يُقال إن الزواج هو عبارة عن قيام الثنائي بحل المشكلات التي لم يكن ليواجهها كل طرف فيه على حدة. بينما في الطلاق والإنفصال، يجد كل طرف من الثنائي نفسه وحيداً في مواجهة المشكلات التي كان بالإمكان حلها مع الشريك.

نحن نرغب جميعاً خوض قصة حب مكلّلة بالسعادة والإقتران بالشخص المناسب. ولكن عدد الأشخاص الذين يعيشون وحدهم يزداد يوماً بعد يوم. ثلاثة من كل أربعة أشخاص يقصدون إختصاصيي علم النفس، يقومون بذلك إثر مشكلة عاطفية أو إنفصال أو حتى بسبب خوفهم من حصول مشكلة من هذا النوع.

نحن نعيش أزمة إجتماعية وروحية لأن الرجال والنساء باتوا غير قادرين على تحديد مكانتهم بالنسبة الى انفسهم، وموقعهم بالنسبة الى الآخرين، وذلك بعد تغاضيهم عن القيم التي ترعى المجتمع. لقد أصبحنا إستهلاكيين في مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا، تماماً كما نفعل بالنسبة الى سياراتنا الفخمة، ومأكولاتنا غير الصحية وأجهزتنا الإلكترونية التي تعرقل وتعقّد حياتنا. لا شك في أن ثمة ما يرضينا في ذلك كله لأننا نثابر على هذا النمط. وبتصرّف مماثل لا يمكن الإنسان، وبالتالي الثنائي، التعايش مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع، وهو بالتأكيد أمر يرفض الإعتراف به . أسمح لنفسي هنا بالتطرّق إلى التجريح والتشكيك والإنتقادات التي تتعرّض لها الأديان أحياناً. قد يقول البعض إن هذا الأمر ليس مفاجئاً، كون هذه القيم والمبادئ لم تعد تتناسب مع الواقع في هذه الأيام. إلا أننا، وبرأيي، نفتقد إلى صدق النية والواقعية عندما نُلقي بمسؤولية كل مشكلاتنا وآلامنا على القيم الدينية والإجتماعية التي نعتبر أن الزمن ولّى عليها.

إنطلاقاً من هذه الرؤية الجديدة للعالم التي نجاهر في إعتمادها، أليس من الخطأ الجزم بأننا قادرون على التحرّر بالكامل من الأعراف والتقاليد والمبادئ، بغضّ النظر عن ماهيتها، من دون تحمل تبعات هذا الأمر؟ يبدو لي أنه ليس من الضروري إنكار معظم قيمنا. فالحكمة تكمن في تغيير بعضها أو تعديله، لا أكثر ولا أقل. لذا، من المهم والأساسي ألّا نتخطى بعض الحدود التي علينا إحترامها.

نجد جميعاً، نساء ورجالاً، أنفسنا في حالة من الفراغ الهائل التي لا تمنحنا أدنى شعور بالأمان وليس لدينا القدرة على الخروج منها. نريد جميعاً أن نجد معنى لحياتنا، وأن نعثر على أجوبة مطمئنة عن تساؤلاتنا العديدة. لكنّنا في الحقيقة، علماً أننا نُصرّح عالياً عن رغبتنا العارمة في الحرية رغم الوحدة والخوف اللذين نشعر بهما، نرزح تحت ثقل مشكلاتنا مع ذواتنا، ويصبح من الصعب علينا في هذه الحالة أن تكون علاقاتنا مع الآخرين منسجمة دائماً.

خلال الأعوام الأربعين الماضية، كانت وتيرة التغيّرات والتطورات التي طرأت على حياة النساء أسرع بكثير من وتيرة تطوّر الرجال. في السابق، كان المطلوب من النساء تعلّم الطبخ والتنظيف فحسب؛ وبعد الزواج كانت تُلقى على عاتقهن مهمة الإعتناء بشؤون المنزل والأولاد فقط. سمح تحرّرالمرأة لها بإحراز تقدّم إيجابي نحو مزيد من المسؤولية والحرية والإستقلالية، ما إنعكس بدوره على العلاقات الإجتماعية بين الرجل والمرأة التي أصبحت صعبة أكثر فأكثر.

إن وجود نزاع على السلطة والنفوذ بين الرجال والنساء، أدى إلى زعزعة توازنهما النفسي والجسدي. لذا، من المُلحّ والضروري إعادة التوازن إلى القوى التي نتمتع بها. ولكن، من غير الممكن تغيير الديناميكية والعلاقة اللتين تجمعان بين الرجال والنساء، والرجال في ما بينهم، والنساء في ما بينهن، إن لم يغيّر كل منهم أو منهن علاقته مع نفسه ويُجيب عن هذه التساؤلات:

- من أنا؟ ما هي مخاوفي؟ ما هي رغباتي ومواطن قوتي؟ ما هي حدودي وآمالي؟ إلخ...

نحن ندّعي العطاء ونودّ أن نتلقى. ولكنّ العطاء والتلقّي من دون مقابل يترتّب عليه لا محالة أن نمنح لأنفسنا ما نرغب فيه بشدة لدى الآخرين. في بداياتها لا تكون علاقة الثنائي مصبوغة بمشاعر عاطفية مفرطة ومبالغ فيها، وإنما تطغى عليها مشاعر حقيقية. فهي لا تقوم على مشاريع حياتية مشتركة ومصيرية، يدعّي أي ثنائي جديد تلقائياً بأنها مشتركة وتجمعهما. إنها تعتمد ببساطة على المتعة الوحيدة التي نشعر بها لكوننا معاً، وعلى قدرتنا على الإستمتاع باللحظة التي نعيشها الآن، وعلى ما نضعه في العلاقة من قوّة مشتركة، وعلى الحافز والدافع اللذين نشعر بهما حيال قدرتنا على حل مشكلاتنا من دون الوقوع في دوّامة التفسير الخاطئ والإتهامات غيرالمبررة. كذلك تعتمد على رغبتنا في أن نبدو على ما نحن عليه، وبأن يشاهدنا الآخر على هذا النحو وبأن يكون موقفنا متشابهاً تجاه الآخر.

الطلاق أو الإنفصال، إن بالتراضي أو التخاصم، لا يكون وقعهما سهلاً على الإطلاق. حدث يخلّ بالعادات الحياتية والحياة اليومية لكلا الشريكين. الطلاق أوالإنفصال يؤديان إلى إعادة النظر في الأسس التي قام عليها الثنائي ويفتحان الباب أمام مرحلة من الإضطرابات والنزاعات والبلبلة والإرباك والقلق التي تخلق حالة من عدم الإستقرار لدى كلا الشريكين.

إنها قفزة في المجهول يكون من الصعب عليهما أحياناً التعايش معها وتقبّلها، تتخطّى مترتباتها النفسية إطار العلاقة الحميمة التي تربط الشريكين. الطلاق يؤدّي، على نحو غير متوقع، إلى إعادة تحديد وتعريف الروابط والعلاقات التي تجمع كل من المرأة والرجل مع الأولاد والأصدقاء والمحيط.

في حالة الطلاق أو الإنفصال، قد يصاب الشريك الذي لم يكن هو من إتخذ القرار بذلك، بأعراض الإكتئاب التفاعلي. الطلاق هو جرح نرجسي للأنا يؤدّي إلى إحساس بالحزن، والذنب، والإستياء والتخوف مما قد يحصل في المستقبل. يطغى الإحساس بالفشل وعدم القدرة على تحقيق أي شيء بحيث يشعر الشخص المعني بأنه ليس على ما يرام، ويعاني صعوبة في النوم وفي التركيز. وينعكس هذا الأمر بدوره على جميع جوانب حياة الأشخاص المعنيين.

لا يستطيع أحد إنكار الآثار المدمّرة لأي طلاق أو إنفصال على جميع أفراد العائلة. وقبل أن ينزلق الثنائي في هذا المسار المُدمّر، أي الإنفصال أو الطلاق، ومهما كانت الأسباب التي تدفعه بهذا الإتجاه، أليس من الأجدى بالنسبة الى الثنائي مراجعة ما يحصل والعودة إلى الأسس التي قام عليها ارتباطه في الأصل، وإعادة النظر بتجرّد في الأسباب العملية والنفسية التي أدّت إلى تدهور هذا الكيان؟

بالتأكيد، من الصعب على الثنائي التوصّل وحده إلى هذا القدر من التجرّد مع ما يلزم من موضوعية خاصة، لأن محيطه المباشر أو أي طرف آخر قد يكون غير مؤهّل ولا يساعده حتماً في ذلك، لا بل يزيد الطين بلّة. وحده العلاج النفسي للثنائي (Thérapie de Couple) يمكنه في غالبية الحالات، المساعدة في إيجاد الصيغ المناسبة والمخارج العملية لإعادة لمّ الشمل والتغلّب على المصاعب والمشكلات القائمة، شرط أن يكون لدى الثنائي الإرادة الحقيقية والنيّة الصافية للعيش بهناء معاً.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-24
  • 10897
  • من الأرشيف

تبقى وحيداً... وقد تندم

يُقال إن الزواج هو عبارة عن قيام الثنائي بحل المشكلات التي لم يكن ليواجهها كل طرف فيه على حدة. بينما في الطلاق والإنفصال، يجد كل طرف من الثنائي نفسه وحيداً في مواجهة المشكلات التي كان بالإمكان حلها مع الشريك. نحن نرغب جميعاً خوض قصة حب مكلّلة بالسعادة والإقتران بالشخص المناسب. ولكن عدد الأشخاص الذين يعيشون وحدهم يزداد يوماً بعد يوم. ثلاثة من كل أربعة أشخاص يقصدون إختصاصيي علم النفس، يقومون بذلك إثر مشكلة عاطفية أو إنفصال أو حتى بسبب خوفهم من حصول مشكلة من هذا النوع. نحن نعيش أزمة إجتماعية وروحية لأن الرجال والنساء باتوا غير قادرين على تحديد مكانتهم بالنسبة الى انفسهم، وموقعهم بالنسبة الى الآخرين، وذلك بعد تغاضيهم عن القيم التي ترعى المجتمع. لقد أصبحنا إستهلاكيين في مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا، تماماً كما نفعل بالنسبة الى سياراتنا الفخمة، ومأكولاتنا غير الصحية وأجهزتنا الإلكترونية التي تعرقل وتعقّد حياتنا. لا شك في أن ثمة ما يرضينا في ذلك كله لأننا نثابر على هذا النمط. وبتصرّف مماثل لا يمكن الإنسان، وبالتالي الثنائي، التعايش مع القيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع، وهو بالتأكيد أمر يرفض الإعتراف به . أسمح لنفسي هنا بالتطرّق إلى التجريح والتشكيك والإنتقادات التي تتعرّض لها الأديان أحياناً. قد يقول البعض إن هذا الأمر ليس مفاجئاً، كون هذه القيم والمبادئ لم تعد تتناسب مع الواقع في هذه الأيام. إلا أننا، وبرأيي، نفتقد إلى صدق النية والواقعية عندما نُلقي بمسؤولية كل مشكلاتنا وآلامنا على القيم الدينية والإجتماعية التي نعتبر أن الزمن ولّى عليها. إنطلاقاً من هذه الرؤية الجديدة للعالم التي نجاهر في إعتمادها، أليس من الخطأ الجزم بأننا قادرون على التحرّر بالكامل من الأعراف والتقاليد والمبادئ، بغضّ النظر عن ماهيتها، من دون تحمل تبعات هذا الأمر؟ يبدو لي أنه ليس من الضروري إنكار معظم قيمنا. فالحكمة تكمن في تغيير بعضها أو تعديله، لا أكثر ولا أقل. لذا، من المهم والأساسي ألّا نتخطى بعض الحدود التي علينا إحترامها. نجد جميعاً، نساء ورجالاً، أنفسنا في حالة من الفراغ الهائل التي لا تمنحنا أدنى شعور بالأمان وليس لدينا القدرة على الخروج منها. نريد جميعاً أن نجد معنى لحياتنا، وأن نعثر على أجوبة مطمئنة عن تساؤلاتنا العديدة. لكنّنا في الحقيقة، علماً أننا نُصرّح عالياً عن رغبتنا العارمة في الحرية رغم الوحدة والخوف اللذين نشعر بهما، نرزح تحت ثقل مشكلاتنا مع ذواتنا، ويصبح من الصعب علينا في هذه الحالة أن تكون علاقاتنا مع الآخرين منسجمة دائماً. خلال الأعوام الأربعين الماضية، كانت وتيرة التغيّرات والتطورات التي طرأت على حياة النساء أسرع بكثير من وتيرة تطوّر الرجال. في السابق، كان المطلوب من النساء تعلّم الطبخ والتنظيف فحسب؛ وبعد الزواج كانت تُلقى على عاتقهن مهمة الإعتناء بشؤون المنزل والأولاد فقط. سمح تحرّرالمرأة لها بإحراز تقدّم إيجابي نحو مزيد من المسؤولية والحرية والإستقلالية، ما إنعكس بدوره على العلاقات الإجتماعية بين الرجل والمرأة التي أصبحت صعبة أكثر فأكثر. إن وجود نزاع على السلطة والنفوذ بين الرجال والنساء، أدى إلى زعزعة توازنهما النفسي والجسدي. لذا، من المُلحّ والضروري إعادة التوازن إلى القوى التي نتمتع بها. ولكن، من غير الممكن تغيير الديناميكية والعلاقة اللتين تجمعان بين الرجال والنساء، والرجال في ما بينهم، والنساء في ما بينهن، إن لم يغيّر كل منهم أو منهن علاقته مع نفسه ويُجيب عن هذه التساؤلات: - من أنا؟ ما هي مخاوفي؟ ما هي رغباتي ومواطن قوتي؟ ما هي حدودي وآمالي؟ إلخ... نحن ندّعي العطاء ونودّ أن نتلقى. ولكنّ العطاء والتلقّي من دون مقابل يترتّب عليه لا محالة أن نمنح لأنفسنا ما نرغب فيه بشدة لدى الآخرين. في بداياتها لا تكون علاقة الثنائي مصبوغة بمشاعر عاطفية مفرطة ومبالغ فيها، وإنما تطغى عليها مشاعر حقيقية. فهي لا تقوم على مشاريع حياتية مشتركة ومصيرية، يدعّي أي ثنائي جديد تلقائياً بأنها مشتركة وتجمعهما. إنها تعتمد ببساطة على المتعة الوحيدة التي نشعر بها لكوننا معاً، وعلى قدرتنا على الإستمتاع باللحظة التي نعيشها الآن، وعلى ما نضعه في العلاقة من قوّة مشتركة، وعلى الحافز والدافع اللذين نشعر بهما حيال قدرتنا على حل مشكلاتنا من دون الوقوع في دوّامة التفسير الخاطئ والإتهامات غيرالمبررة. كذلك تعتمد على رغبتنا في أن نبدو على ما نحن عليه، وبأن يشاهدنا الآخر على هذا النحو وبأن يكون موقفنا متشابهاً تجاه الآخر. الطلاق أو الإنفصال، إن بالتراضي أو التخاصم، لا يكون وقعهما سهلاً على الإطلاق. حدث يخلّ بالعادات الحياتية والحياة اليومية لكلا الشريكين. الطلاق أوالإنفصال يؤديان إلى إعادة النظر في الأسس التي قام عليها الثنائي ويفتحان الباب أمام مرحلة من الإضطرابات والنزاعات والبلبلة والإرباك والقلق التي تخلق حالة من عدم الإستقرار لدى كلا الشريكين. إنها قفزة في المجهول يكون من الصعب عليهما أحياناً التعايش معها وتقبّلها، تتخطّى مترتباتها النفسية إطار العلاقة الحميمة التي تربط الشريكين. الطلاق يؤدّي، على نحو غير متوقع، إلى إعادة تحديد وتعريف الروابط والعلاقات التي تجمع كل من المرأة والرجل مع الأولاد والأصدقاء والمحيط. في حالة الطلاق أو الإنفصال، قد يصاب الشريك الذي لم يكن هو من إتخذ القرار بذلك، بأعراض الإكتئاب التفاعلي. الطلاق هو جرح نرجسي للأنا يؤدّي إلى إحساس بالحزن، والذنب، والإستياء والتخوف مما قد يحصل في المستقبل. يطغى الإحساس بالفشل وعدم القدرة على تحقيق أي شيء بحيث يشعر الشخص المعني بأنه ليس على ما يرام، ويعاني صعوبة في النوم وفي التركيز. وينعكس هذا الأمر بدوره على جميع جوانب حياة الأشخاص المعنيين. لا يستطيع أحد إنكار الآثار المدمّرة لأي طلاق أو إنفصال على جميع أفراد العائلة. وقبل أن ينزلق الثنائي في هذا المسار المُدمّر، أي الإنفصال أو الطلاق، ومهما كانت الأسباب التي تدفعه بهذا الإتجاه، أليس من الأجدى بالنسبة الى الثنائي مراجعة ما يحصل والعودة إلى الأسس التي قام عليها ارتباطه في الأصل، وإعادة النظر بتجرّد في الأسباب العملية والنفسية التي أدّت إلى تدهور هذا الكيان؟ بالتأكيد، من الصعب على الثنائي التوصّل وحده إلى هذا القدر من التجرّد مع ما يلزم من موضوعية خاصة، لأن محيطه المباشر أو أي طرف آخر قد يكون غير مؤهّل ولا يساعده حتماً في ذلك، لا بل يزيد الطين بلّة. وحده العلاج النفسي للثنائي (Thérapie de Couple) يمكنه في غالبية الحالات، المساعدة في إيجاد الصيغ المناسبة والمخارج العملية لإعادة لمّ الشمل والتغلّب على المصاعب والمشكلات القائمة، شرط أن يكون لدى الثنائي الإرادة الحقيقية والنيّة الصافية للعيش بهناء معاً.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة