لا شك في أنّ تسارع الاحداث في أوكرانيا خلال الايام الماضية خطفَ الاضواء عن ملفات دولية معقدة كثيرة، وفي مقدّمها الازمة السورية، في اعتبار أنّ اوكرانيا واحدة من حلقات المواجهة التي يخوضها المحور الغربي مع روسيا.

يضع انهيار نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان يشكل ضماناً للخاصرة الغربية لروسيا، الكرملين أمام تحديات جديدة لم تكن في الحسبان، ولا سيما أنّ هطول قرارات البرلمان الاوكراني كزخّات المطر أمس، طاولت في غالبيتها العصب الروسي، وأبرزها إلغاء قانون لغات الاقليات الذي كان يعتبر الروسية لغة محلية في 13 محافظة.

زد على ذلك، منح السلطات العليا إلى أبرز معارضي روسيا، إذ حظيَ الكسندر توتشينوف بصلاحيات رئيس البلاد، فيما بدأ الحديث عن ترشيح يوليا تيموشينكو بعد ساعات على خروجها من السجن الى رئاسة الوزراء.

ثمّة من يرى أنّ روسيا خسرت الجولة الاوكرانية امام الاتحاد الاوروبي مدعوماً من الولايات المتحدة، إلّا أنها كالعادة لم تغب عن الازمة السورية، لا بل العكس فإنها أحرزت تقدماً لافتاً بعدما تمكّنت مع اعضاء مجلس الامن الدولي للمرة الاولى من إيجاد قواسم مشتركة أنتجت قراراً حول «ايصال المساعدات الانسانية الى سوريا»، نال ترحيباً دولياً واسعاً، الامر الذي رأى فيه مراقبون مفصلاً أساسياً من شأنه أن يشكّل تحوّلاً في مسار الازمة السورية، علماً أنّ هذه القضية كانت موضع خلاف بين روسيا والغرب لأكثر من عامين.

ولكن اتخاذ القرار بالإجماع بعد ترويكا من الفيتوات الروسية – الصينية في مجلس الامن يشكّل بارقة أمل في إمكان التوصّل الى توافق على آليات تنفيذه، من خلال الضغط على طرفَي النزاع في توفير ممرّات آمنة ووقف العنف في البلاد من كلا الطرفين لتسهيل إيصال المساعدات إلى الشعب السوري الذي بات مهدداً بحسب تقارير الامم المتحدة بكارثة انسانية.

وعلى رغم النبرة العالية في تصريحات ممثل روسيا في الامم المتحدة فيتالي تشوركين التي ترافقت مع صدور القرار، فإنّ الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرغي لافروف وجون كيري أظهر ليونة في مواقف الطرفين، إذ وعَد كيري، بحسب مصادر الخارجية الروسية، بالعمل على حضّ المعارضة الاوكرانية على تنفيذ التزاماتها، واتخاذ الخطوات السياسية اللازمة لوقف التصعيد والعنف، على اعتبار أنّ اهتزاز الامن في اوكرانيا يشكّل هاجساً بالنسبة لروسيا، ويطاول شريحة كبرى تقدّر بملايين المواطنين الاوكرانيين المنحدرين من أصول روسية.

لكنّ وعود كيري ليست كافية لتفكيك عقد الازمة السورية، في ظلّ الصحوة اللافتة للاتحاد الاوروبي في الوقوف الى جانب المعارضة الاوكرانية، والتوجّه بالطلب الى صندوق النقد الدولي تقديم مساعدات مالية لكييف.

إضافة الى عدم وضوح بورصة مواقف القطبين الدوليين في الشأن السوري، وتحديداً المتعلقة بـ»السيادة والتسيّس»، وهو ما أشار اليه ممثّل روسيا في الامم المتحدة، لأنّ بلاده تدرك جيداً أنّ تنفيذ القرار الاممي ليس بالأمر السهل ميدانياً في ظل سيطرة تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» على مفاصل اساسية واستراتيجية في مناطق سورية عدة، ولا سيما الحدودية منها.

لذلك ترى موسكو أنّ على «المعارضة السورية تأدية دور فعّال في مكافحة الإرهاب»، لأنّ ذلك يساعد في التخفيف من حدة العنف في البلاد، ويساهم في تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع لأنه يجمعهما حول اهداف موحدة.

إذاً، خرجت أوكرانيا، الى حين، من دائرة التأثير السياسي الروسي في المستوى الرسمي بعد التصدّع الذي أصاب حزب الاقاليم وزعيمه يانوكوفيتش، ما يضَع المسؤولين الروس أمام ضرورة إعادة قراءة للنهج المتّبع في السياسة الخارجية، لأنّه بات من الصعب جداً تحَمّل التفريط بأيّ ملف آخر بعد الملف الاوكراني.

  • فريق ماسة
  • 2014-02-23
  • 10331
  • من الأرشيف

روسيا بعد إنهيار نظام يانوكوفيتش… ماذا عن سورية ؟

لا شك في أنّ تسارع الاحداث في أوكرانيا خلال الايام الماضية خطفَ الاضواء عن ملفات دولية معقدة كثيرة، وفي مقدّمها الازمة السورية، في اعتبار أنّ اوكرانيا واحدة من حلقات المواجهة التي يخوضها المحور الغربي مع روسيا. يضع انهيار نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، الذي كان يشكل ضماناً للخاصرة الغربية لروسيا، الكرملين أمام تحديات جديدة لم تكن في الحسبان، ولا سيما أنّ هطول قرارات البرلمان الاوكراني كزخّات المطر أمس، طاولت في غالبيتها العصب الروسي، وأبرزها إلغاء قانون لغات الاقليات الذي كان يعتبر الروسية لغة محلية في 13 محافظة. زد على ذلك، منح السلطات العليا إلى أبرز معارضي روسيا، إذ حظيَ الكسندر توتشينوف بصلاحيات رئيس البلاد، فيما بدأ الحديث عن ترشيح يوليا تيموشينكو بعد ساعات على خروجها من السجن الى رئاسة الوزراء. ثمّة من يرى أنّ روسيا خسرت الجولة الاوكرانية امام الاتحاد الاوروبي مدعوماً من الولايات المتحدة، إلّا أنها كالعادة لم تغب عن الازمة السورية، لا بل العكس فإنها أحرزت تقدماً لافتاً بعدما تمكّنت مع اعضاء مجلس الامن الدولي للمرة الاولى من إيجاد قواسم مشتركة أنتجت قراراً حول «ايصال المساعدات الانسانية الى سوريا»، نال ترحيباً دولياً واسعاً، الامر الذي رأى فيه مراقبون مفصلاً أساسياً من شأنه أن يشكّل تحوّلاً في مسار الازمة السورية، علماً أنّ هذه القضية كانت موضع خلاف بين روسيا والغرب لأكثر من عامين. ولكن اتخاذ القرار بالإجماع بعد ترويكا من الفيتوات الروسية – الصينية في مجلس الامن يشكّل بارقة أمل في إمكان التوصّل الى توافق على آليات تنفيذه، من خلال الضغط على طرفَي النزاع في توفير ممرّات آمنة ووقف العنف في البلاد من كلا الطرفين لتسهيل إيصال المساعدات إلى الشعب السوري الذي بات مهدداً بحسب تقارير الامم المتحدة بكارثة انسانية. وعلى رغم النبرة العالية في تصريحات ممثل روسيا في الامم المتحدة فيتالي تشوركين التي ترافقت مع صدور القرار، فإنّ الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة سيرغي لافروف وجون كيري أظهر ليونة في مواقف الطرفين، إذ وعَد كيري، بحسب مصادر الخارجية الروسية، بالعمل على حضّ المعارضة الاوكرانية على تنفيذ التزاماتها، واتخاذ الخطوات السياسية اللازمة لوقف التصعيد والعنف، على اعتبار أنّ اهتزاز الامن في اوكرانيا يشكّل هاجساً بالنسبة لروسيا، ويطاول شريحة كبرى تقدّر بملايين المواطنين الاوكرانيين المنحدرين من أصول روسية. لكنّ وعود كيري ليست كافية لتفكيك عقد الازمة السورية، في ظلّ الصحوة اللافتة للاتحاد الاوروبي في الوقوف الى جانب المعارضة الاوكرانية، والتوجّه بالطلب الى صندوق النقد الدولي تقديم مساعدات مالية لكييف. إضافة الى عدم وضوح بورصة مواقف القطبين الدوليين في الشأن السوري، وتحديداً المتعلقة بـ»السيادة والتسيّس»، وهو ما أشار اليه ممثّل روسيا في الامم المتحدة، لأنّ بلاده تدرك جيداً أنّ تنفيذ القرار الاممي ليس بالأمر السهل ميدانياً في ظل سيطرة تنظيم «داعش» و»جبهة النصرة» على مفاصل اساسية واستراتيجية في مناطق سورية عدة، ولا سيما الحدودية منها. لذلك ترى موسكو أنّ على «المعارضة السورية تأدية دور فعّال في مكافحة الإرهاب»، لأنّ ذلك يساعد في التخفيف من حدة العنف في البلاد، ويساهم في تقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع لأنه يجمعهما حول اهداف موحدة. إذاً، خرجت أوكرانيا، الى حين، من دائرة التأثير السياسي الروسي في المستوى الرسمي بعد التصدّع الذي أصاب حزب الاقاليم وزعيمه يانوكوفيتش، ما يضَع المسؤولين الروس أمام ضرورة إعادة قراءة للنهج المتّبع في السياسة الخارجية، لأنّه بات من الصعب جداً تحَمّل التفريط بأيّ ملف آخر بعد الملف الاوكراني.

المصدر : الجمهورية/ عمر الصلح


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة