دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مصادر ديبلوماسيّة تشرح أسباب الدعم الأميركي للمسلّحين في سورية: واشنطن عمدت إلى إغراء الأسد بجملة تقديمات صناع القرار حاولوا الاستمالة فاستخدموا باريس وبعض الخليجيين.
طبيعة الموقف الأميركي من الأزمة السورية بالنظر إلى محوريته في تشبيك العلاقات في منطقة الشرق الأوسط في إطار المصالح العليا للولايات المتحدة في المنطقة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وبداية يمكن القول أن ما يُسمى الثورة السورية قطعت الطريق على تطور العلاقات الأميركية مع سورية تقول مصادر ديبلوماسية عربية، والتي كانت بصدد التطور الايجابي قبيل الحرب عليها بشهور، هذا التطور الذي جاء في إطار تطوير النظام السوري لإستراتيجية إقليمية نشطة ساهمت في مراجعة الولايات المتحدة لسياستها تجاه سورية بتحويلها من «التشدد وفرض العزلة» إلى «الحوار والانخراط» على نحو أعاد لها اعتبارها الإقليمي، بل إن النظام السوري راكم من مصادر القوة وأوراق الضغط ما جعله أكثر قدرة على مواجهة الضغوط الأميركية، فعندما وصل الأسد الابن للحكم في سوريا جاء بخبرات محدودة وعبر شرعية داخلية وخارجية، وتزامن ذلك مع مرحلة دولية اتسمت بالتشدد تجاه دول المنطقة وصلت حد طرح أفكار علنية لعملية إحلال سياسي كما تم بالفعل في العراق، حيث وضعت الخارجية الأميركية سورية بعد أحداث 11 ايلول 2001 على قائمة الدول الراعية للإرهاب وذلك رغم التعاون الذي أبدته الحكومة السوريه مع وكالات الحكومة الأميركية في مكافحـة الإرهاب، وزاد هذا الضـغط بصورة غير مسبوقة تضيف المصادر بعد سقوط نظام صدام في العراق عام 2003، الأمر الذي وصل إلى درجة تصميم الرئيس الأميركي السابق بوش الابن بعد نجاحه في ولايته الثانية في 2004 على الدفع باتجاه التغيير في سوريا في خطوة كانت توحي بأن الإدارة الأميركية لا ترى إستراتيجيتها الجديدة في الشرق الأوسط إلا من خلال عملية «استبدال» سياسي للنظام السوري.
المصادر الديبلوماسية أشارت إلى أن وتيرة هذا الضغط زادت بحسب السفيرة الأميركية في دمشق مارجريت سكوبي على اثر اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري في شباط 2005، ولعبت الإدارة الأميركية دوراً أساسياً في خروج سوريا من لبنان في اذار من العام نفسه، بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 1559 الذي طالب بإنهاء سورية الانسحاب من لبنان، كما ضغطت على النظام السوري عبر التلويح بعصا المحكمة الدولية المكلفة بالتحقيق في قضية اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان، ووصل الضغط إلى تحليق الطيران الإسرائيلي فوق القصر الرئاسي في اللاذقية في 28 حزيران 2006 على خلفية اتهام إسرائيل سوريا بدعم حماس وفصائل المقاومة، ثم تدمير الطائرات الإسرائيلية لموقع «الكبر» بدير الزور في ايلول 2007 بوصفه موقعا سريا للبرنامج النووي السوري، وكذلك توجيه المقاتلات الأميركية ضربات عسكرية إلى مواقع سورية على الحدود العراقية في منطقة البوكمال في تشرين الاول 2008، باعتبارها نقطة عبور رئيسية للمسلحين الأجانب إلى العراق، وقد استطاعت واشنطن فرض عزلة دولية وشكلت حصارا سياسيا محكما على سورية.
أضافت المصادر الديبلوماسية، أن كل هذه الضغوط الأميركية بالتعاون مع حلفائها الإقليميين من محور الاعتدال لم تنجح في إخضاع القيادة الســـورية للمـطالب الأميركية الرئيسية المتعلقة بالملفات الإقليـــمية المهمة، وعندما أعادت الولايات المتـحدة تقييم سياستها تجاه سورية منتصف عام 2007 كانت ترى أن التعاون مع دمشق مفيد في دفع مصالح الولايات المتحدة الأميركية على عدة جبهات بما في ذلك مستقبل العراق واستقراره، وعلى المدى الطويل خلق دولة قابلة للحياة في لبنان، والمساهمة في تحقيق السلام مع إسرائيل – كما اعتقدت الإدارة الأميركية أو كما كانت تعمل – على كافة الجبهات، وإذا تخلت دمشق عن إيديولوجيتها كان يمكن تحجيم نفوذ إيران في المنطقة وخلخلة توازنها الإقليمي، بالإضافة إلى الحاجة إلى التعاون بين سوريا ووكالات الحكومة الأميركية لملاحقة القاعدة وحلفائها، وفي النهاية سيعزز الاشتباك الدبلوماسي والاقتصادي بين سوريا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القوى الإصلاحية في سوريا بما في ذلك أعضاء الطبقات المهنية والتجارية ومن ثم تسريع جهود دمجها في الاقتصاد العالمي.
إلا أن كبار المسؤولين الأميركيين اعترفوا على حد قول المصادر أن سورية في تلك الملفات امتلكت رصيدا كبيرا من المناورة وقدرة فعلية على التأثير، لهذا زاد الارتباط السوري الإيراني وساهمت سورية بقدر كبير في إرباك الحسابات الأميركية في المنطقة وكانت حائلا دون تقدم المخططات الأميركية نحو الشرق الأوسط الجديد، بل شهدت المنطقة تطورات أهمها حرب في لبنان 2006، وأخرى في غزة مطلع 2009، ولم تتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من تحقيق إنجاز عسكري أو سياسي حاسم فيهما بل ثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى تأثير الدور السوري، وتأكد أيضا فشل الإستراتيجية التي اتبعتها إدارة بوش الابن تجاه سوريا منذ عام 2002.
وتكشف المصادر، عن رحلات قامت بها وفود من أعضاء الكونغرس الأميركي ترأستهم رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في آب 2007 إلى سورية والتي عكست حقيقة وجود خلاف داخل أجهزة صنع القرار في الولايات المتحدة تجاه بدائل التعامل مع النظام السوري بين التشدد والعزلة أو التفاهم والتقارب، وقد كان رهان «فرنسا – ساركوزي» على إنهاء العزلة عن سورية مقابل إحداث سورية تقدما في بعض الملفات المعقدة وأولها الملف اللبناني لتبلور سياسة أميركية واضحة، وبدا هذا واضحا خلال مؤتمر الاتحاد من اجل المتوسط الذي عقد في باريس والذي دعا فيه ساركوزي الرئيس بشار الأسد، ثم من خلال زيارة ساركوزي إلى دمشق في 3 ايلول 2008 والتي أعقبها القمة الرباعية في دمشق بين زعماء كل من فرنسا وسورية وتركيا وقطر، ثم مناشدة الرئيس الفرنسي الاتحاد الأوروبي لإنهاء معارضته لعضوية سورية في الرابطة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلي بيع طائرات إيرباص إلى دمشق، وإعطاء الضوء الأخضر لشركتي «توتال ولافارج» لتوقيع صفقات تجارية كبرى مع سورية، وهو ما مهد الطريق لزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى لندن في شهر تشرين الاول من العام نفسه.
ويعد هذا التوجه الأوروبي بحسب المصادر الديبلوماسية تجاه دمشق وموقف الرئيس اللبناني – الذي دعا العالم في آب 2008 إلى «الانفتاح على ســورية» هو الموقف الذي تبنته الولايات المتحدة، ففي 26 ايلول وعلى هامش اجـــتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقت وزيرة الخارجية الأميركيــة كوندوليزا رايس مع نظيرها السوري وليد المعـلم، وأعقبت هذا الاجتماع جولة محادثات إضافية جـــرت في 29 ايلول 2008، بين المعلم ومساعد وزيرة الخـــارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد وولش. وعزز الدور الفرنسي عرض وزراء خارجية أسبانيا وايطاليا وألمانيا من خلال رسالة مشتركة إلى نظيرهم السوري وليد المعلم تحسين العلاقات مع أوروبا في مقابل تحرك سوري واضح بالنسبة إلى لبنان عبر تبادل السفارات وترسيم الحدود وضبط العناصر الفلسطينية في لبنان، وأبدت سورية رغبتها في مشاركة فرنسا في رعاية مفاوضات السلام إلى جانب الولايات المتحدة عندما تصبح مباشرة.
وكان من الواضح وفق المصادر أيضاً في هذا السياق أن سورية هدفت إلي اختراق الحصار الأميركي عبر الأبواب الأوروبية، خاصة مع اقتراب نهاية عهد جورج بوش، والاستعداد لإدارة جديدة في البيت الأبيض، لا بد وأن تقوم بإعادة تقييم سياستها تجاه المنطقة، وبالتالي خلق واقع جديد أمام هذه الإدارة فيما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه دمشق. وهذا ما ازعج صناع القرار في البيت الابيض والبنتاغون.
ومع قناعات الديمقراطيين الذين فازوا بأغلبية مقاعد الكونغرس الأميركي في 2008 بفشل سياسة الجمهوريين في التعامل مع سوريا، وضرورة تغيير الاستراتيجية الأميركية، وأيضا في إطار رغبة الرئيس اوباما بعد فوزه نهاية العام نفسه في إحداث نقلة نوعية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية تصحح الصورة التي خلفتها إدارة بوش، الأمر الذي توافق مع رغبة النظام السوري تقول المصادر في الاستفادة من هذا التحول الأميركي، بدأ الطرفان السوري والأميركي مرحلة «اختبار نوايا» اتسمت «بالترقب والحذر» عبر اتصالات مباشرة أجراها أعضاء في الكونغرس، وقادة عسكريون ومبعوثون مثل جورج ميتشل مبعوث الرئيس أوباما للشرق الأوسط مع السوريين من أجل التوصل الى أرضية ثابتة لبناء ملامح العلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة، مع تفهم كامل لحاجة كل من الطرفين للآخر من أجل فتح القنوات المسدودة وإحداث اختراق في الجمود الذي ينتاب العلاقات وكذلك عملية التسوية السياسية في المنطقة منذ عام 2000 واستغرقت المباحثات بين البلدين عدة شهور، انتهت بقرار عودة السفير الأميركي إلى دمشق، وبتقييم نتائج هذه المرحلة نجد أن سوريا كانت المستفيد الأكبر من هذا التطور حيث أنها استطاعت إنجاز سياسة خارجية متميزة مكنتها من إعادة الموضع إقليميا، والوقوف على أرض ثابتة بعد أن أنجزت شبكة من العلاقات الإقليمية والدولية هي اقرب إلى تفهم مواقف سوريا، وأصبحت رقما لا يمكن تجاهله عند أية ترتيبات في المنطقة، وبالتالي وضع النظام نفسه بمنأى عن تكرار السيناريو السابق من العزلة والعقوبات، وفي المقابل لم تجن الولايات المتحدة والغرب جراء سياساتهم الجديدة تجاه دمشق ما كانوا يرنون إليه.
المصدر :
الديار/ ياسر الحريري
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة