ولا بأس ان نستعير بعض الصور الكاريكاتورية حول الصواريخ الضاحكة او تلك التي تتبادل القبل. حدث هذا عقب زوال الاتحاد السوفياتي،

فكان ان الحرب الباردة وضعت اوزارها، وبات باستطاعة الرئيس جورج بوش الاب ان ينام على سرير القديسة كاترين في الكرملين.

تعليقات وضحكات كثيرة انتشرت آنذاك في الصحف الاوروبية، قبل ان يبدأ غروب القرن الذي بدا وكأنه غروب الآلهة. ارنولد توينبي هو الذي وصف القرن العشرين بـ«مهرجان الآلهة». اليس الآلهة وحدهم هم الذين يصنعون حرباً على شاكلة الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية؟ الياباني ياسوناري كاوباتا الذي كتب عن هيروشيما قال «لقد صنعوا هذا الجحيم دون تدخل من الكتاب المقدس».

هنا لا يمكن طرح مثل هذا السؤال «لمن تكون الغلبة في النهاية…. للسعودية ام لايران؟». المعلق الاميركي يوجين روبرتسون هو الذي قال ان البلدين ذهبا بعيداً في رقصة الهاوية، ولقد حانت لحظة الوئام، فأي منطق ذاك حين يكون الصراع على كيفية اقتسام الحطام، قاصداً سوريا اذا ما استمر فيها القتال سنوات اخرى. حدثت اشياء لافتة في الاشهر الاخيرة. السعوديون الذين كانوا يتخوفون من التعبئة الايديولوجية الحادة في ايران والتي تتقاطع مع التعبئة العسكرية، استكملوا بناء منظوماتهم الصاروخية بالصورة التي تطمئنهم وتجعلهم واثقين من ان باستطاعتهم الحديث بلهجة اعلى.

بعثوا اكثر من اشارة في اتجاه طهران. والحكاية انه بات باستطاعتهم توجيه صواريخهم التي تتمتع بالدقة وبالطاقة التفجيرية الهائلة، وخلال ثوان، او هي موجهة فعلاً، الى اهداف حساسة داخل ايران، اي ان السعوديين لم يعودوا يعيشون هاجس الصواريخ الايرانية، وان كان معلوماً منذ البداية ان سياسات كثيرة، ومواقف كثيرة، بنيت على الاوهام.

واذا كان هناك من عرض على بنيامين نتنياهو المساعدة اللوجيستية اللازمة لضرب ايران واعادتها مائة عام الى الوراء، فلا ريب ان فكرة الحرب لم تكن لترد لدى الايرانيين الذين عاشوا المواجهات الكارثية على مدى ثماني سنوات مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي ودون ان يعني هذا ان الايرانيين ليسوامعنيين مباشرة بالتعقيدات الجيوسياسية ان على ضفاف الخليج او على ضفاف قزوين وامتدادها.

دعوة ودية الى جواد ظريف لزيارة السعودية. هذا لا يحدث بصورة ميكانيكية. ثمة وسطاء يقومون باتصالات مكوكية، حتى اذا ما زار امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح طهران يوم الاحد، فالمعلومات تتحدث عن حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين.

واذا كانت الكويت تتبنى السياسات الهادئة فهي لا شك تراعي الحساسية السعودية حيال ايران، ولا بد ان الزيارة تندرج في اطار سياسة فتح الابواب التي اوصدت بالكامل منذ اندلاع الازمة السورية قبل اكثر من ثلاث سنوات.

وحين يلتقي محمد جواد ظريف والامير سعود الفيصل، وبالطبع سيلتقي شخصيات تتولى مناصب اساسية في المملكة، فالمتوقع، وكما تشير المعلومات الديبلوماسية، ان يتم التركيز على احداث مناخ سيكولوجي يمكن ان يفضي الى تفكيك للأزمات او الى تفكيك اجزاء منها، فالسعوديون يريديون الحد من تمدد الحوثيين الذين باتوا يرابطون على تخوم صنعاء، كما انهم يفضلون اي رجل آخر على رأس الحكومة في بغداد غير نوري المالكي.

ماذا عن الملف السوري؟ الثابت ان السعوديين ينظرون بقلق الى انتشار تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، وكذلك الى انتشار جبهة النصرة. لكنهم مثلما يريدون اجتثاث هذه المجموعات من سوريا يريدون ايضاً اجتثاث النظام.

مثل هذا الامر غير وارد البتة بالنسبة الى الايرانيين، ولا الى الروس الذين قاموا بالخطوات الاولى في اتجاه بناء التكتل الاوراسي الذي اعلن استعداده لقبول انضمام ايران اليه، مع الرغبة في الوصول الى المياه الدافئة في المتوسط.

 

لا مجال للبحث في تفكيك الازمات بين السعوديين والايرانيين وحدهم لان ملفات المنطقة دخلت في آليات الصراع ان حول النظام العالمي الجديد او حول الفوضى العالمية الجديدة. الى حد كبير يمكن الغوص في القضية اليمنية، والى حد محدود في القضية العراقية، اما بالنسبة الى القضية السورية فثمة حارس روسي يقف عند الباب.

السعوديون يدركون ذلك. لا شك انهم يرغبون في رؤية نظام حليف في دمشق، مع ان علاقاتهم مع الرئيس بشار الاسد قد تحسنت كثيراً قبل كانون الثاني 2011 واسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري على ذلك النحو الدراماتيكي.

ولان ذلك مستحيل، فهم يسعون لاقامة توازن على الارض يمكنهم من الضغط في اتجاهات معينة. بيد ان الايرانيين، وكذلك الروس، يعلمون بدقة مدى التناقض بين الرياض والدوحة، وبين الرياض وانقرة حول الوضع في سوريا. هذا يعني بكل بساطة انه اذا كان السعوديون يبغون وقف الدم في سوريا ما عليهم الا العودة التدريجية الى التعاطي مع النظام.

بطبيعة الحال، هناك من يعتبر ان هذا الطرح رابع المستحيلات في الظروف الراهنة. لا بد من تحقيق شيء ما على الارض. شيء ما؟ ينصح الايرانييون وينصح الروس بان تتوقف لعبة حرق الاصابع من خلال الرهان على الصواريخ الاميركية، لان اسلحة روسية متطورة جداً في طريقها الى الجيش السوري. لا داعي لتقليد سيزيف لان صخرته لن تصل الى الاعلى، ولا داعي لتقليد دونكيشوت ضنا بالدم، وبالانين و(بالصراخ) في سوريا!

  • فريق ماسة
  • 2014-05-30
  • 9826
  • من الأرشيف

اذاً…. لندع توازن الرعب يتكلم!

ولا بأس ان نستعير بعض الصور الكاريكاتورية حول الصواريخ الضاحكة او تلك التي تتبادل القبل. حدث هذا عقب زوال الاتحاد السوفياتي، فكان ان الحرب الباردة وضعت اوزارها، وبات باستطاعة الرئيس جورج بوش الاب ان ينام على سرير القديسة كاترين في الكرملين. تعليقات وضحكات كثيرة انتشرت آنذاك في الصحف الاوروبية، قبل ان يبدأ غروب القرن الذي بدا وكأنه غروب الآلهة. ارنولد توينبي هو الذي وصف القرن العشرين بـ«مهرجان الآلهة». اليس الآلهة وحدهم هم الذين يصنعون حرباً على شاكلة الحرب العالمية الاولى والحرب العالمية الثانية؟ الياباني ياسوناري كاوباتا الذي كتب عن هيروشيما قال «لقد صنعوا هذا الجحيم دون تدخل من الكتاب المقدس». هنا لا يمكن طرح مثل هذا السؤال «لمن تكون الغلبة في النهاية…. للسعودية ام لايران؟». المعلق الاميركي يوجين روبرتسون هو الذي قال ان البلدين ذهبا بعيداً في رقصة الهاوية، ولقد حانت لحظة الوئام، فأي منطق ذاك حين يكون الصراع على كيفية اقتسام الحطام، قاصداً سوريا اذا ما استمر فيها القتال سنوات اخرى. حدثت اشياء لافتة في الاشهر الاخيرة. السعوديون الذين كانوا يتخوفون من التعبئة الايديولوجية الحادة في ايران والتي تتقاطع مع التعبئة العسكرية، استكملوا بناء منظوماتهم الصاروخية بالصورة التي تطمئنهم وتجعلهم واثقين من ان باستطاعتهم الحديث بلهجة اعلى. بعثوا اكثر من اشارة في اتجاه طهران. والحكاية انه بات باستطاعتهم توجيه صواريخهم التي تتمتع بالدقة وبالطاقة التفجيرية الهائلة، وخلال ثوان، او هي موجهة فعلاً، الى اهداف حساسة داخل ايران، اي ان السعوديين لم يعودوا يعيشون هاجس الصواريخ الايرانية، وان كان معلوماً منذ البداية ان سياسات كثيرة، ومواقف كثيرة، بنيت على الاوهام. واذا كان هناك من عرض على بنيامين نتنياهو المساعدة اللوجيستية اللازمة لضرب ايران واعادتها مائة عام الى الوراء، فلا ريب ان فكرة الحرب لم تكن لترد لدى الايرانيين الذين عاشوا المواجهات الكارثية على مدى ثماني سنوات مع العراق في الثمانينات من القرن الماضي ودون ان يعني هذا ان الايرانيين ليسوامعنيين مباشرة بالتعقيدات الجيوسياسية ان على ضفاف الخليج او على ضفاف قزوين وامتدادها. دعوة ودية الى جواد ظريف لزيارة السعودية. هذا لا يحدث بصورة ميكانيكية. ثمة وسطاء يقومون باتصالات مكوكية، حتى اذا ما زار امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح طهران يوم الاحد، فالمعلومات تتحدث عن حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين. واذا كانت الكويت تتبنى السياسات الهادئة فهي لا شك تراعي الحساسية السعودية حيال ايران، ولا بد ان الزيارة تندرج في اطار سياسة فتح الابواب التي اوصدت بالكامل منذ اندلاع الازمة السورية قبل اكثر من ثلاث سنوات. وحين يلتقي محمد جواد ظريف والامير سعود الفيصل، وبالطبع سيلتقي شخصيات تتولى مناصب اساسية في المملكة، فالمتوقع، وكما تشير المعلومات الديبلوماسية، ان يتم التركيز على احداث مناخ سيكولوجي يمكن ان يفضي الى تفكيك للأزمات او الى تفكيك اجزاء منها، فالسعوديون يريديون الحد من تمدد الحوثيين الذين باتوا يرابطون على تخوم صنعاء، كما انهم يفضلون اي رجل آخر على رأس الحكومة في بغداد غير نوري المالكي. ماذا عن الملف السوري؟ الثابت ان السعوديين ينظرون بقلق الى انتشار تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، وكذلك الى انتشار جبهة النصرة. لكنهم مثلما يريدون اجتثاث هذه المجموعات من سوريا يريدون ايضاً اجتثاث النظام. مثل هذا الامر غير وارد البتة بالنسبة الى الايرانيين، ولا الى الروس الذين قاموا بالخطوات الاولى في اتجاه بناء التكتل الاوراسي الذي اعلن استعداده لقبول انضمام ايران اليه، مع الرغبة في الوصول الى المياه الدافئة في المتوسط.   لا مجال للبحث في تفكيك الازمات بين السعوديين والايرانيين وحدهم لان ملفات المنطقة دخلت في آليات الصراع ان حول النظام العالمي الجديد او حول الفوضى العالمية الجديدة. الى حد كبير يمكن الغوص في القضية اليمنية، والى حد محدود في القضية العراقية، اما بالنسبة الى القضية السورية فثمة حارس روسي يقف عند الباب. السعوديون يدركون ذلك. لا شك انهم يرغبون في رؤية نظام حليف في دمشق، مع ان علاقاتهم مع الرئيس بشار الاسد قد تحسنت كثيراً قبل كانون الثاني 2011 واسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري على ذلك النحو الدراماتيكي. ولان ذلك مستحيل، فهم يسعون لاقامة توازن على الارض يمكنهم من الضغط في اتجاهات معينة. بيد ان الايرانيين، وكذلك الروس، يعلمون بدقة مدى التناقض بين الرياض والدوحة، وبين الرياض وانقرة حول الوضع في سوريا. هذا يعني بكل بساطة انه اذا كان السعوديون يبغون وقف الدم في سوريا ما عليهم الا العودة التدريجية الى التعاطي مع النظام. بطبيعة الحال، هناك من يعتبر ان هذا الطرح رابع المستحيلات في الظروف الراهنة. لا بد من تحقيق شيء ما على الارض. شيء ما؟ ينصح الايرانييون وينصح الروس بان تتوقف لعبة حرق الاصابع من خلال الرهان على الصواريخ الاميركية، لان اسلحة روسية متطورة جداً في طريقها الى الجيش السوري. لا داعي لتقليد سيزيف لان صخرته لن تصل الى الاعلى، ولا داعي لتقليد دونكيشوت ضنا بالدم، وبالانين و(بالصراخ) في سوريا!

المصدر : الديار /نبيه البرجي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة