أقدم مهنة عرفها التاريخ البشري، لم يخلُ أي مجتمع إنساني في أي زمان وعصر وعلى أي بقعة من الكرة الأرضية من نساء يمارسن هذه المهنة.

أنطاكيا التركية مدينة حدودية قريبة من مدينتين سوريتين هامتين هما حلب وإدلب، مما جعل هذه المدينة مكاناً مؤهلاً لنزوح عشرات الآلاف من السوريين نتيجة الظروف القاسية التي تمر بها مختلف أنحاء البلاد، حيث يتوافد يومياً المئات من ثقافات وديانات وعادات وتقاليد متباينة بل من طبقات إجتماعية مختلفة أيضاً

تعيش في أنطاكيا العشرات من ‘بائعات الهوى’ السوريات، واللواتي يعملن في شقق مستأجرة خاصة بهن أو في فنادق تركية من النوع الرخيص، ويتجنب الكثيرين الحديث في هذا الموضوع لحساسيته.

حسن شاب سوري في مقتبل العمر يعيش في أنطاكيا يعتبر أن مجرد الحديث عن موضوع كهذا جريمة كبيرة، ويقول ‘هذه القصص ليست حقيقة، ولم يخترعها إلا شبيحة النظام السوريين هنا، أو الأتراك الموالون لبشار الأسد، والهدف منها الإساءة إلى السوريين وإهانتهم، ولو استطاع مؤيدو النظام هنا لقاموا بترحيل كل سوري معارض من أنطاكيا، لكن القوانين التركية تمنعهم من ذلك فلا يجدون طريقة للنيل منا سوى التغني بهذه القصص يومياً، وأنا أثق أنها من تأليفهم وابتكارهم’.

وكثيراً ما يصادفك أن يتحدث إليك سائق سيارة أجرة تركي كاره للسوريين عن ‘بائعة هوى’ سورية يعرفها، في محاولة منه لاستفزازك كسوري بشكل غير مباشر رغم انتشار ظاهرة البغاء في المجتمع التركي كغيره من المجتمعات.

أبو مصطفى أحد سائقي سيارة الاجرة الأتراك من أصول عربية، أكد لنا وجود العديد من النسوة السوريات اللواتي يمارسن مهنة البغاء، وقال ‘بعض فنادق أنطاكيا وخاصة تلك التي تقع خارج المدينة تحتوي العديد منهن، وقد قمت بإيصال بعضهن عدة مرات إلى الفنادق’.

يضيف ‘في حوار مع إحداهن لدى قيامي بإيصالها قالت لي أنها حرة بما تفعل، وليس لأحد سلطة عليها، وأكدت أنها تمارس البغاء كمهنة، ومثلها مثل أي امرأة عاملة أخرى، تعمل لتحصل على دخل جيد، بل يشرح أبو مصطفى أن من وجهة نظرها ممارسة الدعارة أفضل من العمل لدى المنشآت التجارية أو الصناعية التركية بأجر زهيد مرفق بالإهانات والذل’ حسب تعبيره.

هاجرت أعداد ضخمة جداً من السوريين إلى تركيا نتيجة قربها من الشمال السوري وتسهيل عبور السوريين من قبل الحكومة التركية سواء بشكل نظامي أو غير شرعي، وبالتالي انتقل إلى أنطاكيا مجتمع كامل متنوع يحتوي كل أصناف السوريين من الجيد إلى السيء ومن الشريف إلى اللص ومن الملتزم إلى المتفلت، وبشكل طبيعي انتقلت الكثير من المومسات مع الوافدين الجدد إلى هذا البلد أو إلى هذه المدينة، فـ’ المومس′ التي كانت تزاول مهنتها في حلب أو إدلب أو غيرهما من المدن السورية بقيت على نفس المهنة ولم تغيرها وكانت أقل المتضررين من النزوح فهي تحمل رأسمالها أينما ذهبت وهو جسدها الذي قررت بيعه منذ زمن. هناك من يتحدث سواء من تركيا أو من بلدان أخرى لجأ إليها السوريون عن نساء يبعن أجسادهن بسبب العوز والحاجة، بعد أن كن نساء عفيفات في سوريا حولتهن الظروف القاسية في دول اللجوء إلى بائعات هوى، ويرى السوريون أن ما يقوله هؤلاء محض افتراء وكذب بل وإهانة حقيقية لكل امرأة سورية، فالمرأة السورية العفيفة لن تكون عاهرة لأجل سد رمقها أو رمق أطفالها بل ستفضل الموت قبل أن تقوم بممارسة مهنة منحطة كتلك، وما حدث فقط هو انتقال لبعض الحالات -التي تتواجد في كل مجتمع سواء كان شرقياً أو غربياً- من مكان إلى آخر، فالتغيير لم يكن اجتماعياً قط بل كان مجرد تغيير في الموقع الجغرافي فحسب.

محمود معلم في إحدى المدارس السورية الواقعة في منطقة حدودية قريبة من سوريا يرى أن الظاهرة طبيعية جداً وتحدث في مختلف المجتمعات وليس للوضع السوري الراهن أي علاقة بموضوع كهذا، يحدثنا محمود قائلاً ‘تنتشر ظاهرة البغاء في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولم يخلق الله نساء الأرض جميعاً على مستوى واحد من العفة والطهارة، بل نجد اختلافات واضحة بين النساء في كل تجمع إنساني مهما صغر حتى على مستوى القرية الصغيرة، والمجتمع السوري كغيره يحتوي حالات شاذة من هذا النوع، أما الفرق حالياً فإن هذه الحالات الشاذة انتقلت من الداخل السوري إلى بعض مناطق اللجوء، وهي حالات تكاد لا تذكر، أما أن تبيع المرأة شرفها لأجل الخبز فهذا أمر مستحيل، ولن تبيع الحرائر أجسادهن حتى ولو تعرضن للموت جوعاً، من تمارس هذه المهنة ليست إلا مخلوقاً منحرفاً غير طبيعي أغراه جمع المال من مهنة رخيصة’.

يضيف محمود ‘برأيي أن التطرق لهذا الموضوع أمر خاطئ حالياً، ومن الممكن أن يزيد الجدل والنقاشات والقصص التي تروى، لاسيما أن ما يطرح ليس ظاهرة متفشية بل يحدث نادراً وبشكل مخفي غير مفضوح، أما بالنسبة لنظرة الأتراك للسوريين فأنا أراها نظرة ود واحترام، وما لقيناه هنا من تعامل حسن لم نلقه في أي دولة أخرى كسوريين مهجّرين، وإن تحدث بعض مؤيدي النظام أو بعض الجهلة عن قصص كهذه، فهم يعرفونها لأنهم فيما يبدو يبحثون عنها دائبين للنيل من السوريين الذين ثاروا على النظام وقائده المحبب لهؤلاء’.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-21
  • 10393
  • من الأرشيف

‘بائعات هوى ‘ نزحن من الحرب في سورية ويمارسن عملهن في أنطاكيا التركية

أقدم مهنة عرفها التاريخ البشري، لم يخلُ أي مجتمع إنساني في أي زمان وعصر وعلى أي بقعة من الكرة الأرضية من نساء يمارسن هذه المهنة. أنطاكيا التركية مدينة حدودية قريبة من مدينتين سوريتين هامتين هما حلب وإدلب، مما جعل هذه المدينة مكاناً مؤهلاً لنزوح عشرات الآلاف من السوريين نتيجة الظروف القاسية التي تمر بها مختلف أنحاء البلاد، حيث يتوافد يومياً المئات من ثقافات وديانات وعادات وتقاليد متباينة بل من طبقات إجتماعية مختلفة أيضاً تعيش في أنطاكيا العشرات من ‘بائعات الهوى’ السوريات، واللواتي يعملن في شقق مستأجرة خاصة بهن أو في فنادق تركية من النوع الرخيص، ويتجنب الكثيرين الحديث في هذا الموضوع لحساسيته. حسن شاب سوري في مقتبل العمر يعيش في أنطاكيا يعتبر أن مجرد الحديث عن موضوع كهذا جريمة كبيرة، ويقول ‘هذه القصص ليست حقيقة، ولم يخترعها إلا شبيحة النظام السوريين هنا، أو الأتراك الموالون لبشار الأسد، والهدف منها الإساءة إلى السوريين وإهانتهم، ولو استطاع مؤيدو النظام هنا لقاموا بترحيل كل سوري معارض من أنطاكيا، لكن القوانين التركية تمنعهم من ذلك فلا يجدون طريقة للنيل منا سوى التغني بهذه القصص يومياً، وأنا أثق أنها من تأليفهم وابتكارهم’. وكثيراً ما يصادفك أن يتحدث إليك سائق سيارة أجرة تركي كاره للسوريين عن ‘بائعة هوى’ سورية يعرفها، في محاولة منه لاستفزازك كسوري بشكل غير مباشر رغم انتشار ظاهرة البغاء في المجتمع التركي كغيره من المجتمعات. أبو مصطفى أحد سائقي سيارة الاجرة الأتراك من أصول عربية، أكد لنا وجود العديد من النسوة السوريات اللواتي يمارسن مهنة البغاء، وقال ‘بعض فنادق أنطاكيا وخاصة تلك التي تقع خارج المدينة تحتوي العديد منهن، وقد قمت بإيصال بعضهن عدة مرات إلى الفنادق’. يضيف ‘في حوار مع إحداهن لدى قيامي بإيصالها قالت لي أنها حرة بما تفعل، وليس لأحد سلطة عليها، وأكدت أنها تمارس البغاء كمهنة، ومثلها مثل أي امرأة عاملة أخرى، تعمل لتحصل على دخل جيد، بل يشرح أبو مصطفى أن من وجهة نظرها ممارسة الدعارة أفضل من العمل لدى المنشآت التجارية أو الصناعية التركية بأجر زهيد مرفق بالإهانات والذل’ حسب تعبيره. هاجرت أعداد ضخمة جداً من السوريين إلى تركيا نتيجة قربها من الشمال السوري وتسهيل عبور السوريين من قبل الحكومة التركية سواء بشكل نظامي أو غير شرعي، وبالتالي انتقل إلى أنطاكيا مجتمع كامل متنوع يحتوي كل أصناف السوريين من الجيد إلى السيء ومن الشريف إلى اللص ومن الملتزم إلى المتفلت، وبشكل طبيعي انتقلت الكثير من المومسات مع الوافدين الجدد إلى هذا البلد أو إلى هذه المدينة، فـ’ المومس′ التي كانت تزاول مهنتها في حلب أو إدلب أو غيرهما من المدن السورية بقيت على نفس المهنة ولم تغيرها وكانت أقل المتضررين من النزوح فهي تحمل رأسمالها أينما ذهبت وهو جسدها الذي قررت بيعه منذ زمن. هناك من يتحدث سواء من تركيا أو من بلدان أخرى لجأ إليها السوريون عن نساء يبعن أجسادهن بسبب العوز والحاجة، بعد أن كن نساء عفيفات في سوريا حولتهن الظروف القاسية في دول اللجوء إلى بائعات هوى، ويرى السوريون أن ما يقوله هؤلاء محض افتراء وكذب بل وإهانة حقيقية لكل امرأة سورية، فالمرأة السورية العفيفة لن تكون عاهرة لأجل سد رمقها أو رمق أطفالها بل ستفضل الموت قبل أن تقوم بممارسة مهنة منحطة كتلك، وما حدث فقط هو انتقال لبعض الحالات -التي تتواجد في كل مجتمع سواء كان شرقياً أو غربياً- من مكان إلى آخر، فالتغيير لم يكن اجتماعياً قط بل كان مجرد تغيير في الموقع الجغرافي فحسب. محمود معلم في إحدى المدارس السورية الواقعة في منطقة حدودية قريبة من سوريا يرى أن الظاهرة طبيعية جداً وتحدث في مختلف المجتمعات وليس للوضع السوري الراهن أي علاقة بموضوع كهذا، يحدثنا محمود قائلاً ‘تنتشر ظاهرة البغاء في مختلف الأزمنة والأمكنة، ولم يخلق الله نساء الأرض جميعاً على مستوى واحد من العفة والطهارة، بل نجد اختلافات واضحة بين النساء في كل تجمع إنساني مهما صغر حتى على مستوى القرية الصغيرة، والمجتمع السوري كغيره يحتوي حالات شاذة من هذا النوع، أما الفرق حالياً فإن هذه الحالات الشاذة انتقلت من الداخل السوري إلى بعض مناطق اللجوء، وهي حالات تكاد لا تذكر، أما أن تبيع المرأة شرفها لأجل الخبز فهذا أمر مستحيل، ولن تبيع الحرائر أجسادهن حتى ولو تعرضن للموت جوعاً، من تمارس هذه المهنة ليست إلا مخلوقاً منحرفاً غير طبيعي أغراه جمع المال من مهنة رخيصة’. يضيف محمود ‘برأيي أن التطرق لهذا الموضوع أمر خاطئ حالياً، ومن الممكن أن يزيد الجدل والنقاشات والقصص التي تروى، لاسيما أن ما يطرح ليس ظاهرة متفشية بل يحدث نادراً وبشكل مخفي غير مفضوح، أما بالنسبة لنظرة الأتراك للسوريين فأنا أراها نظرة ود واحترام، وما لقيناه هنا من تعامل حسن لم نلقه في أي دولة أخرى كسوريين مهجّرين، وإن تحدث بعض مؤيدي النظام أو بعض الجهلة عن قصص كهذه، فهم يعرفونها لأنهم فيما يبدو يبحثون عنها دائبين للنيل من السوريين الذين ثاروا على النظام وقائده المحبب لهؤلاء’.

المصدر : محمد إقبال بلّو ‘القدس العربي’


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة