دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في لقاء جرى قبل شهرين، في مقرّ اتحاد نقابات العمال في مدينة طرطوس، سأل المسؤول العمّالي القادم من دمشق العمال المحتشدين، عن مطالبهم. بادر متحدِّث باسم المجموعة لانتهاز فرصة الكلام، معلناً أنّ جموع العمال في طرطوس لديها «مطلب واحد لا غير»، وهو تقدم الرئيس السوري بشار الأسد لولاية رئاسية ثالثة. أربك الموقف وسائل الإعلام الرسمية، وسط توجيهات بالوقوف «على الحياد»، في قضية الانتخابات الرئاسية. هذا مثال عمّا ستكون عليه تحدّيات الإعلام المحلّي، عند محاولته مقاربة الانتخابات الرئاسية بطريقة مقنعة للجمهور، بالرغم من وضوح نتائجها سلفاً.
منذ عدة أيّام، ومع إعلان اسم أول مرشح رئاسي، وهو عضو مجلس الشعب ماهر الحجار، بعث شخص غير معروف، برسالة تأييد تلفزيونية لتلك الخطوة، متحدثا باسم قرية كاملة. وظهرت الرسالة في شريط متحرك على شاشة البث الفضائي لإحدى الإذاعات الخاصّة. وبعد ساعة انهالت الاتصالات على المحطة من أهالي تلك القرية، تعبر عن تبرُّئها من الإعلان، «لأنَّ مرشحها هو الرئيس السوري الحالي لا غير». حاولت إدارة الإذاعة التوضيح للمتصلين أن من حق أي فرد أن يعلن تأييده لأي مرشح، وأنّ «الأمر مطلوب وهذا هدفه». وفي موقف مشابه، وجد أحد المسؤولين الإعلاميين نفسه، حين طلب مدير إحدى المحطات المحلية موعداً منه، ليسأله إن كانت استضافة مرشح رئاسي منافس، تؤدّي لمساءلات.
صفحة الرئاسة السورية أعلنت منذ أيام أنّها «تقف على مسافة واحدة من كل المرشحين»، وقالت في بيان نشر على صفحتها على «فايسبوك» أنّ الرئيس السوري بشار الأسد كمرشح سيكون له «إدارة لحملته الانتخابية كغيره من المرشحين»، وأن مكتب الرئاسة بهذه الحالة «يقف على مسافة واحدة من كل المرشحين ليختار السوريون مرشّحهم ورئيسهم بكامل الحرية والشفافية والمسؤولية».
يقول مصدر سوري بارز لـ«السفير»، إنّ المطلوب من الإعلام الحكومي «بذل كلّ جهد ممكن للوقوف على مسافة من المتبارزين الثلاثة»، وذلك بالرغم من أن نشاطات الأسد باعتباره رئيساً الآن ستبقى في إطار التغطية الاعتيادية. وسيقوم التلفزيون بتغطية لقاءات مرتقبة له مع فعاليات حزبية ونقابية، خلال الأسابيع المقبلة. كما سيلقى جزء من عبء تلك العمليّة الجديدة، على محطات أخرى غير سورية، بينها «الميادين» بعد عودتها للبثّ المباشر من دمشق.
يوم الاثنين الماضي مع تقدم الأسد بأوراق ترشيحه، خاض التلفزيون الحكومي أول امتحاناته مع «الحياد». تمثل ذلك في تغطية «المسيرات الشعبية» التي خرجت في اليوم ذاته. الفارق في التغطية، أن التقرير أشار إلى «حماسة» المواطنين للمشاركة في «الاستحقاق الديمقراطي»، من دون الإشارة إلى اسم الأسد، رغم ظهور صوره بوضوح في يد المتظاهرين.
يعرض التلفزيون أيضاً، مداخلات تعبوية ودعائية لرجال دين وفنانين معروفين، تدعو المواطنين للمشاركة في الإدلاء بصوتهم، «وتثبيت أحقية السوريين في اختيار قيادتهم المقبلة». ويرى كثيرون من العاملين في قطاع الإعلام الحكومي الإرباك الحاصل، في ادعاء الحياد تجاه انتخابات محسومة النتائج، مرحلياً. إذ أنّه يأتي في إطار زمني لا يتعدّى الأسابيع الثلاثة، ثلاثة أسابيع، في بلد تعيش حرباً ممزقة، ومن دون وجود تقليد سابق يمكن البناء عليه، سواء على مستوى العملية السياسية أو الإعلامية. يبرز ذلك بشكل خاص، عند الإشارة إلى «ضرورة إجراء حوارات مع المرشحين الجدد»، لمساعدتهم في حملاتهم الانتخابية، علماً أنّ المرشّحَيْن ماهر الحجار وحسان النّوري، لا يمتلكان ما يمكن أن يوصف بـ«ماكينة انتخابية».
بكلّ الأحوال، فإن مراقبة الإعلام السوري الخاص والعام، في محاولته القيام بمهمّة محايدة، سيكون مثيراً للانتباه والاهتمام، خصوصاً أنّ هذه الماكينة، سرعان ما ستعود إلى سابق عهدها بعد الثالث من حزيران المقبل
المصدر :
زياد حيدر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة