أسدل الستار أمس عن فصل، ظل لفترة طويلة «محورياً» في حكاية الحرب السورية. بناء قديم صمد لأكثر من عام ونصف العام، وتصدى لعشرات الهجمات، وعاش من فيه أشهراً من الجوع والعطش، فتحول إلى «أسطورة» في سورية التي تعيش وقائع حرب دامية أزهقت، وما زالت تزهق الأرواح يومياً، فكيف صمد سجن حلب المركزي؟.

مع نهاية العام 2012، تمكن المسلحون من السيطرة على مدرسة المشاة في شمال حلب، وهي كانت تعتبر خط الدفاع الأول أمام هجمات المسلحين الذين يسيطرون على الشمال السوري الممتد إلى تركيا.

هجمات عديدة تعرضت لها المدرسة قبل أن تسقط في كانون الاول العام 2012، تاركة خلفها السجن المركزي المحاذي وحيداً في البقعة التي يسيطر المسلحون على كل محاورها، لتبدأ بعدها حكاية السجن، الذي تحول إلى نقطة رصد لأية تحركات في محيطه، قاطعاً بذلك احد أهم خطوط الإمداد للمسلحين من الحدود التركية إلى مدينة حلب.

إلا أنه ومع مرور الأيام، بدأ المسلحون يضيقون الخناق على السجن، الذي كان يضم حينها نحو 4500 سجين، وعددا كبيرا من الحراس، انضم إليهم بعض الجنود الفارين من مدرسة المشاة.

«لم تمض إلا أسابيع قليلة على سقوط مدرسة المشاة، حتى تمكن المسلحون من السيطرة على مخيم حندرات المواجه للسجن. ضاق الخناق أكثر. قطعت خطوط التواصل بين السجن ومدينة حلب، وأصبح محاصراً من جميع الجهات»، يقول أحد عناصر حماية السجن، خلال حديثه إلى «السفير». ويضيف: «شعرنا حينها بالخطر يقترب، خصوصاً أن مدرسة المشاة سقطت قبل فترة وجيزة»، موضحا: «بدأ الحديث عن تحرك عسكري كبير لإعادة فتح الطريق نحو السجن».

لم تمض فترة وجيزة على سيطرة المسلحين على مخيم حندرات حتى شن الجيش السوري حملة واسعة على المخيم، تمكن خلالها من تثبيت قواعد له في المخيم، وفي مبنى مستشفى الكندي، الذي تعرض لعملية نهب واسعة بعد دخول المسلحين إليه، إلا أن هذه الحال لم تدم طويلاً، ففي نيسان العام 2013 تمكن المسلحون، الذين ينتمون الى «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، من إعادة السيطرة على مخيم حندرات، ليصبح مبنى مستشفى الكندي محاصراً بدوره، وتقطع كل خطوط الإمداد نحو السجن، ليبدأ بعدها الحصار يشتد تدريجياً، مع انعدام قدرة الحكومة على إيصال المساعدات عبر الطوافات التي كانت تتعرض لمحاولات إسقاط من جهة، وبسبب عدم قدرة عناصر حماية السجن على التحرك في مناطق واسعة لالتقاط المساعدات.

«مع دخول فصل الصيف تدريجياً، بدأ الوقود ينفد. المياه كانت مقطوعة حينها، وكذلك التيار الكهربائي، حيث كنا نعتمد على الوقود لتشغيل مضخات المياه»، يشرح المصدر. ويتابع: «بدأ الغذاء ينفد بدوره، حاله كحال الأدوية التي نفدت، كثير من السجناء كانوا بحاجة إلى الأدوية، بعضهم كان يعاني مرض السكر، وآخرون كانوا يعانون من أمراض القلب، بدا الوضع كارثياً». مع اشتداد الحصار بدأ سجناء يرسلون نداءات استغاثة الى المنظمات الدولية، إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً في البداية، حيث فارق بعضهم الحياة بسبب نقص الغذاء والدواء، بالتزامن مع بدء المسلحين هجمات عديدة على السجن بهدف السيطرة عليه.

عشرات الهجمات تعرض لها السجن منذ إطباق الحصار عليه، بعضها كان عن طريق استهدافه بالقذائف الثقيلة، وأخرى عن طريق الهجمات البرية والمفخخات، تسببت بمجملها بسقوط نحو 150 شهيداً، تم دفنهم في باحة السجن الخلفية، التي تحولت إلى مقبرة.

أعنف الهجمات التي تعرض لها السجن كانت بعد سيطرة المسلحين على مبنى مستشفى الكندي نهاية العام 2013، حيث تعرض للاستهداف بالرشاشات الثقيلة، بالتزامن مع هجوم بعربة مفخخة، تسببت بتدمير سور السجن، وغرفة كان يتحصن فيها عناصر حمايته عند مدخله، بالتوازي مع تصعيد إعلامي كبير، وصل في كثير من الأحيان لإعلان وكالات أنباء عدة عن تمكن المسلحين من السيطرة عليه، حتى أن «الائتلاف الوطني» المعارض هنأ، في بيان له في شباط الماضي المسلحين على «إنجازهم بالسيطرة على السجن وتحرير السجناء»، إلا أن الوقائع كانت غير ذلك، فالسجن ظل صامداً.

وعن أسباب صموده، يشرح المصدر أن «طبيعة بناء السجن، الذي بني في ستينيات القرن الماضي، يجعله حصناً منيعاً، فهو مبني من الاسمنت المسلح، يعتمد مبدأ الأجنحة، وكل جناح مفصول عن الجناح الآخر ببوابات حديدية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن آلية الدفاع عنه كانت ناجحة، حيث تم توزيع عناصر حمايته بشكل جيد، وتم تحصين جميع الطرق المؤدية إليه من جهة أخرى، الأمر الذي حال دون سقوطه».

ومع وصول الجيش السوري إلى السجن فجر أمس، ضمن العملية العسكرية التي بدأت في تشرين الثاني الماضي، بسيطرة الجيش على مدينة السفيرة، تطوى صفحة السجن الذي أبى أن يسقط، كما تطوى معه معاناة النزلاء الذين عانوا خلال الأشهر الماضية الجوع والعطش والحرمان، رغم محاولات الهلال الأحمر السوري التخفيف عنهم، خلال زياراته السريعة للسجن في أشهر حصاره.

إذا فسجن حلب الآن آمن، الطريق إليه مؤمنة، نزلاؤه باتوا بخير. «تناولنا صباح اليوم (أمس) الفطور مع عناصر الجيش»، يقول أحد عناصر حماية السجن، مضيفا: «طلب من جميع الحراس أن يستعدوا لمغادرة السجن، حيث سيتم استبدالنا بحراس آخرين، وسنزور نحن أسرنا». ويتابع: «كان عاماً طويلاً جداً، أظن أن ابني أصبح شاباً، كم اشتقت له»، يقاطعه عنصر آخر: «كثير من السجناء ينتظرون أيضاً أن يزورهم أقرباؤهم… لقد صمدنا وانتصرنا، سنزور أقرباءنا، ونعود».

  • فريق ماسة
  • 2014-05-22
  • 12778
  • من الأرشيف

هكذا صمد سجن حلب: من أين جاءت الأسطورة؟

 أسدل الستار أمس عن فصل، ظل لفترة طويلة «محورياً» في حكاية الحرب السورية. بناء قديم صمد لأكثر من عام ونصف العام، وتصدى لعشرات الهجمات، وعاش من فيه أشهراً من الجوع والعطش، فتحول إلى «أسطورة» في سورية التي تعيش وقائع حرب دامية أزهقت، وما زالت تزهق الأرواح يومياً، فكيف صمد سجن حلب المركزي؟. مع نهاية العام 2012، تمكن المسلحون من السيطرة على مدرسة المشاة في شمال حلب، وهي كانت تعتبر خط الدفاع الأول أمام هجمات المسلحين الذين يسيطرون على الشمال السوري الممتد إلى تركيا. هجمات عديدة تعرضت لها المدرسة قبل أن تسقط في كانون الاول العام 2012، تاركة خلفها السجن المركزي المحاذي وحيداً في البقعة التي يسيطر المسلحون على كل محاورها، لتبدأ بعدها حكاية السجن، الذي تحول إلى نقطة رصد لأية تحركات في محيطه، قاطعاً بذلك احد أهم خطوط الإمداد للمسلحين من الحدود التركية إلى مدينة حلب. إلا أنه ومع مرور الأيام، بدأ المسلحون يضيقون الخناق على السجن، الذي كان يضم حينها نحو 4500 سجين، وعددا كبيرا من الحراس، انضم إليهم بعض الجنود الفارين من مدرسة المشاة. «لم تمض إلا أسابيع قليلة على سقوط مدرسة المشاة، حتى تمكن المسلحون من السيطرة على مخيم حندرات المواجه للسجن. ضاق الخناق أكثر. قطعت خطوط التواصل بين السجن ومدينة حلب، وأصبح محاصراً من جميع الجهات»، يقول أحد عناصر حماية السجن، خلال حديثه إلى «السفير». ويضيف: «شعرنا حينها بالخطر يقترب، خصوصاً أن مدرسة المشاة سقطت قبل فترة وجيزة»، موضحا: «بدأ الحديث عن تحرك عسكري كبير لإعادة فتح الطريق نحو السجن». لم تمض فترة وجيزة على سيطرة المسلحين على مخيم حندرات حتى شن الجيش السوري حملة واسعة على المخيم، تمكن خلالها من تثبيت قواعد له في المخيم، وفي مبنى مستشفى الكندي، الذي تعرض لعملية نهب واسعة بعد دخول المسلحين إليه، إلا أن هذه الحال لم تدم طويلاً، ففي نيسان العام 2013 تمكن المسلحون، الذين ينتمون الى «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، من إعادة السيطرة على مخيم حندرات، ليصبح مبنى مستشفى الكندي محاصراً بدوره، وتقطع كل خطوط الإمداد نحو السجن، ليبدأ بعدها الحصار يشتد تدريجياً، مع انعدام قدرة الحكومة على إيصال المساعدات عبر الطوافات التي كانت تتعرض لمحاولات إسقاط من جهة، وبسبب عدم قدرة عناصر حماية السجن على التحرك في مناطق واسعة لالتقاط المساعدات. «مع دخول فصل الصيف تدريجياً، بدأ الوقود ينفد. المياه كانت مقطوعة حينها، وكذلك التيار الكهربائي، حيث كنا نعتمد على الوقود لتشغيل مضخات المياه»، يشرح المصدر. ويتابع: «بدأ الغذاء ينفد بدوره، حاله كحال الأدوية التي نفدت، كثير من السجناء كانوا بحاجة إلى الأدوية، بعضهم كان يعاني مرض السكر، وآخرون كانوا يعانون من أمراض القلب، بدا الوضع كارثياً». مع اشتداد الحصار بدأ سجناء يرسلون نداءات استغاثة الى المنظمات الدولية، إلا أن أحداً لم يحرك ساكناً في البداية، حيث فارق بعضهم الحياة بسبب نقص الغذاء والدواء، بالتزامن مع بدء المسلحين هجمات عديدة على السجن بهدف السيطرة عليه. عشرات الهجمات تعرض لها السجن منذ إطباق الحصار عليه، بعضها كان عن طريق استهدافه بالقذائف الثقيلة، وأخرى عن طريق الهجمات البرية والمفخخات، تسببت بمجملها بسقوط نحو 150 شهيداً، تم دفنهم في باحة السجن الخلفية، التي تحولت إلى مقبرة. أعنف الهجمات التي تعرض لها السجن كانت بعد سيطرة المسلحين على مبنى مستشفى الكندي نهاية العام 2013، حيث تعرض للاستهداف بالرشاشات الثقيلة، بالتزامن مع هجوم بعربة مفخخة، تسببت بتدمير سور السجن، وغرفة كان يتحصن فيها عناصر حمايته عند مدخله، بالتوازي مع تصعيد إعلامي كبير، وصل في كثير من الأحيان لإعلان وكالات أنباء عدة عن تمكن المسلحين من السيطرة عليه، حتى أن «الائتلاف الوطني» المعارض هنأ، في بيان له في شباط الماضي المسلحين على «إنجازهم بالسيطرة على السجن وتحرير السجناء»، إلا أن الوقائع كانت غير ذلك، فالسجن ظل صامداً. وعن أسباب صموده، يشرح المصدر أن «طبيعة بناء السجن، الذي بني في ستينيات القرن الماضي، يجعله حصناً منيعاً، فهو مبني من الاسمنت المسلح، يعتمد مبدأ الأجنحة، وكل جناح مفصول عن الجناح الآخر ببوابات حديدية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن آلية الدفاع عنه كانت ناجحة، حيث تم توزيع عناصر حمايته بشكل جيد، وتم تحصين جميع الطرق المؤدية إليه من جهة أخرى، الأمر الذي حال دون سقوطه». ومع وصول الجيش السوري إلى السجن فجر أمس، ضمن العملية العسكرية التي بدأت في تشرين الثاني الماضي، بسيطرة الجيش على مدينة السفيرة، تطوى صفحة السجن الذي أبى أن يسقط، كما تطوى معه معاناة النزلاء الذين عانوا خلال الأشهر الماضية الجوع والعطش والحرمان، رغم محاولات الهلال الأحمر السوري التخفيف عنهم، خلال زياراته السريعة للسجن في أشهر حصاره. إذا فسجن حلب الآن آمن، الطريق إليه مؤمنة، نزلاؤه باتوا بخير. «تناولنا صباح اليوم (أمس) الفطور مع عناصر الجيش»، يقول أحد عناصر حماية السجن، مضيفا: «طلب من جميع الحراس أن يستعدوا لمغادرة السجن، حيث سيتم استبدالنا بحراس آخرين، وسنزور نحن أسرنا». ويتابع: «كان عاماً طويلاً جداً، أظن أن ابني أصبح شاباً، كم اشتقت له»، يقاطعه عنصر آخر: «كثير من السجناء ينتظرون أيضاً أن يزورهم أقرباؤهم… لقد صمدنا وانتصرنا، سنزور أقرباءنا، ونعود».

المصدر : السفير /علاء حلبي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة