قالت صحيفة “البناء” كأنّما عطلة الأسبوع كانت حافلة عمداً لتزخر الصحافة في عدد أول الأسبوع بانتقال الملفات إلى مراحل الغليان قبل التحوّل إلى بخار عاصف يحمل العواصف الرعدية أو الرياح الخماسين في موسم يحتمل الاثنتين أو يستردّ البرودة تدريجاً بقوة الردع التي يملكها توازن الرعب الحاكم في كلّ الملفات.

المسرح الأوكراني لم يلبث أن استرجع حقيقته كمسرح للاشتباك الدولي الكبير بين موسكو وواشنطن بعدما رفعت موسكو درجة الجاهزية العسكرية وتسلّحت بكلّ الخطوات اللازمة للانتقال إلى الفعل ولو أدّى إلى ترجمة قرار نشر قواعد عسكرية خارج الحدود ونشأت أزمة تشبه أزمة الستينات المعروفة بأزمة الصواريخ في كوبا أو أزمة خليج الخنازير في الصفحة السابعة ملف عن أزمة الصواريخ وخليج الخنازير .

حصل الرئيس الروسي على موافقة قيادة القوات المسلّحة بكلّ أسلحتها على حيوية الملف الأوكراني للأمن القومي لروسيا، وحصل على غطاء الدوما للتدخّل تحت شعار حماية المواطنين من أصول روسية من أي خطر عرقي أو انتقامي يتهدّدهم خارج روسيا، وتوّج ذلك بالحصول على تفويض مجلس دول الاتحاد الروسي للتدخل في أوكرانيا.

فوق هذا الحشد التحضيري السياسي والعسكري أسقطت موسكو محاولات إحراجها بالتعارض بين مصلحتها بالتدخّل ومبدأ عدم التدخّل واحترام سيادة الدول، الذي يشكل شعارها في التصدّي لمشاريع التدخل الغربي في سورية، وما يتضمّنه التذكير من دعوة للمقايضة “تتدخّلون في أوكرانيا فنتدخل في سورية” فردّت موسكو بالتمسّك بالشرعية الدستورية التي تعطي الرئيس الأوكراني حصانة البقاء في الرئاسة طيلة مدة ولايته، فيما خلا سببيْ الاستقالة والموت، وبالتالي لا شرعية للحكومة التي شكلتها المعارضة من جهة، وشرعية الطلب الموجّه من الرئيس الأوكراني للقوات الروسية بالتدخل وشرعية الموافقة الروسية على الطلب من جهة أخرى.

في مجلس الأمن وبعدما اضطرت واشنطن لخلع قناع الوسطية وروح التسوية التي تخفّت وراءها في بداية الأزمة، وأعلنت المندوبة الأميركية تبنّي حكومة المعارضة ووجّهت تحذيراً لموسكو من مغبة التدخّل، عارضة على موسكو المفاضلة بين أولوية قبول تهديد أمنها القومي في الجوار، وبين التمسّك بحلفها البعيد في الجغرافيا مع سورية. فكان الردّ الروسي أنّ الفيتو بيدها لمنع أيّ قرار حول أوكرانيا يتعارض مع حقّها في التدخّل، طالما هو بطلب من السلطة المخوّلة دستورياً بذلك، ولمنع أيّ قرار بالتدخل في سورية ما دام هو لحماية القرار المستقلّ للسلطة الدستورية السورية، وأنّ حماية الأمن من الجوار مقدور عليه من بوابتي الحركة العسكرية عند الضرورة، وقطع الغاز ووقف الميزات الاقتصادية وإقفال الحدود كأوراق ضاغطة.

سورية كانت عرفت شيئاً مشابهاً عندما عرض عليها الأميركيون بواسطة تيري رود لارسن بعد صدور القرار 1559 الاختيار بين بقاء لبنان في كنفها إذا تخلّت عن المقاومة، وبين اختيار المقاومة ومواجهة الضغوط لسلخ لبنان عنها، وكان خيارها أنّ المقاومة تمنحها فرصة التوازن الاستراتيجي مع “إسرائيل” وهو ما لا يحقّقه أي عامل آخر، بينما الأمن القومي من الخاصرة اللبنانية فمقدور عليه بأوراق قوة عديدة من الحدود إلى التوازنات الداخلية الحاكمة، حتى لو انسحبت القوات السورية من لبنان.

موسكو تتمسّك بأمنها الإقليمي والقومي من البوابة الأوكرانية وترفض التخلّي عن التوازن الدولي الذي يحقّقه الوقوف مع سورية بوجه مشروع الهيمنة الأميركية على العالم ومفاعيله وارتداداته على موسكو إذا كتب له النجاح.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-02
  • 8866
  • من الأرشيف

موسكو ترفض عرضاً أميركياً بمقايضة أوكرانيا بسورية

قالت صحيفة “البناء” كأنّما عطلة الأسبوع كانت حافلة عمداً لتزخر الصحافة في عدد أول الأسبوع بانتقال الملفات إلى مراحل الغليان قبل التحوّل إلى بخار عاصف يحمل العواصف الرعدية أو الرياح الخماسين في موسم يحتمل الاثنتين أو يستردّ البرودة تدريجاً بقوة الردع التي يملكها توازن الرعب الحاكم في كلّ الملفات. المسرح الأوكراني لم يلبث أن استرجع حقيقته كمسرح للاشتباك الدولي الكبير بين موسكو وواشنطن بعدما رفعت موسكو درجة الجاهزية العسكرية وتسلّحت بكلّ الخطوات اللازمة للانتقال إلى الفعل ولو أدّى إلى ترجمة قرار نشر قواعد عسكرية خارج الحدود ونشأت أزمة تشبه أزمة الستينات المعروفة بأزمة الصواريخ في كوبا أو أزمة خليج الخنازير في الصفحة السابعة ملف عن أزمة الصواريخ وخليج الخنازير . حصل الرئيس الروسي على موافقة قيادة القوات المسلّحة بكلّ أسلحتها على حيوية الملف الأوكراني للأمن القومي لروسيا، وحصل على غطاء الدوما للتدخّل تحت شعار حماية المواطنين من أصول روسية من أي خطر عرقي أو انتقامي يتهدّدهم خارج روسيا، وتوّج ذلك بالحصول على تفويض مجلس دول الاتحاد الروسي للتدخل في أوكرانيا. فوق هذا الحشد التحضيري السياسي والعسكري أسقطت موسكو محاولات إحراجها بالتعارض بين مصلحتها بالتدخّل ومبدأ عدم التدخّل واحترام سيادة الدول، الذي يشكل شعارها في التصدّي لمشاريع التدخل الغربي في سورية، وما يتضمّنه التذكير من دعوة للمقايضة “تتدخّلون في أوكرانيا فنتدخل في سورية” فردّت موسكو بالتمسّك بالشرعية الدستورية التي تعطي الرئيس الأوكراني حصانة البقاء في الرئاسة طيلة مدة ولايته، فيما خلا سببيْ الاستقالة والموت، وبالتالي لا شرعية للحكومة التي شكلتها المعارضة من جهة، وشرعية الطلب الموجّه من الرئيس الأوكراني للقوات الروسية بالتدخل وشرعية الموافقة الروسية على الطلب من جهة أخرى. في مجلس الأمن وبعدما اضطرت واشنطن لخلع قناع الوسطية وروح التسوية التي تخفّت وراءها في بداية الأزمة، وأعلنت المندوبة الأميركية تبنّي حكومة المعارضة ووجّهت تحذيراً لموسكو من مغبة التدخّل، عارضة على موسكو المفاضلة بين أولوية قبول تهديد أمنها القومي في الجوار، وبين التمسّك بحلفها البعيد في الجغرافيا مع سورية. فكان الردّ الروسي أنّ الفيتو بيدها لمنع أيّ قرار حول أوكرانيا يتعارض مع حقّها في التدخّل، طالما هو بطلب من السلطة المخوّلة دستورياً بذلك، ولمنع أيّ قرار بالتدخل في سورية ما دام هو لحماية القرار المستقلّ للسلطة الدستورية السورية، وأنّ حماية الأمن من الجوار مقدور عليه من بوابتي الحركة العسكرية عند الضرورة، وقطع الغاز ووقف الميزات الاقتصادية وإقفال الحدود كأوراق ضاغطة. سورية كانت عرفت شيئاً مشابهاً عندما عرض عليها الأميركيون بواسطة تيري رود لارسن بعد صدور القرار 1559 الاختيار بين بقاء لبنان في كنفها إذا تخلّت عن المقاومة، وبين اختيار المقاومة ومواجهة الضغوط لسلخ لبنان عنها، وكان خيارها أنّ المقاومة تمنحها فرصة التوازن الاستراتيجي مع “إسرائيل” وهو ما لا يحقّقه أي عامل آخر، بينما الأمن القومي من الخاصرة اللبنانية فمقدور عليه بأوراق قوة عديدة من الحدود إلى التوازنات الداخلية الحاكمة، حتى لو انسحبت القوات السورية من لبنان. موسكو تتمسّك بأمنها الإقليمي والقومي من البوابة الأوكرانية وترفض التخلّي عن التوازن الدولي الذي يحقّقه الوقوف مع سورية بوجه مشروع الهيمنة الأميركية على العالم ومفاعيله وارتداداته على موسكو إذا كتب له النجاح.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة