بمبادرة من وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، قدمت فرنسا إلى مجلس الأمن مساء يوم الخميس الماضي مشروع قرار يرمي إلى إحاطة المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم التي ارتكبت في سورية. وقد أوضح السيد فابيوس أن مشروعه «يشمل كل الجرائم التي ارتكبت في سورية، كائناً من كان الفاعل».

لذا، فهي منذ إنشائها عام 2002، وعلى الرغم من تمتعها بصلاحيات دولية، إلا أنها لم تصدر من أصل عشرين قضية تولتها، سوى ثمانية أحكام إدانة بحق مسؤولين كلهم من أصول أفريقية، ومعارضين للغرب.

لهذا السبب، قررت قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت في تشرين الأول 2013 عدم الالتزام بتعهداتها إزاء المحكمة الدولية، حين يتعلق الأمر بملاحقة رؤساء دول على رأس عملهم.

من جهتي، تقتصر تجربتي على المحكمة بالحالة الليبية.

بناء على طلب من مجلس الأمن، قرر المدعي العام للمحكمة ملاحقة كل من معمر القذافي، وابنه سيف الإسلام، وشقيق زوجه عبد اللـه السنوسي، بتهمة قيامهم بذبح عشرات الألوف من خصومهم. ونظرا لتمتع المحكمة بإمكانات هائلة، فقد صرح المدعي العام آنذاك بأنه يملك الأدلة على ادعائه.

في الواقع، كانت أدلة المدعي العام تستند في مجملها إلى ما تنشره الصحافة الغربية من تقارير صحفية.

مع ذلك، كان بوسع أي شخص حسن النية يعيش في ليبيا آنذاك أن يؤكد أن هذه الجرائم لم ترتكب مطلقاً.

وهكذا، كان عليّ أن أبحث مطولا، ودون جدوى في أحياء العاصمة طرابلس عن أنقاض أحياء دمرها «قصف الطيران الحربي التابع للنظام»، لكنني لم أعثر على أي أثر لدمار أحدثه هذا القصف الوهمي الذي أدانه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمنتهى القوة والحزم، والذي كان السبب في تسويغ التفويض الممنوح من مجلس الأمن لقوات حلف شمال الأطلسي.

ثم بعد ذلك، وجه المدعي العام للعقيد القذافي تهمة تزويد جنوده بحبوب الفياغرا كي يقوموا باغتصاب نساء معارضيه. وقدم المدعي العام أرقاما عن كميات هذه الحبوب من الفياغرا التي وزعت على الجنود دون أن يحتاط إلى مسألة أنها تتجاوز الإنتاج العالمي من هذه الحبوب، ثم في ظل عدم العثور على ضحايا، فقد تم بكل بساطة حذف تهمة الاغتصاب الجماعي.

لكن الأكثر سخافة هو ما حصل بعد سقوط العاصمة طرابلس بيد قوات الأطلسي، حين أكد المدعي العام أمام وسائل الإعلام العالمية بتاريخ 21 آب أنه تم إلقاء القبض على سيف الإسلام، حيث تجري عمليات تنظيم ترحيله إلى لاهاي.

في الوقت الذي كنت أصغي فيه إلى تصريح المدعي العام على شاشة التلفزيون، كان سيف الإسلام وقتذاك في غرفة مجاورة لغرفتي في فندق ريكسوس.

باعتقادي أن المدعي العام قد اخترع هذه القصة لكي يحطم معنويات الشعب الليبي ويساعد قوات الأطلسي على متابعة غزوها لباقي أنحاء البلاد.

بالمحصلة، لم يتم توقيف سيف الإسلام إلا بعد ثلاثة أشهر، في 19 تشرين الثاني.

بالتأكيد، كان معمر القذافي يلجأ طوال اثنتين وأربعين سنة من السلطة إلى الاغتيال السياسي لمعارضيه، الإمام موسى الصدر على سبيل المثال، لكنه لم يرتكب قطعاً أياً من الجرائم التي سعت المحكمة الجنائية الدولية إلى مقاضاته بشأنها. كانت هذه الجرائم اختراعا صافيا من البروباغندا الغربية من أجل تبرير غزو ليبيا.

بوسع أي شخص أن يستنتج الآن بعد عامين من إعدام القذافي على يد الغرب، أن أحداً لم يعد يأتي على ذكر هذه الجرائم الخيالية.

نعم، يجب محاكمة كل مرتكبي الجرائم في سورية، لكن من غير الممكن أن يتحقق ذلك الأمر من خلال محكمة هي في خدمة من يهاجمون البلد ويغتالون شعبه.

يجب بالدرجة الأولى محاكمة ممولي هذه الحرب. عناوين هؤلاء معروفة سواء في واشنطن، أو لندن، أو باريس، وأنقرة والدوحة والرياض. بعضهم يمول حتى أنشطة المحكمة الجنائية الدولية.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-25
  • 14643
  • من الأرشيف

المحكمة الجنائية الدولية والإمبريالية ....بقلم: تيري ميسان

بمبادرة من وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، قدمت فرنسا إلى مجلس الأمن مساء يوم الخميس الماضي مشروع قرار يرمي إلى إحاطة المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم التي ارتكبت في سورية. وقد أوضح السيد فابيوس أن مشروعه «يشمل كل الجرائم التي ارتكبت في سورية، كائناً من كان الفاعل». لذا، فهي منذ إنشائها عام 2002، وعلى الرغم من تمتعها بصلاحيات دولية، إلا أنها لم تصدر من أصل عشرين قضية تولتها، سوى ثمانية أحكام إدانة بحق مسؤولين كلهم من أصول أفريقية، ومعارضين للغرب. لهذا السبب، قررت قمة الاتحاد الإفريقي التي انعقدت في تشرين الأول 2013 عدم الالتزام بتعهداتها إزاء المحكمة الدولية، حين يتعلق الأمر بملاحقة رؤساء دول على رأس عملهم. من جهتي، تقتصر تجربتي على المحكمة بالحالة الليبية. بناء على طلب من مجلس الأمن، قرر المدعي العام للمحكمة ملاحقة كل من معمر القذافي، وابنه سيف الإسلام، وشقيق زوجه عبد اللـه السنوسي، بتهمة قيامهم بذبح عشرات الألوف من خصومهم. ونظرا لتمتع المحكمة بإمكانات هائلة، فقد صرح المدعي العام آنذاك بأنه يملك الأدلة على ادعائه. في الواقع، كانت أدلة المدعي العام تستند في مجملها إلى ما تنشره الصحافة الغربية من تقارير صحفية. مع ذلك، كان بوسع أي شخص حسن النية يعيش في ليبيا آنذاك أن يؤكد أن هذه الجرائم لم ترتكب مطلقاً. وهكذا، كان عليّ أن أبحث مطولا، ودون جدوى في أحياء العاصمة طرابلس عن أنقاض أحياء دمرها «قصف الطيران الحربي التابع للنظام»، لكنني لم أعثر على أي أثر لدمار أحدثه هذا القصف الوهمي الذي أدانه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بمنتهى القوة والحزم، والذي كان السبب في تسويغ التفويض الممنوح من مجلس الأمن لقوات حلف شمال الأطلسي. ثم بعد ذلك، وجه المدعي العام للعقيد القذافي تهمة تزويد جنوده بحبوب الفياغرا كي يقوموا باغتصاب نساء معارضيه. وقدم المدعي العام أرقاما عن كميات هذه الحبوب من الفياغرا التي وزعت على الجنود دون أن يحتاط إلى مسألة أنها تتجاوز الإنتاج العالمي من هذه الحبوب، ثم في ظل عدم العثور على ضحايا، فقد تم بكل بساطة حذف تهمة الاغتصاب الجماعي. لكن الأكثر سخافة هو ما حصل بعد سقوط العاصمة طرابلس بيد قوات الأطلسي، حين أكد المدعي العام أمام وسائل الإعلام العالمية بتاريخ 21 آب أنه تم إلقاء القبض على سيف الإسلام، حيث تجري عمليات تنظيم ترحيله إلى لاهاي. في الوقت الذي كنت أصغي فيه إلى تصريح المدعي العام على شاشة التلفزيون، كان سيف الإسلام وقتذاك في غرفة مجاورة لغرفتي في فندق ريكسوس. باعتقادي أن المدعي العام قد اخترع هذه القصة لكي يحطم معنويات الشعب الليبي ويساعد قوات الأطلسي على متابعة غزوها لباقي أنحاء البلاد. بالمحصلة، لم يتم توقيف سيف الإسلام إلا بعد ثلاثة أشهر، في 19 تشرين الثاني. بالتأكيد، كان معمر القذافي يلجأ طوال اثنتين وأربعين سنة من السلطة إلى الاغتيال السياسي لمعارضيه، الإمام موسى الصدر على سبيل المثال، لكنه لم يرتكب قطعاً أياً من الجرائم التي سعت المحكمة الجنائية الدولية إلى مقاضاته بشأنها. كانت هذه الجرائم اختراعا صافيا من البروباغندا الغربية من أجل تبرير غزو ليبيا. بوسع أي شخص أن يستنتج الآن بعد عامين من إعدام القذافي على يد الغرب، أن أحداً لم يعد يأتي على ذكر هذه الجرائم الخيالية. نعم، يجب محاكمة كل مرتكبي الجرائم في سورية، لكن من غير الممكن أن يتحقق ذلك الأمر من خلال محكمة هي في خدمة من يهاجمون البلد ويغتالون شعبه. يجب بالدرجة الأولى محاكمة ممولي هذه الحرب. عناوين هؤلاء معروفة سواء في واشنطن، أو لندن، أو باريس، وأنقرة والدوحة والرياض. بعضهم يمول حتى أنشطة المحكمة الجنائية الدولية.

المصدر : الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة