دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بدلا من التصدي لخطر التمدد الايراني الذي يماحكها داخل أراضيها بالفصائل المدعومة من طهران مثل ‘حزب الله’ السعودي، ويطوقها عسكريا في الخليج واليمن والعراق والبحرين وسوريا وصولا الى لبنان، اختارت السعودية اختراع عدو لها تحت تسمية ‘الارهاب’.
الدافع لذلك لم يكن داخليا بل كان سقوط الركن العربي الأهم في تحالفاتها: النظام المصري.
بأسلوب الفعل ورد الفعل، وهو أسلوب لا عقلاني في السياسة، مولت الرياض عودة نسخة اكثر شراسة من نظام مبارك الى الحكم، وسوقت لاغلاق ملف الرئيس المنتخب محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها، ورعت اعلان الجماعة تنظيما ارهابيا في مصر، واتبعت ذلك بحظرها ايضا في السعودية نفسها.. والعالم!
بتجريمها لجماعة الاخوان المسلمين تحاول هذه السياسة الهروب من مواجهة الهزائم الدبلوماسية والعسكرية التي تتعرض لها المملكة على صعيد دورها الاقليمي المتآكل لصالح ايران، دون ان تحسب نتائج افعالها التي ادت عمليا الى شق جبهتها الاسلامية والعربية، ووضعتها في مأزق امام شعبها وجمهورها العام.
يتبرع هذا الخط السياسي، مجانا، لايران بأوراق سياسية وازنة لدى الرأي العام العربي والاسلامي، فلسطين والعروبة والاسلام.
بمحاصرة السعودية (عن طريق مصر) لحركة المقاومة الاسلامية في فلسطين (حماس) كشفت الرياض ظهر الحركة ودفعتها الى خصمها المباشر: ايران، وبذلك فقدت السعودية عصبا مؤثرا لدى جمهور العرب والمسلمين، وهو ورقة المقاومة الفلسطينية لاسرائيل.
وفي خط الدفاع عن العرب امام الهجمة الايرانية التي ستؤدي الى ازاحتهم عن المشهد التاريخي، سجلت السعودية تراجعا مستمرا فيما سجلت ايران انتصارات مهمة بعد نجاح تجربة التعايش مع الولايات المتحدة الامريكية في افغانستان والعراق، وهذا التحالف الضمني على رؤوس الاشهاد هو عمليا ما مهد لما نشهده من تقارب وتودد امريكي مندفع نحو ايران وانعدام وزن متزايد في الدور الوظيفي للسعودية ضمن الاستراتيجية الاقليمية لامريكا في العالم العربي، وبالنتيجة للعرب عموما.
لكن الدائرة الاهم التي تسجل السعودية فيها اعلى الخسائر فهي صورتها التي بنتها خلال الخمسينات والستينات، بصفتها راعيا للاسلام وحاضنة للدعوة الاسلامية وللاسلام السياسي في وجه جمهوريات الانقلابات العسكرية المتغولة في سوريا والعراق ومصر وليبيا والجزائر.
بافتتاحها حربا معلنة ضد تنظيمات الاسلام السياسي بعد احتضانها لعقود، قدمت المملكة العربية السعودية صورة جديدة لها كمتهاونة بحقوق المسلمين، وهو أمر جنت منه ايران مكاسب كبيرة دون ان يكلفها ذلك طلقة واحدة.
وعلى عكس السعودية التي تقوم سياستها على اسس الاستقرار والثبات وعدم التغيير، والحفاظ على الانظمة القائمة اينما كانت، فان ايران تستخدم في استراتيجيتها للسيطرة على ايديولوجيا دينية ‘نضالية’ موجهة افتراضيا ضد ‘قوى الاستكبار’ في العالم (فيما تتحالف معها وتتشارك معها الغنائم في افغانستان والعراق)، وعلى تنظيمات دينية شيعية وسنية وزيدية حركية تساندها قوة عسكرية واستخباراتية وازنة وفاعلة على جغرافيا واسعة تمتد من افغانستان حتى السودان.
تعرف الاستراتيجية السعودية الجديدة نفسها بقضية عارضة وسلبية وتشق الصف العربي والاسلامي (مكافحة الارهاب) وتتخلى بذلك عن سلاحها الايديولوجي الاهم الذي كان يبرر سياساتها وينظمها في منظومة دينية واخلاقية وسياسية، فلو اختفى الارهاب المزعوم تتفكك اواصر هذه ‘الاستراتيجية’ ولا يعود لديها ما تقدمه لجمهورها العربي والاسلامي.
ويبدو ان السعوديين في ذلك لا يفعلون غير استعادة تاريخهم البعيد، وفيه قيام الملك عبد العزيز بن سعود بعد استنفاد قواته الحربية لمهماتها (وكانوا يسمون انفسهم ـ للمفارقة التاريخية ـ ‘الاخوان’) وللتخلص من احتمال استدارتهم ضده ارسلهم في مهمة حربية الى اليمن بعد ان جهز لهم كمائن عسكرية قضت على شأفتهم.
ضمنت السياسة الآنفة صعود آل سعود على منافسيهم المحليين، اما السياسة السعودية الحالية فمن غير المرجح ان تعيد للسعودية نفوذها بالمنطقة.
المصدر :
رأي القدس
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة