قد تكون حمص وما تعلق بها من سلوكيات وما احتلته من اهتمامات منذ انطلاق العدوان على سورية، قد تكون مميزة بين المناطق السورية بشكل يجعل منها ذات فرادة في أكثر من وجه.

وهذه الفرادة جعلت من العدوان يتجه إلى اتخاذ حمص «عاصمة للثورة» على حد ما أطلق عليه من تسمية، وجعله يجهزها بغرف عمليات مميزة قد تكون الأكثر تطوراً في كل المنطقة لجهة التقنيات الحديثة التي استعملت فيها والتي مكنتها من الارتباط المباشر عبر الأقمار الاصطناعية بكل من الحلف الأطلسي و«إسرائيل» وتركيا وبالبحرية الأوروبية العاملة في المتوسط ضمن قوات اليونفيل التي أنشئت بموجب القرار 425 وتوسعت مهامها ونطاق عملها بموجب القرار 1701. لقد ركزت قيادة العدوان على حمص باعتبارها تحقــــق لها المزايا الاستراتيجية والعملانية التالية :‏

1» انها تشطر سورية في قلبها وتعزل مركز الثقل الاستراتيجي السياسي للدولة «دمشق» عن مركز الثقل الاستراتيجي الاقتصادي لها «حلب» وتقطع اتصال العاصمة بالمنفذ البحري للدولة على ساحل المتوسط بما يمكن حصارها وإسقاطها عندما تتوافر القوى اللازمة.‏

2» انها تنشئ قاعدة تلقي ومدخل لكل الدعم والاسناد الخارجي عبر شمال لبنان ومن خلال خطوط إمداد قصيرة لا تتجاوز الـ 60 كلم «مسافة تقطع سيراً على الأقدام بأقل من ليل أو نهار، وبأقل من ساعتين بالآليات» ما يضمن الدفق العسكري واللوجستي «عديد وعتاد» لتغذية نار العدوان على سورية بالحد الأدنى من الجهد.‏

3» انها تمكن من إمداد ما يسمونه «ثورة» بالتعزيز اللازم من المقاتلين السوريين كونها تعتبر إحدى المناطق السورية الثلاث الأكبر من حيث السكان، كما أنها تؤثر من وجه آخر على الجيش العربي السوري من هذه الجهة كون سكانها يشكلون أحد الروافد الرئيسية الكبرى لعديد الجيش.‏

4» انها تحرم الجيش العربي السوري من كثير من قواعده العملانية واللوجستية البالغة الأهمية التي أنشئت فيها بسبب موقعها الجغرافي في وسط البلاد. وفي المقابل تمكن الخارجين على الدولة من الاستفادة من تلك القواعد لتغذية العدوان على سورية.‏

5» انها تشكل ورقة احتياطية تلعب خدمة لتقسيم سورية إذا رأى المخطط أن إسقاطها كلها متعذر وان التقسيم افضل الحلول المتاحة، لأنه سيكون عندها بحاجة الى ربط منطقة الوسط السوري «إحدى دويلات التقسيم المفترضة» بالبحر عبر الشمال اللبناني وصولاً الى طرابلس.‏

6» انها تمكن من قطع أحد خطوط الامداد اللوجستي الرئيسية للمقاومة في لبنان عبر سورية بما يمكن من محاصرتها لاحقاً في حال النجاح بقطع الشرايين الاخرى.‏

هذه الخصائص جعلت المتابعين لما يجري في سورية من ذوي الخبرة الاستراتيجية والعسكرية يقولون ببساطة إن حمص ومنطقتها تحدد المسار العام للأحداث في سورية، ومن يمسكها يتحكم باتجاه الميدان أولاً وبالمسار السياسي ثانياً. ومن أجل ذلك شاهدنا كيف ان العدوان ضخ الى حمص ذاك الجمع الكثيف من المسلحين حتى وصل مجمل العدد الى ما كاد يلامس ربع ما تم تجنيده في كل سورية تحت عنوان ما سمي ثورة «35 ألف مسلح من أصل 170» تمركز في مدينة حمص وحدها منهم ما يربو على الـ 11 ألف مسلح من سوريين وغير سوريين، زُوِّدوا بخبرات عسكرية أجنبية من أوروبية واسرائيلية وخليجية.‏

لقد أدركت القيادة السورية أهمية منطقة حمص ومخاطر إفلاتها من قبضة الدولة، كما أنها وقفت على مخاطر الانزلاق إلى أفخاخ نصبت لها هناك بحيث ظهر جلياً ان التساهل في الأمر قاتل كما ان الانفعال وردّة الفعل الدفاعية غير المدروسة محفوفة بعظيم المخاطر. ولذلك وضعت الخطة الدفاعية عن حمص ومنطقتها بحيث تحول ما أمكن دون تحقيق العدوان لأهدافه في المنطقة، عبر استراتيجية قامت على أركان أربعة أولها ثبات القوى العسكرية السورية ما أمكن في أي نقطة أو موقع داخل المنطقة، والثاني منع تشكل المنطقة او الجبهة المعادية المتراصة حول حمص، والثالث عزل المنطقة عن لبنان بالقدر المستطاع، وأخيراً التطهير والتنظيف عبر سياسة القضم والوثبات القصيرة المدروسة. وبدأ العمل بهذه الخطة منذ سنتين بتنظيف بابا عمرو.‏

والآن نستطيع القول وبعد نجاح الجيش العربي السوري في تطهير كامل مدينة حمص وجعلها آمنة من غير سلاح إرهابي، إثر تفاهم شكل مخرجاً لمن تبقى للمسلحين يتيح لهم مغادرة المدينة والنجاة بأبدانهم بعد ان خسروا المعركة فيها، وبعد ان وضعهم الضغط العسكري الذي مارسه الجيش بحذاقة هناك، وضعهم بين خيارات أربعة: إما القتل او الفرار او التسليم او الخروج بهذه الطريقة التي تحفظهم جسداً وتسقطهم مهمة ووظيفة، فاختاروا الحل الاخير لأنه الافضل لهم، وكان حل يناسب الجيش العربي السوري أيضاً لان فيه تحقيق لاهدافه بتطهير المدينة من غير حاجة الى ثمن اضافي يدفع من دماء العسكريين ، كما انه يوفر فرصة تزويد مناطق سورية اخرى بالمؤمن بعد ان حاصرها الإرهابيون واستمروا في التضييق عليها منذ سنتين تقريباً «نبل والزهراء».‏

بعد هذا نستطيع القول إن سورية انتصرت أيما انتصار في معركتها الدفاعية التي نفذتها بسياسة النفس الطويل والاصرار الدؤوب على تنفيذ المهمة بصرف النظر عن الثمن الذي يستوجبه التنفيذ، ولم يكن في الامر تسوية او مصالحة في حمص لان عناصر هذا الشأن غير متحققة في الواقع، وانما نصف ما حصل بأنه مخرج صنع الجيش العربي السوري عناصره، فمكنه من تحقيق اهدافه بتطهير المدينة من غير أثمان اضافية، وهو مخرج ما كان ليحصل لو لم ينجح الجيش خلال السنتين الماضيتين في ما قام به من عمليات عسكرية أدت إلى إخراج أكثر من عشرة آلاف مسلح من ميدان حمص قتلاً أو إصابة أو استسلاماً أو فراراً. بمعنى ان هذا المخرج جاء تتويجاً للعمل العسكري الذي نفذ ولم يكن حلاً تصالحياً كما يظن. مخرج وجه للمعنيين بما يجري في سورية رسائل مهمة تمكنهم من الاستفادة منها اذا شاؤوا، وتكون خسارتهم مضاعفة ان اهملوا المضمون، رسائل نرى بعضها كما يلي :‏

أ‌. ان المنطقة الأخطر والاهم بالنسبة للعدوان، اسقطت من يده وان سير المواجهة الدفاعية بعد حمص سيكون بوتيرة أسرع مما قبلها خاصة بعد عزل لبنان وإقفال طرق امداد المسلحين عبره، وبعد تعطيل كل العناصر التي ذكرت أعلاه في سياق الحديث من مزايا منطقة حمص.‏

ب‌. ان طبيعة الحرب تغيرت الآن، ولا يمكن لعاقل او خبير ان يتصور ان بإمكان الإرهابيين تعويض شيء مما خسروه في حمص ومنطقتها، وان المعارك التي ستقع في سياق الحرب الكونية التي شنت على سورية هي معارك محكومة بنهايات مؤكدة تمثل هزيمة للمسلحين الذين عليهم التعجيل في الخروج من الميدان للنجاة قبل فوات الاوان.‏

ت‌. ان الجيش العربي السوري يملك القدرة اللازمة لوضع من يواجهه امام انموذج القصير ويبرود «القتال والقتل وتنظيف الارض بالقوة» او نموذج حمص «الإخلاء بالاتفاق والنجاة بالأبدان». ويبقى للمسلحين ان يختاروا الخروج من الميدان بأي من هذين النموذجين.‏

ث‌. ان سورية تدافع عن نفسها وان غايتها هي استعادة الامن والاستقرار بأقل الاثمان الممكنة، فإن توصلت إلى ذلك مع حجب الدماء وحماية الممتلكات فإنها تكون سعيدة في ذلك ولا تتأخر عن سلوك ما يحققه، وتكون سورية قد أجهضت بهذا كل المناورات الغربية التي تذرعت بمسائل انسانية وطالبت بفك الحصار عن حمص بما يشكل خدعة موصوفة.‏

ج‌. ان الوقت وكلفة العمل لا يثنيان سورية عن متابعة المهمة وان حمص تقدم الدليل على الصبر والارادة السورية التي أدت بعد سنتين من العمل العسكري الحثيث من تحقيق المبتغى.‏

ح‌. ان معركة حمص وما سبقها في القلمون والغوطة الدمشقية كتبت الصفحات الاولى في فصل نهاية الأزمة في سورية التي سيؤرخ لها انطلاقاً من هذه الوقائع.‏

وأخيراً ان ما جرى في حمص يؤكد مرة اخرى ان العدوان على سورية اخفق وعليه التراجع. وبسقوط المسلحين في حمص سقطت كل الاهداف التي رمى العدوان الى تحقيقها من وجودهم فيها وبالتالي لن تكون حرب الاستنزاف التي انقلبت قيادة العدوان مؤخراً اليها مخرجاً من الهزيمة حتى ولو شكلت طريقا للانتقام ، واذا كان اوباما يضحك بخبث قائلاً بأنه تمكن من تدمير سورية، فإن سورية ترد بثقة، ان المهم في الحروب هو من يفرض ارادته، وسورية فرضت ارادتها وكسرت ارادة العدوان وما دمر يمكن تعميره، بعد ان ثبتت سورية في موقعها الاستراتيجي، فإنها تتحضر للعودة الى لعب دورها الاقليمي الفاعل بعد النجاح المرتقب في العملية السياسية والانتخابات الرئاسية المقبلة.‏

 

  • فريق ماسة
  • 2014-05-11
  • 11218
  • من الأرشيف

مخرج حمص.. رسائل وتداعيات.

قد تكون حمص وما تعلق بها من سلوكيات وما احتلته من اهتمامات منذ انطلاق العدوان على سورية، قد تكون مميزة بين المناطق السورية بشكل يجعل منها ذات فرادة في أكثر من وجه. وهذه الفرادة جعلت من العدوان يتجه إلى اتخاذ حمص «عاصمة للثورة» على حد ما أطلق عليه من تسمية، وجعله يجهزها بغرف عمليات مميزة قد تكون الأكثر تطوراً في كل المنطقة لجهة التقنيات الحديثة التي استعملت فيها والتي مكنتها من الارتباط المباشر عبر الأقمار الاصطناعية بكل من الحلف الأطلسي و«إسرائيل» وتركيا وبالبحرية الأوروبية العاملة في المتوسط ضمن قوات اليونفيل التي أنشئت بموجب القرار 425 وتوسعت مهامها ونطاق عملها بموجب القرار 1701. لقد ركزت قيادة العدوان على حمص باعتبارها تحقــــق لها المزايا الاستراتيجية والعملانية التالية :‏ 1» انها تشطر سورية في قلبها وتعزل مركز الثقل الاستراتيجي السياسي للدولة «دمشق» عن مركز الثقل الاستراتيجي الاقتصادي لها «حلب» وتقطع اتصال العاصمة بالمنفذ البحري للدولة على ساحل المتوسط بما يمكن حصارها وإسقاطها عندما تتوافر القوى اللازمة.‏ 2» انها تنشئ قاعدة تلقي ومدخل لكل الدعم والاسناد الخارجي عبر شمال لبنان ومن خلال خطوط إمداد قصيرة لا تتجاوز الـ 60 كلم «مسافة تقطع سيراً على الأقدام بأقل من ليل أو نهار، وبأقل من ساعتين بالآليات» ما يضمن الدفق العسكري واللوجستي «عديد وعتاد» لتغذية نار العدوان على سورية بالحد الأدنى من الجهد.‏ 3» انها تمكن من إمداد ما يسمونه «ثورة» بالتعزيز اللازم من المقاتلين السوريين كونها تعتبر إحدى المناطق السورية الثلاث الأكبر من حيث السكان، كما أنها تؤثر من وجه آخر على الجيش العربي السوري من هذه الجهة كون سكانها يشكلون أحد الروافد الرئيسية الكبرى لعديد الجيش.‏ 4» انها تحرم الجيش العربي السوري من كثير من قواعده العملانية واللوجستية البالغة الأهمية التي أنشئت فيها بسبب موقعها الجغرافي في وسط البلاد. وفي المقابل تمكن الخارجين على الدولة من الاستفادة من تلك القواعد لتغذية العدوان على سورية.‏ 5» انها تشكل ورقة احتياطية تلعب خدمة لتقسيم سورية إذا رأى المخطط أن إسقاطها كلها متعذر وان التقسيم افضل الحلول المتاحة، لأنه سيكون عندها بحاجة الى ربط منطقة الوسط السوري «إحدى دويلات التقسيم المفترضة» بالبحر عبر الشمال اللبناني وصولاً الى طرابلس.‏ 6» انها تمكن من قطع أحد خطوط الامداد اللوجستي الرئيسية للمقاومة في لبنان عبر سورية بما يمكن من محاصرتها لاحقاً في حال النجاح بقطع الشرايين الاخرى.‏ هذه الخصائص جعلت المتابعين لما يجري في سورية من ذوي الخبرة الاستراتيجية والعسكرية يقولون ببساطة إن حمص ومنطقتها تحدد المسار العام للأحداث في سورية، ومن يمسكها يتحكم باتجاه الميدان أولاً وبالمسار السياسي ثانياً. ومن أجل ذلك شاهدنا كيف ان العدوان ضخ الى حمص ذاك الجمع الكثيف من المسلحين حتى وصل مجمل العدد الى ما كاد يلامس ربع ما تم تجنيده في كل سورية تحت عنوان ما سمي ثورة «35 ألف مسلح من أصل 170» تمركز في مدينة حمص وحدها منهم ما يربو على الـ 11 ألف مسلح من سوريين وغير سوريين، زُوِّدوا بخبرات عسكرية أجنبية من أوروبية واسرائيلية وخليجية.‏ لقد أدركت القيادة السورية أهمية منطقة حمص ومخاطر إفلاتها من قبضة الدولة، كما أنها وقفت على مخاطر الانزلاق إلى أفخاخ نصبت لها هناك بحيث ظهر جلياً ان التساهل في الأمر قاتل كما ان الانفعال وردّة الفعل الدفاعية غير المدروسة محفوفة بعظيم المخاطر. ولذلك وضعت الخطة الدفاعية عن حمص ومنطقتها بحيث تحول ما أمكن دون تحقيق العدوان لأهدافه في المنطقة، عبر استراتيجية قامت على أركان أربعة أولها ثبات القوى العسكرية السورية ما أمكن في أي نقطة أو موقع داخل المنطقة، والثاني منع تشكل المنطقة او الجبهة المعادية المتراصة حول حمص، والثالث عزل المنطقة عن لبنان بالقدر المستطاع، وأخيراً التطهير والتنظيف عبر سياسة القضم والوثبات القصيرة المدروسة. وبدأ العمل بهذه الخطة منذ سنتين بتنظيف بابا عمرو.‏ والآن نستطيع القول وبعد نجاح الجيش العربي السوري في تطهير كامل مدينة حمص وجعلها آمنة من غير سلاح إرهابي، إثر تفاهم شكل مخرجاً لمن تبقى للمسلحين يتيح لهم مغادرة المدينة والنجاة بأبدانهم بعد ان خسروا المعركة فيها، وبعد ان وضعهم الضغط العسكري الذي مارسه الجيش بحذاقة هناك، وضعهم بين خيارات أربعة: إما القتل او الفرار او التسليم او الخروج بهذه الطريقة التي تحفظهم جسداً وتسقطهم مهمة ووظيفة، فاختاروا الحل الاخير لأنه الافضل لهم، وكان حل يناسب الجيش العربي السوري أيضاً لان فيه تحقيق لاهدافه بتطهير المدينة من غير حاجة الى ثمن اضافي يدفع من دماء العسكريين ، كما انه يوفر فرصة تزويد مناطق سورية اخرى بالمؤمن بعد ان حاصرها الإرهابيون واستمروا في التضييق عليها منذ سنتين تقريباً «نبل والزهراء».‏ بعد هذا نستطيع القول إن سورية انتصرت أيما انتصار في معركتها الدفاعية التي نفذتها بسياسة النفس الطويل والاصرار الدؤوب على تنفيذ المهمة بصرف النظر عن الثمن الذي يستوجبه التنفيذ، ولم يكن في الامر تسوية او مصالحة في حمص لان عناصر هذا الشأن غير متحققة في الواقع، وانما نصف ما حصل بأنه مخرج صنع الجيش العربي السوري عناصره، فمكنه من تحقيق اهدافه بتطهير المدينة من غير أثمان اضافية، وهو مخرج ما كان ليحصل لو لم ينجح الجيش خلال السنتين الماضيتين في ما قام به من عمليات عسكرية أدت إلى إخراج أكثر من عشرة آلاف مسلح من ميدان حمص قتلاً أو إصابة أو استسلاماً أو فراراً. بمعنى ان هذا المخرج جاء تتويجاً للعمل العسكري الذي نفذ ولم يكن حلاً تصالحياً كما يظن. مخرج وجه للمعنيين بما يجري في سورية رسائل مهمة تمكنهم من الاستفادة منها اذا شاؤوا، وتكون خسارتهم مضاعفة ان اهملوا المضمون، رسائل نرى بعضها كما يلي :‏ أ‌. ان المنطقة الأخطر والاهم بالنسبة للعدوان، اسقطت من يده وان سير المواجهة الدفاعية بعد حمص سيكون بوتيرة أسرع مما قبلها خاصة بعد عزل لبنان وإقفال طرق امداد المسلحين عبره، وبعد تعطيل كل العناصر التي ذكرت أعلاه في سياق الحديث من مزايا منطقة حمص.‏ ب‌. ان طبيعة الحرب تغيرت الآن، ولا يمكن لعاقل او خبير ان يتصور ان بإمكان الإرهابيين تعويض شيء مما خسروه في حمص ومنطقتها، وان المعارك التي ستقع في سياق الحرب الكونية التي شنت على سورية هي معارك محكومة بنهايات مؤكدة تمثل هزيمة للمسلحين الذين عليهم التعجيل في الخروج من الميدان للنجاة قبل فوات الاوان.‏ ت‌. ان الجيش العربي السوري يملك القدرة اللازمة لوضع من يواجهه امام انموذج القصير ويبرود «القتال والقتل وتنظيف الارض بالقوة» او نموذج حمص «الإخلاء بالاتفاق والنجاة بالأبدان». ويبقى للمسلحين ان يختاروا الخروج من الميدان بأي من هذين النموذجين.‏ ث‌. ان سورية تدافع عن نفسها وان غايتها هي استعادة الامن والاستقرار بأقل الاثمان الممكنة، فإن توصلت إلى ذلك مع حجب الدماء وحماية الممتلكات فإنها تكون سعيدة في ذلك ولا تتأخر عن سلوك ما يحققه، وتكون سورية قد أجهضت بهذا كل المناورات الغربية التي تذرعت بمسائل انسانية وطالبت بفك الحصار عن حمص بما يشكل خدعة موصوفة.‏ ج‌. ان الوقت وكلفة العمل لا يثنيان سورية عن متابعة المهمة وان حمص تقدم الدليل على الصبر والارادة السورية التي أدت بعد سنتين من العمل العسكري الحثيث من تحقيق المبتغى.‏ ح‌. ان معركة حمص وما سبقها في القلمون والغوطة الدمشقية كتبت الصفحات الاولى في فصل نهاية الأزمة في سورية التي سيؤرخ لها انطلاقاً من هذه الوقائع.‏ وأخيراً ان ما جرى في حمص يؤكد مرة اخرى ان العدوان على سورية اخفق وعليه التراجع. وبسقوط المسلحين في حمص سقطت كل الاهداف التي رمى العدوان الى تحقيقها من وجودهم فيها وبالتالي لن تكون حرب الاستنزاف التي انقلبت قيادة العدوان مؤخراً اليها مخرجاً من الهزيمة حتى ولو شكلت طريقا للانتقام ، واذا كان اوباما يضحك بخبث قائلاً بأنه تمكن من تدمير سورية، فإن سورية ترد بثقة، ان المهم في الحروب هو من يفرض ارادته، وسورية فرضت ارادتها وكسرت ارادة العدوان وما دمر يمكن تعميره، بعد ان ثبتت سورية في موقعها الاستراتيجي، فإنها تتحضر للعودة الى لعب دورها الاقليمي الفاعل بعد النجاح المرتقب في العملية السياسية والانتخابات الرئاسية المقبلة.‏  

المصدر : د. أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة