لاتفصل روسيا بين المعركة في أوكرانيا والمعركة في سورية. وعلى ما يؤكد السفير ألكسندر زاسبيكين، روسيا حريصة على وحدة أوكرانيا وعلى حياة مواطنيها في الوقت نفسه، وتقتنع بأن المعادلات في سوريا لم يعد بإمكان أحد تغييرها. أما في لبنان، فالتفاؤل سيد الموقف

شارع السفارة الروسية المتفرع من كورنيش المزرعة، في مقابل مدخل مار إلياس، ما عاد سالكاً. الطريق مغلقٌ منذ زمنٍ طويل بعوازل اسمنتية بيضاء. لكنّ زائر السفارة يلحظ أن شيئاً غير اعتيادي حصل هنا، إذ تبدو الإجراءات الأمنية في حدودها القصوى. يقول السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين، بكثيرٍ من الاطمئنان، «لا شيء خاصاً يهدّد مبنى السفارة، لكنّ الاحتياطات الأمنية تأتي ضمن جوّ عام، بعد ازدياد التهديدات الإرهابية». لا شكّ في أن الأزمة الأوكرانية المستجدّة تأخذ حيزاً كبيراً من العقل الروسي. «أوكرانيا خاصرة روسيا الشرقية» وامتدادها ومطلّها الاستراتيجي على البحر الأسود، وما الاشتباك الروسي ـــ الغربي في أوكرانيا اليوم سوى «مؤشر خطير على عودة الحرب الباردة».

يوافق الدبلوماسي الهادئ على أن الأوروبيين والأميركيين أرادوا «كبح جماح روسيا من استعادة مكانتها في العالم، فقرروا منذ عام أو أكثر استخدام نفوذهم في أوروبا الشرقية، والضغط على روسيا في خاصرتها». يشرح السفير موقف بلاده من الأحداث الأوكرانية، معتبراً أن «الغرب حرّك القوى التابعة له داخل أوكرانيا وحرّضها على الاستيلاء على السلطة. الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وافق على تنفيذ الشق المتعلّق به كاملاً في اتفاق 21 شباط، وبدأ بسحب قوات الأمن الداخلي من الشوارع، لكن المتطرفين عمدوا سريعاً إلى الانقضاض على الشرعية».

هل تقبل روسيا بتقسيم أوكرانيا؟ «ما يحدث في أوكرانيا مصيري بالنسبة إلينا»، يقول زاسبيكين. يؤكد الدبلوماسي أن «روسيا حريصة على وحدة الأراضي والمؤسسات الأوكرانية، وروسيا تدخلت سريعاً لمنع وقوع حرب أهلية تحتّم في المستقبل تقسيم البلاد، إذ إن سيل الدماء يفسّخ الوحدة الوطنية». ويتابع زاسبيكين: «نحن لا نرغب في التقسيم، ونعمل جاهدين لمنعه، لكننا لن نسمح بهدر دماء الأوكرانيين من أصول روسية والأقليات الأخرى، في ظلّ فوضى وإرهاب تمارسهما العصابات، وهم بادروا إلى استهداف قوات الشرطة منذ البداية، وسقط من هؤلاء شهداء أبطال». ويؤكد السفير أن «العصابات استعملت الأسلحة الحربية والبيضاء، وإذا استمر الصراع فقد تلجأ إلى استعمال الأسلحة بشكل كبير، ما يهدد وحدة البلاد ووجود الأقليات». تصنيف المنقلبين على الشرعية في أوكرانيا يبدو واضحاً بالنسبة إلى روسيا. يقول زاسبيكين إن هناك «حركات يمينية متطرفة، قومية نازية وإثنية، هي أساس الحراك المنقلب على الدولة. وهذه الحركات اعتمدت على دعم ألمانيا النازية منذ الثلاثينيات لزعزعة استقرار البلاد، وكانت تطالب بـ«أوكرانيا صافية»، أي خالية من كل الفئات الاجتماعية الأخرى، واليوم تتّكل هذه الجماعات على الدعم الغربي».

يتوجّه الدبلوماسي إلى «شركاء روسيا الغربيين» بالقول: «إذا كان شركاؤنا موضوعيين، فعليهم الضغط على الذين يدعمونهم للعودة إلى اتفاق 21 شباط». وتابع السفير: «أوروبا ستندم في المرحلة المقبلة. فداخل أوروبا هناك حركات متطرفة نائمة كتلك الموجودة في أوكرانيا، وستوقظها الأزمة الأوكرانية، وحينها لن ينفع الندم». هل يمكن أن تؤدي الحرب الباردة إلى فتح نقاط اشتباك جديدة في العالم بعد أوكرانيا؟ لا يتنبّأ السفير، لكن «من يدري؟».

المقارنة بين يانوكوفيتش والرئيس بشار الأسد غير منطقية في نظر السفير، فـ«الوضع السوري مختلف تماماً. الأسد لديه نظام قوي وجيش ومؤسسات قوية، بينما يانوكوفيتش، كغيره من الرؤساء الأوكرانيين السابقين، سعى الى جمع ثروة والانشغال بالأمور الشخصية. ومع ذلك، هو الرئيس الآن بحسب القانون».

ما مدى تأثير الأحداث الأوكرانية على موقف روسيا من سوريا؟ يقول زاسبيكين بكثير من الثقة: «إننا نقتنع كل مرّة بأن المؤامرة هي من حلقات، وبدأت في يوغوسلافيا، ثم العراق وليبيا وسوريا وأوكرانيا، ويجب مواجهة كل هذه المؤامرات… ماذا جنى اليوغسلافيون الآن؟ كانت دولتهم قوية، وهم الآن يعيشون في دول ضعيفة وفقيرة». ويؤكّد السفير أن «الجيش السوري يحقّق تقدماً كبيراً في الميدان، والكلام على حرب من الجنوب السوري مجرّد تهويل ولا يمكن قلب موازين القوى بعد الآن. لقد أثبت الحل العسكري وإسقاط النظام بالقوة فشلهما، ولا بدّ من الحل السياسي». وبحسب زاسبيكين، «روسيا استطاعت منع استخدام مجلس الأمن ضد سوريا، ومن يرد إيقاف الحرب في سوريا عليه وقف دعم المجموعات الإرهابية، والعمل على إنجاح مؤتمر جنيف 3».

مؤتمر جنيف 3 بالنسبة إلى روسيا يجب أن يحمل جديداً، أهمه «توسيع قاعدة مشاركة المعارضة الداخلية، بعد إثبات أن الائتلاف لا يمون على المسلحين ولا يمثّل الشارع السوري. يجب أن يُعدّ المؤتمر لوجستياً لدعوة المعارضة في الداخل، الموجودة الآن في الحكومة، وإذا أرادت الدول أن توقف الحرب بصدق فعليها وقف دعم المجموعات المسلحة، والضغط عليها لوقف العنف، وليس الكلام فقط».

ماذا عن الدور السعودي والقرار السعودي الأخير بتصنيف بعض الجماعات المسلحة كمنظمات إرهابية؟ يقول زاسبيكين إنه «ثبت أن داعش وجبهة النصرة هما جماعتان إرهابيتان، ولكن هناك تنظيمات أخرى لم تصنّف في القرار، وهي إرهابية أيضاً، كالجبهة الإسلامية وغيرها، لكن في مطلق الأحوال، القرار السعودي جيد، ونأمل أن يُبنى عليه في المستقبل لوقف دعم الحركات الإرهابية».

ماذا عن لبنان؟ يبدو الدبلوماسي الروسي متفائلاً بالوضع اللبناني في المرحلة المقبلة. يقول إن «هناك فرصاً لا بأس بها لإجراء الاستحقاقات الدستورية، وعلى اللبنانيين التقاط الفرصة». ويؤكّد أن «روسيا استطاعت العمل مع شركائها الدوليين على تثبيت الأمن في لبنان، كما أن مجموعة الدعم الدولية ستواصل دعمها للبلد». ورأى أن «لا مصلحة لأحد في اهتزاز الوضع الداخلي اللبناني، وأي تحرّك في لبنان لا يفيد أحداً، ولا يؤثّر في المعادلات التي أُرسيت في الداخل السوري، ومن مصلحة الجميع أن يبقى لبنان مستقراً». ويقول السفير إن «موضوع البيان الوزاري ليس بالأمر المعقّد. يجب أن تشكّل صيغة ترضي الجميع، حتى تتمكن الحكومة من القيام بمهمتها ويتمكن البلد من استكمال استحقاقاته الدستورية».

  • فريق ماسة
  • 2014-03-10
  • 8553
  • من الأرشيف

زاسبيكين: لا يمكن قلب موازين القوى في سورية بعد الآن

لاتفصل روسيا بين المعركة في أوكرانيا والمعركة في سورية. وعلى ما يؤكد السفير ألكسندر زاسبيكين، روسيا حريصة على وحدة أوكرانيا وعلى حياة مواطنيها في الوقت نفسه، وتقتنع بأن المعادلات في سوريا لم يعد بإمكان أحد تغييرها. أما في لبنان، فالتفاؤل سيد الموقف شارع السفارة الروسية المتفرع من كورنيش المزرعة، في مقابل مدخل مار إلياس، ما عاد سالكاً. الطريق مغلقٌ منذ زمنٍ طويل بعوازل اسمنتية بيضاء. لكنّ زائر السفارة يلحظ أن شيئاً غير اعتيادي حصل هنا، إذ تبدو الإجراءات الأمنية في حدودها القصوى. يقول السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين، بكثيرٍ من الاطمئنان، «لا شيء خاصاً يهدّد مبنى السفارة، لكنّ الاحتياطات الأمنية تأتي ضمن جوّ عام، بعد ازدياد التهديدات الإرهابية». لا شكّ في أن الأزمة الأوكرانية المستجدّة تأخذ حيزاً كبيراً من العقل الروسي. «أوكرانيا خاصرة روسيا الشرقية» وامتدادها ومطلّها الاستراتيجي على البحر الأسود، وما الاشتباك الروسي ـــ الغربي في أوكرانيا اليوم سوى «مؤشر خطير على عودة الحرب الباردة». يوافق الدبلوماسي الهادئ على أن الأوروبيين والأميركيين أرادوا «كبح جماح روسيا من استعادة مكانتها في العالم، فقرروا منذ عام أو أكثر استخدام نفوذهم في أوروبا الشرقية، والضغط على روسيا في خاصرتها». يشرح السفير موقف بلاده من الأحداث الأوكرانية، معتبراً أن «الغرب حرّك القوى التابعة له داخل أوكرانيا وحرّضها على الاستيلاء على السلطة. الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش وافق على تنفيذ الشق المتعلّق به كاملاً في اتفاق 21 شباط، وبدأ بسحب قوات الأمن الداخلي من الشوارع، لكن المتطرفين عمدوا سريعاً إلى الانقضاض على الشرعية». هل تقبل روسيا بتقسيم أوكرانيا؟ «ما يحدث في أوكرانيا مصيري بالنسبة إلينا»، يقول زاسبيكين. يؤكد الدبلوماسي أن «روسيا حريصة على وحدة الأراضي والمؤسسات الأوكرانية، وروسيا تدخلت سريعاً لمنع وقوع حرب أهلية تحتّم في المستقبل تقسيم البلاد، إذ إن سيل الدماء يفسّخ الوحدة الوطنية». ويتابع زاسبيكين: «نحن لا نرغب في التقسيم، ونعمل جاهدين لمنعه، لكننا لن نسمح بهدر دماء الأوكرانيين من أصول روسية والأقليات الأخرى، في ظلّ فوضى وإرهاب تمارسهما العصابات، وهم بادروا إلى استهداف قوات الشرطة منذ البداية، وسقط من هؤلاء شهداء أبطال». ويؤكد السفير أن «العصابات استعملت الأسلحة الحربية والبيضاء، وإذا استمر الصراع فقد تلجأ إلى استعمال الأسلحة بشكل كبير، ما يهدد وحدة البلاد ووجود الأقليات». تصنيف المنقلبين على الشرعية في أوكرانيا يبدو واضحاً بالنسبة إلى روسيا. يقول زاسبيكين إن هناك «حركات يمينية متطرفة، قومية نازية وإثنية، هي أساس الحراك المنقلب على الدولة. وهذه الحركات اعتمدت على دعم ألمانيا النازية منذ الثلاثينيات لزعزعة استقرار البلاد، وكانت تطالب بـ«أوكرانيا صافية»، أي خالية من كل الفئات الاجتماعية الأخرى، واليوم تتّكل هذه الجماعات على الدعم الغربي». يتوجّه الدبلوماسي إلى «شركاء روسيا الغربيين» بالقول: «إذا كان شركاؤنا موضوعيين، فعليهم الضغط على الذين يدعمونهم للعودة إلى اتفاق 21 شباط». وتابع السفير: «أوروبا ستندم في المرحلة المقبلة. فداخل أوروبا هناك حركات متطرفة نائمة كتلك الموجودة في أوكرانيا، وستوقظها الأزمة الأوكرانية، وحينها لن ينفع الندم». هل يمكن أن تؤدي الحرب الباردة إلى فتح نقاط اشتباك جديدة في العالم بعد أوكرانيا؟ لا يتنبّأ السفير، لكن «من يدري؟». المقارنة بين يانوكوفيتش والرئيس بشار الأسد غير منطقية في نظر السفير، فـ«الوضع السوري مختلف تماماً. الأسد لديه نظام قوي وجيش ومؤسسات قوية، بينما يانوكوفيتش، كغيره من الرؤساء الأوكرانيين السابقين، سعى الى جمع ثروة والانشغال بالأمور الشخصية. ومع ذلك، هو الرئيس الآن بحسب القانون». ما مدى تأثير الأحداث الأوكرانية على موقف روسيا من سوريا؟ يقول زاسبيكين بكثير من الثقة: «إننا نقتنع كل مرّة بأن المؤامرة هي من حلقات، وبدأت في يوغوسلافيا، ثم العراق وليبيا وسوريا وأوكرانيا، ويجب مواجهة كل هذه المؤامرات… ماذا جنى اليوغسلافيون الآن؟ كانت دولتهم قوية، وهم الآن يعيشون في دول ضعيفة وفقيرة». ويؤكّد السفير أن «الجيش السوري يحقّق تقدماً كبيراً في الميدان، والكلام على حرب من الجنوب السوري مجرّد تهويل ولا يمكن قلب موازين القوى بعد الآن. لقد أثبت الحل العسكري وإسقاط النظام بالقوة فشلهما، ولا بدّ من الحل السياسي». وبحسب زاسبيكين، «روسيا استطاعت منع استخدام مجلس الأمن ضد سوريا، ومن يرد إيقاف الحرب في سوريا عليه وقف دعم المجموعات الإرهابية، والعمل على إنجاح مؤتمر جنيف 3». مؤتمر جنيف 3 بالنسبة إلى روسيا يجب أن يحمل جديداً، أهمه «توسيع قاعدة مشاركة المعارضة الداخلية، بعد إثبات أن الائتلاف لا يمون على المسلحين ولا يمثّل الشارع السوري. يجب أن يُعدّ المؤتمر لوجستياً لدعوة المعارضة في الداخل، الموجودة الآن في الحكومة، وإذا أرادت الدول أن توقف الحرب بصدق فعليها وقف دعم المجموعات المسلحة، والضغط عليها لوقف العنف، وليس الكلام فقط». ماذا عن الدور السعودي والقرار السعودي الأخير بتصنيف بعض الجماعات المسلحة كمنظمات إرهابية؟ يقول زاسبيكين إنه «ثبت أن داعش وجبهة النصرة هما جماعتان إرهابيتان، ولكن هناك تنظيمات أخرى لم تصنّف في القرار، وهي إرهابية أيضاً، كالجبهة الإسلامية وغيرها، لكن في مطلق الأحوال، القرار السعودي جيد، ونأمل أن يُبنى عليه في المستقبل لوقف دعم الحركات الإرهابية». ماذا عن لبنان؟ يبدو الدبلوماسي الروسي متفائلاً بالوضع اللبناني في المرحلة المقبلة. يقول إن «هناك فرصاً لا بأس بها لإجراء الاستحقاقات الدستورية، وعلى اللبنانيين التقاط الفرصة». ويؤكّد أن «روسيا استطاعت العمل مع شركائها الدوليين على تثبيت الأمن في لبنان، كما أن مجموعة الدعم الدولية ستواصل دعمها للبلد». ورأى أن «لا مصلحة لأحد في اهتزاز الوضع الداخلي اللبناني، وأي تحرّك في لبنان لا يفيد أحداً، ولا يؤثّر في المعادلات التي أُرسيت في الداخل السوري، ومن مصلحة الجميع أن يبقى لبنان مستقراً». ويقول السفير إن «موضوع البيان الوزاري ليس بالأمر المعقّد. يجب أن تشكّل صيغة ترضي الجميع، حتى تتمكن الحكومة من القيام بمهمتها ويتمكن البلد من استكمال استحقاقاته الدستورية».

المصدر : فراس الشوفي / الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة