قلب استمرار العقوبات الاقتصادية وتوسّع قائمتها العربية والغربية توقعات الكثيرين، ممن خلطوا بداية بين حقيقة تأثيراتها السلبية على الاقتصاد السوري، وبين قدرة النظام وإصراره على الصمود سياسياً واقتصادياً. ورغم كل إجراءات المواجهة التي اتخذتها الحكومة، ودعم الحلفاء لها اقتصادياً، فإنّ الآثار القاسية للعقوبات بعد نحو عامين ونصف عام لا يمكن تجاهلها.

ويصنّف الدكتور حيان سلمان، معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، في حديث الى«الأخبار» العقوبات المفروضة على سوريا الى أربع مجموعات هي:

ــ العقوبات الأميركية، والتي يعود تاريخها إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وتوجت في 2003 بصدور قانون محاسبة سوريا، ثم بقرار توقيف جميع التعاملات مع المصرف التجاري السوري في 2006، وليتمّ في آب 2011 توقيف جميع التعاملات المصرفية، ومنع استيراد النفط والغاز، وتجميد أصول الحكومة السورية وتوقيف العمل ببطاقتي «فيزا كارد» و«ماستر كارد».

ــ عقوبات الاتحاد الأوروبي التي كان لها التأثير السلبي الأكبر نظراً الى ان الاتحاد كان الشريك التجاري الأول لسوريا. فنسبة التبادل التجاري معه كانت تصل قبل 2011 إلى نحو 55%، وفي مجال النفط أكثر من 90%. وشملت العقوبات وقف شراء السندات السورية، ومنع المصارف السورية من فتح فروع لها في أوروبا، ووقف التعاون المالي والقروض والمشاريع المشتركة وشراء النفط... وغيرها.

ـــ عقوبات جامعة الدول العربية وبدأت في تشرين الأول 2011، وأهمها منع التعاون في السلع غير الضرورية ووقف التعاملات المالية مع البنك المركزي وتمويل المشاريع الاستثمارية وتجميد الأصول المالية ووقف الرحلات الجوية إلى المطارات السورية...

ــ العقوبات التركية، وتم فرضها بعد أسبوع من فرض العقوبات العربية، وشملت عقوبات مالية وتجارية وتجميد الأصول السورية ووقف التعاملات المالية... وغيرها.

تدمير من نوع آخر

من دون حاجة الى انتظار أرقام الاقتصاديين وبحوثهم الإحصائية، يعاني السوريون بيومياتهم المؤلمة من آثار العقوبات. فأسعار السلع والمواد في الأسواق المحلية ارتفعت بمعدلات غير مسبوقة وصلت حسب تقديرات رسمية إلى نحو 122%، فضلاً عن صعوبة تأمين أو فقدان بعض المواد الضرورية كالأدوية التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك الأزمات التي تحدث في توفير المشتقات النفطية الرئيسية كالمازوت والبنزين.

لكن يبقى للاقتصاديين منظورهم الأشمل في رصد تلك الآثار المباشرة منها وغير المباشرة، فمعاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية يؤكد أنّ معالجة الآثار للعقوبات يجب أن تتم على مستويين هما مستوى المؤشرات الفرعية النوعية، ومستوى المؤشرات الكلية.

في المستوى الأول يحدد نحو ستة عشر تأثيراً سلبياً للعقوبات العربية والغربية أبرزها تراجع معدل النمو الاقتصادي ليسجل وفق توقعاته نحو 3.6% سالباً بنهاية العام 2012، وصعوبة استيراد السلع الأساسية والتحول النوعي في خارطة الدول المصدرة لسوريا، إذ تصدرت الدول الآسيوية القائمة بنسبة 44% من إجمالي المستوردات السورية بينما تراجعت مستوردات البلاد من دول الاتحاد الأوروبي لتبلغ نسبتها 16% وكذلك الأمر للدول العربية والتي بلغت نسبة صادراتها الى سوريا 11% فقط. وهذا التحوّل حدث أيضاً في تركيبة الصادرات السورية التي توجه 54% منها نحو الدول الآسيوية و2.7% نحو دول الاتحاد الأوروبي، و19% نحو الدول العربية، كما تسبّبت العقوبات بزيادة تكاليف النقل ورسوم التأمين نتيجة ارتفاع هامش المخاطرة لدى الناقل البري والبحري والجوي، وامتناع الكثير من الناقلين عن قيامهم بذلك.

أما على مستوى المؤشرات الكلية، ورغم التسليم بتأثير العقوبات، يرى سلمان أنّ من الصعوبة، بل الاستحالة، حصر التأثيرات السلبية، وقد ساعد على ذلك، بحسب رأيه، الخلل الذي كان موجوداً في الخطتين التاسعة والعاشرة الحكوميتين واللتين كانتا محابيتين للأغنياء وقطاع الخدمات على حساب الفقراء وقطاع الإنتاج. وفي الجانب الاجتماعي يتم الحديث عن عشرة آثار للعقوبات تبدأ بزيادة عدد الفقراء بنحو 3 ملايين شخص إلى ما كان موجوداً قبل الأزمة، وتنتهي مع تراجع منظومة الأمن والأمان.

بلا أرقام

رغم الأثر العميق الذي أحدثته العقوبات الاقتصادية في حياة السوريين، ومرور أكثر من عامين على إقرارها عربياً وغربياً، إلا أنّ الحكومة السورية لم تصدر إلى اليوم أي بيانات إحصائية رسمية توضح حجم ما تسببت به هذه العقوبات من خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، وما هو موجود حالياً لا يتعدى تقديرات وحيدة نشرها «المركز السوري لبحوث السياسات»، وجاء فيها أنّ تحليلات باحثيه أكدت أن 38.3% من إجمالي الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2011 و2012 أي ما قيمته 6.8 مليارات دولار كانت نتيجة العقوبات الخارجية، والجزء الأكبر منها والبالغ 3.9 مليارات دولار كان بسبب العقوبات الغربية على قطاع النفط السوري، وهي أرقام تأخذ منحى تصاعدياً خطيراً مع مرور الوقت وصرامة العقوبات، التي خرجت من يافطة «زيادة الضغوط على النظام» لتدخل في دائرة «زيادة وجع السوريين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود». ويوضح عضو غرفة تجارة دمشق وأمين سر اتحاد المصدرين، مازن حمور، أنّ «العقوبات أثرت سلباً على جميع القطاعات من استيراد وتصدير، وتالياً على الأسعار لأنّ هذه العقوبات أثرت أولاً على أسعار الصرف، إضافة إلى العمولات الكبيرة التي تكبدها التاجر للحصول على المواد التي يود استيرادها»، فالكثير من البنوك أوقفت التعامل مع التجار السوريين والتسهيلات الممنوحة لهم تخوفاً من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية حتى لأبسط أنواع السلع ومنها الغذائية.

ويضيف في حديثه الى «الأخبار»، أنّه مع ذلك فقد تم اختراق العقوبات وكسرها بهمة «التجار الشرفاء» الذين يعملون منذ اليوم الأول للأزمة، حيث تم توفير جميع المواد لا سيما الغذائية، وكانت الزيادة في الأسعار تتناسب طرداً مع صعوبة استيرادها ورفع سعر الصرف وتخفض أيضاً بالأسلوب نفسه، وقد انعكست أيضاً هذه الصعوبات على استيراد المواد الأولية الداخلة في الصناعات.

اختراق العقوبات الاقتصادية لجهة تأمين المستوردات تحقق أيضاً في الصادرات، ويستشهد حمور بالعديد من المعارض التي أقامها اتحاد المصدرين في بيروت، وتم خلالها إبرام عقود بملايين الدولارات. والمعرض الأخير كان في فندق فنيسيا وجرى على هامشه إبرام عقود بأكثر من ٧٠ مليون دولار، لا بل إن توقيت المعرض ما قبل الأخير تزامن مع اليوم المتوقع للضربة الأميركية (أواخر شهر آب الماضي)، ومع ذلك كان المعرض ناجحاً.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-17
  • 11390
  • من الأرشيف

«عصا» الحصار الاقتصادي: من استهداف «المسؤولين» إلى 3 ملايين فقير

قلب استمرار العقوبات الاقتصادية وتوسّع قائمتها العربية والغربية توقعات الكثيرين، ممن خلطوا بداية بين حقيقة تأثيراتها السلبية على الاقتصاد السوري، وبين قدرة النظام وإصراره على الصمود سياسياً واقتصادياً. ورغم كل إجراءات المواجهة التي اتخذتها الحكومة، ودعم الحلفاء لها اقتصادياً، فإنّ الآثار القاسية للعقوبات بعد نحو عامين ونصف عام لا يمكن تجاهلها. ويصنّف الدكتور حيان سلمان، معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، في حديث الى«الأخبار» العقوبات المفروضة على سوريا الى أربع مجموعات هي: ــ العقوبات الأميركية، والتي يعود تاريخها إلى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وتوجت في 2003 بصدور قانون محاسبة سوريا، ثم بقرار توقيف جميع التعاملات مع المصرف التجاري السوري في 2006، وليتمّ في آب 2011 توقيف جميع التعاملات المصرفية، ومنع استيراد النفط والغاز، وتجميد أصول الحكومة السورية وتوقيف العمل ببطاقتي «فيزا كارد» و«ماستر كارد». ــ عقوبات الاتحاد الأوروبي التي كان لها التأثير السلبي الأكبر نظراً الى ان الاتحاد كان الشريك التجاري الأول لسوريا. فنسبة التبادل التجاري معه كانت تصل قبل 2011 إلى نحو 55%، وفي مجال النفط أكثر من 90%. وشملت العقوبات وقف شراء السندات السورية، ومنع المصارف السورية من فتح فروع لها في أوروبا، ووقف التعاون المالي والقروض والمشاريع المشتركة وشراء النفط... وغيرها. ـــ عقوبات جامعة الدول العربية وبدأت في تشرين الأول 2011، وأهمها منع التعاون في السلع غير الضرورية ووقف التعاملات المالية مع البنك المركزي وتمويل المشاريع الاستثمارية وتجميد الأصول المالية ووقف الرحلات الجوية إلى المطارات السورية... ــ العقوبات التركية، وتم فرضها بعد أسبوع من فرض العقوبات العربية، وشملت عقوبات مالية وتجارية وتجميد الأصول السورية ووقف التعاملات المالية... وغيرها. تدمير من نوع آخر من دون حاجة الى انتظار أرقام الاقتصاديين وبحوثهم الإحصائية، يعاني السوريون بيومياتهم المؤلمة من آثار العقوبات. فأسعار السلع والمواد في الأسواق المحلية ارتفعت بمعدلات غير مسبوقة وصلت حسب تقديرات رسمية إلى نحو 122%، فضلاً عن صعوبة تأمين أو فقدان بعض المواد الضرورية كالأدوية التي يحتاجها أصحاب الأمراض المزمنة، وكذلك الأزمات التي تحدث في توفير المشتقات النفطية الرئيسية كالمازوت والبنزين. لكن يبقى للاقتصاديين منظورهم الأشمل في رصد تلك الآثار المباشرة منها وغير المباشرة، فمعاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية يؤكد أنّ معالجة الآثار للعقوبات يجب أن تتم على مستويين هما مستوى المؤشرات الفرعية النوعية، ومستوى المؤشرات الكلية. في المستوى الأول يحدد نحو ستة عشر تأثيراً سلبياً للعقوبات العربية والغربية أبرزها تراجع معدل النمو الاقتصادي ليسجل وفق توقعاته نحو 3.6% سالباً بنهاية العام 2012، وصعوبة استيراد السلع الأساسية والتحول النوعي في خارطة الدول المصدرة لسوريا، إذ تصدرت الدول الآسيوية القائمة بنسبة 44% من إجمالي المستوردات السورية بينما تراجعت مستوردات البلاد من دول الاتحاد الأوروبي لتبلغ نسبتها 16% وكذلك الأمر للدول العربية والتي بلغت نسبة صادراتها الى سوريا 11% فقط. وهذا التحوّل حدث أيضاً في تركيبة الصادرات السورية التي توجه 54% منها نحو الدول الآسيوية و2.7% نحو دول الاتحاد الأوروبي، و19% نحو الدول العربية، كما تسبّبت العقوبات بزيادة تكاليف النقل ورسوم التأمين نتيجة ارتفاع هامش المخاطرة لدى الناقل البري والبحري والجوي، وامتناع الكثير من الناقلين عن قيامهم بذلك. أما على مستوى المؤشرات الكلية، ورغم التسليم بتأثير العقوبات، يرى سلمان أنّ من الصعوبة، بل الاستحالة، حصر التأثيرات السلبية، وقد ساعد على ذلك، بحسب رأيه، الخلل الذي كان موجوداً في الخطتين التاسعة والعاشرة الحكوميتين واللتين كانتا محابيتين للأغنياء وقطاع الخدمات على حساب الفقراء وقطاع الإنتاج. وفي الجانب الاجتماعي يتم الحديث عن عشرة آثار للعقوبات تبدأ بزيادة عدد الفقراء بنحو 3 ملايين شخص إلى ما كان موجوداً قبل الأزمة، وتنتهي مع تراجع منظومة الأمن والأمان. بلا أرقام رغم الأثر العميق الذي أحدثته العقوبات الاقتصادية في حياة السوريين، ومرور أكثر من عامين على إقرارها عربياً وغربياً، إلا أنّ الحكومة السورية لم تصدر إلى اليوم أي بيانات إحصائية رسمية توضح حجم ما تسببت به هذه العقوبات من خسائر اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، وما هو موجود حالياً لا يتعدى تقديرات وحيدة نشرها «المركز السوري لبحوث السياسات»، وجاء فيها أنّ تحليلات باحثيه أكدت أن 38.3% من إجمالي الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي لعامي 2011 و2012 أي ما قيمته 6.8 مليارات دولار كانت نتيجة العقوبات الخارجية، والجزء الأكبر منها والبالغ 3.9 مليارات دولار كان بسبب العقوبات الغربية على قطاع النفط السوري، وهي أرقام تأخذ منحى تصاعدياً خطيراً مع مرور الوقت وصرامة العقوبات، التي خرجت من يافطة «زيادة الضغوط على النظام» لتدخل في دائرة «زيادة وجع السوريين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود». ويوضح عضو غرفة تجارة دمشق وأمين سر اتحاد المصدرين، مازن حمور، أنّ «العقوبات أثرت سلباً على جميع القطاعات من استيراد وتصدير، وتالياً على الأسعار لأنّ هذه العقوبات أثرت أولاً على أسعار الصرف، إضافة إلى العمولات الكبيرة التي تكبدها التاجر للحصول على المواد التي يود استيرادها»، فالكثير من البنوك أوقفت التعامل مع التجار السوريين والتسهيلات الممنوحة لهم تخوفاً من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية حتى لأبسط أنواع السلع ومنها الغذائية. ويضيف في حديثه الى «الأخبار»، أنّه مع ذلك فقد تم اختراق العقوبات وكسرها بهمة «التجار الشرفاء» الذين يعملون منذ اليوم الأول للأزمة، حيث تم توفير جميع المواد لا سيما الغذائية، وكانت الزيادة في الأسعار تتناسب طرداً مع صعوبة استيرادها ورفع سعر الصرف وتخفض أيضاً بالأسلوب نفسه، وقد انعكست أيضاً هذه الصعوبات على استيراد المواد الأولية الداخلة في الصناعات. اختراق العقوبات الاقتصادية لجهة تأمين المستوردات تحقق أيضاً في الصادرات، ويستشهد حمور بالعديد من المعارض التي أقامها اتحاد المصدرين في بيروت، وتم خلالها إبرام عقود بملايين الدولارات. والمعرض الأخير كان في فندق فنيسيا وجرى على هامشه إبرام عقود بأكثر من ٧٠ مليون دولار، لا بل إن توقيت المعرض ما قبل الأخير تزامن مع اليوم المتوقع للضربة الأميركية (أواخر شهر آب الماضي)، ومع ذلك كان المعرض ناجحاً.

المصدر : الأخبار /زياد غصن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة