ذلك انعكاسات على المنطقة. ونحن نؤيد المطالب المشروعة للمعارضة السورية، ولكننا نأمل في أن نجد وسيلة للتوصل الى حل سياسي بين الاطراف في سياق مضمون ومبادئ جنيف 2 بصرف النظر عن الآليات. لا حل عسكريا حاسما في سوريا والحل السياسي بعيد المنال. البلاد في مرحلة اللاحسم، ومن يدفع ثمن ذلك هو المواطن السوري. ¶ اقترحت روسيا بعد الانتخابات السورية تأليف حكومة ائتلافية تشارك فيها المعارضة. هل يمكن اقتراحا كهذا أن ينجح في ظل رفض "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" الانتخابات ؟ - المسألة لا تتعلق بحكومة ائتلافية، وإنما السؤال هو هل لهذه الحكومة سلطة الادارة أم لا. اذا كانت تتمتع بصلاحيات مستقلة هذا يعني أننا اتخذنا خطوة نحو بناء سوريا الجديدة. أما في غياب أمر كهذا، وفي ظل رغبة في استعادة الماضي أو تحميل المستقبل تداعيات الماضي سنجد أن تأليف حكومة ائتلافية من عدمه لا قيمة له لانها لن تعطى الصلاحيات المطلوبة لبناء مستقبل سوريا وستعكس فقط حسابات ضيقة. نريد مؤشرات واضحة أن حكومة كهذه تتمتع بصلاحيات مستقلة، وخصوصا في ما يتعلق بالمنظومة السياسية والامنية. ¶ أنتم اليوم في الصين، وكنتم أخيرا في اميركا وقبلها زرتم موسكو. ما هي أهداف هذا الحراك المصري المتعدد الاتجاه؟ - الحراك المصري مبني على تعدد الخيارات. لا المصلحة الانية فحسب، وإنما المصلحة الانية بمنظور مستقبلي. لذلك، على رغم تأييدنا المعارضة السورية المشروعة، اعترضنا على ضرب سوريا من الخارج. إن دعم الهوية الوطنية العربية في الشرق الاوسط هو ايضا دعم للأمن القومي المصري. تفتت الشرق الاوسط على اساس عرقي يمس الامن القومي المصري، وهذا ما يجعلنا نتحرك بمنظور وطني لا بمنظور عرقي.  موسكو وواشنطن ¶ بالعودة الى تنويع الحلفاء، كيف يمكن وصف العلاقات مع روسيا؟ وما صحة التقارير عن صفقات أسلحة كبيرة معها؟ - ما تم من خطوات مع روسيا يعكس تناميا سريعا للعلاقات المصرية - الروسية في مجالات مختلفة والشق العسكري منها جزء واحد فحسب. نعم وقعت عقود عسكرية أو غير عسكرية، ولكن لن أدخل في تفاصيل ما وقع وما لم يوقع، لكن الاكيد أن العلاقات مع روسيا ستشهد مزيدا من النمو بمعدلات سريعة. التزمنا منذ عام ضمان كل متطلبات الامن القومي المصري لانني كنت أرى قدرا من الاضطراب، وحاجة الى تنويع الخيارات وليس تركا لصديق. وهذا ما نفذناه وننفذه وليس فقط مع روسيا ولكن حتى ايضا أقولها الان مع الصين. ¶ وهل عادت العلاقات الى طبيعتها مع الولايات المتحدة؟ - لم تعد العلاقات بعد الى ما كانت عليه، وأرجو الا تعود الى هذه النقطة، وإنما أن تتجاوزها ايجابيا. الولايات المتحدة دولة مهمة على الساحة الدولية وسنسعى دائما الى علاقات ايجابية معها بما يضمن المصلحة المصرية. ولا نتردد في أن تضمن هذه العلاقة مصلحة الجانبين، ما دمنا نحافظ على حاجاتنا وحقوقنا. وإنما ما استجد في العلاقة هو الشعب المصري الذي لم يكن طرفا في تقويم العلاقة في الماضي. أريد علاقة أقوى مما مضى ولكن أكثر احتراما. الولايات المتحدة ستكون ضمن الخيارات المصرية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وإنما لن تكون هي أو غيرها الخيار الوحيد.  لبنان ¶ ختاما، يعيش لبنان فراغا سياسيا منذ 25 ايار الماضي. هل لدى مصر أي تصور لانهاء هذا الوضع؟ - زيارتي للبنان قبل شهر لم تكن نزهة. كانت لتقديري أهمية الافادة من الحراك الفكري اللبناني من ناحية لبناء دولة متحضرة تمثل نموذجا في الشرق الاوسط. ومن ناحية أخرى لاقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. ولكن لم تكن لدي أجندة مصرية بمعنى أن ليس لدينا مرشح في لبنان. من الواضح أن الموضوع يحتاج الى مزيد من الجهد والى معرفة السيناريوات المختلفة مع اقتراب موعد الاستحقاق البرلماني ايضا. وسأظل على اتصال بالقيادات اللبنانية في الخارج ولبنان أو في زياراتهم لمصر. واذا كان في استطاعتنا القيام بأي شيء لن نتردد. وفي كل اتصالات أدعو الاطراف اللبنانيين الى التوصل الى حلول وسط تحافظ على استقرار لبنان. إذ يجب التنبه الى أن الظرف الاقليمي خطر، وتداعيات عدم الاستقرار كبيرة جدا، والاطراف الاجانب يحاولون التأُثير في كل الساحات القريبة للبنان، فضلا عن أن البعض يحاول التأثير في الساحة اللبنانية الداخلية. ومع أن المواءمات السياسية متاحة دائما للبنان، ونأمل في أن نجد الحكمة اللبنانية لان الوضع في الشرق الاوسط متوتر والتدخلات كثيرة، وأخشى على لبنان إذا لم نشهد سريعا حكمة السياسي اللبناني في ايجاد حل يحافظ على استقلاله ووحدة أراضيه.

المصدر : الماسة السورية/ النهار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة