لطالما حافظت القيادة السورية، بطاقميها، طاقم الأب وطاقم الابن، على علاقة خاصة بالمملكة السعودية. صحيح أنّ العلاقات بينهما شهدت مدّاً وجزراً أحياناً كثيرة، إلا أنها لم تصل أبداً إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم، حتى بعد اغتيال رجل السعودية رفيق الحريري عام 2005،  وما رافقه من حملة إعلامية سياسية غير مسبوقة، واتهام للرئيس شخصياً وأفراد مقربين منه، بالوقوف خلف الاغتيال. حتى في تلك المرحلة الصعبة، لم تصل العلاقة بين البلدين إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم من قطيعة وعداء معلن.

العلاقات الجيدة التي أثمرت إعلان دمشق بعد حرب العراق، وبعدها المثلت السوري ــ المصري ــ السعودي على زمن الأسد الأب، وآخرها في زمن الأسد الابن، زيارة الملك عبد الله «التاريخية» في الشهر العاشر من 2009 التي خففت الشد، كي لا تقطع شعرة معاوية، كل هذا أصبح من التاريخ، ونحن أمام مرحلة جديدة.

اليوم تطالعنا وسائل الإعلام بخبر قد يكون مزعجاً لموالي القيادة السورية، ومفرحاً لمعارضيها.

الخبر يقول إنّ جهة سعودية خاصة ستنتج فيلماً يوثّق «جرائم» نظامي الأسد الأب والابن على مدى 40 عاماً. .. وهو عنوان يقصد منه الإمعان في محاولة الإساءة للرجلين، إلى أقصى مدى ممكن. لا نرى أيّ مبرر للغضب من هذا المشروع الانفعالي الارتجالي، الذي يأتي بمثابة رد وانتقام بدوي قبلي أرعن، من الرئيس الأسد شخصياً، كونه سمح أو سهّل عرض، بل ربما موّل وساهم بخروج فيلم ملك الرمال إلى النور.

 لامبالاتنا تأتي من أنّ الفيلم لن يستطيع الإساءة أكثر للرجل، من الإساءات الكبيرة التي أصابته أصلاً.

فالمنظمات الإرهابية الإعلامية، التي تعمل تحت مسمى قنوات إعلامية، والمموّلة من الأنظمة الحاكمة في السعودية وقطر، استطاعت حقيقة تشويه الرجل، وربما منحته المركز الثالث عالمياً في الشيطنة الإعلامية، بعد هتلر وستالين، فهو «قاتل الأطفال» و«مغتصب الحرائر». لن يغيّر فيلم، ولا أي عمل إعلامي المعادلة، وهي أنّ الرئيس الأسد شخصية وطنية، قد تم تشويهها بالفعل.

ولكن الجانب الإيجابي لهذا العداء بين سوريا، مزيج العلمانية والإسلام المعتدل، والسعودية، مزيج التخلف والبداوة والكراهية الوهابية، هو أنّ الجميع بدون استثناء على مفترق طرق لطالما كانت شعرة معاوية تؤخر وصولنا إليه.

اليوم تقطع شعرة معاوية، ونريد أن نقطع معها كل سيطرة البترودولار على حياتنا. هذا المصطلح الذي كان السبب في اتساخنا جميعاً، اتساخ أوطاننا وأخلاقنا، اتساخ كتّابنا وصحافيينا وفنانينا، اتساخ حكوماتنا ومواقفنا.

الانفصال نهائياً عن مملكة الوهابية، هو تنظيف لما بقي لنا من الوطن، هو تنظيف لمستقبل أبنائنا، تنظيف لفكرنا وقيمنا.

نظام ينتج الإرهاب ويدعمه ويغطيه إعلامياً، هو نظام لا تفيد معه أي مهادنة، القطيعة، القطيعة فقط هي الخيار الأمثل.

القطيعة تحرر الرئيس قبل الشعب من أي ضغوط دولية محتملة، أو متطلبات العلاقات الدبلوماسية. فبشار الأسد، إضافة إلى كونه زعيماً وطنياً شعبياً، هو رئيس للدولة، ويتزعم الحزب الحاكم، وتفرض عليه مناصبه الكثير من مراعاة أصول العلاقات الدولية، وربما المرونة مع كيان يصدّر الإرهاب والكراهية بلا توقف، كالمملكة السعودية.

القطيعة ترفع عن كاهله حرج أي ضغوط دولية محتملة، القطيعة تجعله زعيماً شعبياً صرفاً، بلا أي معوقات، وكلنا نذكر فخرنا به عندما ألقى خطاب أنصاف الرجال بعد انتصار حزب الله التاريخي في جنوب لبنان، يومها شبه القطيعة، والعلاقات الفاترة مع السعودية ومصر، أعطته مساحة لقول رأيه الصريح بقادة تلك الدول.

حوّل البترودولار بلداناً بأكملها لمباغ، وأصبحت الثقافة هي ثقافة العهر، تحكّم البترودولار بالدراما العربية، بالتمويل والإنتاج، وعلى خط مواز آخر، موّل الخطوط الدينية المتزمّتة، فتغيّرت صورة الوطن، وأصبحنا بين النقيضين في أقصى مدى ممكن لهما.

قطع شعرة معاوية بين سعودية الحقد والكراهية، وسورية الانفتاح والمحبة، ليس سوى بداية الخلاص لنا جميعاً من أي قذارة تعلق بنا من علاقة مع نظام يدعم الإرهاب بكل أشكاله.

على مفترق الطرق نقف جميعاً، في الصف الأوّل تقف النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية، يقف المثقفون والفنانون والصحافيون، هؤلاء الذين قصّر الكثير منهم في حق الوطن، ولم يقدموا للعامة، ما انتظر منهم، في أحلك أيام الوطن. على هذا المفترق، على كل منا أن يختار الطريق الذي يناسبه، إما طريق البترودولار أو طريق سوريا الوطن. الطريق الأوّل مليء بالإغراءات المادية، لكنه مجبول بالذل والعار إلى حد الخيانة للوطن، والطريق الثاني مليء بالصعوبات، لكنه طريق الوطن النقي من رجس المال القذر، طريق بناء سوريا خالية من الفساد، طريق بناء الدولة على أساس احترام حرية الفرد، ومنحه كل الحقوق المدنية… طريق بناء سوريا زراعية وصناعية وسياحية. طريق دعم الزراعة والصناعة السورية، ودعم الطبقات الفقيرة، وطريق التوزيع العادل للثروة الوطنية وإعادة نشر الثقافة الحقيقية… ثقافة الحضارة التي نفتقدها منذ غزو البترودولار لنا. طريق تجريم الطائفية بأقسى القوانين، لحين تعليم جيل كامل معنى المحبة والتآخي… طريق سوريا الجميلة. عظيم ما قام به المخرج نجدت أنزور، فقد وضع لنا الحجر الأساس لمشروع تعرية المملكة السعودية، وفضح جرائمها. الرجل اختار الطريق الثاني، طريق سوريا الحقيقية. لم يهتم للإغراءات المادية ولم يخف من التهديدات الجدية… فلنكن مثله، على قدر ما نستطيع.

 

اقطعوا شعرة معاوية مع خوابي الحقد.

  • فريق ماسة
  • 2014-03-11
  • 10452
  • من الأرشيف

فَلتُقطع شعرة معاوية

 لطالما حافظت القيادة السورية، بطاقميها، طاقم الأب وطاقم الابن، على علاقة خاصة بالمملكة السعودية. صحيح أنّ العلاقات بينهما شهدت مدّاً وجزراً أحياناً كثيرة، إلا أنها لم تصل أبداً إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم، حتى بعد اغتيال رجل السعودية رفيق الحريري عام 2005،  وما رافقه من حملة إعلامية سياسية غير مسبوقة، واتهام للرئيس شخصياً وأفراد مقربين منه، بالوقوف خلف الاغتيال. حتى في تلك المرحلة الصعبة، لم تصل العلاقة بين البلدين إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم من قطيعة وعداء معلن. العلاقات الجيدة التي أثمرت إعلان دمشق بعد حرب العراق، وبعدها المثلت السوري ــ المصري ــ السعودي على زمن الأسد الأب، وآخرها في زمن الأسد الابن، زيارة الملك عبد الله «التاريخية» في الشهر العاشر من 2009 التي خففت الشد، كي لا تقطع شعرة معاوية، كل هذا أصبح من التاريخ، ونحن أمام مرحلة جديدة. اليوم تطالعنا وسائل الإعلام بخبر قد يكون مزعجاً لموالي القيادة السورية، ومفرحاً لمعارضيها. الخبر يقول إنّ جهة سعودية خاصة ستنتج فيلماً يوثّق «جرائم» نظامي الأسد الأب والابن على مدى 40 عاماً. .. وهو عنوان يقصد منه الإمعان في محاولة الإساءة للرجلين، إلى أقصى مدى ممكن. لا نرى أيّ مبرر للغضب من هذا المشروع الانفعالي الارتجالي، الذي يأتي بمثابة رد وانتقام بدوي قبلي أرعن، من الرئيس الأسد شخصياً، كونه سمح أو سهّل عرض، بل ربما موّل وساهم بخروج فيلم ملك الرمال إلى النور.  لامبالاتنا تأتي من أنّ الفيلم لن يستطيع الإساءة أكثر للرجل، من الإساءات الكبيرة التي أصابته أصلاً. فالمنظمات الإرهابية الإعلامية، التي تعمل تحت مسمى قنوات إعلامية، والمموّلة من الأنظمة الحاكمة في السعودية وقطر، استطاعت حقيقة تشويه الرجل، وربما منحته المركز الثالث عالمياً في الشيطنة الإعلامية، بعد هتلر وستالين، فهو «قاتل الأطفال» و«مغتصب الحرائر». لن يغيّر فيلم، ولا أي عمل إعلامي المعادلة، وهي أنّ الرئيس الأسد شخصية وطنية، قد تم تشويهها بالفعل. ولكن الجانب الإيجابي لهذا العداء بين سوريا، مزيج العلمانية والإسلام المعتدل، والسعودية، مزيج التخلف والبداوة والكراهية الوهابية، هو أنّ الجميع بدون استثناء على مفترق طرق لطالما كانت شعرة معاوية تؤخر وصولنا إليه. اليوم تقطع شعرة معاوية، ونريد أن نقطع معها كل سيطرة البترودولار على حياتنا. هذا المصطلح الذي كان السبب في اتساخنا جميعاً، اتساخ أوطاننا وأخلاقنا، اتساخ كتّابنا وصحافيينا وفنانينا، اتساخ حكوماتنا ومواقفنا. الانفصال نهائياً عن مملكة الوهابية، هو تنظيف لما بقي لنا من الوطن، هو تنظيف لمستقبل أبنائنا، تنظيف لفكرنا وقيمنا. نظام ينتج الإرهاب ويدعمه ويغطيه إعلامياً، هو نظام لا تفيد معه أي مهادنة، القطيعة، القطيعة فقط هي الخيار الأمثل. القطيعة تحرر الرئيس قبل الشعب من أي ضغوط دولية محتملة، أو متطلبات العلاقات الدبلوماسية. فبشار الأسد، إضافة إلى كونه زعيماً وطنياً شعبياً، هو رئيس للدولة، ويتزعم الحزب الحاكم، وتفرض عليه مناصبه الكثير من مراعاة أصول العلاقات الدولية، وربما المرونة مع كيان يصدّر الإرهاب والكراهية بلا توقف، كالمملكة السعودية. القطيعة ترفع عن كاهله حرج أي ضغوط دولية محتملة، القطيعة تجعله زعيماً شعبياً صرفاً، بلا أي معوقات، وكلنا نذكر فخرنا به عندما ألقى خطاب أنصاف الرجال بعد انتصار حزب الله التاريخي في جنوب لبنان، يومها شبه القطيعة، والعلاقات الفاترة مع السعودية ومصر، أعطته مساحة لقول رأيه الصريح بقادة تلك الدول. حوّل البترودولار بلداناً بأكملها لمباغ، وأصبحت الثقافة هي ثقافة العهر، تحكّم البترودولار بالدراما العربية، بالتمويل والإنتاج، وعلى خط مواز آخر، موّل الخطوط الدينية المتزمّتة، فتغيّرت صورة الوطن، وأصبحنا بين النقيضين في أقصى مدى ممكن لهما. قطع شعرة معاوية بين سعودية الحقد والكراهية، وسورية الانفتاح والمحبة، ليس سوى بداية الخلاص لنا جميعاً من أي قذارة تعلق بنا من علاقة مع نظام يدعم الإرهاب بكل أشكاله. على مفترق الطرق نقف جميعاً، في الصف الأوّل تقف النخب الثقافية والسياسية والاقتصادية، يقف المثقفون والفنانون والصحافيون، هؤلاء الذين قصّر الكثير منهم في حق الوطن، ولم يقدموا للعامة، ما انتظر منهم، في أحلك أيام الوطن. على هذا المفترق، على كل منا أن يختار الطريق الذي يناسبه، إما طريق البترودولار أو طريق سوريا الوطن. الطريق الأوّل مليء بالإغراءات المادية، لكنه مجبول بالذل والعار إلى حد الخيانة للوطن، والطريق الثاني مليء بالصعوبات، لكنه طريق الوطن النقي من رجس المال القذر، طريق بناء سوريا خالية من الفساد، طريق بناء الدولة على أساس احترام حرية الفرد، ومنحه كل الحقوق المدنية… طريق بناء سوريا زراعية وصناعية وسياحية. طريق دعم الزراعة والصناعة السورية، ودعم الطبقات الفقيرة، وطريق التوزيع العادل للثروة الوطنية وإعادة نشر الثقافة الحقيقية… ثقافة الحضارة التي نفتقدها منذ غزو البترودولار لنا. طريق تجريم الطائفية بأقسى القوانين، لحين تعليم جيل كامل معنى المحبة والتآخي… طريق سوريا الجميلة. عظيم ما قام به المخرج نجدت أنزور، فقد وضع لنا الحجر الأساس لمشروع تعرية المملكة السعودية، وفضح جرائمها. الرجل اختار الطريق الثاني، طريق سوريا الحقيقية. لم يهتم للإغراءات المادية ولم يخف من التهديدات الجدية… فلنكن مثله، على قدر ما نستطيع.   اقطعوا شعرة معاوية مع خوابي الحقد.

المصدر : الأخبار /أيهم صالح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة