قبل أشهر عُرض على الرئيس السوري بشار الأسد، سيناريو مفاده: يحتفظ الرئيس بتسمية وزيرا

الدفاع والداخلية ويبقي على جهاز الاستخبارات تحت سيطرته، على أن تسمي المعارضة وزيرا الخارجية والمالية. أتت معارك القلمون، انشغل السوري بسير المعارك وما تحقق من مكاسب، فلم يُبت في الأمر.

ما طُرح أتى متزامناً مع رسالة تبلغها العراقيون من القصر الجمهوري، مفادها: “مضطرون لفتح الحدود مع العراق أمام خروج المسلحين… ماضون في تسوية”. الرسالة التي نقلها مصدر رفيع عن لسان الرئيس السوري بشار الأسد، أتت متقاطعة مع ما كثر من كتابات عن مساعٍ واتصالات إقليمية أو دولية.

أربعة معابر رسمية تقع على الحدود الفاصلة بين سورية والعراق، والممتدة على طول 605 كلم. معبري عين ديوار واليعربية في محافظة الحسكة، شمالي شرق سورية، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، ومعبر البوكمال في محافظة دير الزور، شرق البلاد، وهو خاضع لسيطرة “جبهة النصرة” وكتائب مقاتلة أخرى. إضافة إلى معبر التنف، جنوب محافظة دير الزور، وتسيطر عليه القوات السورية.

الحديث عن معالم تسوية إقليمية كانت سبقتها تقارير صحفية تحدثت عن أجواء ايجابية على خط طهران-الرياض، ليأتي بعد ذلك اتفاق حمص الذي تم ” بتفاهم اقليمي وشارك في صياغته العقل الايراني” – على حد تعبير مصدر خاص لموقع المنار-. أُبرم الاتفاق بين الدولة السورية من جهة والكتائب المنضوية تحت لواء “الجبهة الاسلامية” والتي من بينها ما هو محسوب على السعودية كجيش الاسلام، ومنها ما يتبع قطر ككتائب أحرار الشام ولواء التوحيد. فأتت افتتاحية صحيفة “الوطن” السعودية لتتحدث عن إمكانية حل للأزمة السورية، مدخلها ما شهدته حمص.

 

“…قد تنقذ تلك الهدنة كثيرا من أرواح كانت سوف تزهق لو لم تحدث، وقد تكون إنجازا إنسانيا يسهم في لملمة جراح كثير من المتضررين من حصار حمص، غير أنها في نهاية المطاف تشير إلى أن تغييراً حدث في قواعد الحرب الت لم تهدأ عبر ثلاث سنوات، وأهم التغييرات أنه بالإمكان التوصل إلى حلول من غير قتل وتدمير… الأرجح أن الهدنة لن تكون الأخيرة، ولعل اتفاقات أخرى على الطريق سوف تظهر، واحدا تلو الآخر.”

فماذا عن تفاصيل ما تشهده المنطقة من محادثات إيرانية سعودية؟ أي أطراف ترعى وساطتها؟ وهل تبالغ بعض الكتابات في التفاؤل في الحديث عن تباشير تسوية إقليمية؟

 

وساطة كويتية.. واسم سعود الفيصل مجدداً

 

الحديث عن أدوار نشطة تلعبها كل من مسقط والكويت، تصفه مصادر مطلعة لموقع المنار بـ”غير الدقيق”، فالوساطة العمانية لا يهضمها السعوديون. لم يرق للمملكة الدور الذي لعبته السلطنة في ما وُصف بالتقارب الأميركي-الإيراني، وعليه فهي تنظر إلى عُمان على أنها طرف لا وسيطاً حيادياً!

فالكويت تخوض بشخص أميرها الشيخ الصباح أحمد الصباح منفردة الاتصالات بين الجمهورية الإسلامية والسعودية، وفق ما تؤكده مصادر إيرانية مطلعة، التي تصف الأمير بأنه قارئ جيد لمسار الأزمة السورية ومآلها، نافية احراز أي تقدم في المحادثات.

في الأول من حزيران/ يونيو المقبل يحل الشيخ الصباح ضيفاً رسمياً على الجمهورية الاسلامية التي سيبيت فيها عشية الانتخابات السورية. في خطوة تحمل رسائل سياسية معاكسة لرغبات السعودية. يسعى الأمير، بعلاقاته مع الإيرانيين، إلى حماية ممرٍ خاص يصله بدمشق، وتأخذ حساباته في عين الاعتبار علاقات بلاده بسورية في العهد المقبل للرئيس الأسد.

الكلام الخارج من طهران يحمّل السعودية مسؤولية عدم التعاطي بايجابية مع الرسائل الايرانية الحريصة على ابرام تسوية تحقق انفراجاً في ملفات المنطقة، وفي هذا المجال يُذكر اسم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل على أنه يقف مانعاً أمام أي تقدم. يعرض الأخير حصول لقاء بين معاوني وزير خارجية، ومن ثم على مستوى وزراء خارجية يليها لقاء قمة بين الرئيس والملك، وهو ما ترفضه إيران التي تريد للمحادثات أن تكون مباشرة مع الملك عبد الله. لم يكتفِ الفيصل بذلك بل ذهب بشكل فج أبعد من مجرد صد المبادرات الايرانية، فوجهت وزارته دعوة للشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني لزيارة المملكة، بهدف اللعب بورقة الداخل الايراني، وهو ما تنبّه اليه رفسنجاني فاعتذر عن تلبية الدعوة، قائلاً: “أدرك أن ذهابي لن يفيد بشيء لأن المشكلة في مكان آخر والحل ليس عندي”.

ورغم عدم الايجابية التي تبديها المملكة، إلا أن دوائر القرار في الجمهورية الاسلامية لا تقطع الأمل بأي اتفاقات مستقبلية من شانها أن تنعكس على ملفات المنطقة ككل سواء في سورية ولبنان والعراق والبحرين. ما هو معرقل اليوم، لن يكون كذلك في الأيام المقبلة خصوصاً بعد تاريخ 3 حزيران/ يونيو، هذا ما يقتنع به الايرانيون.

 

اندفاع أوروبي نحو دمشق

 

وبعيداً عن أجواء الاقليم، تنشط اتصالات بين دمشق ومن وراء المتوسط. يقتنع اليوم الأوروبيون بمن فيهم الفرنسيون أن لا مفر من التعاطي مع الرئيس الأسد، خصوصاً بعد فشل الرهانات العسكرية. ما يقلق الأوروبيين حالياً هي التقارير الواردة من أجهزتهم الاستخبارية النشطة في سورية. تقول هذه التقارير: إن القوة الفاعلة على الأراضي التي تسيطر عليها “المعارضة السورية” باتت بيد الجماعات الارهابية وحدها، وهؤلاء ما عادوا يأتمرون بأوامر واضحة، بل توزعوا على مجموعات متناحرة يستحيل ضبطها.

الموقف الأوروبي يأتي متمايزاً مع الموقف الأميركي الذي يخوض حرب استنزاف التي يخوضها ضد كل من في سورية: الجيش السوري وحتى الجماعات المتطرفة التي تقاتله. ولا تقتصر حرب الاستنزاف على سورية اذ يخوض الأميركي حرباً مشابهة ضد الروس في أوكرانيا، مستفيداً في حروبه بالسلاح الأوروبي والمال الخليجي. من هنا يُبرر الحرص الأوروبي على وضع حد لحروب الاستنزاف هذه، أن أمنه في الطاقة والاقتصاد مهدد جراء أزمة أوكرانيا، وهو من يخشى ارتداد الجماعات المتطرقة المقاتلة في سورية على أمنه الوطني، وهذا ما يُقر به بشكل صريح منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيريشوف الذي حذر من خطر عودة المقاتلين في صفوف الجماعات المسلحة إلى أوروبا، وهو ما يتقاطع مع كلام وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ لدى زيارته لبيروت محذراً: “كلما استدام الصراع في سورية كلما تعاظم الخطر أكثر فأكثر”.

الحديث عن إطلاق يد الجيش السوري للتخلص من الجماعات الارهابية لم يعد جديداً، وفي سياق هذه التفاهمات تأتي رسائل القصر الرئاسي في سورية لدولة العراق: ترك ممرات آمنة تتيح لمن أراد من مقاتلين الخروج من البلد. وهي ممرات تفتح بالتزامن مع حسم عسكري يحققه الجيش السوري بشكل متسارع واعداً به قريباً في حلب.

  • فريق ماسة
  • 2014-05-12
  • 10625
  • من الأرشيف

عروض الغرب ورسائل دمشق..

 قبل أشهر عُرض على الرئيس السوري بشار الأسد، سيناريو مفاده: يحتفظ الرئيس بتسمية وزيرا الدفاع والداخلية ويبقي على جهاز الاستخبارات تحت سيطرته، على أن تسمي المعارضة وزيرا الخارجية والمالية. أتت معارك القلمون، انشغل السوري بسير المعارك وما تحقق من مكاسب، فلم يُبت في الأمر. ما طُرح أتى متزامناً مع رسالة تبلغها العراقيون من القصر الجمهوري، مفادها: “مضطرون لفتح الحدود مع العراق أمام خروج المسلحين… ماضون في تسوية”. الرسالة التي نقلها مصدر رفيع عن لسان الرئيس السوري بشار الأسد، أتت متقاطعة مع ما كثر من كتابات عن مساعٍ واتصالات إقليمية أو دولية. أربعة معابر رسمية تقع على الحدود الفاصلة بين سورية والعراق، والممتدة على طول 605 كلم. معبري عين ديوار واليعربية في محافظة الحسكة، شمالي شرق سورية، التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، ومعبر البوكمال في محافظة دير الزور، شرق البلاد، وهو خاضع لسيطرة “جبهة النصرة” وكتائب مقاتلة أخرى. إضافة إلى معبر التنف، جنوب محافظة دير الزور، وتسيطر عليه القوات السورية. الحديث عن معالم تسوية إقليمية كانت سبقتها تقارير صحفية تحدثت عن أجواء ايجابية على خط طهران-الرياض، ليأتي بعد ذلك اتفاق حمص الذي تم ” بتفاهم اقليمي وشارك في صياغته العقل الايراني” – على حد تعبير مصدر خاص لموقع المنار-. أُبرم الاتفاق بين الدولة السورية من جهة والكتائب المنضوية تحت لواء “الجبهة الاسلامية” والتي من بينها ما هو محسوب على السعودية كجيش الاسلام، ومنها ما يتبع قطر ككتائب أحرار الشام ولواء التوحيد. فأتت افتتاحية صحيفة “الوطن” السعودية لتتحدث عن إمكانية حل للأزمة السورية، مدخلها ما شهدته حمص.   “…قد تنقذ تلك الهدنة كثيرا من أرواح كانت سوف تزهق لو لم تحدث، وقد تكون إنجازا إنسانيا يسهم في لملمة جراح كثير من المتضررين من حصار حمص، غير أنها في نهاية المطاف تشير إلى أن تغييراً حدث في قواعد الحرب الت لم تهدأ عبر ثلاث سنوات، وأهم التغييرات أنه بالإمكان التوصل إلى حلول من غير قتل وتدمير… الأرجح أن الهدنة لن تكون الأخيرة، ولعل اتفاقات أخرى على الطريق سوف تظهر، واحدا تلو الآخر.” فماذا عن تفاصيل ما تشهده المنطقة من محادثات إيرانية سعودية؟ أي أطراف ترعى وساطتها؟ وهل تبالغ بعض الكتابات في التفاؤل في الحديث عن تباشير تسوية إقليمية؟   وساطة كويتية.. واسم سعود الفيصل مجدداً   الحديث عن أدوار نشطة تلعبها كل من مسقط والكويت، تصفه مصادر مطلعة لموقع المنار بـ”غير الدقيق”، فالوساطة العمانية لا يهضمها السعوديون. لم يرق للمملكة الدور الذي لعبته السلطنة في ما وُصف بالتقارب الأميركي-الإيراني، وعليه فهي تنظر إلى عُمان على أنها طرف لا وسيطاً حيادياً! فالكويت تخوض بشخص أميرها الشيخ الصباح أحمد الصباح منفردة الاتصالات بين الجمهورية الإسلامية والسعودية، وفق ما تؤكده مصادر إيرانية مطلعة، التي تصف الأمير بأنه قارئ جيد لمسار الأزمة السورية ومآلها، نافية احراز أي تقدم في المحادثات. في الأول من حزيران/ يونيو المقبل يحل الشيخ الصباح ضيفاً رسمياً على الجمهورية الاسلامية التي سيبيت فيها عشية الانتخابات السورية. في خطوة تحمل رسائل سياسية معاكسة لرغبات السعودية. يسعى الأمير، بعلاقاته مع الإيرانيين، إلى حماية ممرٍ خاص يصله بدمشق، وتأخذ حساباته في عين الاعتبار علاقات بلاده بسورية في العهد المقبل للرئيس الأسد. الكلام الخارج من طهران يحمّل السعودية مسؤولية عدم التعاطي بايجابية مع الرسائل الايرانية الحريصة على ابرام تسوية تحقق انفراجاً في ملفات المنطقة، وفي هذا المجال يُذكر اسم وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل على أنه يقف مانعاً أمام أي تقدم. يعرض الأخير حصول لقاء بين معاوني وزير خارجية، ومن ثم على مستوى وزراء خارجية يليها لقاء قمة بين الرئيس والملك، وهو ما ترفضه إيران التي تريد للمحادثات أن تكون مباشرة مع الملك عبد الله. لم يكتفِ الفيصل بذلك بل ذهب بشكل فج أبعد من مجرد صد المبادرات الايرانية، فوجهت وزارته دعوة للشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني لزيارة المملكة، بهدف اللعب بورقة الداخل الايراني، وهو ما تنبّه اليه رفسنجاني فاعتذر عن تلبية الدعوة، قائلاً: “أدرك أن ذهابي لن يفيد بشيء لأن المشكلة في مكان آخر والحل ليس عندي”. ورغم عدم الايجابية التي تبديها المملكة، إلا أن دوائر القرار في الجمهورية الاسلامية لا تقطع الأمل بأي اتفاقات مستقبلية من شانها أن تنعكس على ملفات المنطقة ككل سواء في سورية ولبنان والعراق والبحرين. ما هو معرقل اليوم، لن يكون كذلك في الأيام المقبلة خصوصاً بعد تاريخ 3 حزيران/ يونيو، هذا ما يقتنع به الايرانيون.   اندفاع أوروبي نحو دمشق   وبعيداً عن أجواء الاقليم، تنشط اتصالات بين دمشق ومن وراء المتوسط. يقتنع اليوم الأوروبيون بمن فيهم الفرنسيون أن لا مفر من التعاطي مع الرئيس الأسد، خصوصاً بعد فشل الرهانات العسكرية. ما يقلق الأوروبيين حالياً هي التقارير الواردة من أجهزتهم الاستخبارية النشطة في سورية. تقول هذه التقارير: إن القوة الفاعلة على الأراضي التي تسيطر عليها “المعارضة السورية” باتت بيد الجماعات الارهابية وحدها، وهؤلاء ما عادوا يأتمرون بأوامر واضحة، بل توزعوا على مجموعات متناحرة يستحيل ضبطها. الموقف الأوروبي يأتي متمايزاً مع الموقف الأميركي الذي يخوض حرب استنزاف التي يخوضها ضد كل من في سورية: الجيش السوري وحتى الجماعات المتطرفة التي تقاتله. ولا تقتصر حرب الاستنزاف على سورية اذ يخوض الأميركي حرباً مشابهة ضد الروس في أوكرانيا، مستفيداً في حروبه بالسلاح الأوروبي والمال الخليجي. من هنا يُبرر الحرص الأوروبي على وضع حد لحروب الاستنزاف هذه، أن أمنه في الطاقة والاقتصاد مهدد جراء أزمة أوكرانيا، وهو من يخشى ارتداد الجماعات المتطرقة المقاتلة في سورية على أمنه الوطني، وهذا ما يُقر به بشكل صريح منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيريشوف الذي حذر من خطر عودة المقاتلين في صفوف الجماعات المسلحة إلى أوروبا، وهو ما يتقاطع مع كلام وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ لدى زيارته لبيروت محذراً: “كلما استدام الصراع في سورية كلما تعاظم الخطر أكثر فأكثر”. الحديث عن إطلاق يد الجيش السوري للتخلص من الجماعات الارهابية لم يعد جديداً، وفي سياق هذه التفاهمات تأتي رسائل القصر الرئاسي في سورية لدولة العراق: ترك ممرات آمنة تتيح لمن أراد من مقاتلين الخروج من البلد. وهي ممرات تفتح بالتزامن مع حسم عسكري يحققه الجيش السوري بشكل متسارع واعداً به قريباً في حلب.

المصدر : المنار /اسراء الفاس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة