العالم يحبس أنفاسه لمعرفة القرار الحقيقي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد صدور كل الإشارات اللازمة للاستنتاج أن قراراً كبيراً بدخول حلبة المواجهة على الساحة الدولية بكل طاقة روسيا قد اتخذ، مقارنة بقدراتها وقراراتها في مرحلتيها التاريخيتين،روسيا القيصيرية وروسيا الاتحاد السوفياتي .

من جهة، تبدو الحشود على حدود أوكرانيا والتحركات في شبه حزيرة القرم ذات الحكم الذاتي والغالبية الروسية في داخل أوكرانيا برفع الأعلام الروسية، واحتلال مباني البرلمان والحكومة المحليتين مطالبة بالتدخل الروسي، وبدا الظهور المفاجئ للرئيس الأوكراني السابق لإعلان تمسّكه بشرعيته ومناشدته القيادة الروسية التدخل، والإعلان الروسي عن قبول الدعوة والاتصال بضباط في الجيش الأوكراني لتفادي المواجهة، تشبه مناخات حرب القرم قبل مئتي عام والدخول الروسي في حالة حرب مرتين، مرة مع نابليون ومرة مع الامبراطورية العثمانية، ومن جهة أخرى ظهرت النيّة برفع مستوى التحدي مع حلف الأطلسي بالإعلان عن جدية السير ببناء قواعد عسكرية روسية عبر القارات، من كوبا إلى فنزويلا ونيكاراغوا وجزر السيشيل وسنغافورة، بصورة بدا معها أن العقود اللاحقة من العلاقات الدولية ستكون عقود مواجهة أين منها أيام الحرب الباردة، التي لم تشهد حدثاً مماثلاً إلا يوم قامت واشنطن بغزوتها الفاشلة على كوبا في منطقة خليج الخنازير عام 1962، وقرر الاتحاد السوفياتي إنشاء قاعدة للصواريخ النووية في الجزيرة الكوبية، وكانت التسوية المتاحة العودة إلى شروط وظروف ما قبل الأزمة .

روسيا تحبس أنفاس العالم بعدما بدا بوضوح لكل المتابعين وصنّاع القرار، أن روسيا حسمت أمرها ولا رجعة إلى الوراء وهي وفقاً لقراءة مرجع دبلوماسي سابق تضع الغرب بين خيارات ثلاثة.

- الخيار الأول: قبول التحدي والانطلاق من أنّ أسباب المواجهة تستحق كلفتها، وأن القدرات اللازمة لخوضها متوفرة، وفي هذه الحالة سيكون العالم أمام سخونة غير مسبوقة وصولاً إلى حافة الهاوية ومن دون قليل من شروط اندلاع حرب عالمية ثالثة، حيث سيكون تدخل روسي عسكري سريع وحاسم في الجزء الشرقي المحاذي للحدود والمعادل لنصف المساحة الأوكرانية وتسليمه لحكم موال لروسيا، مقابل دعم أوروبي وأطلسي لحكم الجزء الغربي واحتمالات مواجهة مباشرة بين الحكمين الأوكرانيين، وبالتتابع سنشهد تصاعداً في كل جبهات المواجهة على مساحة العالم، فنشهد نشر القواعد الروسية في كوبا وفنزويلا وسخونة متعاظمة في أميركا اللاتينية على صورة ربع حرب أهلية هنا، ونصف حرب أهلية هناك وثلاثة أرباع حرب اقليمية هنالك، وفي الشرق الأوسط ستتعطل فرص التسويات وتتجمّد التفاهمات مع إيران وحول سورية ويتحول الخليج لساحة مواجهة مستترة إيرانية -أميركية، وتدخل سورية مرحلة الحسم العسكري وتفشل الحكومة اللبنانية في صوغ بيانها الوزاري لتتحول مبكراً نحو تصريف الأعمال، وتتصاعد السخونة على جبهة التوتر بين المقاومة و«إسرائيل»، بانتظار نضوج قراءة الموازين نحو إعادة التسويات إلى الطاولة عبر التفاوض المضني والشاق، أو سلوك المواجهات طريق التعرّج والتصاعد والحسم المتفاوت حسب خصوصية كل ساحة .

- الخيار الثاني: أن تدرك أميركا وأوروبا خطورة الموقف وتتهيّبان اللعب بالنار وتسعيان لإنقاذ التسويات التي بدأت مساراتها مع إيران وحول سورية، ووضع الحلّ السياسي لأوكرانيا

مرة أخرى فوق الطاولة، وفقاً للصيغة التي كانت محسومة قبل إقدام المجموعة الحاكمة الجديدة في كييف على التصعيد وقلب الطاولة بإعلان السيطرة على الحكم وإسقاط التسوية المتفق عليها، والتي اعتبرت موسكو العودة إليها شرطاً لوقف إجراءاتها التصعيدية، والتجاوب الأميركي ـ الأوروبي يستدعي قدرة على جذب الفريق الأوكراني المنقلب على التسوية خارج خيار التصعيد وارتضاء السير مجدداً بالتسوية والتراجع عن الخطوات التي أقدم عليها، وهنا طبعاً يصبح مطروحاً موقف كل من «إسرائيل» والسعودية المشغّل والمموّل لخيار التصعيد الأوكراني انطلاقاً من الإدراك المسبق لمترتبات التسوية الأوكرانية على خيار التسويات الشاملة في كل الساحات، وفي حال السّير بهذا الخيار والقدرة على فرضه سنشهد تحولاً دراماتيكياً متسارعاً نحو الصفقة الشاملة دولياً لوضع خارطة الحلول للملفّات المتشابكة والمتأزمة .

- الخيار الثالث: أن تقرر أميركا وأوروبا اختبار حدود القرار والقدرة الروسيتين عبر تأييد سياسي وإعلامي لمبدأ التسويات والدعوة لضبط النفس والتصرّف عن بُعد تجاه ما يجري في أوكرانيا، سواء بداعي التريّث لرؤية حاصل التوازانات وما يراه البعض فرصة لإستنزاف روسيا من جهة وإنضاج الفريق الأوكراني المتشدد لفكرة التسوية من جهة اخرى، ونكون أمام حرب محدودة وتفاوض بارد وبطيء على إيقاعها، لتعود التسويات، لتظهر على سطحها مع كل جولة اختبار للتوازنات، وفي هذه الحالة لا تذهب روسيا لقرار المواجهة الشاملة فتنفذ الشق الأوكراني من تهديداتها وتجمّد الشق الدولي ببناء القواعد العسكرية ربطا بحجم التدخل الأطلسي في المواجهات الأوكرانية، وفي هذه الحالة لا تنهار المسارات السياسية الأخرى، لكنها لا تتقدم خصوصاً في المسارين السوري والإيراني واستطرادا اللبناني.

المواقف الصادرة من واشنطن والعواصم الأوروبية تعبّر عن تهيّب الموقف الروسي الذي يبدو أنه فاجأ الغرب بمداه وحجمه وجديته كما تعبّر عن الارتباك بين الخيارين الثاني والثالث حيث السعي لفرض منطق التسويات الكبرى، و تفادي التصادم يلتقي مع العجز من جهة على الإمساك بكل الأوراق الأوكرانية الداخلية والخارجية، فيصير الخيار الثالث مرجّحاً ولو بالمناوشات الحدودية كمرحلة إنتقالية تسبق العودة للخيار الثاني بما يعنيه من نضج زمن التسويات.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-27
  • 14086
  • من الأرشيف

روسيا تحبس أنفاس العالم من بوابة أوكرانيا

العالم يحبس أنفاسه لمعرفة القرار الحقيقي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد صدور كل الإشارات اللازمة للاستنتاج أن قراراً كبيراً بدخول حلبة المواجهة على الساحة الدولية بكل طاقة روسيا قد اتخذ، مقارنة بقدراتها وقراراتها في مرحلتيها التاريخيتين،روسيا القيصيرية وروسيا الاتحاد السوفياتي . من جهة، تبدو الحشود على حدود أوكرانيا والتحركات في شبه حزيرة القرم ذات الحكم الذاتي والغالبية الروسية في داخل أوكرانيا برفع الأعلام الروسية، واحتلال مباني البرلمان والحكومة المحليتين مطالبة بالتدخل الروسي، وبدا الظهور المفاجئ للرئيس الأوكراني السابق لإعلان تمسّكه بشرعيته ومناشدته القيادة الروسية التدخل، والإعلان الروسي عن قبول الدعوة والاتصال بضباط في الجيش الأوكراني لتفادي المواجهة، تشبه مناخات حرب القرم قبل مئتي عام والدخول الروسي في حالة حرب مرتين، مرة مع نابليون ومرة مع الامبراطورية العثمانية، ومن جهة أخرى ظهرت النيّة برفع مستوى التحدي مع حلف الأطلسي بالإعلان عن جدية السير ببناء قواعد عسكرية روسية عبر القارات، من كوبا إلى فنزويلا ونيكاراغوا وجزر السيشيل وسنغافورة، بصورة بدا معها أن العقود اللاحقة من العلاقات الدولية ستكون عقود مواجهة أين منها أيام الحرب الباردة، التي لم تشهد حدثاً مماثلاً إلا يوم قامت واشنطن بغزوتها الفاشلة على كوبا في منطقة خليج الخنازير عام 1962، وقرر الاتحاد السوفياتي إنشاء قاعدة للصواريخ النووية في الجزيرة الكوبية، وكانت التسوية المتاحة العودة إلى شروط وظروف ما قبل الأزمة . روسيا تحبس أنفاس العالم بعدما بدا بوضوح لكل المتابعين وصنّاع القرار، أن روسيا حسمت أمرها ولا رجعة إلى الوراء وهي وفقاً لقراءة مرجع دبلوماسي سابق تضع الغرب بين خيارات ثلاثة. - الخيار الأول: قبول التحدي والانطلاق من أنّ أسباب المواجهة تستحق كلفتها، وأن القدرات اللازمة لخوضها متوفرة، وفي هذه الحالة سيكون العالم أمام سخونة غير مسبوقة وصولاً إلى حافة الهاوية ومن دون قليل من شروط اندلاع حرب عالمية ثالثة، حيث سيكون تدخل روسي عسكري سريع وحاسم في الجزء الشرقي المحاذي للحدود والمعادل لنصف المساحة الأوكرانية وتسليمه لحكم موال لروسيا، مقابل دعم أوروبي وأطلسي لحكم الجزء الغربي واحتمالات مواجهة مباشرة بين الحكمين الأوكرانيين، وبالتتابع سنشهد تصاعداً في كل جبهات المواجهة على مساحة العالم، فنشهد نشر القواعد الروسية في كوبا وفنزويلا وسخونة متعاظمة في أميركا اللاتينية على صورة ربع حرب أهلية هنا، ونصف حرب أهلية هناك وثلاثة أرباع حرب اقليمية هنالك، وفي الشرق الأوسط ستتعطل فرص التسويات وتتجمّد التفاهمات مع إيران وحول سورية ويتحول الخليج لساحة مواجهة مستترة إيرانية -أميركية، وتدخل سورية مرحلة الحسم العسكري وتفشل الحكومة اللبنانية في صوغ بيانها الوزاري لتتحول مبكراً نحو تصريف الأعمال، وتتصاعد السخونة على جبهة التوتر بين المقاومة و«إسرائيل»، بانتظار نضوج قراءة الموازين نحو إعادة التسويات إلى الطاولة عبر التفاوض المضني والشاق، أو سلوك المواجهات طريق التعرّج والتصاعد والحسم المتفاوت حسب خصوصية كل ساحة . - الخيار الثاني: أن تدرك أميركا وأوروبا خطورة الموقف وتتهيّبان اللعب بالنار وتسعيان لإنقاذ التسويات التي بدأت مساراتها مع إيران وحول سورية، ووضع الحلّ السياسي لأوكرانيا مرة أخرى فوق الطاولة، وفقاً للصيغة التي كانت محسومة قبل إقدام المجموعة الحاكمة الجديدة في كييف على التصعيد وقلب الطاولة بإعلان السيطرة على الحكم وإسقاط التسوية المتفق عليها، والتي اعتبرت موسكو العودة إليها شرطاً لوقف إجراءاتها التصعيدية، والتجاوب الأميركي ـ الأوروبي يستدعي قدرة على جذب الفريق الأوكراني المنقلب على التسوية خارج خيار التصعيد وارتضاء السير مجدداً بالتسوية والتراجع عن الخطوات التي أقدم عليها، وهنا طبعاً يصبح مطروحاً موقف كل من «إسرائيل» والسعودية المشغّل والمموّل لخيار التصعيد الأوكراني انطلاقاً من الإدراك المسبق لمترتبات التسوية الأوكرانية على خيار التسويات الشاملة في كل الساحات، وفي حال السّير بهذا الخيار والقدرة على فرضه سنشهد تحولاً دراماتيكياً متسارعاً نحو الصفقة الشاملة دولياً لوضع خارطة الحلول للملفّات المتشابكة والمتأزمة . - الخيار الثالث: أن تقرر أميركا وأوروبا اختبار حدود القرار والقدرة الروسيتين عبر تأييد سياسي وإعلامي لمبدأ التسويات والدعوة لضبط النفس والتصرّف عن بُعد تجاه ما يجري في أوكرانيا، سواء بداعي التريّث لرؤية حاصل التوازانات وما يراه البعض فرصة لإستنزاف روسيا من جهة وإنضاج الفريق الأوكراني المتشدد لفكرة التسوية من جهة اخرى، ونكون أمام حرب محدودة وتفاوض بارد وبطيء على إيقاعها، لتعود التسويات، لتظهر على سطحها مع كل جولة اختبار للتوازنات، وفي هذه الحالة لا تذهب روسيا لقرار المواجهة الشاملة فتنفذ الشق الأوكراني من تهديداتها وتجمّد الشق الدولي ببناء القواعد العسكرية ربطا بحجم التدخل الأطلسي في المواجهات الأوكرانية، وفي هذه الحالة لا تنهار المسارات السياسية الأخرى، لكنها لا تتقدم خصوصاً في المسارين السوري والإيراني واستطرادا اللبناني. المواقف الصادرة من واشنطن والعواصم الأوروبية تعبّر عن تهيّب الموقف الروسي الذي يبدو أنه فاجأ الغرب بمداه وحجمه وجديته كما تعبّر عن الارتباك بين الخيارين الثاني والثالث حيث السعي لفرض منطق التسويات الكبرى، و تفادي التصادم يلتقي مع العجز من جهة على الإمساك بكل الأوراق الأوكرانية الداخلية والخارجية، فيصير الخيار الثالث مرجّحاً ولو بالمناوشات الحدودية كمرحلة إنتقالية تسبق العودة للخيار الثاني بما يعنيه من نضج زمن التسويات.

المصدر : البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة