في سلوك انفعاليّ تجاوز الحدود التي كان الأميركيّ لامسها خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر العدوان على سورية، أقدمت أميركا في إطار حربها على السيادة السورية ورفضها ممارسة الشعب السوري خياره وقراره المستقل في اختيار رئيس دولته، على منح الصفة الدبلوماسية التمثيلية لمكاتب ما يسمى بـ«الائتلاف السوري المعارض»، بعدما كانت أغلقت سابقاً القنصليات والممثليات السورية الشرعية على أراضيها، في خطوة لا يختلف إثنان على أنها نوع من أنواع الضغوط على الحكومة السورية لثنيها عن السير قدماً في السعي إلى إنهاء الأزمة التي فرضت عليها، وهو سعي تكاملي بين ميدان تحصد فيه الإنجازات تراكماً، وسياسة تؤكد سورية عبرها سيادتها واستقلالها وقدرتها على إجراء الانتخابات الرئاسية تطبيقاً للدستور النافذ، ما يصفع دعاة الحل التزويري والمرحلة الانتقالية الاغتصابية للسلطة.

تصوّرت أميركا أن الحرب البديلة التي قادتها ضد سورية ستمكنها بعد التدمير من فرض استعمار جديد عليها تديره حفنة من العملاء ربيبي الاستخبارات الأجنبية متعددي الجنسية وجواز السفر تسميهم حكاماً لسورية، لكن التصور الأميركي كان في واد والحقيقة التي ثبتتها سورية بجيشها وشعبها وقيادتها وحلفائها في واد آخر. حقيقة أذهلت أميركا وأظهرت كم هي منفصلة عن الواقع في تعاطيها مع الشأن السوري.

 حقيقة لا تشبه في شيء تمنيات أميركا وأحلامها، تلك الأحلام التي أجهضت رغم كل ما بذل في سبيلها من قدرات، واليوم تظن أميركا أن الإعلان عن تزويد الإرهابيين السلاح، ثم الإعلان عن مضاعفة الكميات من الأسلحة والذخائر المسلمة تلك، مترافقاً مع تقييد حركة السفير السوري لدى الأمم المتحدة وإغلاق مكاتب الممثليات السورية في المدن الأميركية والاعتراف بما تسمّيه «ائتلاف المعارضة السورية» كممثل شرعي للشعب السوري ومنح مكاتبه في أميركا الصفة الدبلوماسية، تعتقد أن هذه الأمور ستحجب الإنجازات السورية في الميدان وتفرغ الإنجاز الدستوري من محتواه عبر ما أعلنته من عدم اعتراف مسبق بنتائج الانتخابات منتحلة صفة النطق باسم المجتمع الدولي، الكذبة التي اخترعتها لتشرّع عدوانها على العالم.

 نعلم أن ليس من شأن التصرفات الأميركية تلك أن تحقق شيئاً مما تبتغيه أميركا في سورية، وندرك أن هذه القرارات ليس أكثر من ردة فعل هستيرية سببها الفشل الأميركي والنجاح السوري. نجاح تجلى بشكل خاص في الإنجازات الميدانية الأخيرة، التي تحققت في سياق الخطة العملانية المعتمدة منذ سنة تقريباً استراتيجية الأسد التي تنفذ تحت سقوف ثلاثة متفاوتة وفقاً لبرنامج أولويات متقن يخدم الهدف النهائي من العمليات العسكرية وهو استعادة الأمن والاستقرار إلى كامل ربوع سورية.

 بالتالي، يتحقق الإنجاز الميداني تحت أي سقف من السقوف الثلاثة سواء في السقف الأدنى وهو الثبات في الدفاع عن المراكز حتى المحاصر منها، أو السقف الأوسط وهو العمليات الرشيقة التي تقطع أوصال أماكن تواجد الجماعات المسلحة وتثير البلبلة والفوضى والاضطراب في صفوفهم، ما يؤدي إلى التحييد أو التآكل أو شل الفعالية، أو السقف الأعلى وهو الأهم ويتمثل في تطهير المناطق التي دخلها المسلحون وتنظيفها كلياً. وضمن هذه الإنجازات التي حصلت حديثاً فأخرجت أميركا على طورها، بل إنها راكمت النجاح في القلمون وأكدت أن سورية تسير فعلياً نحو إنهاء الأزمة نذكر:

 1 حمص القديمة:

في بداية العدوان على سورية قال الجنرال الأميركي بتراوس قائد المنطقة الوسطى في التصنيف الأميركي للعالم ومسارحه الاستراتيجية، وهي المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقاً إلى مصر والسودان غرباً. قال بتراوس «إذا سيطرنا على حمص ومدينة أخرى في الساحل أو الداخل فإننا نطمئن لنجاح المهمة في السيطرة على سورية كلها»، وأعتقد أن بتراوس لم يكن مغالياً في ذلك، لأن حمص تعتبر بالنسبة إلى سورية ومن الناحية الاستراتيجية مفتاح التحكم الذي تتقاطع عنده محاور الوصل والاتصال بين ساحل البلاد وباديتها، وشمال الدولة حيث ثقلها الاقتصادي وجنوبها، مروراً بدمشق حيث ثقلها النوعي الاستراتيجي. ولأجل ذلك اعتمدت حمص من قبل العدوان عاصمة لما أسمي «ثورة» وأنشئت فيها القلاع المحصنة مثل بابا عمرو وسواها لتستوعب غرف العمليات المركزية التي يديرها الضباط الأجانب بمن فيهم الأميركي والفرنسي و«الإسرائيلي» فضلاً عن ضباط الخليج من مجلس التعاون. شاءت قيادة العدوان أن تجعل من حمص مدينة مكافئة لدمشق من حيث الأهمية، ولأجل ذلك تمسكت بورقة لبنان وشماله خدمة لهذه العاصمة المفترضة. هذه حمص بأهميتها المتعددة الوجه.

 حمص هذه تسقط اليوم من أيدي قيادة العدوان وتدخلها الدولة السورية بقواتها الشرعية لتطهرها بشكل تام ولتطوي صفحة مأسوية من تاريخها، ولتجهض الحلم الأميركي الأساس الذي بنيت عليه خطة إسقاط سورية.

 ثم إن طريقة تطهير المدينة وإعادتها إلى كنف الدولة فيها من الرسائل والعبر ما يخيف العدو ويطمئن الصديق ويشجع الضال على العودة السريعة إلى شرعية الدولة.

 لا يظنن أحد أن المصالحة ـ المخرج التي تمت، فيها تنازل من الدولة لمصلحة المسلحين، إنما كان عملاً متقناً نفذته الدولة بدءاً بوجهه العسكري الذي عمل لأسابيع غير قصيرة وانتهى إلى رسم صورة للموقف علم بها المسلحون أن لا نجاة لهم إلا بالانصياع إلى ما تريده الدولة، ولأن في قواعد النصر المستقر قاعدة تقول إن «أفضل الانتصارات هو ما كان بأقل الخسائر وما كان العدو قادراً على احتماله»، فإننا نرى أن النجاح في استعادة حمص يستجيب إلى هذه القاعدة، فليست غاية الدولة القتل كما يظن البعض، بل القصد التطهير ومنع المسلح من متابعة القتال في موقعه وهذا الذي حصل. بذلك استعيدت حمص وغضبت أميركا التي لم تنفعها المناورات من جنيف وما قبلها وبعدها لفك الطوق عنها وإبقاء المسلحين فيها.

 2 المليحة في الغوطة الشرقية:

 تعتبر المليحة نظراً إلى موقعها وطبيعتها وما يتصل بها، مفتاح التحكم في دمشق من الشرق، وجعلها المسلحون منطقة التلقي والفرز والتصنيف وإعادة التنظيم للجماعات والعصابات المسلحة، وقاعدة التهديد المباشر والقريب إلى دمشق. كما أن المليحة تتحكم في محاور الحركة من الجنوب السوري وإليه، وهي بوابة دمشق في اتجاه البادية والصحراء، فضلاً عن كونها متحكمة في طريق دمشق ـ حمص الأساسية. وهي في كل حال تقع وسط الغوطة الشرقية ولديها القدرات لتقديم الإسناد اللازم إلى دوما التي تعتبر الموقع الأساسي الأول للمسلحين شمال شرق دمشق. والسيطرة على المليحة من قبل الدولة السورية تحرم المسلحين من كل تلك المنافع أولاً، ثم إنها تفتح الطريق إلى تحويل القتال في محيط دمشق من قتال جبهة متماسكة إلى قتال جيوب ومناطق معزولة مفككة، ما يسهل على القوى المهاجمة عملية تطهيرها وتنظيفها. والآن بعد القلمون والمليحة باتت مسألة إسدال الستار على الجبهة الوسطى مسألة وقت، وباتت الأمور عسكرياً تحت السيطرة التامة التي يترك للقادة الميدانيين أمر التخطيط لإنهاء العمليات فيها. وفي هذا سبب آخر للهستيريا الأميركية إذ وجدت أميركا أن حرب الاستنزاف التي انقلبت إليها لن تطول مثلما كانت تتصور.

 3 منطقة حلب:

 كبيرة كانت الأحلام الأميركية حول حلب وامتلاك السيطرة عليها لكن سورية ورغم حجم القوى المشاركة في العدوان عليها، ورغم تعدد الجبهات التي فتحت في وجهها دفعة واحدة قدمت عبر جيشها أمثولة رائعة في الصمود والثبات الذي تجلى في تمسك القوى بمواقعها رغم الحصار الخانق الذي فرضه المسلحون عليهم. بهذه العزيمة استمرت تلك القوى رغم تحوّل مراكزها إلى مواقع معزولة لا اتصال بينها، وضع يغري المسلحين وقيادة العدوان بحلم الإجهاز عليها وتحقيق السيطرة على كامل المنطقة في الشمال بعاصمتها حلب.

 لكن الميدان في حلب كذّب الأحلام المعادية مرة أخرى، وبدأت القوات العربية السورية عمليات فك الطوق والهجوم المدروس بحوادث الاختراقات أولاً ثم وصل المناطق في ما بينها ثانياً، ثم انقلاب المشهد وتحويل مراكز المسلحين إلى مراكز معزولة مطوقة تنتظر الإجهاز عليها بطريقة من اثنين، إما على طريقة حمص القديمة بالتسليم عبر المصالحة، أو على طريقة يبرود والقصير عبر القتال وفي الحالين باتت حلب في الجانب الأمين بالنسبة إلى قيادة الدفاع عن سورية وهذا ما أثار أميركا وفجر غيظها نتيجة تهاوي الأحلام هناك.

 من يطلع جيداً على الإنجازات الآنفة الذكر يدرك جيداً سبب الهستيريا الأميركية حيال سورية التي لم تتوقف عند منجزات الميدان، بل تابعت في الإدارة والسياسة، خاصة لجهة الاستمرار في العملية الدستورية لانتخابات الرئاسة التي تؤكد أن شرعية الرئيس تستمد من الشعب السوري ولا يمنحها أو يسحبها رئيس أميركا، وليصرخ الأخير كما يشاء، فستبقى سورية ومحورها وحلفاؤها في خط سير مأمون لإنهاء عدوان قادته أميركا وفشلت في تحقيق أهدافه .

  • فريق ماسة
  • 2014-05-07
  • 10881
  • من الأرشيف

ما الانجازات العسكرية السورية التي ادخلت اميركا في الهستيرية ؟

في سلوك انفعاليّ تجاوز الحدود التي كان الأميركيّ لامسها خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر العدوان على سورية، أقدمت أميركا في إطار حربها على السيادة السورية ورفضها ممارسة الشعب السوري خياره وقراره المستقل في اختيار رئيس دولته، على منح الصفة الدبلوماسية التمثيلية لمكاتب ما يسمى بـ«الائتلاف السوري المعارض»، بعدما كانت أغلقت سابقاً القنصليات والممثليات السورية الشرعية على أراضيها، في خطوة لا يختلف إثنان على أنها نوع من أنواع الضغوط على الحكومة السورية لثنيها عن السير قدماً في السعي إلى إنهاء الأزمة التي فرضت عليها، وهو سعي تكاملي بين ميدان تحصد فيه الإنجازات تراكماً، وسياسة تؤكد سورية عبرها سيادتها واستقلالها وقدرتها على إجراء الانتخابات الرئاسية تطبيقاً للدستور النافذ، ما يصفع دعاة الحل التزويري والمرحلة الانتقالية الاغتصابية للسلطة. تصوّرت أميركا أن الحرب البديلة التي قادتها ضد سورية ستمكنها بعد التدمير من فرض استعمار جديد عليها تديره حفنة من العملاء ربيبي الاستخبارات الأجنبية متعددي الجنسية وجواز السفر تسميهم حكاماً لسورية، لكن التصور الأميركي كان في واد والحقيقة التي ثبتتها سورية بجيشها وشعبها وقيادتها وحلفائها في واد آخر. حقيقة أذهلت أميركا وأظهرت كم هي منفصلة عن الواقع في تعاطيها مع الشأن السوري.  حقيقة لا تشبه في شيء تمنيات أميركا وأحلامها، تلك الأحلام التي أجهضت رغم كل ما بذل في سبيلها من قدرات، واليوم تظن أميركا أن الإعلان عن تزويد الإرهابيين السلاح، ثم الإعلان عن مضاعفة الكميات من الأسلحة والذخائر المسلمة تلك، مترافقاً مع تقييد حركة السفير السوري لدى الأمم المتحدة وإغلاق مكاتب الممثليات السورية في المدن الأميركية والاعتراف بما تسمّيه «ائتلاف المعارضة السورية» كممثل شرعي للشعب السوري ومنح مكاتبه في أميركا الصفة الدبلوماسية، تعتقد أن هذه الأمور ستحجب الإنجازات السورية في الميدان وتفرغ الإنجاز الدستوري من محتواه عبر ما أعلنته من عدم اعتراف مسبق بنتائج الانتخابات منتحلة صفة النطق باسم المجتمع الدولي، الكذبة التي اخترعتها لتشرّع عدوانها على العالم.  نعلم أن ليس من شأن التصرفات الأميركية تلك أن تحقق شيئاً مما تبتغيه أميركا في سورية، وندرك أن هذه القرارات ليس أكثر من ردة فعل هستيرية سببها الفشل الأميركي والنجاح السوري. نجاح تجلى بشكل خاص في الإنجازات الميدانية الأخيرة، التي تحققت في سياق الخطة العملانية المعتمدة منذ سنة تقريباً استراتيجية الأسد التي تنفذ تحت سقوف ثلاثة متفاوتة وفقاً لبرنامج أولويات متقن يخدم الهدف النهائي من العمليات العسكرية وهو استعادة الأمن والاستقرار إلى كامل ربوع سورية.  بالتالي، يتحقق الإنجاز الميداني تحت أي سقف من السقوف الثلاثة سواء في السقف الأدنى وهو الثبات في الدفاع عن المراكز حتى المحاصر منها، أو السقف الأوسط وهو العمليات الرشيقة التي تقطع أوصال أماكن تواجد الجماعات المسلحة وتثير البلبلة والفوضى والاضطراب في صفوفهم، ما يؤدي إلى التحييد أو التآكل أو شل الفعالية، أو السقف الأعلى وهو الأهم ويتمثل في تطهير المناطق التي دخلها المسلحون وتنظيفها كلياً. وضمن هذه الإنجازات التي حصلت حديثاً فأخرجت أميركا على طورها، بل إنها راكمت النجاح في القلمون وأكدت أن سورية تسير فعلياً نحو إنهاء الأزمة نذكر:  1 حمص القديمة: في بداية العدوان على سورية قال الجنرال الأميركي بتراوس قائد المنطقة الوسطى في التصنيف الأميركي للعالم ومسارحه الاستراتيجية، وهي المنطقة الممتدة من أفغانستان شرقاً إلى مصر والسودان غرباً. قال بتراوس «إذا سيطرنا على حمص ومدينة أخرى في الساحل أو الداخل فإننا نطمئن لنجاح المهمة في السيطرة على سورية كلها»، وأعتقد أن بتراوس لم يكن مغالياً في ذلك، لأن حمص تعتبر بالنسبة إلى سورية ومن الناحية الاستراتيجية مفتاح التحكم الذي تتقاطع عنده محاور الوصل والاتصال بين ساحل البلاد وباديتها، وشمال الدولة حيث ثقلها الاقتصادي وجنوبها، مروراً بدمشق حيث ثقلها النوعي الاستراتيجي. ولأجل ذلك اعتمدت حمص من قبل العدوان عاصمة لما أسمي «ثورة» وأنشئت فيها القلاع المحصنة مثل بابا عمرو وسواها لتستوعب غرف العمليات المركزية التي يديرها الضباط الأجانب بمن فيهم الأميركي والفرنسي و«الإسرائيلي» فضلاً عن ضباط الخليج من مجلس التعاون. شاءت قيادة العدوان أن تجعل من حمص مدينة مكافئة لدمشق من حيث الأهمية، ولأجل ذلك تمسكت بورقة لبنان وشماله خدمة لهذه العاصمة المفترضة. هذه حمص بأهميتها المتعددة الوجه.  حمص هذه تسقط اليوم من أيدي قيادة العدوان وتدخلها الدولة السورية بقواتها الشرعية لتطهرها بشكل تام ولتطوي صفحة مأسوية من تاريخها، ولتجهض الحلم الأميركي الأساس الذي بنيت عليه خطة إسقاط سورية.  ثم إن طريقة تطهير المدينة وإعادتها إلى كنف الدولة فيها من الرسائل والعبر ما يخيف العدو ويطمئن الصديق ويشجع الضال على العودة السريعة إلى شرعية الدولة.  لا يظنن أحد أن المصالحة ـ المخرج التي تمت، فيها تنازل من الدولة لمصلحة المسلحين، إنما كان عملاً متقناً نفذته الدولة بدءاً بوجهه العسكري الذي عمل لأسابيع غير قصيرة وانتهى إلى رسم صورة للموقف علم بها المسلحون أن لا نجاة لهم إلا بالانصياع إلى ما تريده الدولة، ولأن في قواعد النصر المستقر قاعدة تقول إن «أفضل الانتصارات هو ما كان بأقل الخسائر وما كان العدو قادراً على احتماله»، فإننا نرى أن النجاح في استعادة حمص يستجيب إلى هذه القاعدة، فليست غاية الدولة القتل كما يظن البعض، بل القصد التطهير ومنع المسلح من متابعة القتال في موقعه وهذا الذي حصل. بذلك استعيدت حمص وغضبت أميركا التي لم تنفعها المناورات من جنيف وما قبلها وبعدها لفك الطوق عنها وإبقاء المسلحين فيها.  2 المليحة في الغوطة الشرقية:  تعتبر المليحة نظراً إلى موقعها وطبيعتها وما يتصل بها، مفتاح التحكم في دمشق من الشرق، وجعلها المسلحون منطقة التلقي والفرز والتصنيف وإعادة التنظيم للجماعات والعصابات المسلحة، وقاعدة التهديد المباشر والقريب إلى دمشق. كما أن المليحة تتحكم في محاور الحركة من الجنوب السوري وإليه، وهي بوابة دمشق في اتجاه البادية والصحراء، فضلاً عن كونها متحكمة في طريق دمشق ـ حمص الأساسية. وهي في كل حال تقع وسط الغوطة الشرقية ولديها القدرات لتقديم الإسناد اللازم إلى دوما التي تعتبر الموقع الأساسي الأول للمسلحين شمال شرق دمشق. والسيطرة على المليحة من قبل الدولة السورية تحرم المسلحين من كل تلك المنافع أولاً، ثم إنها تفتح الطريق إلى تحويل القتال في محيط دمشق من قتال جبهة متماسكة إلى قتال جيوب ومناطق معزولة مفككة، ما يسهل على القوى المهاجمة عملية تطهيرها وتنظيفها. والآن بعد القلمون والمليحة باتت مسألة إسدال الستار على الجبهة الوسطى مسألة وقت، وباتت الأمور عسكرياً تحت السيطرة التامة التي يترك للقادة الميدانيين أمر التخطيط لإنهاء العمليات فيها. وفي هذا سبب آخر للهستيريا الأميركية إذ وجدت أميركا أن حرب الاستنزاف التي انقلبت إليها لن تطول مثلما كانت تتصور.  3 منطقة حلب:  كبيرة كانت الأحلام الأميركية حول حلب وامتلاك السيطرة عليها لكن سورية ورغم حجم القوى المشاركة في العدوان عليها، ورغم تعدد الجبهات التي فتحت في وجهها دفعة واحدة قدمت عبر جيشها أمثولة رائعة في الصمود والثبات الذي تجلى في تمسك القوى بمواقعها رغم الحصار الخانق الذي فرضه المسلحون عليهم. بهذه العزيمة استمرت تلك القوى رغم تحوّل مراكزها إلى مواقع معزولة لا اتصال بينها، وضع يغري المسلحين وقيادة العدوان بحلم الإجهاز عليها وتحقيق السيطرة على كامل المنطقة في الشمال بعاصمتها حلب.  لكن الميدان في حلب كذّب الأحلام المعادية مرة أخرى، وبدأت القوات العربية السورية عمليات فك الطوق والهجوم المدروس بحوادث الاختراقات أولاً ثم وصل المناطق في ما بينها ثانياً، ثم انقلاب المشهد وتحويل مراكز المسلحين إلى مراكز معزولة مطوقة تنتظر الإجهاز عليها بطريقة من اثنين، إما على طريقة حمص القديمة بالتسليم عبر المصالحة، أو على طريقة يبرود والقصير عبر القتال وفي الحالين باتت حلب في الجانب الأمين بالنسبة إلى قيادة الدفاع عن سورية وهذا ما أثار أميركا وفجر غيظها نتيجة تهاوي الأحلام هناك.  من يطلع جيداً على الإنجازات الآنفة الذكر يدرك جيداً سبب الهستيريا الأميركية حيال سورية التي لم تتوقف عند منجزات الميدان، بل تابعت في الإدارة والسياسة، خاصة لجهة الاستمرار في العملية الدستورية لانتخابات الرئاسة التي تؤكد أن شرعية الرئيس تستمد من الشعب السوري ولا يمنحها أو يسحبها رئيس أميركا، وليصرخ الأخير كما يشاء، فستبقى سورية ومحورها وحلفاؤها في خط سير مأمون لإنهاء عدوان قادته أميركا وفشلت في تحقيق أهدافه .

المصدر : البناء/ أمين حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة