دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عناوين أربعة أصرت وأبت وأقسمت أنها لن ترتضي إلا أن تكون جزءًا من مقالة اليوم، قد أكون عنيداً مقاوماً في غير جبهات أو مناسبات، إلا انني ضعيفٌ أمام العناوين التي تقتحم صالات العقل وتتصدر مدرجاته وتتسيد برنامج حفله الكتابي، قررت أن أهبها بكل الطيبة التي في خاطري .. ما أرادت، حتى لو اضررت لإنتقاء عنوان يصب في عموميات الأزمة السورية ولا يأخذ منحًى تخصصي ، على قاعدة إيماني بأن بعض المواضيع والعناوين ترفض أن يصيبها القدم، وتأبى أن تكون مائدةً يأكل الزمان عليها ويشرب، لأنها تزين صدر الزمان بلآلئها وبريقها وتفردها، و تبني في الدماغ برضاه وسروره ونشوته وترحيبه .. مستوطناتٍ دونما إحتلال .. .
التاريخ يعترف : الحرب على سورية .. اعجازٌ في السلبيات وتفردٌ في الجنون
لا يمل التاريخ من إعادة وتكرار بعض أحداثه ووقائعه وفصوله وهو اليوم أنشط ما يكون على الساحة السورية ، مبحراً في الماضي العتيق وباحثاً عن شبيهات الحالة السورية ومنقباً عن مثيلاتها ، لكنه يبدو اليوم كمن أعياه البحث وأضناه التنقيب وأتعبه التقصي، حتى يأتينا مسلماً مستسلماً ليقول : لدي بعض أشباهٍ للحالة السورية لكن دفاتري القديمة والجديدة لا تحتوي ما يماثلها وينطبق عليها ، ففي كل ما حيك من مؤامرات عبر التاريخ لم يجتمع هذا العدد الهائل من الدول والحكومات وأجهزة الإستخبارات والجيوش النظامية التي تتكفل بالتسليح والتدريب لجيوشٍ أخرى أو قطعانٍ من الإرهابيين المرتزقة ، وهذا العدد الهائل من داعرات الإعلام، فضائيات وإذاعات وصحف ومجلات.. وصحافة إكترونية و مواقع تواصل وتنسيقيات، ضد دولةٍ بعينها وشعبٍ بعينه وقائدٍ بات أمر إسقاطه الهدف الخبيث المعلن والشغل الشاغل والحلم المستحيل لعقول فحول وعجول وضباع ونعاج هذا الحلف … . وليردف والخجل يغرق وجه : لم أشهد أو أدون يوماً حرباً كونية بهذا الجنون، تتدافع فيها أجهزة مخابرات عشرات الدول لممارسة فعل التآمر ضد بلد واحد ، وتتنافس فيها الموسسات الدولية “الأممية ” ومئات التنظيمات والجمعيات “الإنسانية والدينية ” التي تمارس الإرهاب بإسم الدين ،، والكفر بإسم الإيمان ، والزندقة الفكرية بإسم الدعوة للحرية والعدل والمساواة، يعتذر التاريخ من قراءه الأحياء ويطأطأ رأسه سلفاً أمام الأجيال القادمة ،، وقد أسقط في يده وتملك منه العجز وهاله هول وفداحة حالة الفصام الأخلاقي، والجذام الفكري، و”الجرب الإئتلافي “، والإنسانية الغارقة والمشبعة بالإيدز الثوري عند فريق أدعياء الحرية والعدل والمساواة والديموقراطيات التي تمتطى كما تمتطى الحمير والبغال والبعير . لكنه التاريخ ، لا يرتضي مفارقة الحاضر قبل أن يضع بين أيادينا أنموذجاً للجانب المضيء لحالات مشابهة إكتنزها في خزائنه ، وهو اليوم يستعد لنحت وحفر خزائن جديدة في أعماق الوجدان تتسع لمساحة الودائع السورية المضيئة وترقى لمستوى عظمتها وعلوها ورفعتها .. إنها بطولات جيش هذا الوطن ،، إنها عمليات “أورانوس” وأخواتها.. .
هل كانت البداية من حمص القديمة ؟
بات معلوماً لكل ذي عقل يعمل على قواعد المنطق والبداهة أن ما كان وما تحقق في حمص القديمة، ما كان له أن يكون لولا ما كان قبله، لولا ما كان في بابا عمرو والقصير بشكل خاص، وعلى طول الشريط المسافر نحو عاصمة الأبدية دمشق .. من قارة إلى معلولا مروراً بديرعطية والنبك ويبرود ، وما كان له أن يكون لولا الصمود الأسطوري على أسوار العاصمة وإحراق رايات
و شعارات كل الغزوات المتتالية التي أرادت النيل من علا ومجد وكرامة وشموخ قاسيون .. إحراقها مع الأحلام التي دغدغت عقول “زعامات حلف العدوان على سورية” أحلام السقوط المأمول والمرتجى ، ونثر رمادها في مجارير الصرف الصحي لغوطة دمشق . ولكن ، ولأن مفردات الحق ترفض أن تبقى سجينة دونها النطق، فإن ما تسر به سماء حمص و تهمس به حجارتها العتيقة، كان عزفاً مجلجلاً للنشيد الذي حفظته ذرات التراب كما خلايا أدمغة كل وطنيي هذا الوطن العظيم ، جاء العزف ليعلن أن السماء والتراب والهواء والحجارة العتيقة كانت شاهدةً جميعها على ملحمةٍ فريدة تقول جزئياتها أن أشلاء ما يسمى “بالثورة السورية” قد غادرت المدينة زحفاً على بطنها بعد أن جرجرت من ذيلها في الأزقة والساحات التي كانت في الأمس مسرحاً لدموية وإجرام و بدائية وهمجية ووحشية أزلامها وقتلتها ، وأن وجهها القميء مرغ بالوحول قبل أن تقطر آليات الدولة السورية الوطنية تلك الأشلاء نحو حتفها المنتظر في “الدار الكبيرة” وتخلص المدينة وأهلها من تلك النفايات – المدينة التي تستعد اليوم للعب دور حجر الأساس في دعم ورفد غير جبهات و تخليصها من ثوار الكفر، ولن يعيدها تفجيرٌ إرهابي من ماركة الكفر بالرب والأرض والبشر كتفجيري الأمس القريب بأي حال من الأحوال .. إلى حضن الثورة الداعرة .. .
” أورانوس ” وإنتصار ما بعد الحصار
في أواخر صيف عام 1942 بدأ هتلر بجيشه النازي غزوته الجنونية ضد مدينة ستالينغراد السوفيتية ، ورصد للمعركة “الجيشين الرابع و السادس ” مدعمين بعشرات الآلاف من القطع العسكرية مابين طائرات محاربة وقاذفات قنابل ودبابات ومدرعات ومدافع، سرعان ما أتى الهجوم أكله ، وكانت السيطرة شبه المطلقة للجيش النازي على المدينة المحاصرة خلال أسابيع ، لكن الجيش الأحمر أعلن بعد أشهر قليلة عملية “أورانوس” لفك الحصار عن طريق الحصار !! ، وعلى القاعدة العسكرية “فك الحصار بإتباع تكتيك حصار الحصار”، كان للجيش الأحمر في نهاية المطاف ما أراده ، و حرر المدينة المحاصرة و فك قيودها بمفاتيح صنعت من سكب دماء من سقط دفاعاً عنها في ساحاتها و أزقتها كما على أسوارها من خارجها بإتجاه الداخل . التاريخ يعيد نفسه في حلب، المدينة التي ضاهى صمودها مأثرة “ستالينغراد”، ولا يهمنا هنا إن كانت الصدفة هي من تكفل بهذا الشبه المغرق في الحالتين ، أم أن التنسيق العسكري المخابراتي الروسي مع محور المقاومة وعرينه الدمشقي هو من استوجب إعتماد هذا التكتيك العسكري الناجع في مقاومة الحصار وإسقاطه . في كلتا الحالتين يعود الفضل أولاً وأخيراً لقامات الأبطال التي تنفذ الخطط العسكرية ، تلك التي لونت التراب بدمائها وجبلته بخلاياها الطاهرة، كما تلك التي نحلت أجسادها وما وهنت عزائمها ، التي هزمت الجراح والنزف و البرد والجوع والعطش بجبروت مقاتلٍ من الطراز الفريد ، مقاتل سوري .. وكل الفخر …
كتبت منذ ما يزيد عن عام ونصف مقالاً بعنوان “في حلب تتزوج القلاع .. وتنجب قلاعاً “. ها هو اليوم الحصن السجين ، أو السجن الحصين، يتحول إلى قلعةٍ حلبيةٍ جديدة يفرد لها الزمان صفحاتٍ مذهبة مزينة بالغار والرياحين. على أسوار الحصن السجين كانت واقعة تماهي دماء وعرق الجنود والحراس مع بعض من يفترض أنهم سجناء ، السجناء الذين خلع حسهم الوطني عن كاهلهم وزر ما ارتكبوا و أبت العقوبات إلى أن ترحل عن سجلاتهم ليتحولوا في لحظة فخار إلى داعمين ومساندين لعناصر حامية السجن من خلال دفاعهم عن الوطن السوري أولاً وأخيراً … .
تقول السماء الحلبية أن الكوكب “أورانوس” كان يحلق في فضاءات ما حول السجن المركزي ،، وأن عمليات حصار الحصار التي انتشرت على مساحة التراب السوري حطت بعضاً من رحالها في محيط حلب و مدارات سجنها المركزي. وتنبأ بأن لغير جبهاتٍ محاصرة مواعيد مقدسة مع “أورانوس “أو أحد إخوته أوأخواته ، وتؤكد أنها ستذكرنا بهذا الوعد ساعة يأتي زمن الوفاء به .. وتهمس بأن الفرقة 17 لن يطول انتظارها ، حالها حال مساكن عدرا العمالية . يقسم العشرات ممن أطلت عيونهم على الصور وعلى المكان أنهم رؤوا بأم أعينهم .. ملائكةً تلبس البدلات المموهة ، ملائكةٌ يشع من وجهها الشاحب نورٌ إلهي ، و يهطل المجد معطراً بعرق الكرامة ومزيناً بغبار الشرف .. على شكل لحى، وتنزوي كل لغات الكون في حضرة قداستها ، يقسم آخرون أنهم سمعوا في المكان همس الوجدان والضمير ، يتفقان ويتعاهدان أن يكون المكان ، و ملائكة المكان ، على مر الزمان ، جوهرةً تزين تاريخ الأمة ، أمةٌ .. حراسها ملائكة . سجن حلب المركزي .. من قال أن الأساطير لا تتوالد ، هنا على هذه الأرض باتت المعجزات والأساطير خبز أهلها وماءهم وهواءهم ، وبات الجسد والروح لا يتسعان معاً لذلك الإحساس الجارف الذي يجتاحهما فخراً بأن صاحبهما .. ينتمي لذات الأمة .. الأمة السورية . المجد لها و النصر ..
بين تأهب “أسودهم” وعرين أسودنا .. كيف يرد السوريون ؟
بات واضحاً لكل من يقرأ ألف باء السياسة أن قرار المليك الأنغلو-أعرابي “عبد المأمور” بإبعاد السفير السوري الأستاذ بهجت سليمان عن أراضي مملكة السيد المطيع ، لم يكن بعيداً عن مشهديات التقدم الميداني للجيش السوري بمحاذاة الحدود مع الأردن كما مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، وأن حالة الجهوزية الواضحة التي أعلنت عنها انتصارات هذا الجيش العظيم والتي ترافقت مع تثبيط وخنق ووأد كل الآمال المرتجاة بتسخين جبهة الجنوب وإشعال فتيل مواجهة عسكرية شاملة على طولها.. قد فرضت حالة من التيه السياسي والضياع الإستراتيجي والسباحة عكس التيار والتخبط التخطيطي على قيادة حلف العدوان على سورية ، فكان القرار الأحمق الذي أسقط ورقة التوت المهترئة التي غطت حتى الأمس القريب عورة الملك – أمام بعض شعب المملكة وليس أمام الشعب السوري – ، كان لافتاً حد الوضوح تزامن القرار مع المناورات الصهيونية متعددة الجنسيات “الأسد المتأهب” التي تتشابك فيها العسكرة بالعمل المخابراتي التجسسي اللوجستي خدمةً للجماعات المعتدلة إرهابياً ، حتى لو كان الهدف المعلن هو غير ذلك – إذ يؤمن أعضاء هذا الحلف العدواني أن بعض الجماعات الإرهابية معتدلة في دمويتها ووحشيتها وجنونها ..
تلك كانت أيضاً خلاصة تقرير “مؤتمرأصدقاء الشعب السوري” – ، تلك الخلاصة كانت القاعدة التي إستند إليها “أوباما” عند إقراره المضي إلى مدًى أبعد في تسليح الجناح الإرهابي المعتدل في المعارضة السورية ، وهو الإعلان الذي فرض على جربا الائتلاف وصحبه أن يبدؤوا حفلات النفير والتهليل والتبشير بقرب تغير الحال وقلب المعادلة العسكرية والميزان العسكري في الميدان بعد توقع هطول أمطار السلاح النوعي على أوكار إرهابييه – وكأن فصائل الإرهاب التي يصعب حصرها وتعدادها لا تملك منذ زمن ليس بقصير .. صواريخ كورنيت، وكونكورس ، وتاو ، المضادة للدروع !! ، المناورات سبقتها مناورات “جنيفر كوبرا” التي نفذها جيش الإحتلال الصهيوني بالإشتراك مع الجيش الأمريكي .. المدافع عن الأمن والأمان والسلم والسلام العالميين !! . بقدر ما يثير موقف حكومة الملك الأردني غضب الشارع السوري بقدر ما يشعر أصحاب ذات الشارع بالشفقة على بعض الشعب الأردني الذي باتت أرضه مسرحاً للتآمر على الوطن السوري ومنطلقاً لتدريب وتسليح الإرهابيين الوافدين من الجنوب بإتجاه العاصمة دمشق بشكل خاص. ليس من مبرر للتساؤل عن مغزى التأهب وأهدافه الحقيقية ووجهته في مرحلة ما بعد الجاهزية، ولا مبرر للتفكير بعلاقة المناورات، و قرار إبعاد السفير الأستاذ بهجت سليمان، بالتقدم التي يحققه الجيش السوري الأبي على طول الجبهة الجنوبية، سيما في “نوى” التي أقلقت إنتصارات الجيش السوري فيها قيادة جيش الإحتلال الإسرائيلي، القلق الذي يبدو مبرراً إن علمنا أن جهاز الموساد ووحدات من جيش الإحتلال كانت غارقة في وحول الجنوب السوري ولا زالت ، تسليحاً ودعماً لوجستياً .. وفي بعض الأحيان قيادةً .. وسوقاً لقطيع العصابات الإرهابية التكفيرية، والأهم إن علمنا أن يقظة أبطال الجيش السوري وحزب الله أسقطت الجدران الإستنادية لوهم إقامة شريط عازل “لحدي” على الحدود مع الكيان الصهيوني …
لا مبرر للتساؤل لأن تلك باتت حقائق يدركها أطفال سورية قبل شبابها وشيبها، ولأن تلال الجنوب السوري وأسلاك الشريط الحدودي باتت تعلن عنها كل يوم. لكن كريات الدم السوري النقي تأبى إلا أن تهدر وتسجل على صدر الزمان صرخةً حمراء مدوية تنبأ حلف العدوان، “سادةً” وأزلاماً وخدماً وعبيد، بأن العرين تحميه أسوده، الأسود التي تسجل على مدار سنواتٍ ثلاث ونيف مجداً لا تطاله أشباه الأسود المتأهبة و لا ترتقي لعلاه قامات الأقزام والصعاليك. للسوريين طريقتهم في الرد .. طريقةٌ خبرتها أرواح أعداء هذا الوطن، لكنهم اليوم يداً بيد ليس بالرصاص والنار وحدهما يردون ،، أدركوا بحسهم الوطني العالي أن أبلغ رد يخشاه ويتحسب له أعداء الوطن جميعهم .. هو إنتخاب المواطن للوطن السوري ، وبصمة الدم التي يعاهد من خلالها أحدهم تراب الوطن على الوفاء – لم يكن مدهشاً أيضاً استباق القرار الملكي الأنغلو-هاشمي للإنتخابات الرئاسية السورية عبر السفارة السورية في عمان ،، هنا كان الهدف و المقصد خبيثاً لكنه والحق يقال .. واضح كما شمس حزيران . السوريون هذه الأيام ينحازون لذواتهم، لأرواح آبائهم وأجدادهم، لله الساكن بعضه في سماءات دمشق، لضوع الياسمين يعطر الهواء السوري ، ولدم الشهداء يزين التراب السوري بمزيدٍ من القداسة .. إن كان التاريخ يحتسب للجيش الأحمر مجد وفخر وعظمة فكه الحصار عن “ستالينغراد” من خلال عملية “أورانوس” ، فإنه .. المجد .. لا شك يجهد على مدار صباحات ومساءات أعوامٍ ثلاث في حجز المزيد من صفحات الكرامة والعز و البطولة ليسجل ملكيتها الحصرية لشعبٍ أبى الإباء إلا أن يكون أباه وإبنه .. وجيشٍ ما أعلن عن عمليةٍ لفك الحصار إلا وكان له النصر فيها ، كم من أخوات أورانوس سجلت على هذه الأرض الفريدة العظيمة ؟؟ . جيشٌ .. كان عهد أبطاله أنهم، ينتمون لوطنٍ أسموه إلهاً، رسموه عزاً وجاهاً، دثروا به قلوبهم وشاحاً، تأبطوا عشقه زاداً وسلاحاً .. وسقوا بطهر دمائهم ثراه. المجد لهم، والمجد لها من خلالهم .. سورية .
المصدر :
نمير سعد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة