مع توقيع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الامريكي جون كيري اتفاق تهدئة بخصوص اوكرانيا في جنيف، في 17 نيسان 2014، يمكن القول ان واقع أوكرانيا الجديد قد بدأ بالتبلور، لكن مرحلة المواجهات مستمرة بلا شك.

منذ بدابة الازمة في اوكرانيا ادركت موسكو حدود التدخل الغربي وناورت ضمن الخيارات والتوقعات التي سكنت العقل الغربي. منذ سقوط الاتحاد السوفييتي والمحور الغربي يدرك استحالة بقاء منطقتي القرم وشرق اوكرانيا خارج اطار النفوذ الروسي.

كثيرة هي محطات الصدام سابقا، الا أن طبيعة ادارة أوكرانيا من قبل شخوص وادارات قريبة من موسكو اجلت فكرة الانسلاخ تحت عناوين فيدرالية. هذا الانسلاخ لم يكن مفاجئا حتى للأمريكيين انفسهم، حيث يشير كثير من القراءات الاستراتيجية الامريكية السابقة الى الوصول الى نقطة انسلاخ القرم وشرق اوكرانيا عن كييف.

مجمل هذه الدراسات كانت قد اشارت الى انقسام موجود على الارض بين شرق اوكرانيا الذي يميل تجاه المحور الروسي، وغرب اوكرانيا الذي يدور في فلك المحور الغربي.

في معرض اجاباته على اسئلة الجمهور في لقائه التلفزيوني الاخير، ارسل الرئيس بوتين عدة رسائل امتازت بثلاث خصائص: قوة وليونة وواقعية. الرئيس الروسي أكد انه من غير المنطقي ان يفكر الاوروبيون بإيذاء اقتصاداتهم بإيقاف الغاز الروسي عن دولهم.

حديث بوتين هذا ناجم عن ادراك حجم الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الاقتصادات الاوروبية وصعوبة الامتحان الاقتصادي المتمثل بإعادة انتاج كييف اقتصاديا الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة.

معظم التحليلات تشير الى ان الاهتمام الروسي منصب على شرق اوكرانيا فقط، الأمر الذي يؤكد ما قاله أحد الجنرالات الروس بصراحة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي: «أوكرانيا او بالأحرى أوكرانيا الشرقية ستعود في خمس او عشر او خمس عشرة سنة. أما اوكرانيا الغربية فلتذهب الى الجحيم».

رسائل بوتين الضمنية حملت تأكيدات بأن موسكو لا تريد اجتياح اوكرانيا، برغم ان الاتحاد الروسي اعطاه حق التدخل واستخدام الخيار العسكري في اوكرانيا، حيث ان السلطات الاوكرانية ارتكبت جريمة خطيرة عندما استخدمت السلاح ضد المتظاهرين السلميين. اين تقف المواجهة مع الغرب اذا؟

في موسكو يكمن الانجاز بالوصول الى نقطة مناقشة مسألة الانفصال الفيدرالي الجديد الذي امتدح الرئيس بوتين كييف على مناقشته مؤخرا. موسكو تؤمن ان حدود المواجهة مع الغرب تكمن في الوصول الى نقطة الاقرار بالانفصال الاداري بعيدا عن فكرة المواجهة العسكرية.

المعسكر الغربي في المقابل اعتبر ان عدم تطور أشكال التصعيد في مواجهة موسكو مرده التجاوب الروسي الايجابي للتهديد الاوروبي «الحقيقي» الذي قادته لندن باتخاذ اجراءات اقتصادية عقابية قاسية ضد موسكو. لكن في حقيقة الامر يدرك الجميع طبيعة قدراتهم ومساحات المناورة أمامهم على الأرض، الطموح الروسي لا يتجاوز شرق اوكرانيا في هذه المرحلة وكذلك المحور الغربي يدرك طبيعة محددات وتبعات أي قرار سياسي ويدرك كذلك حجم قدراته على الارض.

الرئيس بوتين يدرك ان العالم دخل في مرحلة التجاذبات السياسية طويلة الامد، الأمر الذي يعني ضرورة ان تسعى البوصلة الجيوسياسية الروسية الى توسيع شبكة تحالفات موسكو.

من هنا لم تكن الاشارة المباشرة التي ارسلها الرئيس بوتين للسعودية والتي وصفها الرئيس بأنها الوحيدة القادرة على خفض سعر النفط والاضرار بالاقتصاد الروسي، الا انه أكد ان السعوديين لا يمكن ان يقدموا على مثل هذه الخطوة فالعلاقة بين موسكو والرياض «طيبة جدا».

الرئيس بوتين اشار الى اتفاق في الرؤية بين روسيا والسعودية في كثير من الملفات وأهمها مصر، مع بعض الاختلافات في موضوع سورية.

معلومات أكدت ان الرئيس بوتين ارسل رسالة تهديد مباشرة الى احدى الدول الخليجية التي أشارت المصادر الاستخباراتية الى وقوفها المباشر خلف تمويل الاحتجاجات في كييف، ما يعني منطقيا ان جسر التواصل مع السعودية لم يبن فقط على التوافق في الرؤية تجاه مصر، بل أيضا على رفض السياسة الرعناء لبعض الدول. لهذا هل من الممكن ان يقود جسر التواصل هذا الى دمشق في المستقبل القريب؟.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-20
  • 8130
  • من الأرشيف

رسائل من القيصر الروسي لمصر والخليج

مع توقيع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الامريكي جون كيري اتفاق تهدئة بخصوص اوكرانيا في جنيف، في 17 نيسان 2014، يمكن القول ان واقع أوكرانيا الجديد قد بدأ بالتبلور، لكن مرحلة المواجهات مستمرة بلا شك. منذ بدابة الازمة في اوكرانيا ادركت موسكو حدود التدخل الغربي وناورت ضمن الخيارات والتوقعات التي سكنت العقل الغربي. منذ سقوط الاتحاد السوفييتي والمحور الغربي يدرك استحالة بقاء منطقتي القرم وشرق اوكرانيا خارج اطار النفوذ الروسي. كثيرة هي محطات الصدام سابقا، الا أن طبيعة ادارة أوكرانيا من قبل شخوص وادارات قريبة من موسكو اجلت فكرة الانسلاخ تحت عناوين فيدرالية. هذا الانسلاخ لم يكن مفاجئا حتى للأمريكيين انفسهم، حيث يشير كثير من القراءات الاستراتيجية الامريكية السابقة الى الوصول الى نقطة انسلاخ القرم وشرق اوكرانيا عن كييف. مجمل هذه الدراسات كانت قد اشارت الى انقسام موجود على الارض بين شرق اوكرانيا الذي يميل تجاه المحور الروسي، وغرب اوكرانيا الذي يدور في فلك المحور الغربي. في معرض اجاباته على اسئلة الجمهور في لقائه التلفزيوني الاخير، ارسل الرئيس بوتين عدة رسائل امتازت بثلاث خصائص: قوة وليونة وواقعية. الرئيس الروسي أكد انه من غير المنطقي ان يفكر الاوروبيون بإيذاء اقتصاداتهم بإيقاف الغاز الروسي عن دولهم. حديث بوتين هذا ناجم عن ادراك حجم الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الاقتصادات الاوروبية وصعوبة الامتحان الاقتصادي المتمثل بإعادة انتاج كييف اقتصاديا الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة. معظم التحليلات تشير الى ان الاهتمام الروسي منصب على شرق اوكرانيا فقط، الأمر الذي يؤكد ما قاله أحد الجنرالات الروس بصراحة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي: «أوكرانيا او بالأحرى أوكرانيا الشرقية ستعود في خمس او عشر او خمس عشرة سنة. أما اوكرانيا الغربية فلتذهب الى الجحيم». رسائل بوتين الضمنية حملت تأكيدات بأن موسكو لا تريد اجتياح اوكرانيا، برغم ان الاتحاد الروسي اعطاه حق التدخل واستخدام الخيار العسكري في اوكرانيا، حيث ان السلطات الاوكرانية ارتكبت جريمة خطيرة عندما استخدمت السلاح ضد المتظاهرين السلميين. اين تقف المواجهة مع الغرب اذا؟ في موسكو يكمن الانجاز بالوصول الى نقطة مناقشة مسألة الانفصال الفيدرالي الجديد الذي امتدح الرئيس بوتين كييف على مناقشته مؤخرا. موسكو تؤمن ان حدود المواجهة مع الغرب تكمن في الوصول الى نقطة الاقرار بالانفصال الاداري بعيدا عن فكرة المواجهة العسكرية. المعسكر الغربي في المقابل اعتبر ان عدم تطور أشكال التصعيد في مواجهة موسكو مرده التجاوب الروسي الايجابي للتهديد الاوروبي «الحقيقي» الذي قادته لندن باتخاذ اجراءات اقتصادية عقابية قاسية ضد موسكو. لكن في حقيقة الامر يدرك الجميع طبيعة قدراتهم ومساحات المناورة أمامهم على الأرض، الطموح الروسي لا يتجاوز شرق اوكرانيا في هذه المرحلة وكذلك المحور الغربي يدرك طبيعة محددات وتبعات أي قرار سياسي ويدرك كذلك حجم قدراته على الارض. الرئيس بوتين يدرك ان العالم دخل في مرحلة التجاذبات السياسية طويلة الامد، الأمر الذي يعني ضرورة ان تسعى البوصلة الجيوسياسية الروسية الى توسيع شبكة تحالفات موسكو. من هنا لم تكن الاشارة المباشرة التي ارسلها الرئيس بوتين للسعودية والتي وصفها الرئيس بأنها الوحيدة القادرة على خفض سعر النفط والاضرار بالاقتصاد الروسي، الا انه أكد ان السعوديين لا يمكن ان يقدموا على مثل هذه الخطوة فالعلاقة بين موسكو والرياض «طيبة جدا». الرئيس بوتين اشار الى اتفاق في الرؤية بين روسيا والسعودية في كثير من الملفات وأهمها مصر، مع بعض الاختلافات في موضوع سورية. معلومات أكدت ان الرئيس بوتين ارسل رسالة تهديد مباشرة الى احدى الدول الخليجية التي أشارت المصادر الاستخباراتية الى وقوفها المباشر خلف تمويل الاحتجاجات في كييف، ما يعني منطقيا ان جسر التواصل مع السعودية لم يبن فقط على التوافق في الرؤية تجاه مصر، بل أيضا على رفض السياسة الرعناء لبعض الدول. لهذا هل من الممكن ان يقود جسر التواصل هذا الى دمشق في المستقبل القريب؟.

المصدر : العرب اليوم/ د. عامر سبايله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة