كثر الحديث في الأشهر القليلة الماضية عن مساع تُبذل من قبل أكثر من طرف، لإحداث تقارب بين القيادتين السعودية والإيرانيّة، لما لهذه الخطوة من إنعكاسات إيجابية على عشرات الملفّات العالقة في منطقة الشرق الأوسطـ بدءاً بالعراق مروراً باليمن وسوريا وصولاً إلى لبنان، وغيرها من الدول. لكن الآمال المعقودة على هكذا تقارب، بدءاً ببعض الطامحين إلى رئاسة الجمهورية في لبنان وصولاً إلى الساعين إلى إيجاد شرق أوسط جديد، إصطدمت في الأيام والأسابيع الأخيرة بأجواء غير إيجابية، تمثّلت بإستعراض للقوى الصاروخيّة في كل من السعودية وإيران. فهل ستحلّ لغّة الصواريخ المُتبادلة مكان لغّة الحوار الثنائي؟

بداية، يُمكن الحديث عن سباق بين الجهود الدبلوماسية لحلّ الأزمات في المنطقة من جهة، وأجواء التوتّر والمواجهة، خاصة بالواسطة وعبر أطراف ثالثة، من جهة أخرى. وفي هذا السياق، وفي مقابل أحاديث عن وساطات من قبل كل من طهران والرياض لإنهاء المعركة في حمص القديمة بالصيغة السلمية التي إنتهت إليها، ولمواجهة التيّارات السلفيّة المتشدّدة في أكثر من دولة عربيّة، ولإعادة توزيع السلطة في العراق، وربما لإيجاد صيغة تفاهم على رئيس جديد للبنان... كثرت إشارات التوتّر المتصاعد، وتوجيه الرسائل المتشدّدة، بين كل إيران والمملكة العربيّة السعودية.

وفي الأيّام القليلة الماضية، نفّذ الجيش السعودي، بالتعاون مع وحدات عسكريّة من كل من البحرين ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، مناورة بإسم "سيف عبد الله"، وُصفت بالأضخم على المستوى السعودي. وكان لافتاً أنّ هذه المناورة بالذخيرة الحيّة، كشفت عن ترسانة من الصواريخ الباليستية البعيدة المدى التي تملكها المملكة، ومنها صواريخ من طراز Dong Feng 3 قادرة على حمل رؤوس نوويّة يُمكن توفيرها مثلاً من باكستان في المستقبل، علماً أنّ هذه الصواريخ قادرة على إصابة أهداف بعيدة عن السعودية، مثل طهران أو تل أبيب. وتوجد تقارير عن إمتلاك السعودية صواريخ Dong Feng 21 الأكثر تطوّراً، ولو أنها لم تكشف عنها.  في المقابل، صعّدت إيران من لهجتها أخيراً، حيث أكّد مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، أنّه من "الحماقة أن يتوقّع العدوّ تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني"، ودعا "الحرس الثوري الإيراني" إلى إنتاج الصواريخ بكمّيات ضخمة. وتزامن ذلك مع إعلان طهران عن إنشاء قواعد لطائرات من دون طيار في محيط مضيق هرمز، والكشف عن تحليق دوريّ للطيران الإيراني فوق المضيق المذكور، وفي محيطه، وكذلك شمال الخليج.

 

وسط هذه الأجواء المتوتّرة، أجمع أكثر من متابع سياسي غربي لملفّات الشرق الأوسط والخليج العربي، على أنّ طيّ صفحة طويلة من التوتّر الأمني والسياسي والإقتصادي والنفطي تمتدّ على مدى 35 سنة بين طهران والرياض، لا يمكن أن يتمّ خلال فترة زمنيّة قياسية، بل بشكل تدريجي، يأخذ شكل معالجات موضوعيّة لبعض الملفّات الشائكة والعالقة بين الجانبين، بحيث يتمّ معالجة كل ملفّ على حدى، وليس كباقة واحدة. والإستعراضات القتالية والصاروخية المُتبادلة، ورفع سقف التصاريح الإعلاميّة، ليس دليلاً على إنزلاق مرتقب نحو مواجهة أمنيّة خطيرة، بل هو يدخل في إطار عمليّة شدّ الحبال بين الطرفين، وفي إطار تحسين شروط التفاوض، عشية المساومات التي لا بدّ أن تأتي عاجلاً أم آجلاً.

وبحسب هؤلاء المتابعين، فإنّ أكثر ما يُقلق كلاً من طهران والرياض هو قيام إحداهما بتوقيع إتفاقات مع دول غربية فاعلة على حساب نفوذ الأخرى في المنطقة، خاصة أنّ كلاً من هاتين القوّتين الإقليميّتين تتصارعان لتوسيع نفوذهما الأمني والسياسي والإقتصادي في دول المنطقة، وتستخدمان سلاح النفط كإحدى أوراق المساومة مع الدول الغربيّة. وأدرج المتابعون الغربيّون لملفّات الشرق الأوسط والخليج نفسهم، الإستعدادات العسكرية الإيرانية والسعودية بأنّها تدخل في إطار معادلة "من يريد السلام، يستعدّ للحرب"، واعتبروا أنّ تحقيق تقدّم بين طهران والرياض أو عدمه، مرتبط بدرجة بعيدة بمدى إمكان تقاسم نفوذهما في المنطقة، بحيث أنّ طغيان نفوذ طرف على الآخر، سيُعقّد المسألة، بينما التوصّل إلى حلول وسطية منصفة للطرفين، سيرفع فرص التقارب. والأكيد أنّ للولايات المتحدة الأميركية، ولمفاوضاتها المستمرّة مع إيران، وهي التي تملك علاقات تاريخية مع السعودية، دورًا مهمًا في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-05-11
  • 11281
  • من الأرشيف

صواريخ سعودية وإيرانية مُتبادلة... بدلاً من الحوار؟!

كثر الحديث في الأشهر القليلة الماضية عن مساع تُبذل من قبل أكثر من طرف، لإحداث تقارب بين القيادتين السعودية والإيرانيّة، لما لهذه الخطوة من إنعكاسات إيجابية على عشرات الملفّات العالقة في منطقة الشرق الأوسطـ بدءاً بالعراق مروراً باليمن وسوريا وصولاً إلى لبنان، وغيرها من الدول. لكن الآمال المعقودة على هكذا تقارب، بدءاً ببعض الطامحين إلى رئاسة الجمهورية في لبنان وصولاً إلى الساعين إلى إيجاد شرق أوسط جديد، إصطدمت في الأيام والأسابيع الأخيرة بأجواء غير إيجابية، تمثّلت بإستعراض للقوى الصاروخيّة في كل من السعودية وإيران. فهل ستحلّ لغّة الصواريخ المُتبادلة مكان لغّة الحوار الثنائي؟ بداية، يُمكن الحديث عن سباق بين الجهود الدبلوماسية لحلّ الأزمات في المنطقة من جهة، وأجواء التوتّر والمواجهة، خاصة بالواسطة وعبر أطراف ثالثة، من جهة أخرى. وفي هذا السياق، وفي مقابل أحاديث عن وساطات من قبل كل من طهران والرياض لإنهاء المعركة في حمص القديمة بالصيغة السلمية التي إنتهت إليها، ولمواجهة التيّارات السلفيّة المتشدّدة في أكثر من دولة عربيّة، ولإعادة توزيع السلطة في العراق، وربما لإيجاد صيغة تفاهم على رئيس جديد للبنان... كثرت إشارات التوتّر المتصاعد، وتوجيه الرسائل المتشدّدة، بين كل إيران والمملكة العربيّة السعودية. وفي الأيّام القليلة الماضية، نفّذ الجيش السعودي، بالتعاون مع وحدات عسكريّة من كل من البحرين ودولة الإمارات العربيّة المتحدة، مناورة بإسم "سيف عبد الله"، وُصفت بالأضخم على المستوى السعودي. وكان لافتاً أنّ هذه المناورة بالذخيرة الحيّة، كشفت عن ترسانة من الصواريخ الباليستية البعيدة المدى التي تملكها المملكة، ومنها صواريخ من طراز Dong Feng 3 قادرة على حمل رؤوس نوويّة يُمكن توفيرها مثلاً من باكستان في المستقبل، علماً أنّ هذه الصواريخ قادرة على إصابة أهداف بعيدة عن السعودية، مثل طهران أو تل أبيب. وتوجد تقارير عن إمتلاك السعودية صواريخ Dong Feng 21 الأكثر تطوّراً، ولو أنها لم تكشف عنها.  في المقابل، صعّدت إيران من لهجتها أخيراً، حيث أكّد مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية، علي خامنئي، أنّه من "الحماقة أن يتوقّع العدوّ تقييد البرنامج الصاروخي الإيراني"، ودعا "الحرس الثوري الإيراني" إلى إنتاج الصواريخ بكمّيات ضخمة. وتزامن ذلك مع إعلان طهران عن إنشاء قواعد لطائرات من دون طيار في محيط مضيق هرمز، والكشف عن تحليق دوريّ للطيران الإيراني فوق المضيق المذكور، وفي محيطه، وكذلك شمال الخليج.   وسط هذه الأجواء المتوتّرة، أجمع أكثر من متابع سياسي غربي لملفّات الشرق الأوسط والخليج العربي، على أنّ طيّ صفحة طويلة من التوتّر الأمني والسياسي والإقتصادي والنفطي تمتدّ على مدى 35 سنة بين طهران والرياض، لا يمكن أن يتمّ خلال فترة زمنيّة قياسية، بل بشكل تدريجي، يأخذ شكل معالجات موضوعيّة لبعض الملفّات الشائكة والعالقة بين الجانبين، بحيث يتمّ معالجة كل ملفّ على حدى، وليس كباقة واحدة. والإستعراضات القتالية والصاروخية المُتبادلة، ورفع سقف التصاريح الإعلاميّة، ليس دليلاً على إنزلاق مرتقب نحو مواجهة أمنيّة خطيرة، بل هو يدخل في إطار عمليّة شدّ الحبال بين الطرفين، وفي إطار تحسين شروط التفاوض، عشية المساومات التي لا بدّ أن تأتي عاجلاً أم آجلاً. وبحسب هؤلاء المتابعين، فإنّ أكثر ما يُقلق كلاً من طهران والرياض هو قيام إحداهما بتوقيع إتفاقات مع دول غربية فاعلة على حساب نفوذ الأخرى في المنطقة، خاصة أنّ كلاً من هاتين القوّتين الإقليميّتين تتصارعان لتوسيع نفوذهما الأمني والسياسي والإقتصادي في دول المنطقة، وتستخدمان سلاح النفط كإحدى أوراق المساومة مع الدول الغربيّة. وأدرج المتابعون الغربيّون لملفّات الشرق الأوسط والخليج نفسهم، الإستعدادات العسكرية الإيرانية والسعودية بأنّها تدخل في إطار معادلة "من يريد السلام، يستعدّ للحرب"، واعتبروا أنّ تحقيق تقدّم بين طهران والرياض أو عدمه، مرتبط بدرجة بعيدة بمدى إمكان تقاسم نفوذهما في المنطقة، بحيث أنّ طغيان نفوذ طرف على الآخر، سيُعقّد المسألة، بينما التوصّل إلى حلول وسطية منصفة للطرفين، سيرفع فرص التقارب. والأكيد أنّ للولايات المتحدة الأميركية، ولمفاوضاتها المستمرّة مع إيران، وهي التي تملك علاقات تاريخية مع السعودية، دورًا مهمًا في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.  

المصدر : ناجي س. البستاني - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة