“متحف الذكريات” الصامد في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، يختزن قصص وحكايات العديد من الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك منازلهم وقراهم ومدنهم في وطنهم الأم بعد استيلاء “العصابات الصهيونية” عليها في عام “النكبة” 1948.

لا يمكن الوصول الى المتحف إلا بمساعدة “مرشد” يعرف طرق وأزقة مخيم شاتيلا، حيث يصل إليه الزائر من خارجه بعد حوالي عشرة دقائق من السير مشيا على الأقدام، يمنة ويسرى، من مدخل المخيم عبر أزقة ضيقة لا يمكن المرور بها إلا فرادا، ليصل بعدها ويجد مؤسس وصاحب المتحف محمد الخطيب بانتظاره بين عشرات القطع النادرة التي جمعها من لاجئين فلسطينيين جلبوها معهم الى لبنان قبل 66 عاما ويزيد.

لكل قطعة، سواء كانت مفاتيح أو طاولات أو أوانٍ أو أدوات زراعية بدائية، قصة مرتبطة بها وبصاحبها تجعلها على علاقة أبدية بأرض فلسطين التي ما زال الخطيب وآلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يحلمون بالعودة إليها يوما ما دون أي يأس.

 

الخطيب، لجأ الى لبنان وهو في الثالثة من العمر بعد أن ترك قريته “الخالصة” في صفد في شمال فلسطين على مقربة من حدود لبنان الجنوبية في عام “النكبة” التي قلبت حياة الفلسطينيين رأسا على عقب في العام 1948 ولاتزال مأساتهم مستمرة حتى اليوم.

وفي مقابلة خاصة مع “الأناضول”، قال الخطيب أنه بدأ العمل على جمع المقتنيات التراثية المرتبطة بالتاريخ الفلسطيني من اللاجئين في لبنان في العام 2004، مشيرا الى الفكرة ولدت عنده بعد أن رأى اللاجئين الكبار في السن يموتون ويخلفون وراءهم مقتنيات “ذات قيمة معنوية وتاريخية” لا يدركها أبناؤهم.

ولفت الى أنه من هذا المنطلق بدأ بتجميع العشرات من القطع التاريخية “قبل ضياعها”، مشيرا الى أن أول من شجعه على البدء كانت امرأة فلسطينية أعطته طاستين، أي قدْرين صغيرين، “ثمينين” ذات قيمة معنوية دون أي مقابل مادي لأنها اعتبرت أن فكرة المتحف “تخص كل اللاجئين الفلسطينيين ولا تخصك وحدك”، كما قالت له.

وأضاف أنه نجح خلال الأشهر الأربعة الأولى من بدء “مهمته” تجميع مئات القطع التي استطاع الفلسطينيون الهاربون من “العصابات الصهيونية” حملها معهم الى لبنان، وباتت اليوم تمثل “ثروة قومية” للمحافظة على التراث والذاكرة الفلسطينية.

وقال الخطيب بشيء من الحزن والأسى أنه لم يعد يجمع كما في السابق، الكثير من هذه القطع لعرضها في متحفه الذي لا تزيد مساحته عن 55 مترا مربعا، بسبب كبر سنه وعدم قدرته على التنقل والحركة، فهو الذي كان يجول بين المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينية بحثا عن أي أثر أو مقتنيات من أيام “فلسطين”.

واشتكى عدم وجود مساعدة كافية خاصة الدعم المادي “لأن مثل هذا العمل يحتاج لطاقات مالية كبيرة”، مضيفا والغضب يقدح من عينيه “لم يتبن أي فصيل أو مسؤول أو جمعية هذا المتحف لا من قريب ولا من بعيد”، وهذا ما لا يطمح إليه الخطيب فهو يتهمهم بـ”الجهل بالحضارة والنضال والتاريخ والتراث والحقوق… وهذا الجهل مصيبة”.

ومن أجل محاربة هذا “الجهل”، عكف الرجل السبعيني منذ فترة قصيرة على كتابة وإنتاج مسرحيات نقدية تتناول قضايا اللاجئين الفلسطينيين والصعوبات التي يواجهونها في لبنان.

وبالنسبة للخطيب، فإن كل قطعة معروضة في متحفه “لها حياة وروح تتكلم معي… فلكل منها قصة وروح تقول لي أنا عملت كذا وكذا وذاك الفلاح كان يحملني على كتفه ويغرزني بالأرض ليحصد الخير له ولأولاده”.

وأضاف أن لكل قطعة أيضا، بدءً من المدحلة مرورا بالمكواة وصولا الى الشوبك، أغنية تراثية خاصة بها باقية في الذاكرة، متسائلا أين هم هؤلاء الذين يعرفون هذه الأغاني ليكتبوها على الأوراق ويسجلونها ويغنونها “من أجل حفظها للأجيال القادمة”.

وحذر من اندثار هذا النوع من التراث إن لم يتم تدارك الأمر من قبل المعنيين والمسؤولين، مضيفا أن هذا الواقع “يجعلني محبطا… ولكنني لن أحبط”.

وعن أهم قطعة بالنسبة له، قال الخطيب “كلها مهمة”، متحسرا على خنجر تاريخي يزيد عمره عن 350 عاما سرق من متحفه من قبل مجهولين قبل سنوات.

ولفت الى أن قصصا مميزة تجمعه مع أكثر من 15 قطعة، منها مطحنة قهوة كانت تستخدم في القرى الفلسطينية، ولقيت مكانها اليوم في زاوية المتحف.

وروى الخطيب كيف حصل على هذه المطحنة من لاجئة فلسطينية تعيش حاليا في الدنمارك، قائلا أنه اتصل بها هاتفيا فلم تتردد للحظة وأعطته إياها “دون تفكير… من أجل فلسطين”.

وقال أن ما دفع هذه اللاجئة للتصرف بهذه الطريقة هو “حنينها للوطن، وتأكدها من أن هذه القطعة ستكون في مكان آمن يستفيد منه الجميع″.

ولفت الى أن المتحف كان يضم 1000 قطعة إلا أن 350 منها تعرضت للتلف بسبب سوء التخزين وارتفاع نسبة الرطوبة في قاعة المتحف وعدم إمكانية صيانتها.

وعن مستقبل هذه القطع، أوضح أن لديه الكثير من الأفكار من أجل حماية التراث الفلسطيني “ولكن المشكلة في عدم القدرة على التنفيذ، كتأمين مكان واسع لإعادة ترتيب قطع المتحف فيه مع شرح مفصل عن كل منها، كأي متحف في العالم”.

ويحلم الخطيب بإقامة قرية فلسطينية تراثية من بيوت طينية، ليعيد لهذه القطع التي جمعها في المتحف خلال سنوات طوال “مكانها الطبيعي، حيث كان الفلسطيني يستخدمها في حياته اليومية”، مشيرا الى أنه مستعد لتقديم كل هذه القطع لجهة أو شخص يعمل على تحقيق هذا الحلم.

وفيما يحاول اليوم “العدو الإسرائيلي سرقة التراث بعد أن سرق الأرض”، يصر الخطيب بكل عزم على “مقاومة إسرائيل”، فمتحفه هو الرد على مطامع عدوه المستمرة، ولكنه أيضا دليل على مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم ووطنهم وحقوقهم على الرغم من مرور 66 عاما على نكبتهم.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-18
  • 13429
  • من الأرشيف

متحف الذكريات” في مخيم شاتيلا ببيروت… خزنة التراث وحنين اللاجئين الفلسطينيين لبلادهم

 “متحف الذكريات” الصامد في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت، يختزن قصص وحكايات العديد من الفلسطينيين الذين أجبروا على ترك منازلهم وقراهم ومدنهم في وطنهم الأم بعد استيلاء “العصابات الصهيونية” عليها في عام “النكبة” 1948. لا يمكن الوصول الى المتحف إلا بمساعدة “مرشد” يعرف طرق وأزقة مخيم شاتيلا، حيث يصل إليه الزائر من خارجه بعد حوالي عشرة دقائق من السير مشيا على الأقدام، يمنة ويسرى، من مدخل المخيم عبر أزقة ضيقة لا يمكن المرور بها إلا فرادا، ليصل بعدها ويجد مؤسس وصاحب المتحف محمد الخطيب بانتظاره بين عشرات القطع النادرة التي جمعها من لاجئين فلسطينيين جلبوها معهم الى لبنان قبل 66 عاما ويزيد. لكل قطعة، سواء كانت مفاتيح أو طاولات أو أوانٍ أو أدوات زراعية بدائية، قصة مرتبطة بها وبصاحبها تجعلها على علاقة أبدية بأرض فلسطين التي ما زال الخطيب وآلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يحلمون بالعودة إليها يوما ما دون أي يأس.   الخطيب، لجأ الى لبنان وهو في الثالثة من العمر بعد أن ترك قريته “الخالصة” في صفد في شمال فلسطين على مقربة من حدود لبنان الجنوبية في عام “النكبة” التي قلبت حياة الفلسطينيين رأسا على عقب في العام 1948 ولاتزال مأساتهم مستمرة حتى اليوم. وفي مقابلة خاصة مع “الأناضول”، قال الخطيب أنه بدأ العمل على جمع المقتنيات التراثية المرتبطة بالتاريخ الفلسطيني من اللاجئين في لبنان في العام 2004، مشيرا الى الفكرة ولدت عنده بعد أن رأى اللاجئين الكبار في السن يموتون ويخلفون وراءهم مقتنيات “ذات قيمة معنوية وتاريخية” لا يدركها أبناؤهم. ولفت الى أنه من هذا المنطلق بدأ بتجميع العشرات من القطع التاريخية “قبل ضياعها”، مشيرا الى أن أول من شجعه على البدء كانت امرأة فلسطينية أعطته طاستين، أي قدْرين صغيرين، “ثمينين” ذات قيمة معنوية دون أي مقابل مادي لأنها اعتبرت أن فكرة المتحف “تخص كل اللاجئين الفلسطينيين ولا تخصك وحدك”، كما قالت له. وأضاف أنه نجح خلال الأشهر الأربعة الأولى من بدء “مهمته” تجميع مئات القطع التي استطاع الفلسطينيون الهاربون من “العصابات الصهيونية” حملها معهم الى لبنان، وباتت اليوم تمثل “ثروة قومية” للمحافظة على التراث والذاكرة الفلسطينية. وقال الخطيب بشيء من الحزن والأسى أنه لم يعد يجمع كما في السابق، الكثير من هذه القطع لعرضها في متحفه الذي لا تزيد مساحته عن 55 مترا مربعا، بسبب كبر سنه وعدم قدرته على التنقل والحركة، فهو الذي كان يجول بين المناطق اللبنانية والمخيمات الفلسطينية بحثا عن أي أثر أو مقتنيات من أيام “فلسطين”. واشتكى عدم وجود مساعدة كافية خاصة الدعم المادي “لأن مثل هذا العمل يحتاج لطاقات مالية كبيرة”، مضيفا والغضب يقدح من عينيه “لم يتبن أي فصيل أو مسؤول أو جمعية هذا المتحف لا من قريب ولا من بعيد”، وهذا ما لا يطمح إليه الخطيب فهو يتهمهم بـ”الجهل بالحضارة والنضال والتاريخ والتراث والحقوق… وهذا الجهل مصيبة”. ومن أجل محاربة هذا “الجهل”، عكف الرجل السبعيني منذ فترة قصيرة على كتابة وإنتاج مسرحيات نقدية تتناول قضايا اللاجئين الفلسطينيين والصعوبات التي يواجهونها في لبنان. وبالنسبة للخطيب، فإن كل قطعة معروضة في متحفه “لها حياة وروح تتكلم معي… فلكل منها قصة وروح تقول لي أنا عملت كذا وكذا وذاك الفلاح كان يحملني على كتفه ويغرزني بالأرض ليحصد الخير له ولأولاده”. وأضاف أن لكل قطعة أيضا، بدءً من المدحلة مرورا بالمكواة وصولا الى الشوبك، أغنية تراثية خاصة بها باقية في الذاكرة، متسائلا أين هم هؤلاء الذين يعرفون هذه الأغاني ليكتبوها على الأوراق ويسجلونها ويغنونها “من أجل حفظها للأجيال القادمة”. وحذر من اندثار هذا النوع من التراث إن لم يتم تدارك الأمر من قبل المعنيين والمسؤولين، مضيفا أن هذا الواقع “يجعلني محبطا… ولكنني لن أحبط”. وعن أهم قطعة بالنسبة له، قال الخطيب “كلها مهمة”، متحسرا على خنجر تاريخي يزيد عمره عن 350 عاما سرق من متحفه من قبل مجهولين قبل سنوات. ولفت الى أن قصصا مميزة تجمعه مع أكثر من 15 قطعة، منها مطحنة قهوة كانت تستخدم في القرى الفلسطينية، ولقيت مكانها اليوم في زاوية المتحف. وروى الخطيب كيف حصل على هذه المطحنة من لاجئة فلسطينية تعيش حاليا في الدنمارك، قائلا أنه اتصل بها هاتفيا فلم تتردد للحظة وأعطته إياها “دون تفكير… من أجل فلسطين”. وقال أن ما دفع هذه اللاجئة للتصرف بهذه الطريقة هو “حنينها للوطن، وتأكدها من أن هذه القطعة ستكون في مكان آمن يستفيد منه الجميع″. ولفت الى أن المتحف كان يضم 1000 قطعة إلا أن 350 منها تعرضت للتلف بسبب سوء التخزين وارتفاع نسبة الرطوبة في قاعة المتحف وعدم إمكانية صيانتها. وعن مستقبل هذه القطع، أوضح أن لديه الكثير من الأفكار من أجل حماية التراث الفلسطيني “ولكن المشكلة في عدم القدرة على التنفيذ، كتأمين مكان واسع لإعادة ترتيب قطع المتحف فيه مع شرح مفصل عن كل منها، كأي متحف في العالم”. ويحلم الخطيب بإقامة قرية فلسطينية تراثية من بيوت طينية، ليعيد لهذه القطع التي جمعها في المتحف خلال سنوات طوال “مكانها الطبيعي، حيث كان الفلسطيني يستخدمها في حياته اليومية”، مشيرا الى أنه مستعد لتقديم كل هذه القطع لجهة أو شخص يعمل على تحقيق هذا الحلم. وفيما يحاول اليوم “العدو الإسرائيلي سرقة التراث بعد أن سرق الأرض”، يصر الخطيب بكل عزم على “مقاومة إسرائيل”، فمتحفه هو الرد على مطامع عدوه المستمرة، ولكنه أيضا دليل على مدى تمسك الفلسطينيين بأرضهم ووطنهم وحقوقهم على الرغم من مرور 66 عاما على نكبتهم.

المصدر : الأناضول / حمزة تكين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة