فرض التأزم المتسارع للأوضاع في أوكرانيا نفسه على المشهد السياسي الدولي وبالتالي الإعلامي لتتصدر أخبار العاصمة كييف وشقيقاتها من المدن الأوكرانية وردود الفعل تجاهها عناوين الأخبار على مستوى العالم بما عكسته من صراع دولي حاد يأخذ شكل الدبلوماسية المدعومة بتحركات ومناورات على الأرض تحاول فيها الأطراف فرض واقع ما قبل التفاوض.

وإن كانت القصة بدأت بين الحكومة الأوكرانية والمعارضة التي تقودها جماعات يمينية متطرفة وصفها برلمان جمهورية القرم الذاتية الحكم بأنها "عصابات نازية" إلا أن الصراع سرعان ما اتخذ منحى دوليا امتد من موسكو في الشرق إلى واشنطن في الغرب وما بينهما من عواصم اتخذت مواقف ذات صلة حتى وصل الأمر إلى مكاتب "روسيا والناتو" وحلف شمال الأطلسي ومجلس الاتحاد الروسي وتداعت مجالس الأمن القومي للاجتماع وقطعت الزيارات الرسمية قبل استكمالها وبدا المشهد مفتوحا على تطورات أقلها دبلوماسي وأخطرها عسكري وإن بشكل محدود.

وبشكل متعاقب ومتنافر تصارعت البيانات من الجانبين لبناء الرأي العام.. موسكو تدعو الغرب لعدم التدخل في شؤون أوكرانيا.. ييرد الغرب بأن عليها السماح للشعب الأوكراني بتقرير مصيره.. ترد موسكو إن أمن مواطنيها بخطر وإن على أوروبا وأمريكا ردع المتطرفين وترسل وثائق مسجلة تظهر التطرف وأعمال العنف التي تقوم بها المعارضة.. يرد الغرب إن الحال ليس كذلك بل هناك مظاهرات شعبية تريد الديمقراطية.. تلمح موسكو إلى أن الأوكرانيين سيخسرون الميزات الاقتصادية الممنوحة من روسيا.. يرد الغرب بالحديث عن جهوزية البنك الدولي والمؤسسات المالية الأوروبية لدعم أوكرانيا.. تستجيب روسيا لدعوات الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بضمان أمنه وتتحرك لضمان قواعد الاسطول الروسي في شبه جزيرة القرم.. يرد الغرب بدعوات للتعاون لحفظ السلم يستبق برلمان القرم الأحداث ويسرع الاستفتاء على مصير الجزيرة ليكون في 30 آذار.. ترد المعارضة بالقول هناك من يريد تقسيم أوكرانيا ومع اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير للحفاظ على أمنها ومع أول مؤشر جدي للأزمة يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تفويض من مجلس الاتحاد الروسي لاستخدام القوة لحماية المواطنين والمصالح القومية الروسية.. يرد الغرب ببيان تصعيدي من البيت الأبيض عقب مكالمة مطولة بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما يعقبه استدعاء سفراء بعض الدول من موسكو وإلغاء فرنسا وبريطانيا مشاركتهما في قمة الثماني في سوتشي وكل ذلك في غضون ساعات ليبدو الوضع مرجحا لمزيد من السجال السياسي الهدف منه كسب الوقت لاستيعاب ما يجري واتخاذ المواقف.

وآخر ما حرر في الأخبار حشود بعشرات الآلاف في بطرسبورغ الروسية تؤيد الناطقين بالروسية في أوكرانيا ويعلن آلاف الجنود في شبه جزيرة القرم انضمامهم الجماعي للمظاهرات الشعبية المؤيدة لروسيا بعد إعلان الكرملين أن "بوتين لم يتخذ بعد قرارا باستخدام القوات المسلحة في أوكرانيا" وذلك بعد بيان للكرملين حول الاتصال بين بوتين وأوباما أكد فيه أن "روسيا تحتفظ بحقها في حماية مصالحها ومصالح السكان المحليين الناطقين باللغة الروسية في حال انتشار العنف إلى المناطق الشرقية من أوكرانيا والقرم".

وفي الغرب برزت تصريحات أمين عام حلف الناتو اندرس فوغ راسموسن خلال اجتماع للحلف دعا فيها روسيا إلى وقف ما أسماه "نشاطها العسكري وتهديدها ضد أوكرانيا" معتبرا أن تحركات موسكو تهدد "السلام والأمن في أوروبا" وتبدو الجملة الأخيرة مقتبسة من بيان سابق لوزير الخارجية الامريكي جون كيري تحدث فيه عن "غزو واحتلال روسي" للأراضي الأوكرانية يهدد "السلم والأمن الإقليميين" وسيكون "تأثيره عميقا" على العلاقات الأميركية الروسية ليضيف لاحقا إن "روسيا قد تخسر مشاركتها في مجموعة الثماني بسبب الأزمة في أوكرانيا".

بيانات كيرى استمدت لهجتها الصدامية من بيان البيت الأبيض حول الاتصال الماراتوني الذي دام ساعة ونصف الساعة بين الرئيسين بوتين وأوباما اذ اعتبر البيان أن "روسيا انتهكت القانون الدولي بنشرها قوات عسكرية في أوكرانيا" محذرا من "انعكاسات سلبية عميقة على العلاقات الأميركية الروسية وعزلة دولية قد تتعرض لها روسيا" وهذا النص بالذات يمكن توقع تكراره في بيانات الدول الغربية لاحقا كون واشنطن تضطلع بقيادة هذه الأوركسترا وترسم لها خطوط التحرك.

وعلى وقع الموقف الأمريكي الساخن استدعت كل من كندا وليتوانيا سفراءها في روسيا للتشاور كما أعلنت بريطانيا وفرنسا انسحابهما من الاجتماعات التحضيرية لاجتماعات قمة مجموعة الثماني في سوتشي المقررة في حزيران كما قرر وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل غارسيا مارغايو اختصار زيارته إلى إيران والتوجه إلى بروكسل بسبب الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا بحسب السفارة الإسبانية في طهران.

السلطات الاوكرانية الجديدة انتشت بالدعم الغربي ما دفعها لوضع الجيش في حالة تاهب وطلب الاحتياط في حين قرعت الجموع في ميدان كييف طبول الحرب وخلعوا ستراتهم في مشهد يدل على ارتفاع مستوى الادرينالين في الدم اكثر مما يدل على حالة ديمقراطية.

وبقيت الاصوات الحيادية قليلة بالنظر لحجم الازمة اذ دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان اثناء صلاة البشارة كل الاطراف المعنيين في اوكرانيا الى تجاوز سوء التفاهم المتبادل كما طالب المجتمع الدولي ببذل كل الجهود لتشجيع الحوار في حين قالت الامم المتحدة إن من "الضروري إعادة الهدوء والعمل فورا على خفض حدة التوتر".

وفي المحصلة فإن الأزمة الأوكرانية تميزت إلى الآن عن باقي الأزمات الدولية الراهنة بانها حققت فرزا سريعا للمواقف بدت فيه المصالح الجيواستراتيجية الغربية جلية في كل الخطوات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية ليصل الأمر إلى حد الخروج عن أدنى درجات التحلي بضبط النفس لكون انهيار المشروع الغربي في أوكرانيا والذي بدأ مع إعلان ما سمي الثورة البرتقالية عام 2004 أنه سيحبط كل الثورات المشابهة على رقعة العالم.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-03-02
  • 9421
  • من الأرشيف

أزمة متسارعة في أوكرانيا.. ..حرب دبلوماسية تحاول منع الصدام المباشر

فرض التأزم المتسارع للأوضاع في أوكرانيا نفسه على المشهد السياسي الدولي وبالتالي الإعلامي لتتصدر أخبار العاصمة كييف وشقيقاتها من المدن الأوكرانية وردود الفعل تجاهها عناوين الأخبار على مستوى العالم بما عكسته من صراع دولي حاد يأخذ شكل الدبلوماسية المدعومة بتحركات ومناورات على الأرض تحاول فيها الأطراف فرض واقع ما قبل التفاوض. وإن كانت القصة بدأت بين الحكومة الأوكرانية والمعارضة التي تقودها جماعات يمينية متطرفة وصفها برلمان جمهورية القرم الذاتية الحكم بأنها "عصابات نازية" إلا أن الصراع سرعان ما اتخذ منحى دوليا امتد من موسكو في الشرق إلى واشنطن في الغرب وما بينهما من عواصم اتخذت مواقف ذات صلة حتى وصل الأمر إلى مكاتب "روسيا والناتو" وحلف شمال الأطلسي ومجلس الاتحاد الروسي وتداعت مجالس الأمن القومي للاجتماع وقطعت الزيارات الرسمية قبل استكمالها وبدا المشهد مفتوحا على تطورات أقلها دبلوماسي وأخطرها عسكري وإن بشكل محدود. وبشكل متعاقب ومتنافر تصارعت البيانات من الجانبين لبناء الرأي العام.. موسكو تدعو الغرب لعدم التدخل في شؤون أوكرانيا.. ييرد الغرب بأن عليها السماح للشعب الأوكراني بتقرير مصيره.. ترد موسكو إن أمن مواطنيها بخطر وإن على أوروبا وأمريكا ردع المتطرفين وترسل وثائق مسجلة تظهر التطرف وأعمال العنف التي تقوم بها المعارضة.. يرد الغرب إن الحال ليس كذلك بل هناك مظاهرات شعبية تريد الديمقراطية.. تلمح موسكو إلى أن الأوكرانيين سيخسرون الميزات الاقتصادية الممنوحة من روسيا.. يرد الغرب بالحديث عن جهوزية البنك الدولي والمؤسسات المالية الأوروبية لدعم أوكرانيا.. تستجيب روسيا لدعوات الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بضمان أمنه وتتحرك لضمان قواعد الاسطول الروسي في شبه جزيرة القرم.. يرد الغرب بدعوات للتعاون لحفظ السلم يستبق برلمان القرم الأحداث ويسرع الاستفتاء على مصير الجزيرة ليكون في 30 آذار.. ترد المعارضة بالقول هناك من يريد تقسيم أوكرانيا ومع اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتدابير للحفاظ على أمنها ومع أول مؤشر جدي للأزمة يحصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تفويض من مجلس الاتحاد الروسي لاستخدام القوة لحماية المواطنين والمصالح القومية الروسية.. يرد الغرب ببيان تصعيدي من البيت الأبيض عقب مكالمة مطولة بين بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما يعقبه استدعاء سفراء بعض الدول من موسكو وإلغاء فرنسا وبريطانيا مشاركتهما في قمة الثماني في سوتشي وكل ذلك في غضون ساعات ليبدو الوضع مرجحا لمزيد من السجال السياسي الهدف منه كسب الوقت لاستيعاب ما يجري واتخاذ المواقف. وآخر ما حرر في الأخبار حشود بعشرات الآلاف في بطرسبورغ الروسية تؤيد الناطقين بالروسية في أوكرانيا ويعلن آلاف الجنود في شبه جزيرة القرم انضمامهم الجماعي للمظاهرات الشعبية المؤيدة لروسيا بعد إعلان الكرملين أن "بوتين لم يتخذ بعد قرارا باستخدام القوات المسلحة في أوكرانيا" وذلك بعد بيان للكرملين حول الاتصال بين بوتين وأوباما أكد فيه أن "روسيا تحتفظ بحقها في حماية مصالحها ومصالح السكان المحليين الناطقين باللغة الروسية في حال انتشار العنف إلى المناطق الشرقية من أوكرانيا والقرم". وفي الغرب برزت تصريحات أمين عام حلف الناتو اندرس فوغ راسموسن خلال اجتماع للحلف دعا فيها روسيا إلى وقف ما أسماه "نشاطها العسكري وتهديدها ضد أوكرانيا" معتبرا أن تحركات موسكو تهدد "السلام والأمن في أوروبا" وتبدو الجملة الأخيرة مقتبسة من بيان سابق لوزير الخارجية الامريكي جون كيري تحدث فيه عن "غزو واحتلال روسي" للأراضي الأوكرانية يهدد "السلم والأمن الإقليميين" وسيكون "تأثيره عميقا" على العلاقات الأميركية الروسية ليضيف لاحقا إن "روسيا قد تخسر مشاركتها في مجموعة الثماني بسبب الأزمة في أوكرانيا". بيانات كيرى استمدت لهجتها الصدامية من بيان البيت الأبيض حول الاتصال الماراتوني الذي دام ساعة ونصف الساعة بين الرئيسين بوتين وأوباما اذ اعتبر البيان أن "روسيا انتهكت القانون الدولي بنشرها قوات عسكرية في أوكرانيا" محذرا من "انعكاسات سلبية عميقة على العلاقات الأميركية الروسية وعزلة دولية قد تتعرض لها روسيا" وهذا النص بالذات يمكن توقع تكراره في بيانات الدول الغربية لاحقا كون واشنطن تضطلع بقيادة هذه الأوركسترا وترسم لها خطوط التحرك. وعلى وقع الموقف الأمريكي الساخن استدعت كل من كندا وليتوانيا سفراءها في روسيا للتشاور كما أعلنت بريطانيا وفرنسا انسحابهما من الاجتماعات التحضيرية لاجتماعات قمة مجموعة الثماني في سوتشي المقررة في حزيران كما قرر وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل غارسيا مارغايو اختصار زيارته إلى إيران والتوجه إلى بروكسل بسبب الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا بحسب السفارة الإسبانية في طهران. السلطات الاوكرانية الجديدة انتشت بالدعم الغربي ما دفعها لوضع الجيش في حالة تاهب وطلب الاحتياط في حين قرعت الجموع في ميدان كييف طبول الحرب وخلعوا ستراتهم في مشهد يدل على ارتفاع مستوى الادرينالين في الدم اكثر مما يدل على حالة ديمقراطية. وبقيت الاصوات الحيادية قليلة بالنظر لحجم الازمة اذ دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان اثناء صلاة البشارة كل الاطراف المعنيين في اوكرانيا الى تجاوز سوء التفاهم المتبادل كما طالب المجتمع الدولي ببذل كل الجهود لتشجيع الحوار في حين قالت الامم المتحدة إن من "الضروري إعادة الهدوء والعمل فورا على خفض حدة التوتر". وفي المحصلة فإن الأزمة الأوكرانية تميزت إلى الآن عن باقي الأزمات الدولية الراهنة بانها حققت فرزا سريعا للمواقف بدت فيه المصالح الجيواستراتيجية الغربية جلية في كل الخطوات الدبلوماسية وغير الدبلوماسية ليصل الأمر إلى حد الخروج عن أدنى درجات التحلي بضبط النفس لكون انهيار المشروع الغربي في أوكرانيا والذي بدأ مع إعلان ما سمي الثورة البرتقالية عام 2004 أنه سيحبط كل الثورات المشابهة على رقعة العالم.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة