بدأ قطبا المعادلة السياسية الفلسطينية، اي حركتي “فتح” و”حماس″، يعترفان علنا، وبصوت اكثر ارتفاعا، بانهما يعيشان مأزقا وجوديا ويبحثان عن مخرج، ولكن النوايا ما زالت ضبابية، والآليات التي يمكن ان تقود الى هذا المخرج ما زالت غير متبلورة بشكل يبعث على التفاؤل.

من المفترض ان يصل الى قطاع غزة في اليومين المقبلين وفد من حركة “فتح”، بقيادة السيد عزام الاحمد عضو اللجنة المركزية لبحث مسألة المصالحة، وتفعيل اتفاقاتها في القاهرة (عام 2011) والدوحة (عام 2112) التي اصطدمت دائما بالمماطلة وعدم الالتزام نتيجة مراهنات اقليمية خاطئة، (رهان حماس على فوز الاخوان برئاسة مصر) او دولية تمثل سرابا (رهان حركة فتح على مفاوضات حل الدولتين).

حركة “حماس″ تعيش عزلة عربية ودولية وحصارا انسانيا واقتصاديا خانقا، بسبب الحملة الشرسة التي تشن حاليا بقيادة مصر والسعودية ضد حركة الاخوان المسلمين التي تنتمي اليها، وتمثل جناحها العسكري في قطاع غزة، وهناك احتمال كبير بان يزداد هذا الحصار شراسة في حال ما جرى تطبيق “وثيقة الرياض” التي تلزم دولة قطر بعدم تقديم اي عون مادي او سياسي او اعلامي للجماعة الاخوانية وبما قد يستهدف حركة “حماس″ ضمنا، الا اذا اعلنت انسحابها ايديولوجيا، واختارت ان تكون حركة مقاومة فقط، وهذا شبه مستحيل في رأينا في الوقت الراهن على الاقل.

اما حركة “فتح” فتواجه مأزقا اكثر خطورة، فالمفاوضات المباشرة مع اسرائيل برعاية امريكية تنتهي اواخر هذا الشهر ودون اي مؤشر على امكانية تحقيق اي نتائج، او التوصل الى اتفاق بتمديدها، والرئيس الفلسطيني محمود عباس هدد في حديث لصحيفة “المصري اليوم” المصرية بحل السلطة، واعتزال العمل السياسي، وتسليم العلم الى الجيل الجديد، وقال “ان حل الدولتين يبتعد، ولا مفر من حل الدولة الواحدة”.

***

التهديد بحل السلطة ليس جديدا، والتلويح بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية ليس وليد الساعة، ولكن العبرة دائما في التنفيذ، فكلما هدد عباس بذلك اكثر من مرة يتراتجع دائما دون ان يرف له جفن، ولذلك لا يمكن القول بانه سينفذ هذه المرة، ولا نستطيع الرهان على صلابة موقفه، فقد خذلنا والشعب الفلسطيني باسره، من خلفنا اكثر من مرة منذ ان تولى رئاسة السلطة قبل تسع سنوات، وحصر نفسه في دائرة ضيقة من المصفقين له ومواقفه ومفاوضاته حتى وصل واوصلنا الى هذا النتيجة البائسة.

المصالحة الوطنية الفلسطينية على ارضية المقاومة، والرهان على الشعب الفلسطيني وحده، والكف عن التذرع بضعف الموقف العربي، وانحسار الاهتمام الدولي المخرج الوحيد من المأزق، ولكن الشعب الفلسطيني او معظمه، بات يشعر بالغثيان من مجرد سماعه كلمة المصالحة هذه على لسان المسؤولين في الجانبين، لانه يعرف انها كلمة حق اريد بها باطل.

المعضلة الفلسطينية الذاتية الكبرى تكمن في رفض الجانبين، الفتحاوي والحمساوي، لمبدأ التعايش مع بعضهما البعض اولا، واطياف الالوان السياسية الفلسطينية الاخرى، حيث اعمتها الحزبية الضيقة عن رؤية هذه الاطياف والاعتراف بوجودها معتدلة كانت او متطرفة، مؤطرة تنظيميا او مستقلة.

فاذا نظرنا الى حركة “فتح” نجد ان مبدأ التعايش غير موجود حتى بين اجنحتها او قبائلها المتعددة المتصارعة، ويكفي ملاحظة الهوة الواسعة بين القيادات الهرمة والقاعدة الشابة، واذا تعايش، ونحن نتحدث هنا عن سلطتها المركزية، فمع شظايا فصائل انقرضت، ولم يعد لها اي وجود حقيقي على الساحة عمليا، والبقاء نظرة على تركيبة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعطينا اجابة مفحمة.

المؤسسات الفلسطينية والسفارات في الخارج باتت اقطاعا للحركة، فالغالبية الساحقة من “السفراء” و”الدبلوماسيين: هم من حركة “فتح”، وابناء المسؤولين السابقين فيها وكأنها ملكيات يتوارث الابناء على الحكم من الاباء، وخاصة السفارات في الدول الغربية، اما سفارات افريقيا والعالم الثالث فمتروكة لابناء فقراء الحركة.

حركة “حماس″ ليست افضل كثيرا للاسف، فالحزبية طاغية في مؤسساتها في قطاع غزة وخارجها، ودائرة السلطة فيها ضيقة للغاية، والوظائف والمناصب “محجوزة” فقط لاعضاء الحركة ومنتسبيها والمحسوبين عليها، وهذا امر لا يجوز من حركة اسلامية تؤمن ايمانا قاطعا بالمساواة والتعددية، وهذا الانتقاد للحركة وحكومتها في غزة يتردد حاليا على "السنة" الكثيرين، واذا لم يسمعه المسؤولون فيها، او ارادوا عدم سماعه، فاننا نوصله لهم كتابة، مع ادراكنا او يأسنا من انه قد لا يجد آذانا صاغية.

نحن مع المصالحة الوطنية وفي اسرع وقت، لان حالة الانسداد الفلسطينية بلغت اقصى درجاتها، ولا يجب ان تستمر، وباتت القضية الفلسطينية تعيش موتا سريريا، واهمالا على كل المستويات، والقيادتين الفلسطينيتين في فتح وحماس تتحملان المسؤولية الكبرى في هذا الاطار، وتوجيه اللوم الى العرب او الظرف العالمي لم يعد مجديا، علاوة على كونه لم يعد مقنعا.

***

كنا اول من طالب الرئيس عباس بحل السلطة الفلسطينية، مثلما طالبنا الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالشيء نفسه من قبله، وتحميل سلطة الاحتلال مسؤولية ادارة المناطق المحتلة، فلا يجوز ان تتحول السلطة الى وكيل للاحتلال، وتوظف اجهزتها الامنية لحماية المستوطنين، وتتسول فتات المساعدات الدولية لدفع المرتبات، وتغطية نفقات الخدمات البلدية والصحية والتعليمية وغيرها.

اذا اراد الرئيس عباس حل السلطة فعلا، واعطاء مفاتيحها (اذا كان يملكها فعلا) الى دولة الاحتلال فانه سيكون بذلك قد رد الاعتبار لنفسه ولشعبه، وتاريخ حركة “فتح” النضالي المشرف، واقدم على اهم عمل مقاوم في حياته، وهو الذي لم يكن مطلقا مع المقاومة المسلحة، وفي هذه الحالة يجب ان يلقى الدعم من “حماس″ وكل انسان فلسطيني، اما اذا تراجع عن تهديداته هذه مثلما حدث في كل مرة، فليس له من الشعب الفلسطيني غير القذف بالبيض الفاسد.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-20
  • 13391
  • من الأرشيف

حماس في مأزق.. ولكن مأزق عباس اكبر

بدأ قطبا المعادلة السياسية الفلسطينية، اي حركتي “فتح” و”حماس″، يعترفان علنا، وبصوت اكثر ارتفاعا، بانهما يعيشان مأزقا وجوديا ويبحثان عن مخرج، ولكن النوايا ما زالت ضبابية، والآليات التي يمكن ان تقود الى هذا المخرج ما زالت غير متبلورة بشكل يبعث على التفاؤل. من المفترض ان يصل الى قطاع غزة في اليومين المقبلين وفد من حركة “فتح”، بقيادة السيد عزام الاحمد عضو اللجنة المركزية لبحث مسألة المصالحة، وتفعيل اتفاقاتها في القاهرة (عام 2011) والدوحة (عام 2112) التي اصطدمت دائما بالمماطلة وعدم الالتزام نتيجة مراهنات اقليمية خاطئة، (رهان حماس على فوز الاخوان برئاسة مصر) او دولية تمثل سرابا (رهان حركة فتح على مفاوضات حل الدولتين). حركة “حماس″ تعيش عزلة عربية ودولية وحصارا انسانيا واقتصاديا خانقا، بسبب الحملة الشرسة التي تشن حاليا بقيادة مصر والسعودية ضد حركة الاخوان المسلمين التي تنتمي اليها، وتمثل جناحها العسكري في قطاع غزة، وهناك احتمال كبير بان يزداد هذا الحصار شراسة في حال ما جرى تطبيق “وثيقة الرياض” التي تلزم دولة قطر بعدم تقديم اي عون مادي او سياسي او اعلامي للجماعة الاخوانية وبما قد يستهدف حركة “حماس″ ضمنا، الا اذا اعلنت انسحابها ايديولوجيا، واختارت ان تكون حركة مقاومة فقط، وهذا شبه مستحيل في رأينا في الوقت الراهن على الاقل. اما حركة “فتح” فتواجه مأزقا اكثر خطورة، فالمفاوضات المباشرة مع اسرائيل برعاية امريكية تنتهي اواخر هذا الشهر ودون اي مؤشر على امكانية تحقيق اي نتائج، او التوصل الى اتفاق بتمديدها، والرئيس الفلسطيني محمود عباس هدد في حديث لصحيفة “المصري اليوم” المصرية بحل السلطة، واعتزال العمل السياسي، وتسليم العلم الى الجيل الجديد، وقال “ان حل الدولتين يبتعد، ولا مفر من حل الدولة الواحدة”. *** التهديد بحل السلطة ليس جديدا، والتلويح بحل الدولة الواحدة ثنائية القومية ليس وليد الساعة، ولكن العبرة دائما في التنفيذ، فكلما هدد عباس بذلك اكثر من مرة يتراتجع دائما دون ان يرف له جفن، ولذلك لا يمكن القول بانه سينفذ هذه المرة، ولا نستطيع الرهان على صلابة موقفه، فقد خذلنا والشعب الفلسطيني باسره، من خلفنا اكثر من مرة منذ ان تولى رئاسة السلطة قبل تسع سنوات، وحصر نفسه في دائرة ضيقة من المصفقين له ومواقفه ومفاوضاته حتى وصل واوصلنا الى هذا النتيجة البائسة. المصالحة الوطنية الفلسطينية على ارضية المقاومة، والرهان على الشعب الفلسطيني وحده، والكف عن التذرع بضعف الموقف العربي، وانحسار الاهتمام الدولي المخرج الوحيد من المأزق، ولكن الشعب الفلسطيني او معظمه، بات يشعر بالغثيان من مجرد سماعه كلمة المصالحة هذه على لسان المسؤولين في الجانبين، لانه يعرف انها كلمة حق اريد بها باطل. المعضلة الفلسطينية الذاتية الكبرى تكمن في رفض الجانبين، الفتحاوي والحمساوي، لمبدأ التعايش مع بعضهما البعض اولا، واطياف الالوان السياسية الفلسطينية الاخرى، حيث اعمتها الحزبية الضيقة عن رؤية هذه الاطياف والاعتراف بوجودها معتدلة كانت او متطرفة، مؤطرة تنظيميا او مستقلة. فاذا نظرنا الى حركة “فتح” نجد ان مبدأ التعايش غير موجود حتى بين اجنحتها او قبائلها المتعددة المتصارعة، ويكفي ملاحظة الهوة الواسعة بين القيادات الهرمة والقاعدة الشابة، واذا تعايش، ونحن نتحدث هنا عن سلطتها المركزية، فمع شظايا فصائل انقرضت، ولم يعد لها اي وجود حقيقي على الساحة عمليا، والبقاء نظرة على تركيبة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعطينا اجابة مفحمة. المؤسسات الفلسطينية والسفارات في الخارج باتت اقطاعا للحركة، فالغالبية الساحقة من “السفراء” و”الدبلوماسيين: هم من حركة “فتح”، وابناء المسؤولين السابقين فيها وكأنها ملكيات يتوارث الابناء على الحكم من الاباء، وخاصة السفارات في الدول الغربية، اما سفارات افريقيا والعالم الثالث فمتروكة لابناء فقراء الحركة. حركة “حماس″ ليست افضل كثيرا للاسف، فالحزبية طاغية في مؤسساتها في قطاع غزة وخارجها، ودائرة السلطة فيها ضيقة للغاية، والوظائف والمناصب “محجوزة” فقط لاعضاء الحركة ومنتسبيها والمحسوبين عليها، وهذا امر لا يجوز من حركة اسلامية تؤمن ايمانا قاطعا بالمساواة والتعددية، وهذا الانتقاد للحركة وحكومتها في غزة يتردد حاليا على "السنة" الكثيرين، واذا لم يسمعه المسؤولون فيها، او ارادوا عدم سماعه، فاننا نوصله لهم كتابة، مع ادراكنا او يأسنا من انه قد لا يجد آذانا صاغية. نحن مع المصالحة الوطنية وفي اسرع وقت، لان حالة الانسداد الفلسطينية بلغت اقصى درجاتها، ولا يجب ان تستمر، وباتت القضية الفلسطينية تعيش موتا سريريا، واهمالا على كل المستويات، والقيادتين الفلسطينيتين في فتح وحماس تتحملان المسؤولية الكبرى في هذا الاطار، وتوجيه اللوم الى العرب او الظرف العالمي لم يعد مجديا، علاوة على كونه لم يعد مقنعا. *** كنا اول من طالب الرئيس عباس بحل السلطة الفلسطينية، مثلما طالبنا الرئيس الشهيد ياسر عرفات بالشيء نفسه من قبله، وتحميل سلطة الاحتلال مسؤولية ادارة المناطق المحتلة، فلا يجوز ان تتحول السلطة الى وكيل للاحتلال، وتوظف اجهزتها الامنية لحماية المستوطنين، وتتسول فتات المساعدات الدولية لدفع المرتبات، وتغطية نفقات الخدمات البلدية والصحية والتعليمية وغيرها. اذا اراد الرئيس عباس حل السلطة فعلا، واعطاء مفاتيحها (اذا كان يملكها فعلا) الى دولة الاحتلال فانه سيكون بذلك قد رد الاعتبار لنفسه ولشعبه، وتاريخ حركة “فتح” النضالي المشرف، واقدم على اهم عمل مقاوم في حياته، وهو الذي لم يكن مطلقا مع المقاومة المسلحة، وفي هذه الحالة يجب ان يلقى الدعم من “حماس″ وكل انسان فلسطيني، اما اذا تراجع عن تهديداته هذه مثلما حدث في كل مرة، فليس له من الشعب الفلسطيني غير القذف بالبيض الفاسد.

المصدر : رأي اليوم / عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة