دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قبل أن يفسّر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تأخر إطلاق الراهبات السوريات واللبنانيات لساعات، بأنه «شدّ حبال الساعات الاخيرة»، كان يدور في بيروت نقاش يُداخله قلق من انتكاسة قد تصيب الجهود اللبنانية – السورية ـ القطرية في اللحظات الأخيرة.
أحد السياسيين أبدى قلقه من أن يكون سبب التأخير دخول ما على خط الوساطة مثلما جرى مع مخطوفي اعزاز. فيما أكد سياسي آخر ثقته بإنجاز المهمة، وقال: «إنّ الامر لا يعود فقط الى كفاية اللواء ابراهيم التفاوضية، ولا الى تسهيلات الحكومة السورية الكبيرة، بل يعود ايضاً الى أنّ رئيس المخابرات القطرية سعادة الكبيسي كان يدرك أنّ هذه الصفقة هي أكبر من عمل أمني او إنساني،
بل هي عمل سياسي بامتياز تحتاجه الدوحة في زمن اشتداد حصار شقيقاتها الخليجيات عليها، بل إنها تريد عبر هذا الانجاز الإيحاء لكل من يهمه الامر أنّ كل الخطوط مفتوحة أمامها، فهي تزور طهران في زمن التصعيد ضدّها، وتلتقي «حزب الله» في زمن الحرب بالمتفجرات والتحريض عليه، وها هي اليوم تتوجه الى ريف دمشق لتنجز الصفقة التي تردد أنّ رئيس مكتب الامن القومي السوري اللواء علي المملوك كان طرفاً رئيساً فيها، كذلك تردد انه قد اجتمع بالكبيسي في لقاء تم نفيه، ولكنّ رسالته قد وصلت.
فشدّ الحبال الدائر اليوم بين المملكة الأُم وبين الإمارة ـ الجزيرة يلتهم أوراقاً كثيرة يمتلكها الطرفان، خصوصاً عشية زيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما للرياض.
والعالمون بخلفية العلاقات الاميركية – السعودية يعتقدون أنّ توقيت سحب السفراء السعودي والاماراتي والبحريني من الدوحة مرتبط بزيارة أوباما في رسالة واضحة لواشنطن أنّ للخليج بوابة واحدة هي الرياض، وأنّ البوابات الأُخرى، حتى ولو انتفخ دورها، تبقى محدودة التأثير.
والعالمون بالعلاقات القطرية – الاميركية يعتقدون في المقابل أنّ الشيخ تميم بن حمد الذي تعذّر عليه تنفيذ التزامات قطعها في اجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز بوساطة كويتية قبل أسابيع، يعتقد، أنّ الدولة الصغيرة ما زالت تمتلك أوراقاً تجعل الإستغناء الاميركي عن دورها صعباً، وأنّ واشنطن ما زالت في حاجة إليها وسيطاً مع «طالبان» لتأمين انسحابٍ آمنٍ لقواتها من افغانستان، خصوصاً أنّ رئيس الوزراء الافغاني حميد كرزاي ما زال ممتنعاً عن توقيع اتفاق أمني مع واشنطن.
كذلك يعتقد الشيخ تميم أنّ الخطوط المفتوحة مع إيران والتي يعزّزها حقل الغاز المشترك بين البلدين، يمكن أن تتطور الى تحالف، ولا سيما أنّ الحظر الاميركي والغربي على طهران لم يعد بالشدة التي كانت قبل اتفاق جنيف النووي. ولا يستبعد القطريون وصول تحالفهم مع طهران الى حدود إستدارتهم في الأزمة السورية، وأن يلعبوا دوراً في تشجيع المصالحات الميدانية والتسويات العسكرية في مواقع الاشتباك في سوريا.
وفي ضوء هذه المعطيات يعتقد سياسيون مطلعون أنّ الرياض غير غافلة عن الأوراق القطرية هذه وأنها تملك اوراقاً تفوقها قوة بدءاً من علاقة متينة مع مصر الجديدة بقيادة المشير عبد الفتاح السيسي، وصولاً الى علاقات متقدمة مع موسكو وصلت الى درجة الحديث عن تمويل سعودي ـ إماراتي لصفقة الأسلحة الروسية لمصر.
كذلك تدرك الرياض أنّ طهران تعرف أنّ التسوية الاقليمية الحقيقية لا تتم إلّا مع السعودية ذات الثقل الكبير في العالمين العربي والإسلامي، وأنّ أكثر ما تفعله قطر هو زيادة السعر الايراني في التسوية مع السعودية، إذ إنّ إيران لا تترك مناسبة إلّا وتؤكد فيها حرصها على تحسين العلاقات مع الرياض.
بل إنّ الرياض تعتقد أنّ القيادة السورية تدرك التأثير السعودي في المعارضة المسلحة، وأنّ كثيراً من المنظمات التي وضعتها الرياض على لائحة الإرهاب كـ»الإخوان المسلمين» و»داعش» و»النصرة» هي منظمات معادية للنظام السوري الذي لا يخفي أركانه نوعاً من اللوم على السعودية التي فتحت أبوابها وجامعاتها ومدارسها لـ»الإخوان المسلمين» السوريين والمصريين الذين تحولوا من لاجئين في أرض الحرمين الى مطلقي حركات تهدّد النظام السعودي نفسه.
وإذا كان القطريون، في نظر الرياض، يحاولون لعب الورقة السورية فإنّ الرياض أقدر منهم بكثير على لعب هذه الورقة، خصوصاً أنّ بيان تجريم «الإخوان» في المملكة يكاد يتطابق مع قانون أصدره الرئيس الراحل حافظ الأسد أوائل الثمانينات ضدّ «الإخوان» السوريين، فالعدوّ المشترك بين دمشق والرياض بات جاهزاً ويمكن البناء عليه لتطبيع العلاقات التي كانت دائماً قوية بين بلاد الشام وبلاد الحرمين.
فهل تحمل الأيام المقبلة انفراجاتٍ سياسيةٍ واسعة داخل الطبقة العربية في بناء الحلّ السياسي السوري؟ وهل يكون للسيسي بعد انتخابه رئيساً لمصر دور في تنقية العلاقات السعودية ـ السورية؟
المصدر :
الجمهورية / طارق ترشيشي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة