لم تشهد السياسة الخارجية الاميركية حركة نشطة في الوطن العربي كما هو حالها منذ أيام. باراك اوباما زار السعودية، ثم استقبل، لاحقاً في البيت الابيض، رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة. جون كيري جال على اسرائيل وعمان، ثم أوكل أمر الوساطة بين تل ابيب ورام الله الى حليف اسرائيل مارتن انديك، قبل ان يتوجّه الى المغرب والجزائر. تخللت ذلك لقاءات مهمة بين وزير خارجية مصر نبيل فهمي والأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندريس فوغ راسموسن. تخللتها، أيضاً، تصريحات ايجابية للسفير الاميركي في القاهرة توماس شانون، عن «قوة» العلاقات المصرية ــــ الأميركية و«متانتها».

 

ترافق هذا النشاط الدبلوماسي الاميركي اللافت مع اجتماعات عسكرية في اسرائيل، بين رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي، ووزير الحرب الاسرائيلي موشيه يعالون. فلنتذكر فقط أن يعالون هو نفسه الذي قال قبل اسبوع إن الولايات المتحدة باتت ضعيفة، وإن اتفاقيتها المؤقتة مع ايران هي توريث المواجهة للرئيس الاميركي المقبل.

هل في كل هذه الحركة ما يريب؟

فلنوسّع الاطار أكثر ليسهل الفهم: الحركة الأميركية صوب الوطن العربي المفكّك والمتقاتل أهله بعضهم ببعض، والضائعة فلسطينه وسط هذا الاقتتال، توازي حركة أميركية اخرى صوب آسيا، وتصريحات لافتة ضد روسيا. هذا، مثلاً، وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل يقول من اليابان، التي يزورها لمساندتها ضد كوريا الشمالية،: «إن ضمّ القرم الى روسيا أشاع قلقاً وسط حلفاء أميركا في منطقة المحيط الهادي ومناطق أخرى». هدّد هيغل، ايضاً، بإرسال مدمرتين اضافيتين الى اليابان، مزودتين بنظام دفاع «ايجيس» الصاروخي المتطور لمواجهة تهديد كوريا الشمالية. ربما في الامر مجرد تهديد، لأن التسليم لن يكون قبل عام 2017، لكن في الامر رسالة واضحة إلى موسكو وبكين.

الاتفاق النهائي حول النووي الايراني يشكّل مصدر القلق السعودي الابرز

الحرب مقبلة

على تطورات كبيرة ومحاولات من الجانبين لتغيير المعادلة قبل الانتخاباتجاء الرد من بكين في كتاب أبيض من 40 صفحة. الكتاب الصادر عن وزارة الدفاع الصينية، انتقد واشنطن من دون ان يسميها. قال: «بعض الدول تعزز تحالفاتها العسكرية في آسيا والمحيط الهادي، وتوسع حضورها العسكري في المنطقة، وكثيراً ما تجعل الوضع هناك اكثر توتراً». اللافت ان هذا التقرير صدر قبل أيام من وصول هيغل نفسه الى العاصمة الصينية.

قبل ايام كانت واشنطن قد استضافت، للمرة الاولى، المنتدى الدفاعي للولايات المتحدة، ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان). التوقيت مهم والتصريحات أهم. قال هيغل في هذا المنتدى، الذي يضم وزراء دفاع 10 دول تتألف منها «آسيان»، إن أميركا لن تتخلى عن اي منطقة في العالم، بما فيها الشرق الاوسط.

العالم، اذاً، امام هجمة أميركية متعددة الأهداف. يمكن تلخيص أربعة منها على الأقل الآن: اولاً تضييق الخناق على روسيا والصين بعد اختراق أوكرانيا. ثانياً تغيير الاتجاهات الاستراتيجية صوب آسيا. ثالثاً تعزيز جبهة واسعة لضرب الارهاب، ورابعاً حماية اسرائيل.

أين ايران؟

يوازي الهجمة الاميركية تنافس آخر بين ايران والسعودية. بات العراق واليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها مناطق اشتباك دبلوماسي وامني. حالما تودع اسلام اباد ضيفها السعودي، ولي العهد الامير سلمان، بعد توقيع عدد من الاتفاقيات، تعلن باكستان وايران إجراء تدريبات بحرية مشتركة في مضيق هرمز، ستبدأ غداً الثلاثاء.

تبدأ التدريبات بالتزامن مع لقاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون. صحيح ان اللقاء يجري في جو متوتر، بعد قرار الاوروبيين وجوب اللقاء مع المعارضة الايرانية خلال زيارتهم الى طهران، لكن الصحيح أيضاً ان جولة الخبراء التي انتهت قبل ايام، تقدمت خطوات اضافية نحو توقيع الاتفاق النهائي حول النووي الايراني. هذا هو الرهان الايراني الابرز. هذا هو أيضاً مصدر القلق السعودي الابرز.

التفاهمات الايرانية ــــ الغربية مهمة في هذه الفترة. تستطيع طهران ان تؤدي دوراً محورياً في محاربة الارهاب. مصالح أميركا وايران يمكن ان تلتقي حاليا في مناطق مهمة من العالم، وبينها مثلاً العراق وافغانستان، التي ما كانت انتخاباتها لتمر بهذه الراحة لولا التعاون الضمني الاميركي ــــ الافغاني. المناخات الايجابية في التفاهم الغربي ــــ الايراني في المفاوضات النووية أسقطت الكثير من الحواجز النفسية. وزارة الخزانة الاميركية سمحت لشركة «بوينغ» بتصدير قطع غيار الى الاسطول الايراني. شركة «جنرال الكتريك» سترمم 18 محركاً بيعت الى ايران في اواخر سبعينيات القرن الماضي. خطوات اقتصادية اخرى ستأتي قريباً، وخصوصاً بعدما تأكد لواشنطن ان اوروبا تسعى إلى الالتفاف عليها في العقود مع ايران.

إسرائيل وسوريا

الانفتاح الغربي على ايران مهم في لحظة التصادم الغربي ـــ الروسي. في ذهن واشنطن ان طهران قابلة للتحول الى شريك، ليس على حساب السعودية او دول الخليج، بل معها، لكنْ ثمة عقدتان تلقيان بظلالهما الثقيلة: اسرائيل وسوريا.

في الموضوع الاسرائيلي، ثمة تشجيع اميركي واضح حيال احتمال تعزيز علاقات امنية بين اسرائيل وعدد من الدول الخليجية. الحديث الاسرائيلي عن لقاء المصالح ضد ايران ليس من قبيل الشائعات. يحكى عن استعدادات وتدريبات ولقاءات. هذا مهم وسط السعي الاميركي إلى تمرير صفقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تبدو فاشلة حتى الساعة. الامن للسعودية مقابل قبول يهودية الدولة العبرية. لا تستطيع واشنطن اقناع طهران بقبول مثل هذه الصفقة. القرار الايراني جازم لجهة ان اسرائيل عدوة وسرطان. وزراء الخارجية العرب يلتقون بعد غد الاربعاء لبحث الموضوع الفلسطيني. الإحراج كبير. لا القبول ممكن ولا اغضاب اميركا وارد. طهران مرتاحة اكثر، لان خيار الصلح التفاوضي يفشل يوماً بعد آخر.

في الملف السوري القضية معقدة. أقصى ما تقبله ايران حتى الآن هو حكومة وحدة وطنية تضم السلطة السورية وبعضاً من المعارضة، مع شيء من الصلاحيات الاضافية. هذا يفترض وقف اي تسليح او تمويل للمسلحين. يفترض ايضا عدم المساس بموقع الرئيس بشار الاسد في المرحلة المقبلة.

لا تجد واشنطن وبعض الدول الغربية والعربية اذاً سوى الضغط عسكرياً. تتكثف الاجتماعات لاخراج تشكيلة حكومية وعسكرية من جانب المعارضة. يراد لهذه التشكيلة القيادية ان تطمئِن، ولو صورياً، إلى مستقبل الاسلحة إذا رُفع مستواها الى درجة صواريخ ارض جو. الوصول الى هذه المرحلة خطير. القيادة العسكرية تعرف ان موسكو وحلفاءها قد يُدخلون اسلحة اكثر خطورة الى سوريا.

تتعدد الاجتماعات والتدريبات المشتركة بين خصوم النظام السوري. يحكى عن آلية جديدة لمراقبة الاسلحة مباشرة من قبل الاميركيين، او ضباط من الاطلسي. يقال إن غرفة مركزية انشئت، وبدأ ربطها بغرف عمليات في بعض المحافظات، وعلى الجبهات. ليس الهدف اسقاط النظام بالقوة. هذا مرشح للفشل كما فشل سابقاً. المطلوب اعادة التوازن العسكري على الارض، بعدما فقد المسلحون الكثير من المناطق الاستراتيجية.

موسكو بالمرصاد. سقطت النظرية القائلة إن مشاغلتها في اوكرانيا ستدفعها إلى التخلي عن الاسد. لا تزال معركة سوريا بالنسبة اليها كمعركة موسكو. كثفت ادارة فلاديمير بوتين الضغوط على المعارضة السورية للتخلي عن الارهاب. دعمت السلطة السورية في اتهام بعض المعارضة بمحاولة استخدام اسلحة كيميائية في الغوطة. قالت إنها سترسل اسلحة اضافية الى سوريا. يبدو ان اسلحة وصلت بالفعل. سُرّبت معلومات اميركية تقول إن الجيش السوري حصل أخيراً على صواريخ «سميرش» و«أوراغان». قيل إن ذلك جرى مطلع الشهر الماضي.

يبدو ان الحرب في سوريا مقبلة اذاً على تطورات كبيرة. مطلوب تدمير اكثر ودماء أكثر قبل الانتخابات الرئاسية. يحاول خصوم الاسد وايران وحزب الله تغيير المعادلة قبل الانتخابات التي ستؤدي الى فوز الاسد. يحاول الاسد وحلفاؤه تسريع وتيرة المعركة للسيطرة على كل المدن والمناطق والجبهات الاستراتيجية قبل منتصف الصيف.

يبدو ان توقعات الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قد تصح. قال إن «حل معضلة سوريا قد يستغرق 10 سنوات». الاسد سبقه قبل اكثر من عامين بقوله إن الحرب طويلة، لكن الرئيس السوري، كما ايران وحزب الله، يؤكد ان محوره سينتصر عسكرياً، بعدما فرض على الجميع العودة الى حل سياسي بوجود الاسد. ربما، لكن الحسم العسكري لا يزال في حاجة إلى الكثير من الوقت.

السؤال الابرز: هل ترتفع حدة الصراع الاميركي ـــــ الروسي، فتزداد حرارة التدمير في سوريا، وبدم شعبها، ام يعود الطرفان الى «جنيف 3» برغم كل شيء؟ الاحتمالان مرجحان. قد يجري اختيار احدهما، او يستمران معا. التفاوض لن يوقف الحرب. الاهداف لم تتحقق بعد. وحده اتساع رقعة الارهاب قد يغير كل المعادلة. عندها تضطر الادارة الاميركية إلى المجاهرة بما باتت تقبله ضمنياً، اي بقاء الاسد اذا كان في ذلك السبيل الوحيد لضرب الإرهاب.

  • فريق ماسة
  • 2014-04-06
  • 11665
  • من الأرشيف

الصراع الاميركي الروسي يكمل تدمير سورية

لم تشهد السياسة الخارجية الاميركية حركة نشطة في الوطن العربي كما هو حالها منذ أيام. باراك اوباما زار السعودية، ثم استقبل، لاحقاً في البيت الابيض، رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة. جون كيري جال على اسرائيل وعمان، ثم أوكل أمر الوساطة بين تل ابيب ورام الله الى حليف اسرائيل مارتن انديك، قبل ان يتوجّه الى المغرب والجزائر. تخللت ذلك لقاءات مهمة بين وزير خارجية مصر نبيل فهمي والأمين العام لحلف شمال الاطلسي اندريس فوغ راسموسن. تخللتها، أيضاً، تصريحات ايجابية للسفير الاميركي في القاهرة توماس شانون، عن «قوة» العلاقات المصرية ــــ الأميركية و«متانتها».   ترافق هذا النشاط الدبلوماسي الاميركي اللافت مع اجتماعات عسكرية في اسرائيل، بين رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي، ووزير الحرب الاسرائيلي موشيه يعالون. فلنتذكر فقط أن يعالون هو نفسه الذي قال قبل اسبوع إن الولايات المتحدة باتت ضعيفة، وإن اتفاقيتها المؤقتة مع ايران هي توريث المواجهة للرئيس الاميركي المقبل. هل في كل هذه الحركة ما يريب؟ فلنوسّع الاطار أكثر ليسهل الفهم: الحركة الأميركية صوب الوطن العربي المفكّك والمتقاتل أهله بعضهم ببعض، والضائعة فلسطينه وسط هذا الاقتتال، توازي حركة أميركية اخرى صوب آسيا، وتصريحات لافتة ضد روسيا. هذا، مثلاً، وزير الدفاع الاميركي تشاك هيغل يقول من اليابان، التي يزورها لمساندتها ضد كوريا الشمالية،: «إن ضمّ القرم الى روسيا أشاع قلقاً وسط حلفاء أميركا في منطقة المحيط الهادي ومناطق أخرى». هدّد هيغل، ايضاً، بإرسال مدمرتين اضافيتين الى اليابان، مزودتين بنظام دفاع «ايجيس» الصاروخي المتطور لمواجهة تهديد كوريا الشمالية. ربما في الامر مجرد تهديد، لأن التسليم لن يكون قبل عام 2017، لكن في الامر رسالة واضحة إلى موسكو وبكين. الاتفاق النهائي حول النووي الايراني يشكّل مصدر القلق السعودي الابرز الحرب مقبلة على تطورات كبيرة ومحاولات من الجانبين لتغيير المعادلة قبل الانتخاباتجاء الرد من بكين في كتاب أبيض من 40 صفحة. الكتاب الصادر عن وزارة الدفاع الصينية، انتقد واشنطن من دون ان يسميها. قال: «بعض الدول تعزز تحالفاتها العسكرية في آسيا والمحيط الهادي، وتوسع حضورها العسكري في المنطقة، وكثيراً ما تجعل الوضع هناك اكثر توتراً». اللافت ان هذا التقرير صدر قبل أيام من وصول هيغل نفسه الى العاصمة الصينية. قبل ايام كانت واشنطن قد استضافت، للمرة الاولى، المنتدى الدفاعي للولايات المتحدة، ورابطة جنوب شرق آسيا (آسيان). التوقيت مهم والتصريحات أهم. قال هيغل في هذا المنتدى، الذي يضم وزراء دفاع 10 دول تتألف منها «آسيان»، إن أميركا لن تتخلى عن اي منطقة في العالم، بما فيها الشرق الاوسط. العالم، اذاً، امام هجمة أميركية متعددة الأهداف. يمكن تلخيص أربعة منها على الأقل الآن: اولاً تضييق الخناق على روسيا والصين بعد اختراق أوكرانيا. ثانياً تغيير الاتجاهات الاستراتيجية صوب آسيا. ثالثاً تعزيز جبهة واسعة لضرب الارهاب، ورابعاً حماية اسرائيل. أين ايران؟ يوازي الهجمة الاميركية تنافس آخر بين ايران والسعودية. بات العراق واليمن وسوريا ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها مناطق اشتباك دبلوماسي وامني. حالما تودع اسلام اباد ضيفها السعودي، ولي العهد الامير سلمان، بعد توقيع عدد من الاتفاقيات، تعلن باكستان وايران إجراء تدريبات بحرية مشتركة في مضيق هرمز، ستبدأ غداً الثلاثاء. تبدأ التدريبات بالتزامن مع لقاء وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف، ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون. صحيح ان اللقاء يجري في جو متوتر، بعد قرار الاوروبيين وجوب اللقاء مع المعارضة الايرانية خلال زيارتهم الى طهران، لكن الصحيح أيضاً ان جولة الخبراء التي انتهت قبل ايام، تقدمت خطوات اضافية نحو توقيع الاتفاق النهائي حول النووي الايراني. هذا هو الرهان الايراني الابرز. هذا هو أيضاً مصدر القلق السعودي الابرز. التفاهمات الايرانية ــــ الغربية مهمة في هذه الفترة. تستطيع طهران ان تؤدي دوراً محورياً في محاربة الارهاب. مصالح أميركا وايران يمكن ان تلتقي حاليا في مناطق مهمة من العالم، وبينها مثلاً العراق وافغانستان، التي ما كانت انتخاباتها لتمر بهذه الراحة لولا التعاون الضمني الاميركي ــــ الافغاني. المناخات الايجابية في التفاهم الغربي ــــ الايراني في المفاوضات النووية أسقطت الكثير من الحواجز النفسية. وزارة الخزانة الاميركية سمحت لشركة «بوينغ» بتصدير قطع غيار الى الاسطول الايراني. شركة «جنرال الكتريك» سترمم 18 محركاً بيعت الى ايران في اواخر سبعينيات القرن الماضي. خطوات اقتصادية اخرى ستأتي قريباً، وخصوصاً بعدما تأكد لواشنطن ان اوروبا تسعى إلى الالتفاف عليها في العقود مع ايران. إسرائيل وسوريا الانفتاح الغربي على ايران مهم في لحظة التصادم الغربي ـــ الروسي. في ذهن واشنطن ان طهران قابلة للتحول الى شريك، ليس على حساب السعودية او دول الخليج، بل معها، لكنْ ثمة عقدتان تلقيان بظلالهما الثقيلة: اسرائيل وسوريا. في الموضوع الاسرائيلي، ثمة تشجيع اميركي واضح حيال احتمال تعزيز علاقات امنية بين اسرائيل وعدد من الدول الخليجية. الحديث الاسرائيلي عن لقاء المصالح ضد ايران ليس من قبيل الشائعات. يحكى عن استعدادات وتدريبات ولقاءات. هذا مهم وسط السعي الاميركي إلى تمرير صفقة بين الاسرائيليين والفلسطينيين تبدو فاشلة حتى الساعة. الامن للسعودية مقابل قبول يهودية الدولة العبرية. لا تستطيع واشنطن اقناع طهران بقبول مثل هذه الصفقة. القرار الايراني جازم لجهة ان اسرائيل عدوة وسرطان. وزراء الخارجية العرب يلتقون بعد غد الاربعاء لبحث الموضوع الفلسطيني. الإحراج كبير. لا القبول ممكن ولا اغضاب اميركا وارد. طهران مرتاحة اكثر، لان خيار الصلح التفاوضي يفشل يوماً بعد آخر. في الملف السوري القضية معقدة. أقصى ما تقبله ايران حتى الآن هو حكومة وحدة وطنية تضم السلطة السورية وبعضاً من المعارضة، مع شيء من الصلاحيات الاضافية. هذا يفترض وقف اي تسليح او تمويل للمسلحين. يفترض ايضا عدم المساس بموقع الرئيس بشار الاسد في المرحلة المقبلة. لا تجد واشنطن وبعض الدول الغربية والعربية اذاً سوى الضغط عسكرياً. تتكثف الاجتماعات لاخراج تشكيلة حكومية وعسكرية من جانب المعارضة. يراد لهذه التشكيلة القيادية ان تطمئِن، ولو صورياً، إلى مستقبل الاسلحة إذا رُفع مستواها الى درجة صواريخ ارض جو. الوصول الى هذه المرحلة خطير. القيادة العسكرية تعرف ان موسكو وحلفاءها قد يُدخلون اسلحة اكثر خطورة الى سوريا. تتعدد الاجتماعات والتدريبات المشتركة بين خصوم النظام السوري. يحكى عن آلية جديدة لمراقبة الاسلحة مباشرة من قبل الاميركيين، او ضباط من الاطلسي. يقال إن غرفة مركزية انشئت، وبدأ ربطها بغرف عمليات في بعض المحافظات، وعلى الجبهات. ليس الهدف اسقاط النظام بالقوة. هذا مرشح للفشل كما فشل سابقاً. المطلوب اعادة التوازن العسكري على الارض، بعدما فقد المسلحون الكثير من المناطق الاستراتيجية. موسكو بالمرصاد. سقطت النظرية القائلة إن مشاغلتها في اوكرانيا ستدفعها إلى التخلي عن الاسد. لا تزال معركة سوريا بالنسبة اليها كمعركة موسكو. كثفت ادارة فلاديمير بوتين الضغوط على المعارضة السورية للتخلي عن الارهاب. دعمت السلطة السورية في اتهام بعض المعارضة بمحاولة استخدام اسلحة كيميائية في الغوطة. قالت إنها سترسل اسلحة اضافية الى سوريا. يبدو ان اسلحة وصلت بالفعل. سُرّبت معلومات اميركية تقول إن الجيش السوري حصل أخيراً على صواريخ «سميرش» و«أوراغان». قيل إن ذلك جرى مطلع الشهر الماضي. يبدو ان الحرب في سوريا مقبلة اذاً على تطورات كبيرة. مطلوب تدمير اكثر ودماء أكثر قبل الانتخابات الرئاسية. يحاول خصوم الاسد وايران وحزب الله تغيير المعادلة قبل الانتخابات التي ستؤدي الى فوز الاسد. يحاول الاسد وحلفاؤه تسريع وتيرة المعركة للسيطرة على كل المدن والمناطق والجبهات الاستراتيجية قبل منتصف الصيف. يبدو ان توقعات الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، قد تصح. قال إن «حل معضلة سوريا قد يستغرق 10 سنوات». الاسد سبقه قبل اكثر من عامين بقوله إن الحرب طويلة، لكن الرئيس السوري، كما ايران وحزب الله، يؤكد ان محوره سينتصر عسكرياً، بعدما فرض على الجميع العودة الى حل سياسي بوجود الاسد. ربما، لكن الحسم العسكري لا يزال في حاجة إلى الكثير من الوقت. السؤال الابرز: هل ترتفع حدة الصراع الاميركي ـــــ الروسي، فتزداد حرارة التدمير في سوريا، وبدم شعبها، ام يعود الطرفان الى «جنيف 3» برغم كل شيء؟ الاحتمالان مرجحان. قد يجري اختيار احدهما، او يستمران معا. التفاوض لن يوقف الحرب. الاهداف لم تتحقق بعد. وحده اتساع رقعة الارهاب قد يغير كل المعادلة. عندها تضطر الادارة الاميركية إلى المجاهرة بما باتت تقبله ضمنياً، اي بقاء الاسد اذا كان في ذلك السبيل الوحيد لضرب الإرهاب.

المصدر : الأخبار / سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة